حلمه و تواضع أبو بكر الصديق رضي الله عنه

الخلافة في الإسلام، تراجم الخلفاء، حياة الصحابة، سيرة الصحابة، الأحاديث في حياة الصحابة

حلمه و تواضع أبو بكر الصديق رضي الله عنه

أخرج ابن عساكر عن أنيسة قالت : نزل فينا أبو بكر ثلاث سنين قبل أن يستخلف و سنة بعدما استخلف فكان جواري الحي يأتينه بغنمهن فيحلبهن لهن و أخرج أحمد في الزهد عن ميمون بن مهران قال : جاء رجل إلى أبي بكر فقال : السلام عليك يا خليفة رسول الله قال : من بين هؤلاء أجمعين و أخرج ابن عساكر عن أبي صالح الغفاري : أن عمر بن الخطاب [ كان يتعهد عجوزا كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل فيسقي لها و يقوم بأمرها فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها فرصده عمر فإذا هو بأبي بكر الذي يأتيها ـ و هو يومئذ خليفة ـ فقال عمر : أنت هو لعمري ] و أخرج أبو نعيم و غيره عن عبد الرحمن الأصبهاني قال : جاء الحسن بن علي إلى أبي بكر و هو على منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : انزل عن مجلس أبي فقال : صدقت إنه مجلس أبيك و أجلسه في حجره و بكى فقال علي : و الله ما هذا عن أمري فقال : صدقت و الله ما أتهمك أخرج ابن سعد عن ابن عمر قال : استعمل النبي صلى الله عليه و سلم أبا بكر على الحج في أول حجة كانت في الإسلام ثم حج رسول الله صلى الله عليه و سلم في السنة المقبلة فلما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم و استخلف أبو بكر استعمل عمر بن الخطاب على الحج ثم حج أبو بكر من قابل فلما قبض أبو بكر و استخلف عمر استعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج ثم لن يزل عمر يحج سنيه كلها حتى قبض فاستخلف عثمان و استعمل عبد الرحمن بن عوف على الحجمرضه و وفاته و وصيته و استخلافه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهماأخرج سيف و الحاكم عن ابن عمر قال : كان سبب موت أبي بكر وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم كمد فما زال جسمه يجري حتى مات يجري : أي ينقص و أخرج ابن سعد و الحاكم بسند صحيح عن ابن شهاب أن أبا بكر و الحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر فقال الحارث لأبي بكر : ارفع يدك يا خليفة رسول الله و الله إن فيها لسم سنة و أنا و أنت نموت في يوم واحد فرفع يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة و أخرج الحاكم عن الشعبي قال : ماذا نتوقع من هذه الدنيا الدنية و قد سم رسول الله صلى الله عليه و سلم و سم أبو بكر ؟ و أخرج الواقدي و الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان أول بدء مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة و كان يوما باردا فحم خمسة عشر يوما لا يخرج إلى صلاة و توفي ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة و له ثلاث و ستون سنة و أخرج ابن سعد و ابن أبي الدنيا عن أبي السفر قال : دخلوا على أبي بكر في مرضه فقالوا : يا خليفة رسول الله : ألا ندعوا لك طبيبا ينظر إليك ؟ قال : قد نظر إلي فقالوا : ما قال لك ؟ قال : قال : إني فعال لما أريد و أخرج الواقدي من طرق أن أبا بكر لما ثقل دعا عبد الرحمن بن عوف فقال : أخبرني عن عمر بن الخطاب ؟ فقال : ما تسألني عن أمر إلا و أنت أعلم به مني فقال أبو بكر : و إن فقال عبد الرحمن : هو و الله أفضل من رأيك فيه ثم دعا عثمان بن عفان فقال : أخبرني عن عمر ؟ فقال : أنت أخبرنا به فقال : على ذلك فقال : اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته و أنه ليس فينا مثله و شاور معهما سعيد بن زيد و أسيد بن الحضير و غيرهما من المهاجرين و الأنصار فقال أسيد : اللهم أعلمه الخير بعدك يرضى للرضا و يسخط للسخط الذي يسر خير من الذي يعلن و لن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه و دخل عليه بعض الصحابة فقال له قائل منهم : ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا و قد ترى غلظته ؟ فقال أبو بكر : بالله تخوفني ؟ أقول : اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك أبلغ عني ما قلت من وراءك ثم دعا عثمان فقال : اكتب [ بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا منها و عند أول عهده بالآخرة داخلا فيها حيث يؤمن الكافر و يوقن الفاجر و يصدق الكاذب إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له و أطيعوا و إني لم آل الله و رسوله و دينه و نفسي و إياكم خيرا فإن عدل فذلك ظني به و علمي فيه و إن بدل فلكل امرئ ما اكتسب و الخير أردت و لا أعلم الغيب و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ] ثم أمر بالكتاب فختمه ثم أمر عثمان فخرج بالكتاب مختوما فبايع الناس و رضوا به ثم دعا أبو بكر عمر خاليا فأوصاه بما أوصاه ثم خرج من عنده فرفع أبو بكر يديه و قال : اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم و خفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم به و اجتهدت لهم رأيا فوليت عليهم خيرهم و أقواهم عليهم و أحرصهم على ما أرشدهم و قد حضرني من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم فهم عبادك و نواصيهم بيدك أصلح اللهم ولاتهم و اجعله من خلفائك الراشدين و أصلح له رعيته وأخرج ابن سعد و الحاكم عن ابن مسعود قال : أفرس الناس ثلاثة : أبو بكر حين استخلف عمر و صاحبة موسى حين قالت : استأجره و العزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته : أكرمي مثواه و أخرج ابن عساكر عن يسار بن حمزة قال : لما ثقل أبو بكر أشرف على الناس من كوة فقال : أيها الناس إني قد عهدت عهدا أفترضون به ؟ فقال الناس : رضينا يا خليفة رسول الله فقام على فقال : لا نرضى إلا أن يكون عمر قال : فإنه عمر أخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن أبا بكر لما حضرته الوفاة قال : أي يوم هذا ؟ قالوا : يوم الاثنين قال : فإن مت من ليلتي فلا تنتظروا بي لغد فإن أحب الأيام و الليالي إلي أقربها من رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخرج مالك عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر نحلها جداد عشرين وسقا من ماله بالغاية فلما حضرته الوفاة قال : يا بنية و الله ما من الناس أحب إلي غنى منك و لا أعز علي فقرا بعدي منك و إني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا فلو كنت جددته و احترزته كان لك و إنما هو اليوم مال وارث و إنما هو أخواك و أختاك فأقسموه على كتاب الله فقالت : يا أبت و الله لو كان كذا و كذا لتركته إنما هي أسماء فمن الأخرى ؟ قال : ذو بطن ابنة خارجة أراها جارية و أخرجه ابن سعد و قال في آخره : ذات بطن ابنة خارجة قد ألقي في روعي أنها جارية فاستوصي بها خيرا فولدت أم كلثوم و أخرج ابن سعد عن عروة أن أبا بكر أوصى بخمس ماله و قال : آخذ من مالي ما أخذ الله من فيء المسلمين و أخرج من وجه آخر عنه قال : لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع و أن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث و من أوصى بالثلث لم يترك شيئا وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن الضحاك أن أبا بكر و عليا أوصيا بالخمس من أموالهما لمن لا يرث من ذوي قرابتهما و أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عائشة رضي الله عنها قالت : و الله ما ترك أبو بكر دينارا و لا درهما ضرب الله سكته و أخرج ابن سعد و غيره عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما ثقل أبو بكر تمثلت بهذا البيت ( لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت يوما و ضاق بها الصدر ) فكشف عن وجهه و قال : ليس كذلك و لك قولي : { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } انظروا ثوبي هذين فاغسلوهما و كفنوني فيهما فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت و أخرج أبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخلت على أبي بكر و هو في الموت فقلت : ( من لا يزال دمعه مقنعا
