إثبات المقابل المستحق للزوجة

مجموعة بحوث وعروض ودروس حول النظام المالي للزوجين في القانون المغربي و مدونة الأسرة المغربية

إثبات المقابل المستحق للزوجة
لاشك أنه من أعقد المشاكل التي تثار بعد إنهاء العلاقة الزوجية، إشكالية إثبات ملكية الأموال التي تم تحصيلها أثناء فترة الزواج، حيث يثار النزاع بين الزوجين حول أحقية كل واحد منهما في الأشياء الموجودة داخل بيت الزوجية، وقد يمتد النزاع فيطال ملكية منقولات وعقارات موجودة خارج البيت خاصة إذا تم اكتسابها باشتراك الزوجين، مما يفتح الباب أمامهما لإثبات ملكية ما تدعيه.

هذا الإشكال يزيد استفحالا أمام التناقض الصارخ بين الواقع المتغير والنصوص الجامدة، مما يطرح مسألة مدى مواكبة المشرع المغربي للتغيرات بشكل يجعله في صلب التطورات إحقاقا للحق وتماشيا مع روح العصر، والتي تعالت في إطارها أصوات تندد بالحيف المسلط على المرأة.

وهذا ما جعل المشرع في الفصل 34 من مدونة الأسرة ينص على أن "كل ما أتت به الزوجة من جهاز وشوار يعتبر ملكا لها، إذا وقع نزاع في باقي الأمتعة فالفصل فيه يخضع للقواعد العامة للإثبات، غير أنه إذا لم يكن لدى أي منهما بينة، فالقول للزوج بيمينه في المعتاد للرجال، وللزوجة بيمينها في المعتاد للنساء، أما المعتاد للرجال والنساء معا فيحلف كل منهما ويقتسمانه ما لم يرفض أحدهما اليمين ويخلف الآخر فيحكم له".

فمن هذا النص يتضح أنه في ما يخص الشوار الذي تأتي به الزوجة أو الجهاز الذي قد يشريه الأب لابنته هو ملك خالص لها ولا مجال للزوج في منازعته لها فيه باتفاق الفقهاء ، أما في ما يخص باقي الأمتعة فإن الفصل فيها يخضع للقواعد العامة للإثبات، غير أن المشرع انتبه إلى الشح في الإثبات الذي يطبع العلاقة الزوجية، فكونها تقوم على الثقة المتبادلة وإيثار كل واحد لصاحبه تأبى وتنأى عن توفير الأدلة ابتداء ، فذهب إلى قرينة بسيطة مفادها أن ما للرجال عادة يأخذه الزوج بيمينه كملابس الرجال ومستلزمات عمله حسب طبيعة وظيفته أو صنعته، وما للنساء عادة تأخذه الزوجة بيمينها كملابس النساء وما يخص عملها أو وظيفتها إن كانت تعمل، أما المعتاد للرجال والنساء من حيث التملك والاستعمال فإنهما يحلفان معا ويقسمانها، أما إذا رفض أحدهما اليمين وحلف الآخر فيأخذها هذا الأخير .

فيكون المشرع بهذا أورد استثناءا على القاعدة العامة المعمول بها في مجال الإثبات والواردة في الفصل 443 من قانون الالتزامات والعقود ، التي لا تجيز إثبات الحقوق التي تتجاوز قيمتها 250 درهم إلا بحجة محررة من قبل الموثق أو بحجة عرفية.

وهذا ما يتضح من خلال القرار الصادر في 08-04-91 عن استينافية الرباط، الذي جاء فيه: "وحيث يتبين للمحكمة من خلال دراستها للملف المتعلق بموضوع الدعوى الرامية للحصول على الكد والسعاية في الشقة موضوع النزاع، أن المدعية لم تثبت دعواها بأية حجة تفيد السعاية في الشقة، ولأن السعاية المطلوبة مجرد أقوال خالية من أية حجة حتى يمكن للمحكمة الإشهاد للمدعية بحقها في السعاية"، فهذا القرار من خلال صياغته يوضح أن هناك إمكانية الإشهاد للمطلقة بحقها في السعاية إذا استطاعت أن تقيم الحجة والدليل لإثبات حقها.

