الرقابة القضائية على السلطة التقديرية للادارة في فرض الضريبة

مجموعة مواضيع في القانون العام منتقات للتحضير للبحوث و المقالات و المباريات القانونية

الرقابة القضائية على السلطة التقديرية للادارة في فرض الضريبة

الرقابة القضائية على السلطة التقديرية للادارة في فرض الضريبة

 

  ان الحديث عن الرقابة القضائية على السلطة التقديرية للادارة في فرض الضريبة يقتضي ان ندرس مفهوم هذه الرقابة في مطلب ثم نسلط الضوء في مطلب ثانٍ على مدى فاعلية هذه الرقابة .

المطلب الاول

مفهوم الرقابة القضائية

الفرع الاول

مضمون الرقابة القضائية

حرصاً على توفير الحماية للمكلف من تعسف السلطة المالية وهي تمارس سلطتها التقديرية نجد ان اغلب التشريعات قد اناطت مهمة الرقابة في الشؤون الضريبية بجهة قضائية او اكثر تتصف بالاستقلال والحياد يهرع اليها المكلف لحسم النزاع .

فالقضاء يرتقي الى ان يكون الحصن الحصين والحامي الامين لحقوق المكلف لذا نجد ان دساتير اغلب الدول المعاصرة قد كفلت حق التقاضي لجميع المواطنين على حد سواء (1) .

  ومهما يكن الامر فان الجهة القضائية التي يعهد اليها مهمة البت في الخصومات التي تنشأ بين المكلف والسلطة المالية يطلق عليها القضاء الضريبي .

  ووفقاً لما تقدم يمكن القول ان القضاء الضريبي يراقب مدى مشروعية عمل السلطة المالية ومدى التزامها بالقوانين الضريبية والانظمة الصادرة بموجبها فان حادت السلطة المالية عن جادة الصواب كان له ان يقضي باعادة الحق الى نصابه عن طريق الغاء الضريبة كلاً او جزءً وبالنتيجة فاذا وجد القاضي ان المكلف غير محق في دعواه التي اقامها على السلطة المالية امتنع عن الاستجابة لطلبه .

الفرع الثاني

الجهات القضائية المختصة بنظر المنازعات الضريبية

  ان التشريعات الضريبية المعاصرة ، تتباين في تحديد القضاء المختص بنظر الطعون الضريبية – بوجه عام – فمنها من يعهد بهذه المهمة الى القضاء العادي ومنها من ينيطها بالقضاء الاداري ومنها من اختط طريقاً وسطاً ليقسم بين القضائين العادي والاداري مهمة النظر في الطعون الضريبية وقد نهجت تشريعات اخرى مسلكاً خاصاً عندما انشات محاكم ضريبية متخصصة تضطلع بهذه المهمة.

  وبصورة مختصرة سوف ندرس هذه الجهات القضائية على وفق ما يلي :

اولاً : القضاء العادي :

  يعرف القضاء العادي بأنه الجهة القضائية المختصة بنظر المنازعات التي تنشأ بين الافراد انفسهم او بين الافراد والادارة عندما تتعامل معهم كشخص من اشخاص القانون الخاص (1) .

  ففي بعض الدول نجد ان مهمة النظر في المنازعات الضريبية قد انيطت بالقضاء العادي ومن ذلك مثلاً برطانيا فقد اجاز المشرع الانكليزي لكل من مفتش الضرائب على الدخل والمكلف اذا لم يقتنع أي منهما بقرار فرض الضريبة ان يطعن به امام المحاكم العليا التي تختص فقط بنظر المسائل القانونية دون الوقائع .

وللخصوم استئناف الحكم الصادر من هذه المحكمة امام محكمة الاستئناف التي يجوز الطعن في حكمها امام اعلى هيئة قضائية في انكلترا وهي مجلس  اللوردات (2) .

  وقد كان المشرع العراقي قد سمح في ظل قوانين ضريبة الدخل الملغاة لمحكمة التمييز النظر في المسائل القانونية التي يتضمنها قرار لجنة التدقيق بناءً على الطعن المقدم من السلطة المالية او المكلف (1) .

