مسالة في قول النبي انزل القران على سبعة احرف

مسالة في قول النبي انزل القران على سبعة احرف

مسالة في قول النبي انزل القران على سبعة احرف
1017 - 5

مسالة:

في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «انزل القران على سبعة احرف» ما المراد بهذه السبعة.

وهل هذه القراءات المنسوبة الى نافع وعاصم وغيرهما هي الاحرف السبعة او واحد منها.

وما السبب الذي اوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف.

وهل تجوز القراءة برواية الاعمش وابن محيصن وغيرهما من القراءات الشاذة ام لا.

واذا جازت القراءة بها فهل تجوز الصلاة بها ام لا؟ افتونا ماجورين.

الجواب::

الحمد لله رب العالمين.

هذه مسالة كبيرة قد تكلم فيها اصناف العلماء من الفقهاء والقراء واهل الحديث والتفسير والكلام وشرح الغريب، وغيرهم، حتى صنف فيها التصنيف المفرد، ومن اخر ما افرد في ذلك ما صنفه الشيخ ابو محمد عبد الرحمن بن اسماعيل بن ابراهيم الشافعي المعروف بابي شامة صاحب " شرح الشاطبية ".

فاما ذكر اقاويل الناس وادلتهم وتقرير الحق فيها مبسوطا فيحتاج من ذكر الاحاديث الواردة في ذلك، وذكر الفاظها وساير الادلة الى ما لا يتسع له هذا المكان، ولا يليق بمثل هذا الجواب، ولا نذكر النكت الجامعة التي تنبه على المقصود بالجواب، فنقول: لا نزاع بين العلماء المعتبرين ان الاحرف السبعة التي ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ان القران انزل عليها ليست هي قراءات القراء السبعة المشهورة، بل اول من جمع قراءات هولاء هو الامام ابو بكر بن مجاهد، وكان على راس الماية الثالثة ببغداد، فانه احب ان يجمع المشهور من قراءات الحرمين، والعراقين، والشام، اذ هذه الامصار الخمسة هي التي خرج منها علم النبوة من القران وتفسيره والحديث، والفقه في الاعمال الباطنة والظاهرة وساير العلوم الدينية، فلما اراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من ايمة قراء هذه الامصار ليكون ذلك موافقا لعدد الحروف التي انزل عليها القران، لا لاعتقاده، او اعتقاد غيره من العلماء ان القراءات السبعة هي الحروف السبعة، او ان هولاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز ان يقرا بغير قراءتهم.

ولهذا قال من قال من ايمة القراء: لولا ان ابن مجاهد سبقني الى حمزة لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي امام جامع البصرة، وامام قراء البصرة في زمانه في راس المايتين.

ولا نزاع بين المسلمين ان الحروف السبعة التي انزل القران عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده، بل قد يكون معناها متفقا او متقاربا كما قال عبد الله بن مسعود: انما هو كقول احدكم اقبل، وهلم، وتعال.

وقد يكون معنى احدها ليس هو معنى الاخر، لكن كلا المعنيين حق، وهذا اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض، وهذا كما جاء في الحديث المرفوع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث حديث: «انزل القران على سبعة احرف: ان قلت غفورا رحيما او قلت عزيزا حكيما، فالله كذلك ما لم تختم اية رحمة باية عذاب، او اية عذاب باية رحمة» .

وهذا كما في القراءات المشهور: الا ان يخافا الا يقيما.

والا ان يخافا الا يقيما، وان كان مكرهم لتزول.

ولتزول منه الجبال، وبل عجبت، وبل عجبت، ونحو ذلك.

ومن القراءات ما يكون المعنى فيها متفقا من وجه، متباينا من وجه كقوله: يخدعون ويخادعون، ويكذبون ويكذبون، ولمستم ولامستم، وحتى يطهرن ويطهرن، ونحو ذلك، وهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلها حق، وكل قراءة منها مع القراءة الاخرى بمنزلة الاية مع الاية يجب الايمان بها كلها، واتباع ما تضمنته من المعنى علما وعملا، لا يجوز ترك موجب احداهما لاجل الاخرى، ظنا ان ذلك تعارض، بل كما قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - من كفر بحرف منه فقد كفر به كله.

