نظرية دي توليو وتقديرها في التكوين الإجرامي وأسباب الجريمة وتصنيف المجرمين على أساسها
مجموعة دروس و بحوث في علم الاجرام للتحضير للمباريات و امتحانات السداسي الخامس شعبة القانون و التعمق في المادة الجنائية
وأوصلته ملاحظاته إلي فكرة مؤداها أن سبب الإجرام يمكن في التكوين لشخصية المجرم.
وضمن نتائج أبحاثه في كتاب صدر له عام 1929 بعنوان " التكوين الإجرامي " حيث ركز فيه على فكرة وجود استعداد سابق في التكوين الخاص لبعض الجناة يمكن اعتباره عاملا جوهريا لسلوكهم الإجرامي .
فكما يتمتع الإنسان بتكوين نفسي ، تكوين عقلي ، تكوين عصبي بل وتكوين يجعل له قابلية الإصابة بأمراض معينة مثل السل والتهابات المسالك البولية وغيرها ، يوجد أيضا تكوين إجرامي .
يقرب " دي توليو " فكرته إلي الأذهان فيشبه السلوك الإجرامي بالمرض ، فكما أن إصابة الجسم بالمرض ترجع إلي ضعف مقاومته للجراثيم ، فكذلك الجريمة يتوقف ارتكابها على ضعف قوة الفرد على التكيف مع مقتضيات الحياة الاجتماعية نتيجة لخلل عضوي ونفسي يتمثل فيه الاستعداد الإجرامي .
يذهب " دي توليو " إلي أن أسباب عدم القابلية للتكيف مع البيئة الاجتماعية ترجع إلي نوعين من العوامل : النوع الأول عوامل مصدرها النمو العاطفي المعيب للشخص بسبب ظروف داخلية تتصل بطاقته الغريزية .
النوع الثاني يتضمن عوامل ترجع إلي العيوب الجسمانية الناجمة عن الوراثة أو عن خلل وظيفي له صلة بإفرازات الغدد وبصفة خاصة الغدد الصماء أو الهرمونات أو بالتهاب المخ .
هذا الاستعداد الإجرامي لازم لارتكاب السلوك الإجرامي ولكن لا يكفي بمفرده خاصة العوامل البيئية .
فالتكوين الإجرامي – كما ذكر دي توليو – هو النواة التي يتفاعل معها باقي العوامل للاتجاه نحو تنفيذ الجريمة وقسم " دي توليو " التكوين أو الاستعداد الإجرامي قسمين : الأول : الاستعداد الإجرامي التكويني ، والثاني استعداد عرضي .
الاستعداد الإجرامي التكويني أو الأصيل يكون مصدره الخلل في التكوين العضوي والعصبي والنفسي ، بحيث يجعل لدي من يتوافر فيه ، ميلا فطريا إلي الإجرام .
يطلق " دي توليو " على من يتوافر لديهم هذا الاستعداد " المجرمون بالتكوين " أما الاستعداد الإجرامي العرضي فيرجع أساسا إلي عوامل شخصية وعوامل اجتماعية تضعف بسببها مقاومة الشخص لرغباته ومشاعره ، فيندفع وقتياً إلي ارتكاب الجريمة .
ويسمي المجرمون الذين يوجد لديهم هذا الاستعداد بالمجرمين العرضيين .
وسواء تعلق الأمر بمجرمي القسم الأول أم القسم الثاني فلابد في كلا الأمرين من توافر عوامل أخرى بيئية أو اجتماعية .
وهذه العوامل يكون دورها ، بالنسبة لمجرمي القسم الأول ، كاشفة عن تكوينهم الإجرامي .
بينما يقتصر دورها ، بالنسبة لمجرمي القسم الثاني ، على إيجاد ظرف مهيئ للإجرام .
يقسم "دي توليو " المجرمين إلي فئتين : مجرمون بالتكوين ، أو مجرمون عرضيون ويقسم كل فئة إلي عدة أنواع : فالمجرمون العرضيون يضمون المجرم العرضي الصرف ، المجرم العرضي الشائع والمجرم العرضي العاطفي أما المجرمون بالتكوين فيشملون المجرمون بالتكوين الشائعون والمجرمون بالتكوين ذو الاتجاه التطوري الناقص والمجرمون السيكوباتيون وأخيرا المجرمون المجانين .
يميز "دي توليو " بين المجرم المجنون والمجنون المجرم فالمجرم المجنون هو الذي يرجع سبب إجرامه إلي تكوين كامن فيه سابق على إصابته بالجنون .
أما المجنون المجرم فهو الشخص الذي يرجع إجرامه إلي جنونه .
دون أن بكون لديه تكوين إجرامي سابق على الجنون .
تقدير المدرسة التكوينية الحديثة : ركز أنصار المدرسة التكوينية الحديثة في أبحاثهم – كسابقيهم أنصار المدرسة التكوينية التقليدية – على المجرم ذاته دون الفعل الإجرامي .
إلا أن أنصار هذه المدرسة يرجع إليهم الفضل في سبر أغوار الجسم الإنساني للبحث عن الأسباب الدافعة إلي السلوك الإجرامي .
كما يرجع إليهم الفضل في لفت الأنظار إلي وجود تأثير ما بين كل من الجانب العضوي والنفسي في الإنسان ، وأخيرا فإن المدرسة التكوينية الحديثة لم تهمل أهمية العوامل الاجتماعية والظروف الخارجية في التأثير على شخصية المجرم وعلى تصرفاته بالرغم من ذلك ، فقد تعرضت هذه المدرسة لانتقادات عديدة : 1- أنها اعتمدت ،كما اعتمد لمبروزو من قبل على فحص عدد قليل من المجرمين كما أنها لم تلجأ إلي استخدام المجموعة الضابطة 2- أنها لجأت إلي سرعة الاستنتاج والتعميم في تفسير الظاهرة الإجرامية .
فقد اكتفي كل من " دي توليو " و" بندي " بوجود التهابات في المخ والاضطرابات العاطفية لدي المجرم محل البحث ، ونظرا لخبرتهم الطبية في هذا المجال وأثر ذلك على السلوك الإنساني انتهوا إلي نتيجة مؤداها أن الشخص يجرم بسبب وجود مثل تلك الاضطرابات ثم بعد ذلك عممت هذه النتيجة بالنسبة لكافة المجرمين وهذا غير صحيح فليست التهابات المخ والاضطرابات السبب الوحيد للإجرام 3- أن المدرسة التكوينية الحديثة تجعل من المجرم شخص مريض ، تحيل الظاهرة الإجرامية إلي ظاهرة مرضية .
وهذا يتعارض مع نتائج الدراسات الإحصائية التي تثبت أن نسبة المرض ضئيلة بين المجرمين 4- فالجريمة ؟أولا وقبل كل شيء – إرادة إجرامية والإرادة هي خلاصة التفاعل بين عوامل نفسانية.