  وقد دافع بعض الفقهاء عن القضاء العادي ورأوا ان يعقد له اختصاص النظر في المنازعات الضريبية لانه القضاء المختص بتطبيق القانون المدني الذي يعد الشريعة العامة الواجبة التطبيق في كل ما لم يرد بشأنه نص خاص اضافة الى ما يحققه هذا القضاء من ضمانات للمكلف يعجز عن تحقيقها القضاء الاداري الذي غالباً ما يدافع عن حقوق الخزينة العامة فلا يجد المكلف عندئذ حماية كافية الا في ظل القانون المدني الذي تطبقه المحاكم العادية (2) .

  الا ان هذا الرأي يتجاهل ومن دون مسوغ ذاتية القانون الضريبي واستقلاله عن باقي القوانين ومنها القانون المدني حيث وضعت نصوص القانون الضريبي لتنظم العلاقة غير المتكافئة ما بين المكلف والسلطة المالية على خلاف العلاقة التي ينظمها القانون المدني التي غالباً ما تكون متكافئة .

فضلاً عن ذلك فان القضاء الضريبي اياً كان ليس ملزماً بالرجوع الى القانون المدني لايجاد الحلول في المسائل الضريبية التي اغفل المشرع عن تنظيمها اذ له ان يطبق قواعد أي قانون – خاص او عام – تتلاءم مع طبيعة العلاقة القائمة ما بين المكلف والسلطة المالية.

ثانياً : القضاء الاداري :

  هو الجهة القضائية المختصة بنظر المنازعات الضريبية والتي تنشأ في الغالب مابين الاشخاص العادية والادارة عندما تتعامل بوصفها سلطة عامة تستخدم اساليب القانون العام (1) .

وفي تسويغ اضطلاع القضاء الاداري بممارسة هذه الرقابة فقد قيل ان المنازعات الضريبية تعد من قبيل المنازعات الادارية بطبيعتها وتتضمن طعناً في قرارات ادارية تدخل في اختصاص القضاء الاداري اضافة الى ان تطبيق التشريعات الضريبية يثير قضايا على جانب كبير من الدقة لا يتسع وقت المحاكم العادية وزخم عملها لحلها وتدقيقها (2) .

ثالثاً : اشتراك القضائين العادي والاداري في نظر المنازعات الضريبية :

  اناطت بعض الدول للقضائين العادي والاداري مهمة فحص المنازعات الضريبية والبت فيها .

ففي فرنسا مثلاً نجد ان القضاء العادي ينظر في الدعاوى المتعلقة بالضرائب غير المباشرة اما الضرائب المباشرة فان المنازعات الناشئة عنها تدخل في اختصاص القضاء الاداري (3) .

غير ان ازدواج الاختصاص القضائي في نظر المنازعات الضريبية في فرنسا له جذور تاريخية تعود الى بدايات الثورة الفرنسية التي علقت في اذهان ثوارها الذكريات السيئة للضرائب غير المباشرة لما كانت تتصف به من ظلم وقسوة ابان الحكم الملكي المطلق .

وهذا ما دفع الثوار الى الغائها فور تسلمهم للسلطة غير ان ما فاق الشعور النفسي السيء هذا ، الحاجة الماسة الى الايرادات المالية مما اضطرهم الى اعادة فرضها محاولين في الوقت نفسه طمأنة المكلفين من خلال تمكينهم من الطعن في قرارات فرضها امام المحاكم العادية التي كانت تمثل انذاك الحارس الحقيقي لحقوق الافراد (1) .

وقد راى بعض فقهاء القانون الضريبي على هذا المنحى مآخذ كثيرة لعل اهمها(2) :

  • عدم ارتكاز توزيع الاختصاص بين القضائين على مبررات قانونية او منطقية معقولة بل على اعتبارات تاريخية فقدت اهميتها في الوقت الحاضر.

  • قد تتضارب الحلول التي يعرضها كل من القضائين في القضايا المعروضة عليها وهذا ما قد يلحق الضرر بالمكلف .

  • عدم اختلاف المركز القانوني للمكلف في كل من الضرائب المباشرة وغير المباشرة اذ قد يشغل ازاء كل منهما مركزاً قانونياً تنظيمياً تحكمه القوانين والانظمة الضريبية .

رابعاً : القضاء المتخصص :

  ويراد به المحاكم الضريبية المتخصصة والمستقلة عن القضائين العادي والاداري والتي تنحصر مهمتها بالفصل في المنازعات الضريبية المرفوعة اليها .

