مسالة مس يد الصبي الامرد

مسالة مس يد الصبي الامرد

مسالة مس يد الصبي الامرد
45 - 29

مسالة:

اذا مس يد الصبي الامرد، فهل هو من جنس النساء في نقض الوضوء، وما جاء في تحريم النظر الى وجه الامرد الحسن؟ وهل هذا الذي يقوله بعض المخالفين للشريعة ان النظر الى وجه الصبي الامرد عبادة، واذا قال لهم احد: هذا النظر حرام يقول: انا اذا نظرت الى هذا اقول سبحان الذي خلقه، لا ازيد على ذلك؟

الجواب::

الحمد لله.

اذا مس الامرد لشهوة ففيه قولان في مذهب احمد وغيره: احدهما: انه كمس النساء لشهوة ينقض الوضوء، وهو المشهور من مذهب مالك، ذكره القاضي ابو يعلى في شرح المذهب.

والثاني: انه لا ينقض الوضوء وهو المشهور من مذهب الشافعي، والقول الاول اظهر، فان الوطء في الدبر يفسد العبادات التي تفسد بالوطء في القبل: كالصيام، والاحرام، والاعتكاف، ويوجب الغسل كما يوجبه هذا، فتكون مقدمات هذا في باب العبادات كمقدمات هذا، فلو مس الامرد لشهوة وهو محرم، فعليه دم كما لو مس اجنبية لشهوة، وكذلك اذا مسه لشهوة، وجب ان يكون كما لو مس المراة لشهوة في نقض الوضوء.

والذي لم ينقض الوضوء بمسه يقول: انه لم يخلق محلا لذلك، فيقال له: لا ريب انه لم يخلق لذلك، وان الفاحشة اللوطية من اعظم المحرمات، لكن هذا القدر لم يعتبر في باب الوطء، فان وطي في الدبر تعلق به ما ذكر من الاحكام، وان كان الدبر لم يخلق محلا للوطء، مع ان نفرة الطباع عن الوطء في الدبر اعظم من نفرتها عن الملامسة، ونقض الوضوء بالمس يراعى فيه حقيقة الحكمة، وهو ان يكون المس لشهوة، عند الاكثرين: كمالك، واحمد، وغيرهما، كما يراعى مثل ذلك في الاحرام والاعتكاف وغير ذلك.

وعلى هذا القول: فحيث وجد اللمس لشهوة تعلق به الحكم، حتى لو مس امه، واخته، وبنته لشهوة انتقض وضوءه، فكذلك الامرد، واما الشافعي، واحمد في رواية فتعتبر المظنة، وهو ان النساء مظنة الشهوة، فينقض الوضوء، سواء بشهوة او بغير شهوة، ولهذا لا ينقض لمس المحارم، لكن لو لمس ذوات محارمه لشهوة فقد وجدت حقيقة الحكمة، وكذلك اذا مس الامرد لشهوة.

والتلذذ بمس الامرد: كمصافحته، ونحو ذلك: حرام باجماع المسلمين، كما يحرم التلذذ بمس ذوات محارمه والمراة الاجنبية، بل الذي عليه اكثر العلماء ان ذلك اعظم اثما من التلذذ بالمراة الاجنبية، كما ان الجمهور على ان عقوبة اللوطي اعظم من عقوبة الزنا بالاجنبية، فيجب قتل الفاعل والمفعول به.

سواء كان احدهما محصنا او لم يكن، وسواء كان احدهما مملوكا للاخر او لم يكن، كما جاء ذلك في السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمل به اصحابه من غير نزاع يعرف بينهم، وقتله بالرجم كما قتل الله قوم لوط بالرجم، وبذلك جاءت الشريعة في قتل الزاني انه يرجم، «فرجم النبي - صلى الله عليه وسلم - ماعز بن مالك، والغامدية واليهوديين، والمراة التي ارسل اليها انيسا، وقال: اذهب الى امراة هذا، فان اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها» .