واما ما اتحد لفظه ومعناه، وانما يتنوع صفة النطق به كالهمزات والمدات والامالات ونقل الحركات والاظهار والادغام والاختلاس وترقيق اللامات والراءات او تغليظها ونحو ذلك مما تسمى القراءات الاصول، فهذا اظهر وابين في انه ليس فيه تناقض ولا تضاد، مما تنوع فيه اللفظ او المعنى، اذ هذه الصفات المتنوعة في اداء اللفظ لا تخرجه عن ان يكون لفظا واحدا، ولا يعد ذلك فيما اختلف لفظه واتحد معناه، او اختلف معناه من المترادف ونحوه، ولهذا كان دخول هذا في حرف واحد من الحروف السبعة التي انزل القران عليها، مما يتنوع فيه اللفظ او المعنى وان وافق رسم المصحف، وهو ما يختلف فيه النقط او الشكل.

ولذلك لم يتنازع علماء الاسلام المتبوعين من السلف والايمة في انه لا يتعين ان يقرا بهذه القراءات المعينة في جميع امصار المسلمين، بل من ثبت عنده قراءة الاعمش شيخ حمزة، او قراءة يعقوب بن اسحاق الحضرمي، ونحوهما، كما ثبت عنده قراءة حمزة والكسايي فله ان يقرا بها بلا نزاع بين العلماء المعتبرين المعدودين من اهل الاجماع والخلاف، بل اكثر العلماء الايمة الذين ادركوا قراءة سفيان بن عيينة.

واحمد بن حنبل، وبشر بن الحارث، وغيرهم يختارون قراءة ابي جعفر بن القعقاع، وشيبة بن نصاح المدنيين، وقراءة البصريين كشيوخ يعقوب بن اسحاق، وغيرهم على قراءة حمزة، والكسايي.

وللعلماء في ذلك من الكلام ما هو معروف عند العلماء، ولهذا كان ايمة اهل العراق الذين ثبتت عندهم قراءات العشرة او الاحد عشر كثبوت هذه السبعة يجمعون ذلك في الكتب ويقرءونه في الصلاة، وخارج الصلاة، وذلك متفق عليه بين العلماء لم ينكره احد منهم.

واما الذي ذكره القاضي عياض ومن نقل من كلامه من الانكار على ابن شنبوذ الذي كان يقرا بالشواذ في الصلاة في اثناء الماية الرابعة وجرت له قضية مشهورة فانما كان ذلك في القراءات الشاذة الخارجة عن المصحف كما سنبينه: ولم ينكر احد من العلماء قراءة العشرة، ولكن من لم يكن عالما بها او لم تثبت عنده كمن يكون في بلد من بلاد الاسلام بالمغرب او غيره، ولم يتصل به بعض هذه القراءات فليس له ان يقرا الا بعلمه فان القراءة كما قال زيد بن ثابت سنة ياخذها الاخر عن الاول، كما ان ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من انواع الاستفتاحات في الصلاة، ومن انواع صفة الاذان والاقامة، وصفة صلاة الخوف، وغير ذلك كله حسن يشرع العمل به لمن علمه، واما من علم نوعا ولم يعلم غيره فليس له ان يعدل عما علمه الى ما لم يعلم، وليس له ان ينكر على من علم ما لم يعلمه من ذلك ولا ان يخالفه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تختلفوا فان من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا» .

واما القراءة الشاذة الخارجة عن رسم المصحف العثماني مثل قراءة ابن مسعود وابي الدرداء - رضي الله عنهما - {والليل اذا يغشى}[الليل: 1] {والنهار اذا تجلى}[الليل: 2] {وما خلق الذكر والانثى}[الليل: 3] .