  وقد وجد القضاء المتخصص في تشريعات كثيرة لعل من اهمها قانون ضريبة الدخل رقم 57 لسنة 1985 الاردني النافذ اذ نصت المادة 34 منه على ان  " تختص محكمة استئناف قضايا ضريبة الدخل بالنظر في الاستئنافات المقدمة للطعن في قرارات التقدير واعادة النظر في التقدير .

.

.

وهي محكمة خاصة مركزها عمان تكون ضمن ملاك وزارة العدل وتعقد برئاسة قاضي لا تقل درجته عن الثانية وعضوية قاضيين لا تقل درجة كل منهما عن الرابعة (1) .

ومما جاء في تسويغ القضاء المختص انه يتلاءم مع استقلال القانون الضريبي وتخصصه بذاتية مستقلة ومتميزة عن بقية فروع القانون الاخرى وعلى وجه الخصوص كل من القانونين المدني والاداري حيث ان وجود مثل هذا القضاء المختص قد يحول من دون اصدار حكم في الخصومات الضريبية تحت تاثير قواعد القانونين المدني والاداري – اضافة الى ما يحققه هذا القضاء من توحيد للاحكام الضريبية (2) .

اما الحجج التي ساقها المعارضون لفكرة القضاء الضريبي المتخصص فتتلخص في ان وجود هذه المحاكم يؤدي الى تعدد الجهات القضائية داخل الدولة الواحدة وتعقدها مما قد يصعب معه توزيع الاختصاص بينها كما ان هذه المحاكم المتخصصة قد تقف الى جانب الخزينة العامة فتفقد بذلك حيادها (3) .

المطلب الثاني

مدى فاعلية الرقابة القضائية على السلطة التقديرية في فرض الضريبية

  لكي نحيط علماً بمدى فاعلية الرقابة التي يمارسها القضاء على السلطة التقديرية في فرض الضريبة ينبغي علينا التمييز بين مرحلتين هما مرحلة ما قبل صدور القرار رقم 10 لسنة 2003 (1) مرحلة ما بعد صدور هذا القرار .

المرحلة الاولى :

في هذه المرحلة التي سبقت صدور القرار رقم 10 في 22/2/2003 .

كانت للقضاء العادي صلاحية النظر في المنازعات الخاصة بقانون ضريبة الدخل (2) .

فقد كانت محكمة التمييز جهة مختصة بالنظر في الطعون بالمسائل القانونية في القرارات الصادرة عن اللجان الاستئنافية ( لجان التدقيق ) (3).

وقدر تعلق الامر بموضوع الرسالة فأن محكمة التمييز كانت تمارس دوراً رقابياً على قرارات الادارة في فرض الضريبة على اساس سلطتها التقديرية وتبنت في رقابتها هذه تلك الاتجاهات الحديثة التي تبناها القضاء الاداري في رقابته على السلطة التقديرية للادارة التي سبق شرحها(4) .

وفيما يلي عرض لبعض الاحكام المتعلقة برقابة محكمة التمييز على اعمال السلطة المالية الصادرة بناءً على سلطتها التقديرية .

أ- في قرار محكمة التمييز المرقم 49 في 29/12/1959 جاء مايلي " لدى التدقيق والمداولة وجد ان المدين قد رهنت املاكه لدى شخص واحد وان الدائن ليست له رهنيات مع اشخاص اخرين مما يدل على عدم تعاطيه واحترافه المداينات وحيث ان ظاهر الحال وماثبت في سندات المداينة يؤيد اقوال الدائن من كون الرهن الذي اجري على املاك المدين لمجرد تأمين ديون الدائن وانها من دون فائدة ولم تدحض هذه البينة والقرائن المؤيدة لها بخلافها لذلك يصبح القرار المميز من قبل السلطة المالية موافقاً للقانون فتقرر تصديقه .

من هذا الحكم نستنتج ان السلطة المالية قامت بتقدير الضريبة على المكلف  ( الدائن المرتهن ) على اساس تحقق الواقعة المنشئة للضريبة والمتمثلة بالفوائد عن القروض التي يمنحها المقرض ( الدائن المرتهن ) الى المقترض ( الراهن ) وهذا مالم يثبت صحة وقوعه للاسباب التي ذكرتها المحكمة في حكمها ومن ثم فأن اسباب الاخضاع للضريبة لم تتحقق ومامن حق للسلطة المالية ان تستند الى سلطتها التقديرية في افتراض تحقق الفوائد في المداينة(1) .