والنظر الى وجه الامرد لشهوة كالنظر الى وجه ذوات المحارم، والمراة الاجنبية بالشهوة، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء، او شهوة التلذذ بالنظر، فلو نظر الى امه، واخته، وابنته يتلذذ بالنظر اليها كما يتلذذ بالنظر الى وجه المراة الاجنبية كان معلوما لكل احد ان هذا حرام، فكذلك النظر الى وجه الامرد باتفاق الايمة.

وقول القايل: ان النظر الى وجه الامرد عبادة كقوله: ان النظر الى وجوه النساء، او النظر الى وجوه محارم الرجل، كبنت الرجل، وامه واخته عبادة، ومعلوم ان من جعل هذا النظر المحرم عبادة كان بمنزلة من جعل الفواحش عبادة.

قال تعالى: {واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها اباءنا والله امرنا بها قل ان الله لا يامر بالفحشاء اتقولون على الله ما لا تعلمون}[الاعراف: 28] .

ومعلوم انه قد يكون في صور النساء الاجنبيات وذوي المحارم من الاعتبار والدلالة على الخالق من جنس ما في صورة المرد، فهل يقول مسلم ان للانسان ان ينظر بهذا الوجه الى صور نساء العالم، وصور محارمه، ويقول ان ذلك عبادة؟ بل من جعل مثل هذا النظر عبادة فانه كافر، مرتد، يجب ان يستتاب، فان تاب والا قتل، وهو بمنزلة من جعل اعانة طالب الفواحش عبادة، او جعل تناول يسير الخمر عبادة او جعل السكر بالحشيشة عبادة، فمن جعل المعاونة على الفاحشة بقيادة او غيرها عبادة، او جعل شييا من المحرمات التي يعلم تحريمها من دين الاسلام عبادة، فانه يستتاب، فان تاب والا قتل، وهو مضاه للمشركين الذين {واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها اباءنا والله امرنا بها قل ان الله لا يامر بالفحشاء اتقولون على الله ما لا تعلمون}[الاعراف: 28] .

وفاحشة اوليك انما كانت طوافهم بالبيت عراة، وكانوا يقولون لا نطوف في الثياب التي عصينا الله فيها، فهولاء انما كانوا يطوفون عراة على وجه اجتناب ثياب المعصية، وقد ذكر عنهم ما ذكر.

فكيف بمن يجعل جنس الفاحشة المتعلقة بالشهوة عبادة.

والله سبحانه قد امر في كتابه بغض البصر، وهو نوعان: غض البصر عن العورة، وغضها عن محل الشهوة.

فالاول: كغض الرجل بصره عن عورة غيره، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا ينظر الرجل الى عورة الرجل، ولا تنظر المراة الى عورة المراة» ، ويجب على الانسان ان يستر عورته، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية بن حيدة: «احفظ عورتك الا من زوجتك او ما ملكت يمينك» .

قلت: فاذا كان احدنا مع قومه؟ قال: «ان استطعت ان لا يرينها احد فلا يرينها» .

قلت: فاذا كان احدنا خاليا؟ قال: «فالله احق ان يستحيي منه الناس» ويجوز ان يكشف بقدر الحاجة كما يكشف عند التخلي، وكذلك اذا اغتسل الرجل وحده بجنب ما يستره، فله ان يغتسل عريانا كما اغتسل موسى عريانا، وايوب، وكما في اغتساله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح، واغتساله في حديث ميمونة، واما النوع الثاني من النظر: كالنظر الى الزينة الباطنة من المراة الاجنبية، فهذا اشد من الاول، كما ان الخمر اشد من الميتة والدم، ولحم الخنزير، وعلى صاحبها الحد.

تلك المحرمات اذا تناولها غير مستحل لها كان التعزير؛ لان هذه المحرمات لا تشتهيها النفوس كما تشتهي الخمر، وكذلك النظر الى عورة الرجل لا يشتهي كما يشتهي النظر الى النساء ونحوهن، وكذلك النظر الى الامرد بشهوة هو من هذا الباب، وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك، كما اتفقوا على تحريم النظر الى الاجنبية وذوات المحارم لشهوة.

