ذكر الخبر عن غزوه نصر بن سيار ما وراء النهر

غزوات النبي محمد في كتب التاريخ، غزوات الرسول، الغزوات في الأسلام، غزوات الصحابة، الفتوحات الإسلامية، ما هي الغزوات التي مرت في الإسلام،

ذكر الخبر عن غزوه نصر بن سيار ما وراء النهر
وفي هذه السنة غزا نصر بْن سيار ما وراء النهر مرتين، ثم غزا الثالثة، فقتل كور صول.

ذكر الخبر عن غزواته هذه: ذكر علي عن شيوخه، أن نصرا غزا من بلخ ما وراء النهر من ناحية باب الحديد، ثم قفل إلى مرو، فخطب الناس، فقال: ألا إن بهرامسيس كان مانح المجوس، يمنحهم ويدفع عنهم، ويحمل أثقالهم على المسلمين، ألا إن أشبداد بْن جريجور كان مانح النصارى، ألا إن عقيبة اليهودي كان مانح اليهود يفعل ذلك ألا إني مانح المسلمين أمنحهم وأدفع عنهم، وأحمل أثقالهم على المشركين، ألا إنه لا يقبل مني إلا توفي الخراج على ما كتب ورفع وقد استعملت عليكم منصور بْن عمر بْن أبي الخرقاء، وأمرته بالعدل عليكم، فأيما رجل منكم من المسلمين كان يؤخذ منه جزية من رأسه، أو ثقل عليه في خراجه، وخفف مثل ذلك عن المشركين، فليرفع ذلك الى المنصور بْن عمر، يحوله عن المسلم إلى المشرك قَالَ: فما كانت الجمعة الثانية، حتى أتاه ثلاثون ألف مسلم، كانوا يؤدون الجزية عن رءوسهم وثمانون ألف رجل من المشركين قد ألقيت عنهم جزيتهم، فحول ذلك عليهم، وألقاه عن المسلمين ثم صنف الخراج حتى وضعه مواضعة، ثم وظف الوظيفة التي جرى عليها الصلح قَالَ: فكانت مرو يؤخذ منها مائة ألف سوى الخراج أيام بني أمية ثم غزا الثانية إلى ورغسر وسمرقند ثم قفل، ثم غزا الثانيه إلى الشاش من مرو، فحال بينه وبين قطوع النهر نهر الشاش كورصول في خمسة عشر ألفا، استأجر كل رجل منهم في كل شهر بشقه حرير، الشقه يومئذ بخمسة وعشرين درهما، فكانت بينهم مراماة، فمنع نصرا من القطوع إلى الشاش وكان الحارث بْن سريج يومئذ بأرض الترك، فأقبل معهم، فكان بإزاء نصر، فرمى نصرا، وهو على سريره على شاطئ النهر بحسبان، فوقع السهم في شدق وصيف لنصر يوضئه، فتحول نصر عن سريره، ورمى فرسا لرجل من أهل الشام فنفق وعبر كورصول في أربعين رجلا، فبيت أهل العسكر، وساق شاء لأهل بخارى، وكانوا في الساقة، وأطاف بالعسكر في ليلة مظلمة، ومع نصر أهل بخارى وسمرقند وكس وأشروسنة، وهم عشرون ألفا، فنادى نصر في الأخماس: ألا لا يخرجن أحد من بنائه، واثبتوا على مواضعكم فخرج عاصم بْن عمير وهو على جند أهل سمرقند، حتى مرت خيل كورصول، وقد كانت الترك صاحت صيحة، فظن أهل العسكر أن الترك قد قطعوا كلهم فلما مرت خيل كورصول على ذلك حمل على آخرهم، فأسر رجلا، فإذا هو ملك من ملوكهم صاحب أربعة آلاف قبة، فجاءوا به إلى نصر، فإذا هو شيخ يسحب درعه شبرا، وعليه رانا ديباج فيهما حلق، وقباء فرند مكفف بالديباج، فقال له نصر: من أنت؟ قَالَ: كورصول، فقال نصر: الحمد لله الذي أمكن منك يا عدو الله! قَالَ: فما ترجو من قتل شيخ، وأنا أعطيك ألف بعير من إبل الترك، وألف برذون تقوي بها جندك، وخل سبيلي! فقال نصر لمن حوله من أهل الشام وأهل خراسان: ما تقولون؟ فقالوا: خل سبيله، فسأله عن سنه، قَالَ: لا أدري، قَالَ: كم غزوت؟ قَالَ: اثنتين وسبعين غزوة، قَالَ: أشهدت يوم العطش؟ قَالَ: نعم، قَالَ: لو أعطيتني ما طلعت عليه الشمس ما أفلت من يدي بعد ما ذكرت من مشاهدك وقال لعاصم بْن عمير السغدي: قم إلى سلبه فخذه، فلما أيقن بالقتل، قَالَ: من أسرني؟ قَالَ نصر وهو يضحك: يزيد بْن قران الحنظلي- وأشار إليه- قَالَ: هذا لا يستطيع أن يغسل استه- أو قَالَ: لا يستطيع أن يتم بوله- فكيف يأسرني! فأخبرني من أسرني، فإني أهل أن أقتل سبع قتلات، قيل له: عاصم بْن عمير، قَالَ: لست أجد مس القتل إذ كان الذي أسرني فارسا من فرسان العرب فقتله وصلبه على شاطئ النهر قال: وعاصم بن عمير هو الهزار مرد، قتل بنهاوند أيام قحطبة.