ب- وفي قضية اخرى قررت محكمة التمييز مايلي " .

.

.

.

.

وحيث ان المادة (2) من قانون ضريبة الدخل رقم 36 لسنة 1939 قد اشترطت لترتيب الضريبة على الارباح الناجمة من شراء وبيع الاموال العقارية ان تكون بقصد المتاجرة .

.

.

وحيث ان من الثابت ان شراء الاراضي كان بقصد الزراعة وان المكلف قام باستغلالها زراعةً واستمرت مدة طويلة على هذا المنوال ثم عرضت عليه عمليات البيع وازالة الشيوع لذا يكون القصد التجاري غير متوفر فيها عند الشراء وعليه يكون القرار المميز – من قبل السلطة المالية – موافقاً للقانون فقرر تصديقه وماذكره المميز بلائحته غير وارد .

.

.

الخ "(2) .

  فبالرغم من ان المشرع قد قرر اخضاع الارباح الناجمة من شرائه وبيع الاموال العقارية للضريبة متى ماكانت بقصد المتاجرة فأن محكمة التمييز في القضية اعلاه عدت السلطة المالية غير موفقة في اخضاع الارباح الناجمة عن شراء وبيع الارض الزراعية للضريبة اذ اخطأت في تكييف الواقعة المنشئة للضريبة وذلك لكون عملية نقل الملكية لم تكن بقصد المتاجرة وعلى هذا الاساس قررت الغاء تقدير السلطة المالية .

ج- وفي حكم اخر قررت محكمة التمييز الزام السلطة المالية بالاخذ بالبدل المتفق عليه بين البائع والمشتري عند تقدير قيمة العقار من دون التقدير الذي اجرته لجنة الكشف المشكلة بموجب نظام تقدير قيمة العقار ومنافعه رقم 75 لسنة 1959 ، فبالرغم من ان الفقرة (2) من المادة 4 من النظام المذكور اعطت للسلطة المالية سلطة تقديرية في ان تاخذ بالبدل المقربه او القيمة المقررة من قبل دائرة الطابو ايهما اكثر فضلاً عن سلطتها التقديرية في طلب تقدير القيمة بواسطة اللجان المؤلفة بموجب هذا النظام اذا اعتقدت بأن كلاً من البدل والتقدير لايعول عليهما .

  نقول انه بالرغم من وجود هذه السلطة التقديرية الا ان محكمة التمييز رأت في حكمها هذا ان التقدير الذي اجرته لجنة الكشف لايتناسب وواقع حال العقار محل التقدير اذ جاء مغالى فيه وان البدل الوارد في ورقة البيع هو الاقرب الى الحقيقة، وبهذا تكون محكمة التمييز قد مارست رقابة قصوى على الغلط البين وذلك من خلال تقديرها لاهمية الوقائع التي اعتمدت عليها السلطة المالية في احتساب الضريبة فعدت ذلك التقدير غير ملائم وغير متناسب مع واقع الحال فالغته(1) .

على ان مسيرة محكمة التمييز في ممارسة هذه الرقابة قد توقفت بصدور قرار مجلس قيادة الثورة – المنحل - المرقم 71 لسنة 1970 الذي منعت بمقتضاه المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها من النظر في المنازعات الضريبية وبقى الامر على حاله في ظل قانون ضريبة الدخل النافذ(1) الى ان صدر قرار مجلس قيادة الثورة رقم 10 لسنة 2003 الذي الغى نص المادة (55) من قانون ضريبة الدخل النافذ .

وخلال هذه الفترة صدر القانون رقم 106 لسنة 1989(2) والذي انشا لاول مرة قضاءً ادارياً متخصصاً للنظر في طعون الاشخاص بالقرارات الادارية ، فقد جاء في المادة 7 / البند ثانياً / الفقرة د من قانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 المعدل النافذ مايلي " تختص محكمة القضاء الاداري بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية التي تصدر عن الموظفين والهيئات في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي بعد نفاذ هذا القانون التي لم يعين مرجع للطعن فيها " ، كما تمارس الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة الاختصاصات التي تمارسها محكمة التمييز فيما يخص رقابتها على القرارات التي تصدرها محكمة القضاء الاداري(3) وعليه فأنه كان يفترض ان تختص محكمة القضاء الاداري بالنظر في الطعون الضريبية لكونها تتعلق بقرارات ادارية صادرة عن الموظفين والهيئات في دوائر الدولة .