والخالق سبحانه يسبح عند روية مخلوقاته كلها، وليس خلق الامرد باعجب في قدرته من خلق ذي اللحية، ولا خلق النساء باعجب في قدر من خلق الرجال، بل تخصيص الانسان التسبيح بحال نظره الى الامرد دون غيره؛ كتخصيصه التسبيح بنظره الى المراة دون الرجل، وما ذاك الا انه دل على عظمة الخالق عنده، ولكن؛ لان الجمال يغير قلبه وعقله، وقد يذهله ما راه فيكون تسبيحه بما يحصل في نفسه من الهوى، كما ان النسوة لما راين يوسف {اكبرنه وقطعن ايديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم}[يوسف: 31] .

وقد ثبت في الصحيح: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: «ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم، وانما ينظر الى قلوبكم واعمالكم» ، واذا كان الله لا ينظر الى الصور والاموال، وانما ينظر الى القلوب والاعمال، فكيف يفضل الشخص بما لم يفضله الله به، وقد قال تعالى: {ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا}[طه: 131] .

وقال في المنافقين: {واذا رايتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كانهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله انى يوفكون}[المنافقون: 4] .

فاذا كان هولاء المنافقون الذين تعجب الناظر اجسامهم، لما فيهم من البهاء، والرواء، والزينة الظاهرة، وليسوا ممن ينظر اليه لشهوة قد ذكر الله عنهم ما ذكر، فكيف بمن ينظر اليه لشهوة، وذلك ان الانسان قد ينظر اليه لما فيه من الايمان والتقوى، وهنا الاعتبار بقلبه وعمله لا بصورته، وقد ينظر اليه لما فيه من الصورة الدالة على المصور، فهذا حسن، وقد ينظر من جهة استحسان خلقه، كما ينظر الى الجبل والبهايم، وكما ينظر الى الاشجار، فهذا ايضا اذا كان على وجه استحسان الدنيا والرياسة، والمال، فهو مذموم لقوله تعالى: {ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه}[طه: 131] ، واما ان كان على وجه لا ينقص الدين، وانما فيه راحة النفس فقط كالنظر الى الازهار، فهذا من الباطل الذي يستعان به على الحق، وكل قسم من هذه الاقسام متى كان معه شهوة كان حراما بلا ريب، سواء كانت شهوة تمتع بنظر الشهوة، او كان نظرا بشهوة الوطء، وفرق بين ما يجده الانسان عند نظره الاشجار والازهار، وما يجده عند نظره النسوان والمرد، فلهذا الفرقان افترق الحكم الشرعي.

فصار النظر الى المرد ثلاثة اقسام.

احدها: ما يقرن به الشهوة فهو حرام بالاتفاق.

والثاني: ما يجزم انه لا شهوة معه، كنظر الرجل الورع الى ابنه الحسن، وابنته الحسنة، وامه، فهذا لا يقرن به شهوة، الا ان يكون الرجل من افجر الناس، ومتى اقترنت به الشهوة حرم.

وعلى هذا من لا يميل قلبه الى المرد كما كان الصحابة، وكالامم الذين لا يعرفون هذه الفاحشة، فان الواحد من هولاء لا يفرق بين هذا الوجه وبين نظره الى ابنه، وابن جاره، وصبي اجنبي، ولا يخطر بقلبه شيء من الشهوة؛ لانه لم يعتد ذلك وهو سليم القلب من مثل ذلك.

وقد كانت الاماء على عهد الصحابة يمشين في الطرقات وهن متكشفات الرءوس، وتخدم الرجال مع سلامة القلوب، فلو اراد الرجال ان يترك الاماء التركيات الحسان يمشين بين الناس في مثل هذه البلاد والاوقات، كما كان اوليك الاماء يمشين كان هذا من باب الفساد، وكذلك المرد الحسان لا يصلح ان يخرجوا في الامكنة، والازمنة، التي يخاف فيها الفتنة بهم، الا بقدر الحاجة، فلا يمكن الامرد الحسن من التبرج، ولا من الجلوس في الحمام بين الاجانب، ولا من رقصة بين الرجال، ونحو ذلك مما فيه فتنة للناس، والنظر اليه كذلك.