لذلك فالمحكمة ملزمة بإعطاء الفرصة لمدعي الحق لإثبات سعايته في ما يدعيه من ممتلكات وإلا تعرض حكمها للنقض، كما هو الشأن بالنسبة لقرار محكمة الاستئناف بأكادير عدد 35/84 الذي نقضه المجلس الأعلى بقرار صادر بتاريخ 24-07/91 بعلة انه: "لا يحكم إلا بعد الجواب عن الدعوى فعلا، والمدعى عليه لم يكن جوابه في الطور الاستئنافي على المدعي واضحا لا بإقرار ولا بإنكار، وصدر القرار قبل اتخاذ المستشار المقرر ما يجب اتخاذه.

.

.

من بحث، وإنجاز خبرة، وحضور شخصي، مما يتبين معه أن القرار خرق أبسط قواعد المسطرة".

إلا انه يلاحظ من خلال جل الأحكام والقرارات الصادرة عن القضاء المغربي أنها تضع عبئ الإثبات على عاتق الزوجة –المدعية- كما هو الشأن للحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط في 22-11-97 الذي جاء فيه: "أن عدم إثبات المدعية –الزوجة- بحجة قانونية كونها ساهمت بشكل فعال في تنمية وازدهار ثروة زوجها إعمالا لقاعدة المدعي مطالب بالبينة، يستوجب رد الدعوى على الحالة".

وحول هذه النقطة يرى الأستاذ عبد السلام حادوش، أن جعل عبئ الإثبات في مسألة السعاية على عاتق الزوجة لا سند له وذهب إلى حد اعتبار ذلك قلبا لعبئ الإثبات، إذ أن الزوجة تطلب واجب سعايتها في الممتلكات الموجودة في حيازة المدعى عليه، وهذا الأخير ينكر حقها في ذلك، مما يجعل الدعوى تتجه نحو مسار ادعاء الزوج الإختصاص بما تحت يده فأضحى بذلك مدعيا وعليه يصبح عبئ الإثبات، لأن الأصل في ما تم اكتسابه أثناء فترة الحياة الزوجية هو الشركة بين الزوجين بمقتضى الكد والسعاية من لدن الزوجة وعلى مدعي العكس يقع عبئ الإثبات، فالزوجة تتمسك بالأصل الذي هو الشركة، وأيضا العرف الجاري في هذه الشركة، في حين أن الزوج قوله مجرد من هذا الأصل، ومن العرف، فهو مكلف بالإثبات إذ يصبح في وضعية المدعي .

وعموما يمكن القول أن السعاية من الأمور الواقعية التي يجوز إثباتها بكل الوسائل بما في ذلك الكتابة والقرائن، غير أن المحاكم غالبا ما تلجأ إلى شهادة الشهود في شكل لفيفية عدلية أو عن طريق إحضارهم والاستماع إليهم ، كما أن القاضي بمقتضى السلطات الواسعة التي يتمتع بها في تسيير مسطرة التحقيق غير ملزم بأي إجراء من إجراءات التحقيق ، فذلك يدخل في إطار سلطته التقديرية التي لا يخضع بشأنها لرقابة المجلس الأعلى.

وإذا كان هذا هو حكم المنقولات والعقارات غير المحفظة التي تخضع لقواعد الفقه المالكي فإنه يثور التساؤل عن الحل بالنسبة للعقارات المحفظة والسيارات وغيرها من الأموال التي يعتد فيها أساسا بالتسجيل، بمعنى هل تسجيل الممتلكات في إسم أحد الزوجين حجة نهائية على أنها في ملك الزوجة أو الزوج وحده؟ حول هذا الإشكال قال سيدي علي ابن محمد: "وبعد فالذي جرى به الحكم عند فقهاء جزولة أن الزوجين إذا كانا متعاونين في خدمتهما وأفادا بذلك أملاكا مشتركة بينهما على قدر خدمتهما، فإن الزوج لا يستبد بالأشرية ولو كتب وثائقها عليه" .