حتى وان كانت تلك القرارات قد صدرت بناءً على السلطة التقديرية للسلطة المالية(4) .

  الا ان ماحال دون ذلك هو نص الفقرة ج من البند ثانياً من المادة (7) من القانون اعلاه والمتضمن استثناءً على اختصاص محكمة القضاء الاداري في النظر بالطعون الضريبية اذ لاتختص هذه المحكمة بمقتضى هذا النص في النظر بالقرارات الادارية التي رسم القانون طريقاً للتظلم منها او الاعتراض عليها او الطعن فيها(1) .

ولما كان المشرع الضريبي قد رسم لكل من المكلف والسلطة المالية طريقاً للطعن بقرارات تقدير وفرض وجباية الضريبة فأنه بذلك اصبحت المنازعات الضريبية بمنأى عن رقابة محكمة القضاء الاداري(2) .

  وبالرغم من الصراحة المتناهية التي جاءت بها نصوص قانون مجلس شورى الدولة وضريبة الدخل النافذين المتعلقة بمنع القضاء – ومنها الاداري – من النظر في المنازعات الضريبية ، الا ان محكمة القضاء الاداري والهيئة العامة لمجلس شورى الدولة قد باشرت رقابتها على المنازعات الضريبية وقد تطورت هذه الرقابة لتصل الى حد تناولت عنده السلطة التقديرية في فرض الضريبة .

   ففي البداية لم تنظر محكمة القضاء الاداري في الدعاوي المتعلقة بتقدير وفرض وجباية ضريبة الدخل وذلك تقيداً بالنصوص التي منعت تلك المحكمة من النظر في هذه المنازعات وبهذا الاتجاه سارت الهيئة العامة في مجلس شورى الدولة اذ كانت ترد الدعاوي لعدم الاختصاص ولم تكن تخوض في موضوع الدعوى(1) .

  وفي مرحلة لاحقة اخذت محكمة القضاء الاداري على عاتقها وتؤيدها في ذلك الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة – البحث في موضوع المنازعات الضريبية ولكنها تنتهي برد الدعوى من الناحية الشكلية استناداً الى النصوص القانونية المانعة لاختصاصها في النظر في تلك المنازعات الضريبية(2) .

  والى ابعد من ذلك ذهبت محكمة القضاء الاداري الى حد تجاهل صراحة النصوص القانونية التي تمنعها من النظر في الطعون الضريبية فتقبل لنفسها اختصاص النظر في هذه المنازعات(3) .

  ومن جانب اخر نجد ان مجلس شورى الدولة يمارس اختصاصاً استشارياً اضافة الى الاختصاص القضائي(4) .

  وقد كان للمجلس نصيب في ممارسة اختصاصه هذا في اطار السلطة التقديرية للادارة في فرض الضريبة ، ففي احدى الحالات استفسرت وزارة الداخلية عن مدى امتداد صلاحيات السلطة المالية في منع انجاز معاملات المواطنين المكلفين بدفع الضريبة – ويقصد بهم اصحاب السيارات الانتاجية – لدى دوائر الدولة كافة الا بعد تقديم مايثبت براءة ذمتهم من الضريبة ، اذ ترى وزارة الداخلية ان صلاحيات السلطة المالية لاتمتد الى الوزارات الاخرى ، وان دوائر المرور التزمت بالتوجيهات التي تقتضي بالعمل على تبسيط معاملات المواطنين وان الزام اصحاب سيارات الاجرة والحمل عند انجاز معاملاتهم بابراز مايثبت دفعهم للضريبة من شأنه اعاقة تلك المعاملات وتأخيرها .

  وقد رأى المجلس ان على دائرة المرور عدم انجاز معاملات اصحاب سيارات الاجرة والحمل الا بعد التثبت من براء ذممهم من الضريبة وذلك لان الفقرة الثالثة من المادة 28 من قانون ضريبة الدخل النافذ قد اعطت للسلطة المالية سلطة تقديرية في ايقاف او تمشية اجراء المعاملات التي لها علاقة بالضريبة ولاتسمح باجرائها من قبل الدوائر الاخرى حتى يتم دفع الضريبة او التأمينات التي قد تتحقق عنها (1) .

