مسالة جماعة اشتركوا شركة الابدان بغير رضا بعضهم
مسالة جماعة اشتركوا شركة الابدان بغير رضا بعضهم

اجاب: - رضي الله عنه -: شركة الابدان التي تنازع الفقهاء فيها نوعان: احدهما: ان يشتركا فيما يتقبلان من العمل في ذمتهما: كاهل الصناعات من الخياطة، والتجارة، والحياكة، ونحو ذلك من الذين تقدر اجرتهم بالعمل لا بالزمان، ويسمى الاجير المشترك، ويكون العمل في ذمة احدهم بحيث يسوغ له ان يقيم غيره ان يعمل ذلك العمل.
والعمل دين في ذمته كديون الاعيان، ليس واجبا على عينه كالاجير الخاص، فهولاء جوز اكثر الفقهاء اشتراكهم كابي حنيفة، ومالك، واحمد، وذلك عندهم بمنزلة شركة الوجوه، وهو ان يشتري احد الشريكين بجاهه شييا له ولشريكه كما يتقبل الشريك العمل له ولشريكه.
قالوا: وهذه الشركة مبناها على الوكالة: فكل من الشريكين يتصرف لنفسه بالملك، ولشريكه بالوكالة، ولم يجوزها الشافعي بناء على اصله، وهو ان مذهبه ان الشركة لا تثبت بالعقد، وانما تكون الشركة شركة الاملاك خاصة، فاذا كانا شريكين في مال كان لهما نماوه وعليهما غرمه، ولهذا لا يجوز شركة العنان مع اختلاف جنس المالين، ولا يجوزها الا مع خلط المالين.
ولا يجعل الربح الا على قدر المالين.
والجمهور يخالفونه في هذا ويقولون: الشركة نوعان: شركة املاك، وشركة عقود، وشركة العقود اصلا لا تفتقر الى شركة الاملاك، كما ان شركة الاملاك لا تفتقر الى شركة العقود.
وان كانا قد يجتمعان.
والمضاربة شركة عقود بالاجماع ليست شركة املاك، اذ المال لاحدهما، والعمل للاخر، وكذلك المساقاة والمزارعة، وان كان من الفقهاء من يزعم انها من باب الاجارة، وانها خلاف القياس، فالصواب انها اصل مستقل، وهي من باب المشاركة لا من باب الاجارة الخاصة، وهي على وفق قياس المشاركات.
ولما كان مبنى الشركة على هذا الاصل تنازعوا في الشركة في اكتساب المباحات، بناء على جواز التوكل فيها، فجوز ذلك احمد، ومنعه ابو حنيفة، واحتج احمد بحديث سعد، وعمار، وابن مسعود.
وقد يقال: هذه من النوع الثاني اذا تشاركا فيما يوجران فيه ابدانهما ودابتيهما اجارة خاصة، ففي هذه الاجارة قولان مرتبان: والبطلان مذهب ابي حنيفة، وطايفة من اصحاب احمد: كابي الخطاب، والقاضي في احد قوليه.
وقال: هو قياس المذهب بناء على ان شركة الابدان لا يشترط فيها الضمان بذلك الاشتراك على كسب المباح، كالاصطياد، والاحتطاب؛ لانه لم يجب على احدهما من العمل الذي وجب على الاخر شيء، وانما كان ذلك بمنزلة اشتراكهما في نتاج ماشيتهما وتراث بساتينهما ونحو ذلك.
ومن جوزه قال: هو مثل الاشتراك في اكتساب المباحات؛ لانه لم يثبت هناك في ذمة احدهما عمل، ولكن بالشركة صار ما يعمله احدهما عن نفسه وعن شريكه، وكذلك هنا ما يشترطه احدهما من الاجرة، او شرط له من الجعل هو له ولشريكه، والعمل الذي يعمل عن نفسه وعن شريكه، وهذا القول اصح لا سيما على قول من يجوز شركة العنان مع عدم اختلاط المالين، ومع اختلاف الجنسين، وقد قال تعالى: {اوفوا بالعقود}[المايدة: 1] .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المسلمون عند شروطهم، الا شرطا احل حراما او حرم حلالا» واظن هذا قول مالك.
