مسالة من يوخر صلاة الليل الى النهار
مسالة من يوخر صلاة الليل الى النهار

مسالة:
في اقوام يوخرون صلاة الليل الى النهار، لاشغال لهم من زرع او حرث او جنابة او خدمة استاذ، او غير ذلك.فهل يجوز لهم ذلك؟ ام لا؟
الجواب::
لا يجوز لاحد ان يوخر صلاة النهار الى الليل، ولا يوخر صلاة الليل الى النهار لشغل من الاشغال.لا لحصد ولا لحرث ولا لصناعة ولا لجنابة.
ولا نجاسة ولا صيد ولا لهو ولا لعب ولا لخدمة استاذ، ولا غير ذلك؛ بل المسلمون كلهم متفقون على ان عليه ان يصلي الظهر والعصر بالنهار، ويصلي الفجر قبل طلوع الشمس، ولا يترك ذلك لصناعة من الصناعات، ولا للهو ولا لغير ذلك من الاشغال وليس للمالك ان يمنع مملوكه، ولا للمستاجر ان يمنع الاجير من الصلاة في وقتها.
ومن اخرها لصناعة او صيد او خدمة استاذ او غير ذلك حتى تغيب الشمس وجبت عقوبته، بل يجب قتله عند جمهور العلماء بعد ان يستتاب فان تاب والتزم ان يصلي في الوقت الزم بذلك، وان قال: لا اصلي الا بعد غروب الشمس لاشتغاله بالصناعة والصيد او غير ذلك، فانه يقتل.
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: «من فاتته صلاة العصر فكانما وتر اهله وماله» وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - انه قال: «من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله» وفي وصية ابي بكر الصديق لعمر بن الخطاب انه قال: " ان لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار، وحقا بالنهار لا يقبله بالليل ".
والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان اخر صلاة العصر يوم الخندق لاشتغاله بجهاد الكفار، ثم صلاها بعد المغرب، فانزل الله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}[البقرة: 238] وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ان الصلاة الوسطى صلاة العصر» .
فلهذا قال جمهور العلماء: ان ذلك التاخير منسوخ بهذه الاية، فلم يجوزوا تاخير الصلاة حال القتال، بل اوجبوا عليه الصلاة في الوقت حال القتال، وهذا مذهب مالك والشافعي واحمد في المشهور عنه.
وعن احمد رواية اخرى انه يخير حال القتال بين الصلاة وبين التاخير، ومذهب ابي حنيفة يشتغل بالقتال ويصلي بعد الوقت، واما تاخير الصلاة لغير الجهاد كصناعة او زراعة او صيد او عمل من الاعمال ونحو ذلك فلا يجوزه احد من العلماء، بل قد قال تعالى: {فويل للمصلين}[الماعون: 4] {الذين هم عن صلاتهم ساهون}[الماعون: 5] قال طايفة من السلف: هم الذين يوخرونها عن وقتها.
وقال بعضهم: هم الذين لا يودونها على الوجه المامور به، وان صلاها في الوقت فتاخيرها عن الوقت حرام باتفاق العلماء، فان العلماء متفقون على ان تاخير صلاة الليل الى النهار، وتاخير صلاة النهار الى الليل بمنزلة تاخير صيام شهر رمضان الى شوال.
فمن قال: اصلي الظهر والعصر بالليل، فهو باتفاق العلماء بمنزلة من قال: افطر شهر رمضان واصوم شوالا، وانما يعذر بالتاخير النايم والناسي.
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من نام عن صلاة او نسيها فليصلها اذا ذكرها فان ذلك وقتها لا كفارة لها الا ذلك» .
فلا يجوز تاخير الصلاة عن وقتها لجنابة ولا حدث ولا نجاسة ولا غير ذلك، بل يصلي في الوقت بحسب حاله، فان كان محدثا وقد عدم الماء او خاف الضرر باستعماله تيمم وصلى.
وكذلك الجنب يتيمم ويصلي اذا عدم الماء او خاف الضرر باستعماله لمرض او لبرد.
وكذلك العريان يصلي في الوقت عريانا، ولا يوخر الصلاة حتى يصلي بعد الوقت في ثيابه.