قَالَ: فلما قتل كورصول تخدرت الترك وجاءوا بأبنيته فحرقوها، وقطعوا آذانهم، وجردوا وجوههم، وطفقوا يبكون عليه، فلما أمسى نصر وأراد الرحلة، بعث إلى كورصول بقارورة نفط، فصبها عليه، وأشعل فيه النار لئلا يحملوا عظامه قَالَ: وكان ذلك أشد عليهم من قتله.

وارتفع نصر إلى فرغانة، فسبى منها ثلاثين ألف رأس، قَالَ: فقال عنبر بْن برعمة الأزدي: كتب يوسف بْن عمر إلى نصر: سر إلى هذا الغارز ذنبه بالشاش- يعني الحارث بْن سريج- فإن أظفرك الله به وبأهل الشاش، فخرب بلادهم، واسب ذراريهم، وإياك وورطه المسلمين قَالَ: فدعا نصر الناس، فقرأ عليهم الكتاب، وقال: ما ترون؟ فقال يحيى بْن حضين: امض لأمر أمير المؤمنين وأمر الأمير، فقال نصر: يا يحيى، تكلمت ليالي عاصم بكلمة، فبلغت الخليفة فحظيت بها، وزيد في عطائك، وفرض لأهل بيتك، وبلغت الدرجة الرفيعة، فقلت: أقول مثلها.

