المصاريف القضائية في القضاء الجزائري
مجموعة دروس في قانون المسطرة المدنية للتحضير للمباريات القانونية و السداسية السادسة شعبة القانون والاسنعانة بها في البجوث والعروض والمقالات
المقــــدمة:
في إطار اقتحام الجزائر، لعالم اقتصاد السوق أصبح من الضروري أن نعيد النظر في المنهج القانوني القائم عليه النظام القضائي في الجزائر، و أصبح من الضروري أيضاً البحث على السبل المثلى التي تعين مرفق القضاء بما يضمن حسن سير العدالة و كذا تضمن استقلاليته المالية كون أن ظهور الإجراء و المتمثل في مغزى إحداث المصاريف القضائية يكمن في هذا السبب،ففي حقيقة الأمر إن الالتزام بالمصاريف القضائية يرجع إلى التشريع الروماني ثم انتقل إلى التشريع الكنسي و بعده إلى البلدان ذات القوانين المكتوبة، أما فيما يخص البلدان التي تبنت النظام العرفي في قضائها فلم تأخذ به إلى غاية القرن الثالث عشر للميلاد،و كانت العادة آنذاك أن المصاريف القضائية يدفعها خاسر الدعوى القضائية في صورة غرامات باهظة ، و قد تضمنت لائحة من كولبير الصادرة في سنة 1667 للمبدأ ذاته, إذ نصت على أن الالتزام بمصاريف الدعوى واجب يحكم القانون و لو اغفل ذكرها في الحكم القضائي (1) .غير أن الضرورة العلمية المتوخية من دراساتنا لنظرة النظم القضائية لموضوع المصاريف القضائية يكمن فإن البعض منها ، و نخص بهذا الذكر النظام الأنجلوسكسوني الذي ينظر إلى الالتزام بالمصاريف القضائية كتعويض عن قيام الدعوى القضائية .أما النظام اللاتيني فهو ينظر لها بمنظار قانوني أو بالأحرى كأثر قانوني مفاده أنه لا يمكن لرافع الدعوى أن يضار به دعواه .
و بعد النظر السريع الذي عرفته أوروبا بعد ثورة 1789 أغلق الباب أمام الاستبداد القضائي الذي كان سائد إبان الحكم الإقطاعي، و عمل على تحديث مرفق القضاء بما يناسب الأفكار الثورية التي تبنتها ثورة 1789 في فرنسا و ذلك بما يناسب فعاليته في تحقيق العدالة، و كذا في إيجاد هيئات قضائية جديدة تساهم في إيصال أصحاب الحق إلى حقوقهم، غير أنه تبين في القرن التاسع عشر أن المتقاضي في فرنسا مكبل بمصاريف حالت دون لجوئه إلى القضاء الذي أصبح مقتصر إلا على طبقة معينة من المجتمع، لذا قرر المشرع الفرنسي تحديث إجراء المساعدة القضائية التي أثبت عدم فعاليتها في الميدان القضائي، فقد نص القانون المؤرخ في 22 جانفي 1851 المنظم للمساعدة القضائية التي أثبتت عدم جدارتها حيث سجل في سنة 1870 أنها منحت ل 2.5% من القضايا و 4.5% في 1880 و 20% في 1890. (2)
و لقد حاول المشرع الفرنسي من تعليل التكاليف في الدعاوى القضائية و لكن التطور الذي حصل على نوعية القضايا المعروضة أمام القضاء حال دون ذلك، و لذا فقد اتجه رأي بعض فقهاء القانون الفرنسي إلى انتهاج طريق آخر و ذلك بالتفريق بين المصاريف القضائية فوضع المصاريف القضائية اللازمة على عاتق الدولـة و ترك المصاريف القضائية التي تدفع من أجل إقامة الدعوى أو عند طلب إجراء قضائي على عاتق المتقاضي،و عليه فمفهوم المصاريف القضائية يتكون من عنصرين رسوم قضائية تدفع لخزينة العامة ,و مصاريف قضائية تدفع بمناسبة إتخاذ إجراء قضائي , وهذه المصاريف قد تكون مستوجبة الأداء , و بالتالي تسترد لمن أثبت لنفسه الحق الذي يدعي به، وهناك مصاريف غير مستردة ،قد تكون زائدة لا تحتاجها الدعوى ، و قد تكون مبهمة أو غير مقررة قانونا.