فإنه في مرة مدفوق ) فقال : لا تقولي هذا و لكن قولي : { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } ثم قال : في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قلت : يوم الاثنين قال : أرجو فيما بيني و بين الليل فتوفي ليلة الثلاثاء و دفن قبل أن يصبح و أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن بكر بن عبد الله المزني قال : لما احتضر أبو بكر قعدت عائشة رضي الله عنها عند رأسه فقالت : ( و كل ذي إبل يوما سيوردها
و كل ذي سلب لا بد مسلوب ) ففهمها أبو بكر فقال : ليس كذلك يا ابنتاه و لكنه كما قال الله : { وجاءت سكرة الموت } الآية و أخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها تمثلت بهذا البيت و أبو بكر يقضي : ( و أبيض يستسقي الغمام بوجهه
ثمال اليتامى عصمة للأرامل ) فقال أبو بكر : ذاك رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عبادة بن قيس قال : لما حضرت أبا بكر الوفاة قال لعائشة : اغسلي ثوبي هذين و كفنيني بهما فإنما أبوك أحد رجلين : إما مكسو أحسن الكسوة أو مسلوب أسوأ السلب و أخرج ابن أبي الدنيا عن ابن أبي مليكة أن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس و يعينها عبد الرحمن بن أبي بكر و أخرج ابن سعد عن سعيد بن المسيب أن عمر رضي الله عنه صلى على أبي بكر بين القبر و المنبر و كبر عليه أربعا و أخرج عن عروة و القاسم بن محمد أن أبا بكر أوصى عائشة أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما توفي حفر له و جعل رأسه عند كتف رسول الله صلى الله عليه و سلم و ألصق اللحد بقبر رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخرج عن عروة و القاسم بن محمد أن أبا بكر أوصى عائشة أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما توفي حفر له و جعل رأسه عند كتف رسول الله صلى الله عليه و سلم و ألصق اللحد بقبر رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخرج عن ابن عمر قال : نزل في حفرة أبي بكر : عمر و طلحة و عثمان و عبد الرحمن بن أبي بكر و أخرج من طرق عدة : أنه دفن ليلا و أخرج عن ابن المسيب أن أبا بكر لما مات ارتجت مكة فقال أبو قحافة : ما هذا ؟ قالوا : مات ابنك قال : رزء جليل من قام بالأمر بعده ؟ قالوا : عمر قال صاحبه و أخرج عن مجاهد أن أبا قحافة رد ميراثه من أبي بكر على ولد أبي بكر و لم يعش أبو قحافة بعد أبي بكر إلا ستة أشهر و أياما و مات في المحرم سنة أربع عشرة و هو ابن سبع وتسعين سنة قال العلماء : لم يل الخلافة أحد في حياة أبيه إلا أبو بكر و لم يرث خليفة أبوه إلا أبا بكر و أخرج الحاكم عن ابن عمر قال : ولي أبو بكر سنتين و سبعة أشهر و في تاريخ ابن عساكر بسنده عن الأصمعي قال : قال خفاف بن ندبة السلمي يبكي أبا بكر : ( ليس لحي فاعلمنه بقا
و كل دنيا أمرها للفنا ) ( و الملك في الأقوام مستودع
عارية فالشرط فيه الأدا ) ( و المرء يسعى و له راصد
تندبه العين و نار الصدا ) ( يهرم أو يقتل أو يقهره
يشكوه سقم ليس فيه شفا ) ( إن أبا بكر هو الغيث إن
لم تزرع الجوزاء بقلا بما ) ( تالله لا يدرك أيامه
ذو مئزر ناش و لا ذو ردا ) ( من يسع كي يدرك أيامه
مجتهدا شذ بأرض فضا )

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0