آثار العقد تجاه دائني مالك الأصل التجاري

مجموعة دروس في التسيير الحر للأصل التجاري في القانون المغربي

آثار العقد تجاه دائني مالك الأصل التجاري
سنكتفي بمعالجة دائني المالك العاديين أو ذوي الحقوق ومن في حكمهم دون غيرهم، ذلك أنه في عقد التسيير كما في باقي العقود، فإن الغير هم الأشخاص الذين ليسوا أطراف في العقد، وبالتالي فهم بالضرورة الدائنون العاديون أوذوي الحقوق، غير أنه حتى فيما يتعلق بعقد التسيير الحر فإن ذوي الحقوق ليسوا كلهم أغيارا.

فالخلف الخاص هو وحده الذي يعتبر من الغير أما الخلف العام فليس كذلك رغم ما قد يثار من شك بهذا الصدد بسبب عنصر الإعتبار الشخصي الذي يكتسبه هذا العقد .

إن دائني مالك الأصل التجاري قد يكونون ضحية سوء التسيير من لدن المالك قبل تأجيره للأصل مما يجعلهم في موقف حرج لأنهم كانوا يتساهلون مع المالك في بيع السلع له بأجل، ولأنهم كانوا يضعون فيه كل ثقتهم لما عهدوه فيه من نقاء ضمير و حسن سلوك، لكن قد يعمد مالك الأصل " المدين " إلى تأجير أصله التجاري للمسير الحر، وعند المطالبة بديونهم يفاجأ الدائنون بتمسك المسير الحر بعقد التسيير في مواجهتهم، فماهي الوسيلة أوالوسائل التي يتوفر عليها دائني المالك للمطالبة بديونهم؟ وفقا للقواعد العامة في قانون الإلتزامات والعقود، ما دام أجل الدين لم يحل بعد فليس للدائنين أي حق للإحتجاج ولوحاولوا إدعاء إحتمال إفلاس مدينهم أوعسره، وهذا مايفضي بنا إلى التمييز بين الديون السابقة على إبرام عقد التسيير الحر من جهة والديون الناشئة بعد إبرام العقد من جهة ثانية.

1) مسؤولية المالك عن الديون السابقة على إبرام العقد- يسأل مالك الأصل التجاري المؤجر وفق القواعد العامة عن جميع الديون المتصلة بإستغلال الأصل مسؤولية شخصية، وذلك قبل إبرام هذا العقد، ولايمكن لدائنيه الإعتراض على تأجيرالأصل كما أنهم لايصبحون بعد إبرام عقد التسيير الحر دائنين للمسيرالحر ، فوفقا للقواعد العامة تظل هذه الديون غير واجبة الأداء من جانب المكري إلا بحلول أجلها، إلا أنه نظرا لأن المدين هو مالك الأصل التجاري وليس المسير الحر وأن الأصل يشكل ضمانا عاما لدائنيه، وأن قيامه بكراء الأصل التجاري قد يترتب عليه إضعاف لتأمينات دائنيه، الذين قد يفاجأوا بتمسك المسير الحر تجاههم بعقد التسيير الحر، فإن المشرع المغربي قرر في الفقرة الثانية من المادة 152 من مدونة التجارة أنه " إذا كان من شأن عقد التسيير الحر أن يلحق ضررا بدائني المكري، جاز للمحكمة التي يوجد الأصل التجاري في دائرة نفوذها أن تصرح بحلول آجال الديون التي كان المكري قد إلتزم بشأنها من أجل إستغلال الأصل المراد إكراؤه"، وأساس ذلك أن مالك الأصل التجاري هوالذي يقوم شخصيا بإستغلاله أما إذا قام بكراء إستغلاله للغير فإنهم قد يرون " دائني مالك الأصل" في هذا التصرف إضرارا بمصالحهم وإضعافا لتأميناتهم، وقد يترتب عن التسيير إحتمال نقص قيمة الأصل التجاري أو فقده كلية مما قد يكون ذريعة منهم لسحب الثقة من المالك وسببا لزوال منحهم الأجل له .

والمطالبة بحلول آجال الديون قبل تاريخ إستحقاقها هي إستثناء من المبدأ العام فإنه يتعين توفر شروط معينة لذلك: -أولا: أن تكون هذه الديون ناشئة بمناسبة إستغلال الأصل التجاري المراد إكراءه وسابقة على إبرام العقد، وهو ما عبرت عنه الفقرة الثانية من المادة 125 من مدونة التجارة.

