المسـاواة بين الزوجيـن في بعدها الخاص بتطبيـق مسطـــــرة الشقـــــاق
التطليق للشقاق في القانون المغربي مجموعة مواضيع في قانون الأسرة للإستعانة بها في البحوث التحضير للمباريات القانونية
فالتطور المتنامي الذي حصل على مستوى الحياة المجتمعية بكل تجلياتها، فرض تغيرا جذريا في المفاهيم و الضوابط المؤطرة للعلاقات الأسرية، لتجاوز الإشكال القانوني والواقعي الذي كانت تطرحه الوضعيـة القانونية للأسرة عامة و المرأة على وجه الخصوص، لاسيما فيما يتعلق بترسيخ ثقافة العدل و المساواة بين الزوجين في الحقوق والواجبات، و في كل ما يرتبط بمكانة كل منهما داخل الأسرة ( ).
هذا الاقتناع بضرورة نشر و ترسيـخ ثقافـة العدل و المسـاواة بين الزوجين على مستـوى الفضاء الأسـري، يجد أصوله المرجعية في الفقـه الإسلامي من جهـة، والمواثيق الدولية من جهة أخرى ، ذلك أن وحدة الخلق الإلهي للإنسان يقتضي تقرير مبادئ المساواة و الحريـة و الإيخـاء و العدالـة .
.
.
الخ في الأسـرة وغيرها( )، لذلك فقد ألغى الإسلام الحنيف باعتباره خاتم الديانات الفوارق بين كافة البشر، و عولم الإنسان على حد تعبير الأستاذ عبد الهـادي بو طالـب : " لا على أساس التنافـس الحـر على الأسـواق، و لكن على أسـاس التنافـس على التقـوى والفضيلـة، مع إبقائـه على رابطـة واحـدة هي الأسـرة باعتبـارها الخلية الأساسيـة لكل مجتمـع .
.
.
( )، فعلاقة الزوجين في ظل النظـام الإسلامي تتحدد على أساس المساواة الكاملـة في التكوين و وحدة الخلق و الوجود، و هذا ما عبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى : يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكـم من نفـس واحدة و خلـق منها زوجهـا و بث منهما رجالا كثيرا و نساء و اتقـوا الله الذي تساءلـون به و لارحام ، إن الله كان عليكم رقيبـا ( )، و قال عليه الصلاة و والسلام : » إنما النساء شقائـق الرجال في الأحكام « ( )، فهذا الحديث الشريف يلخص الرؤية القرآنية في المساواة بين الزوجين في الحقوق و الوجبات ، و هي جزء منهما و ليس فقط حقا مخولا لهما ، لذلك يرفض الإسلام الحنيف النـزاع في هذا الحق لأنه من حقـوق الله تعالى.
كما أنه في ظل الوعي المتنامي بضرورة احترام حقوق الإنسان عامة و حقوق المرأة خاصة، عمد المجتمع الدولي إلى إيجاد مجموعة من المواثيق الدولية أغلبها صادر فــي إطـار عمل منظمـة الأمـم المتحدة، تهـدف إلى ترسيخ ثقافـة المسـاواة بين الزوجين ( )، و هو التوجـه الذي تبنته القوانين الوضعية من خلال ارتقائها بمبدأ المساواة بين الزوجين إلى مستوى حق دستوري يؤطر و يوجه السياسة التشريعيـة للدولة ( ).
وتقرير مبدأ الوحدة الأسرية و ما يتفرع عنها من قاعدة المساواة بين الزوجين في الوظائـف و الأدوار، يستدعي ضرورة تفعيل الأسلـوب التشاركي و التشاوري بينهما في كل ما يرتبط بتدبير شؤون الأسرة ، لذلك اعتبارا لكون هذا الأسـوب يعكس المنطق الحقوقي في الحقوق و الواجبات( )، فقد عمد المشرع المغربي إلى تكريسه في مدونة الأسرة كما يتضح ذلك جليا في تعريفـه للزواج في المادة 4 التي تنص على أن: » الزواج ميثـاق تراضي و ترابط شرعـي بين رجل و امرأة على وجه الـدوام، غايته الإحصان و العفاف و إنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة ، و كذلك من خلال تنظيمه للحقوق و الوجبات المتبادلة بين الزوجين في المادة 51، و التي نجد من ضمنها تحمل الزوجة مع الزوج مسؤولية القرارات المرتبط بتسيير ورعاية شؤون الأسرة و الأطفال .
.
.
الخ.
