يستعمل
القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية مصطلح الرد في حين اتخذ العمل القضائي هذا المصطلح أحيانا في الأحكام، ومصطلح إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أحيانا أخرى، وقد تضمن قانون المسطرة الجنائية الجديد أحكاما خاصة بالرد وخصص إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بأحكام أخرى.
والاستعمالان المذكوران مردهما أن للرد مفهومين: مفهوم واسع يستهدف إعادة الحالة إلى الوضع الذي كانت عليه قبل وقوع الجريمة، وإزالة آثارها، كإعادة المالك إلى العقار الذي نزع منه قسرا، أو إبطال العقود المزورة وما ترتب عنها من نتائج، ومفهوم ضيق يقتصر على رد الأشياء التي وضعت بين يدي العدالة بمناسبة ارتكاب
جريمة إلى أصحاب الحق فيها.
وقد أعطى القضاء المغربي للرد مفهومه الواسع المشار إليه، بجعله يستهدف إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة، مع إعمال أحكامه على العقار وتأكيد مبدأ عدم ضرورة تقديم طلب للحكم به:
بقيت الإشارة إلى أن قانون المسطرة الجنائية الجديد، منح النيابة العامة سلطة إضافية تمكنها من إرجاع الأشخاص المعتدى عليهم إلى العقارات التي انتزعت منهم بفعل اعتداء جرمي، وتلافي استمرار هذا الوضع في انتظار صدور حكم قد تطول إجراءاته، ويقع هذا الإجراء تحت مراقبة القضاء الذي له أن يقره أو يلغيه أو يعدله، إذ
أكدت المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية الجديد، أنه يجوز لوكيل الملك، إذا تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ حكم، أن يأمر باتخاذ أي إجراء تحفظي، يرى ملائما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، على أن يعرض هذا الأمر على المحكمة أو هيئة التحقيق التي رفعت إليه القضية أو التي سترفع إليها خلال ثلاثة أيام
على الأكثر لتأييده أو تعديله أو إلغائه، كما يجوز لوكيل الملك في حالة عدم وجود منازعة جدية أن يأمر برد الأشياء التي ضبطت أثناء البحث لمن له الحق فيها ، ما لم تكن لازمة لسير الدعوى أو خطيرة أو قابلة للمصادرة .
لذلك يجوز للنيابة العامة، متى قامت دلائل كافية على جدية الاتهام في جرائم الاعتداءات على الحيازة، أن تأمر باتخاذ أي إجراء تحفظي تراه ملائما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، ويقع هذا الإجراء تحت مراقبة القضاء الذي له أن يقره أو يلغيه أو يعدله، وهو يشكل ضمانة أكيدة، وبديهي أن يحرص المشرع على بسط
مراقبة القضاء حماية للمشروعية والقانون .
ومما لوحظ على نص المادة 40 بخصوص إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في جرائم الاعتداء على الحيازة، أنه يستحسن ضمانا لكافة الحقوق أن يتم النص على ضرورة إشعار الأطراف بذلك أي بإحالة الأمر على الجهة المختصة خلال ثلاثة أيام على الأكثر لتأييده أو تعديله أو إلغائه، إذ إن المشرع أغفل مرة أخرى استدعاء
الأطراف، أو المعنيين بأمر تلك الأشياء، والذين أحاطهم المشرع بضمانات المواجهة الحضورية عند حجز تلك الأشياء من طرف الضابطة القضية، فكيف لا يتم إشعارهم إذا تعلق الأمر بإجراء تقوم به النيابة العامة (المواد 57 – 59 – 63 – 79).