وانما وقع النزاع بين العلماء في القسم الثالث من النظر؛ وهو: النظر اليه لغير شهوة، لكن مع خوف ثورانها، فيه وجهان في مذهب احمد، اصحهما وهو المحكي عن نص الشافعي: انه لا يجوز، والثاني يجوز؛ لان الاصل عدم ثورانها، فلا يحرم بالشك بل قد يكره.

والاول هو الراجح، كما ان الراجح في مذهب الشافعي، واحمد: ان النظر الى وجه الاجنبية من غير حاجة لا يجوز، وان كانت الشهوة منتفية، لكن؛ لانه يخاف ثورانها.

ولهذا حرمت الخلوة بالاجنبية؛ لانها مظنة الفتنة، والاصل ان كل ما كان سببا للفتنة فانه لا يجوز، فان الذريعة الى الفساد يجب سدها اذا لم يعارضها مصلحة راجحة، ولهذا كان النظر الذي يفضي الى الفتنة محرما الا اذا كان لمصلحة راجحة، مثل نظر الخاطب، والطبيب، وغيرهما، فانه يباح النظر للحاجة، لكن مع عدم الشهوة، واما النظر لغير حاجة الى محل الفتنة فلا يجوز، ومن كرر النظر الى الامرد ونحوه، او ادامه، وقال: اني لا انظر لشهوة كذب في ذلك، فانه اذا لم يكن معه داع يحتاج معه الى النظر لم يكن النظر الا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك.

واما نظرة الفجاة فهي عفو اذا صرف بصره، كما ثبت في الصحيح: «عن جرير قال: سالت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظرة الفجاة، فقال: اصرف بصرك» .

وفي السنن: انه قال لعلي - عليه السلام -: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة فانما لك الاولى وليست لك الثانية» .

وفي الحديث الذي في المسند، وغيره: «النظرة سهم مسموم من سهام ابليس» ، وفيه: «من نظر الى محاسن امراة، ثم غض بصره عنها، اورث الله قلبه حلاوة عبادة يجدها الى يوم القيامة» او كما قال.

ولهذا يقال: ان غض البصر عن الصورة التي نهي عن النظر اليها كالمراة، والامرد الحسن يورث ذلك ثلاث فوايد جليلة القدر: احداها: حلاوة الايمان ولذته التي هي احلى واطيب مما تركه الله، فان من ترك شييا لله عوضه الله خيرا منه، والنفس تحب النظر الى هذه الصور لا سيما نفوس اهل الرياضة والصفا، فانه يبقى فيها رقة تجتذب بسببها الى الصور، حتى تبقى تجذب احدهم وتصرعه كما يصرعه السبع، ولهذا قال بعض التابعين: ما انا على الشاب التايب من سبع يجلس اليه باخوف عليه من حدث جميل يجلس اليه، وقال بعضهم: اتقوا النظر الى اولاد الملوك فان لهم فتنة كفتنة العذارى.

وما زال ايمة العلم والدين: كشيوخ الهدى، وشيوخ الطريق، يوصون بترك صحبة الاحداث حتى يروى عن فتح الموصلي انه قال: صحبت ثلاثين من الابدال، كلهم يوصيني عند فراقه بترك صحبة الاحداث، وقال بعضهم: ما سقط عبد من عين الله الا بصحبة هولاء الانتان.

ثم النظر يوكد المحبة، فيكون علاقة لتعلق القلب بالمحبوب، ثم صبابة لانصباب القلب اليه، ثم غراما للزومه للقلب كالغريم الملازم لغريمه، ثم عشقا الى ان يصير تتيما، والمتيم المعبد، وتيم الله عبد الله، فيبقى القلب عبدا لمن لا يصلح ان يكون اخا، بل ولا خادما، وهذا انما يبتلى به اهل الاعراض عن الاخلاص لله، كما قال تعالى في حق يوسف: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين}[يوسف: 24] .

فامراة العزيز كانت مشركة فوقعت مع تزوجها فيما وقعت فيه من السوء، ويوسف - عليه السلام - مع عزوبته ومراودتها له، واستعانتها عليه بالنسوة، وعقوبتها له بالحبس على العفة، عصمه الله باخلاصه لله تحقيقا لقوله: {ولاغوينهم اجمعين}[الحجر: 39] {الا عبادك منهم المخلصين}[الحجر: 40] .