سر يا يحيى، فقد وليتك مقدمتي، فأقبل الناس على يحيى يلومونه، فقال نصر يومئذ: وأي ورطة أشد من أن تكون في السفر وهم في القرار! قَالَ: فسار إلى الشاش، فأتاه الحارث بْن سريج فنصب عرادتين تلقاء بني تميم، فقيل له: هؤلاء بنو تميم، فنقلهما فنصبهما على الأزد- ويقال: على بكر بْن وائل- وأغار عليهم الأخرم، وهو فارس الترك، فقتله المسلمون، وأسروا سبعة من أصحابه، فأمر نصر بْن سيار برأس الأخرم، فرمي به في عسكرهم بمنجنيق، فلما رأوه ضجوا ضجة عظيمة، ثم ارتحلوا منهزمين، ورجع نصر، وأراد أن يعبر، فحيل بينه وبين ذلك، فقال أبو نميلة صالح بْن الأبار: كنا وأوبة نصر عند غيبته كراقب النوء حتى جاده المطر اودى باخرم منه عارض برد مسترجف بمنايا القوم منهمر وأقبل نصر فنزل سمرقند في السنة التي لقي فيها الحارث بْن سريج، فأتاه بخارى خذاه منصرفا، وكانت المسلحة عليهم، ومعهم دهقانان من دهاقين بخارى، وكانا أسلما على يدي نصر، وقد أجمعا على الفتك بواصل بْن عمرو القيسى عامل بخارى وببخار اخذاه يتظلمان من بخار اخذاه، - واسمه طوق شياده- فقال بخار اخذاه لنصر: أصلح الله الأمير! قد علمت أنهما قد أسلما على يديك، فما بالهما معلقي الخناجر عليهما! فقال لهما نصر: ما بالكما معلقي الخناجر وقد أسلمتما! قَالَ: بيننا وبين بخار اخذاه عداوة فلا نأمنه على أنفسنا فأمر نصر هارون بْن السياوش مولى بني سليم- وكان يكون على الرابطة- فاجتذبهما فقطعهما، ونهض بخار اخذاه إلى نصر يساره في أمرهما، فقالا: نموت كريمين، فشد أحدهما على واصل ابن عمرو فطعنه في بطنه بسكين، وضربه واصل بسيفه على رأسه، فأطار قحف رأسه فقتله، ومضى الآخر الى بخار اخذاه- وأقيمت الصلاة، وبخار اخذاه جالس على كرسي- فوثب نصر، فدخل السرادق، واحضر بخار اخذاه، فعثر عند باب السرادق فطعنه، وشد عليه الجوزجان بْن الجوزجان، فضربه بجرز كان معه فقتله، وحمل بخار اخذاه فادخل سرادق نصر، ودعا له نصر بوسادة فاتكأ عليها، وأتاه قرعة الطبيب، فجعل يعالجه وأوصى إلى نصر، ومات من ساعته، ودفن واصل في السرادق، وصلى عليه نصر واما طوق شياده فكشطوا عنه لحمه، وحملوا عظامه إلى بخارى.

قال: وسار نصر إلى الشاش، فلما قدم أشروسنة عرض دهقانها أباراخرة مالا، ثم نفذ إلى الشاش، واستعمل على فرغانة محمد بْن خالد الأزدي، وجهه إليها في عشرة نفر، ورد من فرغانه أخا جيش فيمن كان معه من دهاقين الختل وغيرهم، وانصرف منها بتماثيل كثيرة، فنصبها في أشروسنة.

وقال بعضهم: لما أتى نصر الشاش تلقاه قدر ملكها بالصلح والهدية والرهن، واشترط عليه إخراج الحارث بْن سريج من بلده، فأخرجه إلى فاراب، واستعمل على الشاش نيزك بْن صالح مولى عمرو بْن العاص، ثم سار حتى نزل قباء من أرض فرغانة، وقد كانوا أحسوا بمجيئه، فأحرقوا الحشيش وحبسوا الميرة ووجه نصر إلى ولي عهد صاحب فرغانة في بقية سنة إحدى وعشرين ومائة، فحاصروه في قلعة من قلاعها، فغفل عنهم المسلمون، فخرجوا على دوابهم فاستاقوها، وأسروا ناسا من المسلمين، فوجه إليهم نصر رجالا من بني تميم، ومعهم محمد بن المثنى- وكان فارسا- فكايدهم المسلمون، فأهملوا دوابهم وكمنوا لهم، فخرجوا فاستاقوا بعضها، وخرج عليهم المسلمون فهزموهم، وقتلوا الدهقان، وأسروا منهم أسراء، وحمل ابن الدهقان المقتول على ابن المثنى، فختله محمد بْن المثنى، فأسره، وهو غلام أمرد، فأتى به نصرا، فضرب عنقه.

وكان نصر بعث سليمان بْن صول إلى صاحب فرغانة بكتاب الصلح بينهما قَالَ سليمان: فقدمت عليه فقال لي: من أنت؟ قلت: شاكري خليفة كاتب الأمير، قَالَ: فقال: أدخلوه الخزائن ليرى ما أعددنا، فقيل له: قم، قَالَ: قلت ليس بي مشي، قَالَ: قدموا له دابة يركبها، قَالَ: فدخلت خزائنه، فقلت في نفسي: يا سليمان، شمت بك اسرايل وبشر بْن عبيد، ليس هذا إلا لكراهة الصلح، وسأنصرف بخفي حنين.