لذلك فإن المشرع أوجد هذه الآلية الجديدة بهدف تفعيل العدالة السريعة من خلال إرجاع الحقوق ولو نسبيا إلى أصحابها ، عن طريق تخويل النيابة العامة حق إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في حالة الاعتداء على الحيازة إلى من كانت له ، من خلال المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية ، التي بمقتضاها يمكن لوكيل الملك كلما
تعلق الأمر انتزاع عقار من حيازة الغير اتخاذ هذا الإجراء إلا إذا صدر حكم جنحي قضى بإدانة المتهم من اجل ما نسب إليه مع الحكم بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه ثم يعمد الطرف المدني إلى سلوك إجراءات التنفيذ بعد صيرورة الحكم نهائيا ، ثم يعود المتهم من جديد للإستيلاء على العقار موضوع النزاع ، حينها يمكن لوكيل
الملك أن يصدر أمرا بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، أما إذا لم يقم التنفيذ فنعتقد أنه لا داعي لاتخاذ مثل هذا الإجراء.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد، أن هذه المقتضيات أفرزت مجموعة من الإشكالات العملية على مستوى عمل المحاكم ، ومن ذلك أن وكيل الملك لا يحق له أن يصدر أمرا بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه إلا إذا وقع الترامي من جديد بعد الحكم والتنفيذ ، وفي هذا الإطار هل يعطى الحكم العقاري القاضي باستحقاق العقار موضوع
النزاع لصاحبه اللجوء إلى وكيل الملك ، للمطالبة بإصدار أمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه ، أم أن الأمر مقتصر على حالة صدور حكم الجنحي ؟ جوابا على الإشكال نعتقد بأن نية المشرع اتجهت إلى الحكم الجنحي والعقاري في آن واحد ، ما دامت العبرة في ذلك إمكانية تنفيذ الحكم وليس بطبيعته ، فإذا تم تنفيذ الحكم مدنيا كان
أو جنحيا فإن وكيل الملك يحق له إذا قدمت له شكاية بانتزاع عقار من حيازة الغير بعد تنفيذ هذا الحكم أن يصدر أمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه .
هذا، فالأمر لا يكون نافذا إلا بعد تأييده من طرف هيئة الحكم ، لكن ما العمل إذا ثم إلغاؤه من طرف الهيئة القضائية ؟ هل يمكن للنيابة العامة في هذه الحالة الطعن في هذا القرار ؟.
لم يقدم المشرع المغربي جوابا عن هذا الإشكال ، والرأي فيما نعتقد أن الأمر الصادر عن وكيل الملك يعد إجراءا وقتيا ، مادام يمكن إحالة الأطراف على المحكمة لتبت في نزاعاتهم ،والإجراءات الوقتية بطبيعتها لا تقبل الطعن.
كما أن عرض الأمر على المحكمة أو هيئة التحقيق التي رفعت إليها القضية أو التي سترفع إليها ، جعله المشرع محدد في ثلاثة أيام على الأكثر لتعديله أو إلغائه أو تأييده ، غير أن الإشكال الذي يطرح بهذا الخصوص عدم تحديد تاريخ بداية احتساب ثلاثة أيام، هل من تاريخ الأمر الصادر عن وكيل الملك أو من تاريخ التنفيذ ، وذلك
رفعا للبس والغموض ؟ وحتى وإن لم يقدم المشرع جوابا فنعتقد أن بداية احتساب ثلاثة أيام يجب أن يبدأ من تاريخ الأمر الصادر عن وكيل الملك ، بغية الإسراع في تصفية النزاع والبث فيه في أقرب وقت ، تماشيا مع فلسفة المشرع في المادة 40 من ق م ج .
هذا، ويشكل الجانب المتعلق بتنفيذ الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، إشكالا يتعلق بطبيعة المسطرة الواجبة الإتباع في تنفيذ هذا الأمر ، فإذا اعتبرناه يندرج في إطار الدعوى المدنية ، فان تنفيذه يخضع لمسطرة تنفيذ الأحكام المدنية ، أما إذا اعتبرناه جزءا من العقوبة الزجرية ، فانه ينبغي سلوك قواعد التنفيذ المحددة في قانون
المسطرة الجنائية، بواسطة وكيل الملك ،عن طريق إصدار أوامره إلى الضابطة القضائية بهدف الانتقال إلى عين المكان بغية تمكين المتضرر من استرجاع حيازته.
ويضاف إلى ما سبق، أنه قد تقع صعوبات في تنفيذ القرار المذكور تتجلى مثلا في عدم تحديد الهوية المادية للعقار المراد إرجاع حيازته لصاحبه ، فما هي الجهة التي ينبغي الرجوع إليها في هذه الحالة لرفع الصعوبة الناجمة عن التنفيذ ؟ لم يقدم المشرع جوابا عن هذا الإشكال ، ونعتقد أن الهيئة القضائية المؤيدة للقرار هي الأقدر للبث
في هذه الصعوبات على اعتبار أن هذه الهيئة لها دراية ومعرفة بكل الجوانب المتعلقة بالقرار والتي ناقشته ولاشك أحاطت بموضوع الأمر واستمعت إلى الأطراف وتكونت لديها فكرة عن موضوع القضية ، وكذلك حتى لا يحصل تضارب في الآراء إذا ما قمنا بإحالة القضية على السيد رئيس المحكمة ، وهو ما لا يتعارض وأحكام
المادة 599 من قانون المسطرة الجنائية.