المرحلة الثانية :

وهي المرحلة التي تلت صدور القانون رقم 10 لسنة 2003 والذي تم بمقتضاه الغاء نص المادة 55 من قانون ضريبة الدخل النافذ لينعقد للمحاكم بذلك الاختصاص بالنظر في كل ماله علاقة بتقدير وفرض وجباية الضريبة .

ومع اهمية هذه الخطوة الا انه مما تجدر الاشارة اليه هو ان هذا القانون جاء قاصراً عن حسم كثير من المسائل التي قد تثار في هذا الاطار كمصير اللجان الاستئنافية والهيئة التمييزية فهل هي باقية ام ان المحاكم قد حلت محلها بالنظر في المنازعات الضريبية وهل من الممكن ان يقدم الطعن الى المحاكم وتلك الجهات وماهو مدى حجية الاحكام والقرارات الصادرة عنها ؟

كل هذه التساؤلات لم يرد لها حل او اجابة في القانون قم 10 لسنة 2003 .

ومهما يكن الامر فان اهم ماجاء به هذا القرار هو فسح المجال للمحاكم على اختلاف انواعها وتعدد درجاتها للخوض في منازعات ضريبة الدخل .

وعلى ارض الواقع نجد ان القضاء العادي – في هذه المرحلة – قد مارس رقابته على اعمال السلطة التقديرية للسلطة المالية ففي احدى القضايا قررت محكمة بداءة الرصافة تأييد قرار السلطة المالية المتمثل في رجوعها بتقدير الضريبة على المكلف بمبلغ 156950428 دينار وذلك لكونه قد استند الى السلطة التقديرية المتروكة للسلطة المالية في اعادة التقدير بموجب نص المادة 32 من قانون ضريبة الدخل النافذ(1) .

  وفي الوقت الذي نبارك بما يسعى اليه القضاء العادي من الاضطلاع بدور فاعل في ممارسة الرقابة على السلطة التقديرية للسلطة المالية في فرض الضريبة فأننا نأمل من محكمة القضاء الاداري ان تمارس دورها الرقابي في هذا المجال لكونها صاحبة الاختصاص الاصيل في نظر المنازعات الادارية ومنها المنازعات الضريبية وذلك الى حين انشاء قضاء اداري متخصص ينظر بالمنازعات الضريبية فحسب تصدر عنه احكام على درجة عالية من الدقة من دون التأثر بقواعد القانون الاخرى التي يتميز عنها القانون الضريبي بذاتية واستقلالية فضلاً عما يحققه هذا القضاء من ضمان مصلحة الخزانة والمكلف على حد سواء من خلال مايضمنه من حياد وتوحيد للاحكام القانونية الضريبية .

 


(1) ومنها دستور 16 تموز لسنة 1970 العراقي – انظر الفقرة ( ب ) من المادة 63 منه وسوف نلاحظ ان هناك استثناءات قد وردت على هذا الحق ، فقد كانت المحاكم – الى حد قريب – ممنوعة من سماع الدعاوى المتعلقة بتقدير الضريبة وفرضها وجبايتها بمقتضى المادة (55) – الملغاة – من قانون ضريبة الدخل النافذ كما سنبين ذلك .

(1) مع ملاحظة ان هذا القضاء قد ينظر في منازعات الادارة بصورة عامة وعلى وجه الخصوص في الدول ذات النظام القضائي الموحد كانكلترا .

(2) د.

زكريا محمد بيومي – الطعون القضائية في ربط الضرائب على الدخل مع دراسة تحليلية في التشريعين الضريبين الفرنسي والمصري – دار الاتحاد العربي للنشر – بيروت – 1973 – ص4 .

(1) انظر على سبيل المثال المادة 41 من قانون ضريبة الدخل رقم 36 لسنة 1939 الملغي التي نصت على ان " تبت محكمة التمييز في المسائل القانونية المرفوعة اليها ويكون قرارها نهائياً " لمزيد من التفصيل انظر حسن محمد علي – قانون ضريبة الدخل وتطبيقاته في العراق – مطبعة المعارف – بغداد – 1946 – ص253 .