واما اشتراك الشهود فقد يقال من مسالة شركة الابدان التي تنازع الفقهاء فيها، فان الشهادة لا تثبت في الذمة، ولا يصح التوكل فيها حتى يكون احد الشريكين متصرفا لنفسه بحكم الملك، ولشريكه بحكم الوكالة، والعوض في الشهادة من باب الجعالة، لا من باب الاجارة اللازمة فانما هي اشتراك في العقد، لا عقد الشركة بمنزلة من يقول الجماعة: ابنوا لي هذا الحايط ولكم عشرة، او ان بنيتموه فلكم عشرة، او ان خطتم هذا الثوب فلكم عشرة، او ان رددتم عبدي الابق فلكم عشرة.
وان لم يقدر الجعل، وقد علم انهم يعملون بالجعل مثل: حمالين يحملون مال تاجر متعاونين على ذلك، فهم يستحقون جعل مثلهم عند جمهور العلماء ابي حنيفة، ومالك، واحمد، وغيرهم، كما يستحقه الطباخ الذي يطبخ بالاجرة، والخباز الذي يخبز بالاجرة، والنساج الذي ينسج بالاجرة، والقصار الذي يقصر بالاجرة، وصاحب الحمام والسفينة، والعرف الذي جرت عادته بان يستوفي منفعته بالاجر، فهولاء يستحقون عوض المثل عند الاطلاق.
فكذلك اذا استعمل جماعة من ان يشهدوا عليه ويكتبوا خطوطهم بالشهادة، يستحقون الجعل، فهو بمنزلة استعماله اياهم في نحو ذلك من الاعمال، اذا قيل انهم يستحقون الجعل فيستحقون جعل مثلهم على قدر اعمالهم، فان كانت اعمالهم ومنافعهم متساوية استحقوا الجعل بالسواء.
والصواب ان هذا الذي قاله هذا القايل صحيح اذا لم يتقدم منهم شركة، فاما اذا اشتركوا فيما يكتسبونه بالشهادة فهو كاشتراكهم فيما يكتسبونه بساير الجعالات والاجارات.
ثم الجعل في الشهادة قد يكون على عمل في الذمة، وللشاهد ان يقيم مقامه من يشهد للجاعل، فهنا تكون شركة صحيحة عند كل من يقول بشركة الابدان، وهم الجمهور ابو حنيفة، ومالك، واحمد، وغيرهم، وهو الصحيح الذي يدل عليه الكتاب، والسنة، والاعتبار، الا ان يكون الجعل على ان يشهد الشاهد بعينه فيكون فيها القولان المتقدمان، والصحيح ايضا جواز الاشتراك في ذلك كما هو قول مالك في اصح القولين، لكن ليس لاحد الشريكين ان يدع العمل ويطلب مقاسمة الاخر، بل عليه ان يعمل ما اوجبه العقد لفظا او عرفا.
واما اذا اكرههم القضاة على هذه الشركة بغير اختيارهم، فهذا ليس من باب الاكراه على العقود بغير حق؛ لان القضاة هم الذين ياذنون لهم في الارتزاق بالشهادة، وذلك موقوف على تعديلهم، ليس بمنزلة الصناع الذين يكتسبون بدون اذن ولي الامر، واذا كان للقضاة امر في ذلك جاز ان يكون لهم في التشريك بينهم، فانه لا بد من قعود اثنين فصاعدا ولا بد من اشتراكهما في الشهادة، اذ شهادة الواحد لا تحصل مقصود الشهادة.
واذا كان كذلك فالواجب ان يراعى في ذلك موجب العدل بينهم، فلا يمتنع احدهم عن عمل هو عليه، ولا يختص احدهم بشيء من الرزق الذي وقعت الشركة عليه، سواء كانوا مجتمعين او متفرقين، والله سبحانه اعلم.
What's Your Reaction?