قال تعالى: {ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين}[الحجر: 42] .

والغي هو اتباع الهوى، وهذا الباب من اعظم ابواب اتباع الهوى.

ومن امر بعشق الصور من المتفلسفة: كابن سينا، وذويه، او من الفرس كما يذكر عن بعضهم، او من جهال المتصوفة، فانهم اهل ضلال وغي، فهم مع مشاركة اليهود في الغي، والنصارى في الضلال، زادوا على الامتين في ذلك، فان هذا وان ظن ان فيه منفعة للعاشق: كتطليق نفسه، وتهذيب اخلاقه، وللمعشوق من الشفاء في مصالحه وتعليمه، وتاديبه، وغير ذلك، فمضرة ذلك اضعاف منفعته، واين اثم ذلك من منفعته، وانما هذا كما يقال: ان في الزنا منفعة لكل منهما، بما يحصل له من التلذذ والسرور، ويحصل لها من الجعل وغير ذلك.

وكما يقال ان في شرب الخمر منافع بدنية ونفسية، وقد قال في الخمر والميسر: {قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما}[البقرة: 219] .

وهذا قبل التحريم دع ما قاله عند التحريم وبعده.

وباب التعلق بالصور هو من جنس الفواحش، وباطنه من باطن الفواحش، وهو من باطن الاثم.

قال تعالى: {وذروا ظاهر الاثم وباطنه}[الانعام: 120] .

وقال تعالى: {انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}[الاعراف: 33] ، وقد قال: {واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها اباءنا والله امرنا بها قل ان الله لا يامر بالفحشاء اتقولون على الله ما لا تعلمون}[الاعراف: 28] .

وليس بين ايمة الدين نزاع في ان هذا ليس بمستحب، كما انه ليس بواجب، فمن جعله ممدوحا، واثنى عليه، فقد خرج من اجماع المسلمين، بل اليهود والنصارى، بل وعما عليه عقل بني ادم من جميع الامم، وهو ممن اتبع هواه بغير هدى من الله.

{ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين}[القصص: 50] .

وقد قال تعالى: {واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى}[النازعات: 40] {فان الجنة هي الماوى}[النازعات: 41] .

وقال تعالى: {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}[ص: 26] .

واما من نظر الى المرد ظانا انه ينظر الى الجمال الالهي، وجعل هذا طريقا له الى الله، كما يفعله طوايف من المدعين للمعرفة، فقوله هذا اعظم كفرا من قول عباد الاصنام، ومن كفر قوم لوط، فهولاء من شر الزنادقة المرتدين، الذين يجب قتلهم باجماع كل الامة، فان عباد الاصنام قالوا: {ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى}[الزمر: 3] .

وهولاء يجعلون الله موجودا في نفس الاصنام وحالا فيها فانهم لا يريدون بظهوره وتجليه في المخلوقات انها دالة عليه وايات لهم، بل يريدون انه سبحانه هو ظهر فيها، وتجلى فيها، ويشبهون ذلك بظهور الماء في الزجاجة، والزبد في اللبن، والزيت في الزيتون، والدهن في السمسم، ونحو ذلك مما يقتضي حلول نفس ذاته في مخلوقاته او اتحاده بها في جميع المخلوقات نظير ما قالته النصارى في المسيح خاصة، يجعلون المرد مظاهر الجمال، فيقرون هذا الشرك الاعظم طريقا الى استحلال الفواحش، بل الى استحلال كل محرم.

كما قيل لافضل متاخريهم التلمساني: اذا كان قولكم بان الوجود واحد هو الحق، فما الفرق بين امي واختي، وابنتي؟ تكون هذه حلالا، وهذه حراما؟ فقال: الجميع عندنا سواء، لكن هولاء المحجوبون قالوا: حرام فقلنا: حرام عليكم.