قَالَ: فرجعت إليه، فقال: كيف رأيت الطريق فيما بيننا وبينكم؟ قلت: سهلا كثير الماء والمرعى، فكره ما قلت له، فقال: ما علمك؟ فقلت: قد غزوت غرشستان وغور والختل وطبرستان، فكيف لا أعلم! قَالَ: فكيف رأيت ما أعددنا؟ قلت: رأيت عدة حسنة، ولكن أما علمت أن صاحب الحصار لا يسلم من خصال! قَالَ: وما هن؟ قلت: لا يأمن أقرب الناس إليه وأحبهم إليه وأوثقهم في نفسه أن يثب به يطلب مرتبته، ويتقرب بذلك، أو يفنى ما قد جمع، فيسلم برمته، أو يصيبه داء فيموت فقطب وكره ما قلت له وقال: انصرف إلى منزلك، فانصرفت فأقمت يومين، وأنا لا أشك في تركه الصلح، فدعاني فحملت كتاب الصلح مع غلامي، وقلت له: إن أتاك رسولي يطلب الكتاب فانصرف إلى المنزل، ولا تظهر الكتاب، وقل لي: إني خلفت الكتاب في المنزل فدخلت عليه، فسألني عن الكتاب، فقلت: خلفته في المنزل فقال: ابعث من يجيئك به، فقبل الصلح، وأحسن جائزتي، وسرح معي أمه، وكانت صاحبة أمره قَالَ: فقدمت على نصر، فلما نظر إلي قَالَ: ما مثلك إلا كما قَالَ الأول: فأرسل حكيما ولا توصه.

فأخبرته، فقال: وفقت، وأذن لأمه عليه، وجعل يكلمها والترجمان يعبر عنها، فدخل تميم بْن نصر، فقال للترجمان: قل لها: تعرفين هذا؟ فقالت: لا، فقال: هذا تميم بْن نصر، فقالت: والله ما أرى له حلاوة الصغير، ولا نبل الكبير.

قَالَ أبو إسحاق بْن ربيعة: قالت لنصر: كل ملك لا يكون عنده ستة أشياء فليس بملك: وزير يباثه بكتاب نفسه وما شجر في صدره من الكلام، ويشاوره ويثق بنصيحته، وطباخ إذا لم يشته الطعام اتخذ له ما يشتهي، وزوجة إذا دخل عليها مغتما فنظر إلى وجهها زال غمه، وحصن إذا فزع أو جهد فزع إليه فأنجاه- تعني البرذون- وسيف إذا قارع الأقران لم يخش خيانته، وذخيرة إذا حملها فأين وقع بها.

من الأرض عاش بها ثم دخل تميم بن نصر في الازفله وجماعة، فقالت: من هذا؟ قالوا: هذا فتى خراسان، هذا تميم بْن نصر، قالت: ما له نبل الكبار ولا حلاوة الصغار.

ثم دخل الحجاج بْن قتيبة فقالت: من هذا؟ فقالوا: الحجاج بْن قتيبة، قَالَ: فحيته، وسألت عنه، وقالت: يا معشر العرب، ما لكم وفاء، لا يصلح بعضكم لبعض قتيبة الذي وطن لكم ما أرى، وهذا ابنه تقعده دونك! فحقك أن تجلسه هذا المجلس، وتجلس أنت مجلسه وحج بالناس في هذه السنة محمد بْن هشام بْن إسماعيل المخزومي- كذلك قَالَ أَبُو معشر، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن ثَابِت، عمن ذكره، عن إِسْحَاق بْن عِيسَى، عنه وكذلك قَالَ الواقدي وغيره.

وكان عامل هشام بْن عبد الملك على المدينة ومكة والطائف في هذه السنة محمد بْن هشام، وعامله على العراق كله يوسف بْن عمر، وعامله على أذربيجان وأرمينية مروان بْن محمد، وعلى خراسان نصر بْن سيار، وعلى قضاء البصرة عامر بْن عبيدة، وعلى قضاء الكوفة ابن شبرمة.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0