وكذلك اذا كان عليه نجاسة لا يقدر ان يزيلها فيصلي في الوقت بحسب حاله.
وهكذا المريض يصلي على حسب حاله في الوقت، كما «قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين: صل قايما، فان لم تستطع فقاعدا، فان لم تستطع فعلى جنب» فالمريض باتفاق العلماء يصلي في الوقت قاعدا او على جنب، اذا كان القيام يزيد في مرضه، ولا يصلي بعد خروج الوقت قايما.
وهذا كله لان فعل الصلاة في وقتها فرض، والوقت اوكد فرايض الصلاة، كما ان صيام شهر رمضان واجب في وقته، ليس لاحد ان يوخره عن وقته، ولكن يجوز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بمزدلفة، باتفاق المسلمين.
وكذلك يجوز الجمع بين صلاة المغرب والعشاء، وبين الظهر والعصر عند كثير من العلماء للسفر والمرض، ونحو ذلك من الاعذار.
واما تاخير صلاة النهار الى الليل، وتاخير صلاة الليل الى النهار، فلا يجوز لمرض ولا لسفر، ولا لشغل من الاشغال، ولا لصناعة باتفاق العلماء.
بل قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: الجمع بين صلاتين من غير عذر من الكباير.
لكن المسافر يصلي ركعتين ليس عليه ان يصلي اربعا.
بل الركعتان تجزي المسافر في سفر القصر، باتفاق العلماء.
ومن قال: انه يجب على كل مسافر ان يصلي اربعا فهو بمنزلة من قال: انه يجب على المسافر ان يصوم شهر رمضان، وكلاهما ضلال، مخالف لاجماع المسلمين، يستتاب قايله، فان تاب والا قتل.
والمسلمون متفقون على ان المسافر اذا صلى الرباعية ركعتين، والفجر ركعتين، والمغرب ثلاثا، وافطر شهر رمضان وقضاه اجزاه ذلك.
واما من صام في السفر شهر رمضان او صلى اربعا، ففيه نزاع مشهور بين العلماء: منهم من قال: لا يجزيه ذلك، فالمريض له ان يوخر الصوم باتفاق المسلمين، وليس له ان يوخر الصلاة باتفاق المسلمين، والمسافر له ان يوخر الصيام باتفاق المسلمين، وليس له ان يوخر الصلاة باتفاق المسلمين.
وهذا مما يبين ان المحافظة على الصلاة في وقتها اوكد من الصوم في وقته.
قال تعالى: {فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات}[مريم: 59] .
قال طايفة من السلف: اضاعتها تاخيرها عن وقتها.
ولو تركوها لكانوا كفارا.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «سيكون بعدي امراء يوخرون الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها، ثم اجعلوا صلاتكم معهم نافلة» .
رواه مسلم عن ابي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف بك اذا كان عليكم امراء يوخرون الصلاة عن وقتها.
وينسيون الصلاة عن وقتها، قلت: فماذا تامرني؟ قال: صل الصلاة لوقتها، فان ادركتها معهم فصل فانها لك نافلة» وعن عبادة بن الصامت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سيكون عليكم امراء تشغلهم اشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها.
فصلوا الصلاة لوقتها.
وقال رجل: اصلي معهم قال: نعم ان شيت، واجعلوها تطوعا» .
رواه احمد وابو داود ورواه عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف بكم اذا كان عليكم امراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟ قلت: فما تامرني ان ادركني ذلك يا رسول الله؟ قال: صل الصلاة لوقتها، واجعل صلاتك معهم نافلة» .
ولهذا اتفق العلماء على ان الرجل اذا كان عريانا مثل ان تنكسر بهم السفينة او تسلبه القطاع ثيابه فانه يصلي في الوقت عريانا، والمسافر اذا عدم الماء يصلي بالتيمم في الوقت باتفاق العلماء، وان كان يجد الماء بعد الوقت، وكذلك الجنب المسافر اذا عدم الماء تيمم وصلى، ولا اعادة عليه باتفاق الايمة الاربعة، وغيرهم.
وكذلك اذا كان البرد شديدا فخاف ان اغتسل ان يمرض فانه يتيمم ويصلي في الوقت، ولا يوخر الصلاة حتى يصلي بعد الوقت باغتسال.