ومن هولاء الحلولية، والاتحادية من يخص الحلول والاتحاد ببعض الاشخاص، اما ببعض الانبياء كالمسيح او ببعض الصحابة، كقول الغالية في علي؛ او ببعض الشيوخ كالحلاجية ونحوهم؛ او ببعض الملوك؛ او ببعض الصور كصور المرد، ويقول احدهم: انا انظر الى صفات خالقي، واشهدها في هذه الصورة.

والكفر في هذا القول ابين من ان يخفى على من يومن بالله ورسوله، ولو قال مثل هذا الكلام في بني كريم لكان كافرا، فكيف اذا قاله في صبي امرد.

فقبح الله طايفة يكون معبودها من جنس موطويها.

وقد قال تعالى: {ولا يامركم ان تتخذوا الملايكة والنبيين اربابا ايامركم بالكفر بعد اذ انتم مسلمون}[ال عمران: 80] .

فاذا كان من اتخذ الملايكة والنبيين اربابا، مع اعترافهم بانهم مخلوقون لله كفارا، فكيف بمن اتخذ بعض المخلوقات اربابا مع قوله: ان الله فيها، او متحد بها، فوجودها وجوده، ونحو ذلك من المقالات.

واما الفايدة الثانية في غض البصر فهو: انه يورث نور القلب، والفراسة.

قال تعالى عن قوم لوط: {لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون}[الحجر: 72] .

فالتعلق في الصور يوجب فساد العقل، وعمى البصيرة، وسكر القلب بل جنونه كما قيل: سكران سكر هوى وسكر مدامة فمتى افاقة من به سكران ؟ وقيل: قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم العشق اعظم مما بالمجانين العشق لا يستفيق الدهر صاحبه وانما يصرع المجنون في الحين وذكر سبحانه اية النور عقيب ايات غض البصر فقال: {الله نور السماوات والارض}[النور: 35] .

وكان شاه بن شجاع الكرماني لا تخطي له فراسة، وكان يقول: من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات وذكر خصلة خامسة انما هو اكل الحلال ولم تخطي له فراسة.

والله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله، فغض بصره عما حرم يعوضه الله عليه من جنسه بما هو خير منه.

فيطلق نور بصيرته، ويفتح عليه باب العلم والمعرفة والكشوف، ونحو ذلك مما ينال بصيرة القلب.

والفايدة الثالثة: قوة القلب، وثباته، وشجاعته، فيجعل الله سلطان النصرة مع سلطان الحجة، وفي الاثر: الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله، ولهذا يوجد في المتبع لهواه من الذل، ذل النفس وضعفها ومهانتها، ما جعله الله لمن عصاه، فان الله جعل العزة لمن اطاعه، والذلة لمن عصاه.

قال تعالى: {يقولون لين رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل ولله العزة ولرسوله وللمومنين}[المنافقون: 8] ، وقال تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم مومنين}[ال عمران: 139] ولهذا كان في كلام الشيوخ: الناس يطلبون العز من ابواب الملوك، ولا يجدونه الا في طاعة الله.

وكان الحسن البصري يقول: وان هملجت بهم البراذين، وطقطقت بهم البغال، فان ذل المعصية في رقابهم، يابى الله الا ان يذل من عصاه، ومن اطاع الله فقد والاه فيما اطاعه فيه، ومن عصاه ففيه قسط من فعل من عاداه بمعاصيه.

وفي دعاء القنوت: «انه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت» .

والصوفية المشهورون عند الامة الذين لهم لسان صدق في الامة لم يكونوا يستحبون مثل هذا بل ينهون عنه، ولهم في الكلام في ذم صحبة الاحداث وفي الرد على اهل الحلول، وبيان مباينة الخالق للمخلوق، ما لا يتسع هذا الموضع لذكره، وانما استحسنه من تشبه بهم ممن هو عاص او فاسق، او كافر، فتظاهر بدعوى الولاية لله، وتحقيق الايمان والعرفان، وهو من شر اهل العداوة لله، واهل النفاق، والبهتان، والله تعالى يجمع لاوليايه المتقين خير الدنيا والاخرة، ويجعل لاعدايه الصفقة الخاسرة، والله اعلم.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0