(2) زكريا محمد بيومي – المصدر السابق – ص8 .

(1) وقد اناطت دول كثيرة مهمة ممارسة الرقابة القضائية في المنازعات الادارية للقضاء الاداري فقد اتاح المشرع السويدي للمكلف فرصة الطعن في قرار اللجنة العامة للطعن برفض التظلم المقدم اليها في قرار فرض الضريبة على الدخل امام محكمة المراجعة ويجوز الطعن في الحكم الصادر من هذه المحكمة امام اعلى درجات المحاكم وهي المحكمة العليا الادارية .

لمزيد من التفصيل انظر د.

زكريا محمد بيومي – المصدر السابق – ص14 .

(2) د.

زكريا محمد بيومي – المصدر السابق – ص8 .

د.

محمد فؤاد ابراهيم – الضريبة على ايراد القيم المنتقولة – بلا مكان للنشر – 1955 – ص359 .

(3) وما تجدر الاشارة اليه هو ان هذا التوزيع انما وقع بمقتضى القانون فبمقتضى قانون ( 22 ) فريمر من السنة السابعة للثورة اختصت المحاكم العادية بنظر قضايا ضرائب التسجيل وهي ضرائب غير مباشرة وامتد حكم هذا القانون ليشمل جميع الضرائب غير المباشرة .

اما محاكم الاقاليم – وهي محاكم ادارية – فقد اختصت بنظر قضايا الضرائب المباشرة بمقتضى قانون ( 28 ) بليفيور من السنة الثامنة للثورة – لمزيد من التفصيل انظر د.

حسين خلاف – مدى اختصاص القضاء الاداري بنظر منازعات الضرائب والرسوم في فرنسا ومصر – بحث منشور في مجلة مجلس الدولة – السنة الثانية – 1951 – ص 336 .

(1) د.

حسين خلاف – المصدر السابق – ص334 .

(2) د.

حسين خلاف – المصدر السابق – ص335 .

(1) كما اخذ التشريع الالماني بهذا النظام من خلال ايجاد محكمة في كل اقليم تختص في النظر بالمنازعات الضريبية اضافة الى وجود محكمة فدرالية ضريبية تختص بالفصل في كل ما يرفع اليها من طعون في احكام المحاكم الضريبية في الاقاليم – لمزيد من التفصيل انظر د.

زكريا محمد بيومي – المصدر السابق – ص15.

(2) د.

قدوري نقولا عطية – ذاتية القانون الضريبي – مصدر سابق – ص154 – 155 .

(3) لمزيد من التفصيل انظر بان صلاح عبد القادر – المصدر السابق – ص103 .

 

(1) نشر هذا القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 3972 في 3/3/ 2003 .

(2) واستمر هذا الحال الى حين صدور قرار مجلس قيادة الثورة ( المنحل ) رقم 71 لسنة 1970 المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 1867 في 14/4/1970 .

(3) انظر المواد 40 – 41 من قانون ضريبة الدخل رقم 95 لسنة 1959 الملغي .

انظر ايضاً المواد من  41 – 44 من قانون ضريبة الدخل رقم 36 لسنة 1939 الملغي .

(4)  انظر ص 230 وما بعدها من الرسالة .

(1)  نشر هذا القرار في مجموعة القرارات الضرائبية الهامة الصادرة من محكمة تمييز العراق ، اعداد – الهيئة العامة للضرائب – مصدر سابق – ص 9 .

(2)  حكم محكمة التمييز المرقم 42 في 29/11/1956 منشور في مجموعة القرارات الضرائبية الهامة الصادرة من محكمة التمييز – مصدر سابق – ص20 .

(1)  ومايلفت النظر في هذا القرار هو ان السلطة المالية عندما اعترضت على قرار لجنة التدقيق لمدينة بغداد المرقم 87 في 16/11/1960 امام محكمة التمييز فأن محكمة التمييز قضت بموجب قرارها المرقم 76 / ضريبة في 26/1/1961 بنقض قرار لجنة التدقيق اعلاه وقررت الزامها بالاعتماد على تقدير الطابو دون تقدير لجنة الكشف او البدل الوارد في عقد البيع الا ان لجنة التدقيق قررت في قرارها المرقم 85 في 1/3/1961 الاصرار على قرارها السابق والذي تأيد بقرار محكمة التمييز الصادر في 4/5/1961 لمزيد من التفصيل عن هذه القضية – انظر الهيئة العامة للضرائب – مجموعة القرارات الضرائبية – مصدر سابق – ص 52-54 .