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين، فاذا وجدت الماء فامسسه بشرتك فان ذلك خير» .
وكل ما يباح بالماء يباح بالتيمم، فاذا تيمم لصلاة فريضة قرا القران داخل الصلاة وخارجها، وان كان جنبا، ومن امتنع عن الصلاة بالتيمم فانه من جنس اليهود والنصارى؛ فان التيمم لامة محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح «فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملايكة، وجعلت لي الارض مسجدا، وجعلت تربتها طهورا، واحلت لي الغنايم ولم تحل لاحد قبلي» وفي لفظ: «جعلت لي الارض مسجدا وطهورا، فايما رجل من امتي ادركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره» .
وقد تنازع العلماء هل يتيمم قبل الوقت؟ وهل يتيمم لكل صلاة او يبطل بخروج الوقت؟ او يصلي ما شاء كما يصلي بالماء ولا ينقضه الا ما ينقض الوضوء او القدرة على استعمال الماء؟ وهذا مذهب ابي حنيفة، واحد الاقوال في مذهب احمد وغيره؛ فان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين.
فاذا وجدت الماء فامسسه بشرتك، فان ذلك خير» قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
واذا كان عليه نجاسة وليس عنده ما يزيلها به صلى في الوقت وعليه النجاسة، كما صلى عمر بن الخطاب وجرحه يثعب دما.
ولم يوخر الصلاة حتى خرج الوقت.
ومن لم يجد الا ثوبا نجسا فقيل: يصلي عريانا.
وقيل: يصلي فيه ويعيد، وقيل: يصلي فيه ولا يعيد؛ وهذا اصح اقوال العلماء؛ فان الله لم يامر العبد ان يصلي الفرض مرتين، الا اذا لم يفعل الواجب الذي يقدر عليه في المرة الاولى، مثل ان يصلي بلا طمانينة، فعليه ان يعيد الصلاة، كما امر النبي - صلى الله عليه وسلم - من صلى ولم يطمين ان يعيد الصلاة.
وقال: «ارجع فصل فانك لم تصل» .
وكذلك من نسي الطهارة وصلى بلا وضوء فعليه ان يعيد، كما امر النبي - صلى الله عليه وسلم - «من توضا وترك لمعة في قدمه لم يمسها الماء ان يعيد الوضوء والصلاة» .
فاما من فعل ما امر به بحسب قدرته، فقد قال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}[التغابن: 16] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم» .
ومن كان مستيقظا في الوقت والماء بعيد منه لا يدركه الا بعد الوقت فانه يصلي في الوقت بالتيمم باتفاق العلماء.
وكذلك اذا كان البرد شديدا، ويضره الماء البارد، ولا يمكنه الذهاب الى الحمام، او تسخين الماء حتى يخرج الوقت، فانه يصلي في الوقت بالتيمم.
والمراة والرجل في ذلك سواء، فاذا كانا جنبين ولم يمكنهما الاغتسال حتى يخرج الوقت، فانهما يصليان في الوقت بالتيمم.
والمراة الحايض اذا انقطع دمها في الوقت، ولم يمكنها الاغتسال الا بعد خروج الوقت تيممت وصلت في الوقت.
ومن ظن ان الصلاة بعد خروج الوقت بالماء خير من الصلاة في الوقت بالتيمم فهو ضال جاهل.
واذا استيقظ اخر وقت الفجر فاذا اغتسل طلعت الشمس، فجمهور العلماء هنا يقولون: يغتسل ويصلي بعد طلوع الشمس، وهذا مذهب ابي حنيفة والشافعي واحمد، واحد القولين في مذهب مالك.
وقال في القول الاخر: بل يتيمم ايضا هنا ويصلي قبل طلوع الشمس كما تقدم في تلك المسايل، لان الصلاة في الوقت بالتيمم خير من الصلاة بعده بالغسل.
والصحيح قول الجمهور؛ لان الوقت في حق النايم هو من حين يستيقظ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من نام عن صلاة او نسيها فليصلها اذا ذكرها فان ذلك وقتها» .