من هذا المنطلق فلئن كان المشرع حرص في مدونة الأسرة على ترسيخ ثقافة المساواة بين الزوجين من خلال التدبير التشاوري و التشاركي لأحوال الأسرة ، فقد جعل على عاتقهما معا مسؤوليـة الحفاظ على استقرارها و تماسكها و ضمان استمرارها، ذلك أن الحياة الزوجية لا تخلو من خلافات و نزاعات مهما بلغت درجة التفاهم بينهما، لذلك ولتفادي تطورها إلى أن تصبح شقاقا يتعذر إيجاد حل له غير الحكم بالتفريق عن طريق التطليق، أتاح المشرع لهما أو لأحدهما حق اللجوء إلى القضاء لطلب حل كل نـزاع بينهما يخشى منه الشقاق طبق للمادة 94 من مدونة الأسرة، و التي تجسد في عمقهـا مبدأ المساواة في التقاضي الذي يعتبـر من المبـادئ الأساسية التي يقوم عليها التنظيم القضائي للمملكة ، ضمانا لحقوق المتقاضيـن، و تطبيق مسطرة الشقاق في هذه الحالة يتم عن طريق تقديم طلب بذلك من الزوجين أو أحدهما إلى المحكمة الابتدائية ( قسم قضاء الأسرة ) التي يوجد بدائرة نفوذها بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو التي أبرم فيه عقد الزواج ( )، و يجـب أن يتضمن هذا الطلب كافـة الشـروط الضرورية الواجب توافرها قانونـا في كل ادعـاء قانوني ، حتى يعتد به العمل القضائي و يجعـل منه محلا للإجراءات القضائيـة، و المتمثلـة طبقـا للفصل 1 من قانـون المسطرة المدنيـة في الصفـة والمصلحة و الأهلية ( )، و كذا طبقا للفصل 32 من نفس القانون في الهوية الكاملة للزوجين و عنوانهما الكامل و الحقيقي ، مع الإشارة و لو بإيجاز إلى موضوع النزاع وأسبابه، و يرفق به المستندات و الوثائق التي يمكن استعمالها عند الاقتضاء أهمها عقد الزواج.
ونظرا لكون مسطرة الشقاق شفوية فإنه يجوز اللجوء إليهـا دون الاستعانة بمحام، وبالتالي دون التقيد بمقتضيات الفصل 31 من ظهير 10 شتنبر 1993 المنظم لمهنة المحاماة ، و ذلك على غرار القضايا الأخرى التي تخضع للمسطرة الشفوية طبق للفصل 45 من قانون المسطرة المدنية، و هي القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية فيها ابتدائيا وانتهائيا، و القضايا الاجتماعيـة، و قضايا استيفاء و مراجعة الوجيبـة الكرائية، وقضايا الحالة المدنية .
.
.
الخ، و تنظر في الطلبات المرتبطة بها هيئة قضائية مشكلة من ثلاث قضاة بحضور النيابة العامة و كاتب الضبط، حيث إذا كان المبدأ أن القضاء الجماعي يعتبر من مستلزمات المسطرة الكتابية، فإن دعاوي الشقاق تشكل استثناء لهذا المبدأ نظرا لطبيعة وخصوصية إجراءاتها.
وإذا ثبت نظريا أن إثارة تطبيق مسطرة الشقاق يعكس توجه المشرع نحو إرساء وتكريس مبدأ المساواة بين الزوجين لتسوية نزاعاتهما قضائيا، فإن الواقع العملي يثبت محدودية تلك المسـاواة، بحيث أن أغلب الطلبات المقدمـة بخصوص تطبيـق مسطرة الشقاق يكون مصدرها الزوجات ، أما الأزواج فناذرا ما يتقدمون بتلك الطلبات، و هو ما يجعل اللجوء إلى طلب تطبيق مسطرة الشقاق يقترن عمليا بحق الزوجة في طلب التطليق، لما تتيحه لها من إمكانيـة الحصول عليه بكيفيـة سهلـة و بسيطة مادامت تتمسـك به ( )، و ربما من الأسبـاب الكامنـة وراء ذلك أن الأزواج يشعرون بالحـرج في حالة اللجوء إلى القضاء قصد طلب حل نزاعاتهم مع زوجاتهم، لذلك فإنهم عندما يطرقون باب قضاء الأسرة إنما يكون ذلك في الغالب إما لطلب الطلاق أ و التعدد أو لرفع دعوى الرجوع إلى بيت الزوجية.
لكن هذا لا ينبغي معه التسليم بانعدام أي طلب تقدم به الزوج لتطبيق مسطرة الشقاق لأن النذرة لا تعني الانعدام الكلي، لذلك و طبقا للقاعدة الفقهية : » ما لا يدرك جله لا يترك كله « حسبنا أن نشير في هذا الإطار إلى نموذج لحكم قضائي صادر عن – قسـم قضـاء الأسـرة – التـابـع للمحكمـة الابتدائيــة بالحسيمـة جـاء فيـه:» بتاريــخ 11/04/05 تقدم المدعي بواسطة دفاعه بمقال مؤدى عنه الرسوم القضائية يعرض فيه أن المدعى عليها زوجته و منذ زوجها لم يتم الدخول حيث سافرت إلى الخارج إلى مكان إقامتها، و لم تلتحق به، مما دفعه إلى استصـدار حكم شخصي ضدهـا قضى بإلزامها بالرجوع إلى بيت الزوجية ملف عدد 261/2001، لم يقع تنفيـذه نظرا لكـون المدعى عليها تتواجد بديار المهجر حيث انقطعت أخبارها و لا يعلم عنها شيئـا، ملتمسا إصدار أمر قضائي يقضي بالتطليق للشقاق كحل نهائي يفك عرى الزوجية بينهما .
.
.
« ( ).
عموما إذا كان تكريس مبدأ المساواة بين الزوجين في بعدها الخاص بتطبيق مسطرة الشقاق ، الغاية منه تخويلهما حق اللجوء إلى القضاء لطلب حل كل نزاع بينهما يخاف أن يؤثر سلبا على مصير علاقتهما الزوجية، فإن رغبة المشرع في تعزيز دور القضاء في معالجة النزاعات الزوجيةاقتضت منح المحكمة إمكانية الإثارة التلقائية لمسطرة الشقاق