(1)  اذ نصت المادة 55 منه على ان " لاتسمع المحاكم اية دعوى تتعلق بتقدير الضريبة وفرضها وجبايتها او اية معاملة اجريت وفق احكام هذا القانون " .

(2) نشر في الوقائع العراقية العدد 3285 في 11/12/1989 وهو قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 النافذ .

(3)  انظر البند ثالثاً من المادة 7 من قانون مجلس شورى الدولة النافذ .

(4)  وذلك لان الفقرة ( هـ ) من البند ثانياً من المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة النافذ قد اعتبرت من اسباب الطعن في القرار الاداري – كقرار فرض الضريبة - ان يتضمن الامر او القرار خرقاً او مخالفة للقانون او الانظمة او التعليمات او ان تتضمن خطأ في تطبيق القوانين والتعليمات او تفسيرها وهذه الاسباب تتعلق بالسلطة التقديرية .

(1)  وتعتبر كثرة الاستثناءات الواردة على اختصاص المحكمة من اهم الانتقادات التي وجهت اليها اذ انه اختصاص محدود ومتواضع فبالاضافة الى منع المحكمة من النظر في القرارات الادارية التي رسم القانون طريقاً للتظلم منها او الاعتراض عليها او الطعن فيها – وهي كثيرة جداً – فأنه قد استبعد اعمال السيادة والقرارات الادارية التي تتخذ تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية وفقاً لصلاحياته الدستورية من خضوعه لرقابة محكمة القضاء الاداري – انظر الفقرتين أ/ب من البند ثانياً من المادة 7 من قانون مجلس شورى الدولة النافذ – ولمزيد من التفصيل عن هذه الاستثناءات وباقي الانتقادات الموجهة الى محكمة القضاء الاداري في العراق – انظر د.

عصام عبد الوهاب البرزنجي – مجلس شورى الدولة وميلاد القضاء الاداري العراقي – بحث منشور في مجلة العلوم القانونية – المجلد التاسع – العددان الاول والثاني – 1990 – ص 151 ومابعدها .

(2)  فقد اتاح قانون ضريبة الدخل النافذ للمكلف الطعن بقرارات السلطة المالية الخاصة بتقدير وفرض وجباية الضريبة امام اللجان الاستئنافية كما اتاح لكل من السلطة المالية والمكلف الطعن بقرارات اللجان الاستئنافية امام الهيئة التمييزية متى ماكان مبلغ الضريبة المعترض عليه اكثر من عشرة الاف دينار – انظر المواد من 37 الى 40 من قانون ضريبة الدخل النافذ .

(1)  انظر على سبيل المثال قرار محكمة القضاء الاداري المرقم 67/قضاء اداري / 1997 في 29/9/1997، حيث ردت دعوى المدعي استناداً الى نص المادة (55) من قانون ضريبة الدخل النافذ وقررت الهيئة العامة تصديقه بالقرار المرقم 81/اداري تمييزي/ 1997 في 7/2/1997 ذكره د.

عثمان سلمان غيلان – مبدأ قانونية الضريبة – دراسة مقارنة – رسالة دكتوراه – كلية الحقوق – جامعة النهرين – 2003 ، ص263 ، هـ 4 .

(2)  ومن ذلك مثلاً قرار الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة الصادر بموجب الاضبارة المرقمة 22/اداري تمييزي / 1999 في 29/7/1999 ذكره د.

عثمان سلمان غيلان – المصدر السابق – ص264 .

(3)  قرار الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة في الاضبارة المرقمة 60/ اداري تمييزي / 1997 في 16/2/1997 ذكره د.

عثمان سلمان غيلان – المصدر السابق – ص265 .

(4)  انظر المادة (6) كذا من قانون مجلس شورى الدولة النافذ .

(1)  قرار مجلس شورى الدولة – الهيئة العامة المرقم 5/6/6/ في 15/9/1990 غير منشور .

(1)  قرار محكمة بداءة الرصافة في الدعوى المرقمة 534 / ب / 2003 في 29/10/2003 غير منشور .

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0