يستفاد من هذا الحكم أن المرأة التي تثبت سعايتها في المستفاد خلال الحياة الزوجية بقدر عملها لها الحق في ما اشتراه الزوج ولو باسمه الخاص، لأن المعمول به في النوازل وفي باب السعاية بالذات أنه ليس من الضروري تسجيل الأشرية في اسم الزوجين معا، ولا يضر الزوجة في شيء ما دامت من ذوات الكد والسعاية أن تحرر عقود الشراء وأن تسجل في اسم الزوج وحده ، فهل ينطبق نفس الحكم على العقارات المحفظة في اسم أحد الزوجين فقط؟ إنه بعد الاطلاع على مجموعة من الأحكام والقرارات الصادرة عن مختلف المحاكم المغربية بشأن تقسيم ممتلكات الزوجين، لاحظت أن اكبر عائق يقف في وجه الزوج الذي يدعي أحقيته في نصيبه من العقار لقاء مساهمته في تملكه هو وثيقة الرسم العقاري، نظرا لما تتمتع به من قوة إثباتية.

فالواقع المعيش يشهد أن العقارات غالبا ما تكون محفظة باسم الزوج –ونادرا الزوجة على الأقل في الوقت الراهن- لكون الثقة هي الأساس في الحياة الزوجية، لكن هذه الثقة تنكسر في كثير من الأحيان على أمواج الطمع، وتهب بذلك على الأسرة عواصف لم تكن منتظرة نتيجة طغيان هاجس النزوات وفي مقدمتها حب المال، ويتطور الأمر إلى قتل كل منهما عواطفه اتجاه الآخر، فيقف صاحب الحق عاجزا عن إيجاد وسيلة تمكنه من نصيبه في العقار.

هـذا الواقع كان المجـلس الأعلى قـد كرسه فـي قراره الشهير الصـادر في 05-03-98 ، ملخصه أن الزوجين كانا يقطنان بمدينة أكادير التي تعرضت للزلزال، فحصلا على قطعة أرضية من المندوبية السامية للإسكان، وقاما ببنائها وان الزوجة ساهمت بأجرها المتأت من مهنة الحياكة إضافة إلى مراقبة العمال وإعداد الطعام لهم، وبعد طلاقها ظلت تسكن بالطابق السفلي، غير أن الزوج لما علم بعزمها على مطالبته بحقها في الدار قام بتفويتها إلى زوجته الثانية، ولما عرضت القضية على المحكمة الابتدائية قضت برفض الاستجابة لما جاء في المقال الافتتاحي للزوجة بناءا على أن رسم السعاية المدلى به من طرفها لم يوضح نوع العمل الذي ساهمت به المدعية في بناء الدار، عندئذ طعنت الزوجة في الحكم الابتدائي أمام محكمة الاستئناف بأكادير التي أيدت الحكم لنفس السبب.

وهذا ما دفع الزوجة إلى الطعن بالنقض في القرار الاستئنافي لدى المجلس الأعلى الذي قضى بتأييد محكمتي الموضوع ورفض طلب الطعن بناءا على حجة قاتلة لا سبيل لإنكار فعاليتها وهي أن العقار الدائر النزاع حوله هو عقار محفظ وان اسم المدعى عليه هو المسجل بالرسم العقاري بصفته المالك الوحيد، ومن ثم لا تأثير لما تدعيه طالبة النقض في استحقاقها لنصف قيمة العقار المدعى فيه ما دامت غير مسجلة على الشياع في الرسم العقاري تطبيقا للأحكام الواردة في ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري.

وهذا أيضا ما أشار إليه أحد الأحكام الابتدائية الصادرة في ظل مدونة الأسرة، إذ اعتمد الحكم في رفضه لطلب الزوج في نصيبه من الأموال التي تم جمعها خلال الحياة الزوجية، على أساس أن رسوم العقارات مسجلة في اسم الزوجة وأن هذا الفصل –الفصل 49 من م.

أ- جاء لضمان حقوق المرأة وليس الرجل، مما يطرح التساؤل عن مفهوم المساواة والعدالة والإنصاف وهي إحدى المبادئ التي ترتكز عليها مدونة الأسرة .

وعموما من خلال ما سبق يمكن إبداء الملاحظات التالية: 1- عندما تدعي الزوجة أو الزوج مقابل عملها، فعلى محاكم الموضوع أن تفتح أمامهما الباب ليثبتا كدهما وسعايتهما في سبيل تنمية أموال الأسرة.

2- إذا ثبت كد وسعاية الزوجين بكيفية أدت إلى تنمية أموال الأسرة فلا عبرة حينئذ بعقود الأشرية المبرمة من طرف كل منهما.

3- بعد تقدير المقابل الذي ساهم به كل من الزوجين، يأخذ كل منهما ما يوازي ما ساهم به في تنمية ذلك المال .

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0