كتاب الوجيز في شرح مدونة الاخلاقيات القضائية
الوجيز في مدونة الاخلاق القضائية
رابط التحميل اسفل التقديم
تمهيد عام
إن ورش القضاء هو من بين أهم الأوراش في الدولة على الاطلاق ، لما له من أبعاد مرتبطة بالعدالة و الانصاف منذ القدم. ولعل القضاء عرف مراحل عدة يمكن اختزالها في ثلاث : المرحلة ما قبل العدالة - مرحلة ما قبل السلطة - مرحلة السلطة.
1- مرحلة ما قبل العدالة
و في هذه المرحلة كان القاضي يسود و يحكم بما له من دلالات رمزية من خلال الشرائع و الاعراف (1)، ولهذا فالجمع بين السلط من تشريع و تنفيذ و فصل في المنازعات مكن القاضي من مركز مهم جعلت منه هو المطرقة والسندان في الآن ذاته ، مما قد ينتجه هذا الوضع من ممارسات غير عادلة في بعض الأحيان. ولم يكن للقضاة رادع أو مانع يحول دون تطبيق أحكامهم الجائرة بدون أوجه إعادة النظر أو الطعن فيما تم تقريره و لهذا كانوا فلاسفة عصر الأنوار ينتقدون هذه الممارسات و الوضع الذي كان سائدا آن ذاك وطالبوا بالتجديد في اطار ما سموه العقد الاجتماعي و الذي تم
اعتباره لحمة بين الشعب والحكومة تبين ما على كل طرف من التزامات - و الحد من السلطات المطلقة التي كان يتمتع بها القاضي (2) على اعتبار أنها سلطات تخدم دوما الجهة الحاكمة - أي الدولة - وتحافظ على هيبته في ممارسة الحكم ..
و ما يمكن أن نشير اليه من ملاحظات خلال هذه المرحلة باختصار هو كالآتي:
الملاحظة الأولى : القضاء في هذه المرحلة لم يعرف الطعون بحيث كان الحكم يصدر وينفذ مما نتج عنه من اهدار للحقوق و اسقاط للعدالة ، بحيث كانت الفكرة السائدة هي ان الحاكم - أي القاضي - لا يخطئ في حكمه رغم ذلك فإن القاضي كانت له مكانة مرموقة في المجتمعات السابقة :
الملاحضة الثانية : وددت أن أشير إلى القضاء عند العرب قبل الإسلام - القضاء
في العصر الجاهلي و ما سبقه لما له من أهمية لعل لأولى هي أننا كناطقين باللغة العربية و مسلمين تحتم علينا الضرورة العلم بالأقضية السابقة للاسلام حتى تتأتى لنا المقارنة السليمة من حيث طبيعة الأقضية و نجاعتها و تأثير ذلك على أخلاقيات القضاة اليوم بحيث لا يمكن فهم الواقع الا من خلال سياقاته التاريخية ، والأهمية الثانية و هو ان هذا النوع من القضاء هو كذلكمصنف ضمن مرحلة ما قبل العدالة وسنوضح ذلك بشكل من الايجاز.
أولا : فإن القضاة كانوا من الكهنة (3) وهم رجال الدين و الشيوخ و رؤساء القبيلة ، لم تستغنى العرب قديماً عن الاحتكام في نزاعتهم إلى شيخ القبيلة، أو إلى الكهان والعراف للفصل في الخصومة، وفض النزاعات فيما بينهم، بل أنهم تحاكموا إلى نساء عرفوا بالنباهة والفهم وإصابة الرأي في الأحكام ويلزم على
المتنازعين اختيار أحد المحكمين ولهم مطلق الحرية في قبول هذا الحكم أو رفضه وعدم الرضوخ إليه، وفي حال التمرد على حكم شيخ القبيلة، يتعرض المتمرد للطرد والهجر ويسمى بالخليع أو المخلوع"، فيهجر القبيلة وينضم
الأفرادة المتمردين. ثانيا : كان نظام الحكم للأقوى في الجاهلية فقد بنيت الكثير من الأحكام على نظام الحق للقوي، خاصة مع وجود نظام الرشوة (4) الذي يقلب موازين الحكم ويؤثر على صدروه لصالح الظالم القوي، فكانوا يحرمون النساء والصبيان والشيوخ من الميراث لضعفهم وانتزاع الحقوق بالسلاح والقوة. ومن أكثر الخصومات والمنازعات التي كانت تدور عند العرب فيما سبق، (جرائم القتل والسرقة والاعتداء على النساء، والاختلاف على المراعي والكلأ والموارد، ونزاعهم المستميت على السلطة والشرف)، وكانوا يقومون بإثبات الحقيقة عن طريق اعتمادهم على الشهود والإيمان بالأصنام والأوثان التي يعبدونها، والقرعة والقسامة والقيافة والفراسة ( فضلاً على اعتمادهم على الكهانة والكهان المعرفة الحقائق. (5)
ثالثا : لم يكن لهم مجلس خاص للحكم إذ كانوا يعقدونه في مساكنهم وأحياتهم ومعابدهم، إضافة إلى مجاورتهم للكعبة واتخاذهم من دار الندوة مكاناً لفض المنازعات والخصومات، وتعقد في أيام المواسم والأسواق نظراً لكثرة الناس فيها
ووجود كثير من المحكمين المشتهرين بالإصابة في الحكم ). رابعا: لم يكن هناك سلطة تشريعية تسن القوانين التي يحكمون من خلالها وإنما كانوا يحكمون بين المتنازعين وفقاً للأعراف والتقاليد والمعتقدات كما سبق أن أشرنا أعلاه التي كونتها التجارب، فهم لا يعتمدون على نظام أو شريعة أو قانون فالقضاء في العصر الجاهلي لم يعتمد على قانون سماوي، وكان للشرف تأثير في تطبيق الأحكام كما أن القوي هو صاحب الحق والقدرة، وعليه لم تتحقق المساواة والعدالة بين أفراد المجتمع.
خامسا و نستحضر في هذا المقام احد النوازل التي جاءت في كتاب نهاية الارب في فنون الأدب (7) أن عميقا ملك طسم وهي احدى القبائل - تحاكمت اليه زوجة مع مطلقها في شأن الحضانة ابنهما فأمر الملك بضم الابن الى غلمانه وعدم السماع اليهما ونظمت الام وهي "هزيلة " - اسمها - قصيدة كان مطلعها :
-------------------
رابط التحميل ؟
https://drive.google.com/file/d/19uhvXuRMWAKKDjrBFH35jfVLCgvAnSiL/view?usp=drivesdk