-ثانيا: أن تكون هذه الديون غير مستحقة الأداء أو لم يحل أجل إستحقاقها عند إبرام عقد التسيير الحر، أما الديون المستحقة الأداء قبل ذلك فتسقط آجالها بقوة القانون.

-ثالثا: أن يكون إبرام عقد التسيير الحر من شأنه إلحاق ضرر بدائني المكري وهذا التسيير الحر قد ألحق ضررا محققا بدائني المكري.

-رابعا: أن يرفع الطلب الرامي إلى التصريح بحلول آجال هذه الديون داخل ثلاثة أشهر من تاريخ نشر عقد التسيير الحر، وإلا سقطت حقوق أصحابها في ذلك مما يعني أن هذا الأصل هو أجل سقوط الحق في المطالبة بحلول أجل الديون وبالتالي لايطاله التوقف أوالإنقطاع .

-خامسا: أن يقدم هذا الطلب إلى المحكمة التجارية التي يوجد الأصل التجاري في دائرة نفوذها ما لم يتفق الطرفان مسبقا على عرض نزاعهم على محكمة أخرى، وتتمتع المحكمة بسلطة تقديرية واسعة في التصريح بحلول أجل الديون من عدمه،فإستعمال عبارة « جازللمحكمة» حسب المادة 152 من مدونة التجارة تجعل الدائن ملزما بإثبات أن وضع الأصل التجاري في إطار التسيير الحر سيقلص من الضمان أو يشكل خطورة على إسترجاع ديونه .

2- مسؤولية المالك عن الديون اللاحقة على عقد التسيير الحر.

يسأل المسير الحر وحده عن الديون التي يقوم بإبرامها بعد عقد التسيير الحر لأنه يمارس التجارة بإستقلالية ولحسابه الخاص، ولايحق لدائنيه الرجوع على المكري، ويرد على هذه القاعدة إستثناء يسأل فيه مكري الأصل التجاري عن هذه الديون في حالات معينة منها: -الحالة الأولى: الديون الناشئة قبل القيام بإجراءات الشهر.

حيث يسأل مالك الأصل التجاري عن ديون المسير الحر، متى إلتزم بها هذا الأخير قبل إستيفاء الشروط الشكلية المنصوص عليها في المادة 158 من مدونة التجارة، ولايجوز له الإحتجاج بعقد التسيير الحر تجاه دائني المسير الحر ويرجع ذلك إلى عدم قيامه بإجراءات الشهر القانونية لإزالة الغموض حول وضعيته القانونية تجاه الغير.

-الحالة الثانية: الديون الناشئة بعد القيام بإجراءات الشهر.

ويتعين علينا التمييزفي هذه الحالة بين وضعين: -الوضع الأول: ألا يقوم المكري بالتشطيب على إسمه أو تعديل تقييد له في السجل التجاري، حيث يكون في هذه الحالة مسؤولا على وجه التضامن عن ديون المسير الحر يتضح مما سبق أن المكري يضل مسؤولا مسؤولية تضامنية مع المسير الحر عن الديون والإلتزامات التي تنشأ بمناسبة إستغلال الأصل التجاري، ما لم يقم إما بالشطب على إسمه من السجل التجاري وإما بتغيير تقييده الشخصي، وأن قيامه بإجراءات النشر ومرور مدة ستة أشهر على تاريخها لايكفي للتحلل من هذه المسؤولية بل يجب أن يقوم بالعمليتين معا " النشر والتسجيل" طبقا للمقتضيات القانونية المنظمة لكل منهما، وخاصة المواد 153 و155 و36 إلى غاية المادة 61 من مدونة التجارة.

-الوضع الثاني: يبدأ من تاريخ إبرام عقد التسيير الحر إلى غاية نشره وخلال مدة الستة أشهر التي تلي تاريخ النشر، يكون المكري قبل إنقضاء هذه المدة مسؤولا على وجه التضامن مع المسير الحر عن الديون التي يقترضها هذا الأخير طبقا للمادة 155 من مدونة التجارة، وهذه المسؤولية تعد خروجا عن القواعد العامة بشأن التضامن بين المدينين وكذا حجية الشهر إزاء الغير، كما تعكس نوع المعاملة التشريعية الخاصة للمسير الحر التي لايخضع لها غيره من المكترين، والظاهر أن الحكمة منها تكمن في الرغبة في تسهيل مأمورية المسير الحر فيما يخص حصوله بسرعة على إئتمان دائنيه في بداية ممارسته لنشاطه التجاري وحمايته من الغلط في حقيقة مركزه ، ويشترط لثبوت هذه المسؤولية أي " تحمل المكري المسؤولية بالتضامن مع المسير الحر" ما يلي: 1) أن ينشأ الدين داخل الفترة الممتدة من تاريخ إبرام عقد التسيير الحر وتاريخ نشره، وخلال مدة الستة أشهرالتي تلي تاريخ هذا النشر، وهذه المدة ليست أجل التقادم يتعين على الدائنين رفع دعواهم قبل مرورها، وإنما أن ينشأ الدين خلالها بغض النظر عن تاريخ الإستحقاق أوحلول أجله، وهوما يفيد أن المكري لايتحرر من المسؤولية التضامنية مباشرة بعد إنتهاء مدة الستة أشهر، بل يضل على ذلك حتى ولوكانت المطالبة به بعد مدة 6 أشهر إذا العبرة في ثبوت المسؤولية التضامنية للمكري هي بتاريخ نشوء الدين وليس بتاريخ إستحقاقه، أوحلول أجله، وتبقى مسؤوليته قائمة حتى ولو تدخل بعد مدة الستة أشهر في تسييرا لأصل التجاري بشكل فعلي.