فالوقت في حق النايم هو من حين يستيقظ، وما قبل ذلك لم يكن وقتا في حقه.
واذا كان كذلك فاذا استيقظ قبل طلوع الشمس فلم يمكنه الاغتسال والصلاة الا بعد طلوعها فقد صلى الصلاة في وقتها ولم يفوتها؛ بخلاف من استيقظ في اول الوقت فان الوقت في حقه قبل طلوع الشمس، فليس له ان يفوت الصلاة.
وكذلك من نسي صلاة وذكرها فانه حينيذ يغتسل ويصلي في اي وقت كان، وهذا هو الوقت في حقه، فاذا لم يستيقظ الا بعد طلوع الشمس، كما استيقظ اصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ناموا عن الصلاة عام خيبر، فانه يصلي بالطهارة الكاملة، وان اخرها الى حين الزوال، فاذا قدر انه كان جنبا فانه يدخل الحمام ويغتسل وان اخرها الى قريب الزوال، ولا يصلي هنا بالتيمم، ويستحب له ان ينتقل عن المكان الذي نام فيه، كما انتقل النبي - صلى الله عليه وسلم - واصحابه عن المكان الذي ناموا فيه، وقال: «هذا مكان حضرنا فيه الشيطان» .
وقد نص على ذلك احمد وغيره.
وان صلى فيه جازت صلاته.
فان قيل: هذا يسمى قضاء او اداء؟ قيل: الفرق بين اللفظين هو فرق اصطلاحي؛ لا اصل له في كلام الله ورسوله؛ فان الله تعالى سمى فعل العبادة في وقتها قضاء، كما قال في الجمعة: {فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض}[الجمعة: 10] وقال تعالى: {فاذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله}[البقرة: 200] مع ان هذين يفعلان في الوقت.
" والقضاء " في لغة العرب: هو اكمال الشيء واتمامه، كما قال تعالى: {فقضاهن سبع سماوات}[فصلت: 12] اي: اكملهن واتمهن.
فمن فعل العبادة كاملة فقد قضاها، وان فعلها في وقتها.
وقد اتفق العلماء فيما اعلم على انه لو اعتقد بقاء وقت الصلاة فنواها اداء.
ثم تبين انه صلى بعد خروج الوقت صحت صلاته، ولو اعتقد خروجه فنواها قضاء ثم تبين له بقاء الوقت اجزاته صلاته.
وكل من فعل العبادة في الوقت الذي امر به اجزاته صلاته، سواء نواها اداء او قضاء، والجمعة تصح سواء نواها اداء او قضاء اذا اراد القضاء المذكور في القران، والنايم والناسي اذا صليا وقت الذكر والانتباه فقد صليا في الوقت الذي امرا بالصلاة فيه، وان كانا قد صليا بعد خروج الوقت المشروع لغيرهما.
فمن سمى ذلك قضاء باعتبار هذا المعنى.
وكان في لغته ان القضاء فعل العبادة بعد خروج الوقت المقدر شرعا للعموم، فهذه التسمية لا تضر ولا تنفع.
وبالجملة فليس لاحد قط شغل يسقط عنه فعل الصلاة في وقتها، بحيث يوخر صلاة النهار الى الليل وصلاة الليل الى النهار؛ بل لا بد من فعلها في الوقت؛ لكن يصلي بحسب حاله، فما قدر عليه من فرايضها فعله، وما عجز عنه سقط عنه، ولكن يجوز الجمع للعذر بين صلاتي النهار وبين صلاتي الليل، عند اكثر العلماء: فيجوز الجمع للمسافر اذا جد به السير عند مالك والشافعي، واحمد في احدى الروايتين عنه، ولا يجوز في الرواية الاخرى عنه وهو قول ابي حنيفة.
وفعل الصلاة في وقتها اولى من الجمع اذا لم يكن عليه حرج؛ بخلاف القصر فان صلاة ركعتين افضل من صلاة اربع، عند جماهير العلماء.
فلو صلى المسافر اربعا فهل تجزيه صلاته؟ على قولين.
«والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان في جميع اسفاره يصلي ركعتين، ولم يصل في السفر اربعا قط» ، ولا ابو بكر، ولا عمر
What's Your Reaction?