2) أن تتعلق الديون المرتبة للمسؤولية التضامنية بالديون التعاقدية دون سواها من الديون التي قد تنشأ عن سبب قانوني آخر ولوكانت مرتبطة بإستغلال الأصل التجاري.

3) وبالإضافة إلى شرط مدة ستة أشهر والإقتصار على الديون ذات الأصل التعاقدي، فإنه يشترط أيضا أن يكون إقتراض هذه الديون بمناسبة إستغلال الأصل التجاري لأنه ليس كل ما يقترضه المسير الحر يكون سببا كافيا لتحريك هذه المسؤولية التضامنية ، ويقع على الدائن إثبات تعلق الدين بإستغلال الأصل التجاري مع ضرورة التفسير الضيق لعبارة " بمناسبة إستغلال الأصل التجاري" كما درج على ذلك القضاء الفرنسي، وهو يفسر مقتضيات المادة الثامنة من قانون 20 مارس 1956، وهو الرأي الذي رجحه غالبية الفقه هو المسؤولية التضامنية الملقاة على عاتق مكري الأصل التجاري.

-الحالة الثالثة: الديون التي تنشأ بعد إنقضاء مدة الستة أشهر التي تلي تاريخ نشر العقد.

بمفهوم المخالفة للمادة 155 من مدونة التجارة، فإن مكري الأصل التجاري الذي قام بشطب إسمه من السجل التجاري أوبتغيير تقييده الشخصي بالتنصيص على وضع الأصل التجاري في التسيير الحر لايسأل تضامنيا ولاشخصيا عن الديون التي يلتزم بها المسير الحر بعد إنقضاء مدة الستة أشهر التي تلي تاريخ نشر مستخرج من هذا العقد حتى يسأل عنها المسير الحر بمفرده وهذه المدة تعتبر كافية لعلم الزبناء والدائنين بالوضعية الجديدة للأصل التجاري وكذلك المركز القانوني للمسير الحر ومالك الأصل التجاري.

1) مسؤولية المسير الحر عن الديون اللاحقة لإبرام العقد.

يسأل المسير الحر للأصل التجاري، وفق القواعد العامة عن كافة الديون التي تترتب على ذمته تجاه الدائنين من تاريخ إبرام العقد ويسأل شخصيا تجاه هؤلاء الأغيار شريطة أن تكون الديون قد أبرمت بإسمه ولحسابه الخاص وتهم إستثمارالأصل الذي يقوم بإدارته إدارة حرة ، ويضل مسؤولا عنها حتى ولو إنقضى عقد التسيير الحر وأعيد الأصل لمالكه، وذلك طبقا لأحكام المادة 157 من مدونة التجارة التي تنص على أنه: « يجعل إنتهاء عقد التسيير الحر الديون المتعلقة بإستغلال الأصل المبرمة من طرف المسير الحر خلال مدة التسيير حالة فورا» والهدف من نص هذه المادة هو ضمان حقوق الدائنين قبل إختفاء محتمل لموجودات الأصل، وتفادي إختفاء المسير الحر قبل أداء جميع الديون المترتبة عليه إبان إستغلاله للأصل التجاري، فمجرد إنتهاء مدة العقد يجعل الديون حالة وبالتالي إما أن يفي بها المسير الحر طوعا وإلا جبرا عن طريق القضاء على أن نطاق هذه المادة ينحصر فقط في الديون دون أن يشمل كل التزامات المسير الحر التعاقدية ولاسيما تلك الناجمة عن إرتباطه بالغير بعقود مستمرة كعقود التزويد بالمواد والخدمات وعقود الشغل.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0