كما قد ثبت ذلك في الصحيحين، ومثل قراءة عبد الله: فصيام ثلاثة ايام متتابعات.

وكقراءته: {ان كانت الازقية واحدة} .

ونحو ذلك.

فهذه اذا ثبتت عن بعض الصحابة فهل يجوز ان يقرا بها في الصلاة؟ على قولين للعلماء: هما روايتان مشهورتان عن الامام احمد وروايتان عن مالك: احداهما: يجوز ذلك لان الصحابة والتابعين كانوا يقرءون بهذه الحروف في الصلاة.

والثانية: لا يجوز ذلك وهو قول اكثر العلماء، لان هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وان ثبت فانها منسوخة بالعرضة الاخرة، فانه قد ثبت في الصحاح عن عايشة وابن عباس - رضي الله عنهم - «ان جبريل - عليه السلام - كان يعارض النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل عام مرة، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين» ، والعرضة الاخيرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره، وهي التي امر الخلفاء الراشدون: ابو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي بكتابتها في المصاحف، وكتبها ابو بكر، وعمر في خلافة ابي بكر في صحف امر زيد بن ثابت بكتابتها، ثم امر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحف وارسالها الى الامصار وجمع الناس عليها باتفاق من الصحابة علي وغيره.

وهذا النزاع لا بد ان يبنى على الاصل الذي سال عنه السايل وهو ان القراءات السبعة هل هي حرف من الحروف السبعة ام لا، فالذي عليه جمهور العلماء من السلف والايمة انها حرف من الحروف السبعة، بل يقولون ان مصحف عثمان هو احد الحروف السبعة، وهو متضمن للعرضة الاخرة التي عرضها النبي - صلى الله عليه وسلم - على جبريل.

والاحاديث والاثار المشهورة المستفيضة تدل على هذا القول.

وذهب طوايف من الفقهاء والقراء واهل الكلام الى ان هذا المصحف مشتمل على الاحرف السبعة، وقرر ذلك طوايف من اهل الكلام كالقاضي ابي بكر الباقلاني، وغيره، بناء على انه لا يجوز على الامة ان تهمل نقل شيء من الاحرف السبعة، وقد اتفقوا على نقل هذا المصحف الامام العثماني وترك ما سواه، حيث امر عثمان بنقل القران من الصحف التي كان ابو بكر وعمر كتبا القران فيها، ثم ارسل عثمان بمشاورة الصحابة الى كل مصر من امصار المسلمين.

بمصحف وامر بترك ما سوى ذلك.

قال هولاء: ولا يجوز ان ينهى عن القراءة ببعض الاحرف السبعة.

ومن نصر قول الاولين يجيب تارة بما ذكر محمد بن جرير وغيره من ان القراءة على الاحرف السبعة لم تكن واجبة على الامة، وان كان جايزا لهم، مرخصا لهم فيه، وقد جعل اليهم الاختيار في اي حرف اختاروه، كما ان ترتيب السور لم يكن واجبا عليهم منصوصا بل مفوضا الى اجتهادهم، ولهذا كان ترتيب مصحف عبد الله على غير ترتيب مصحف زيد، وكذلك مصحف غيره.

واما ترتيب ايات السور فهو منزل منصوص عليه، فلم يكن لهم ان يقدموا اية على اية في الرسم، كما قدموا سورة على سورة، لان ترتيب الايات مامور به نصا، واما ترتيب السور فمفوض الى اجتهادهم.

قالوا: فكذلك الاحرف السبعة، فلما راى الصحابة ان الامة تفترق وتختلف وتتقاتل اذا لم يجتمعوا على حرف واحد، اجتمعوا على ذلك اجتماعا سايغا، وهم معصومون ان يجتمعوا على ضلالة، ولم يكن في ذلك ترك لواجب ولا فعل لمحظور.

ومن هولاء من يقول بان الترخيص في الاحرف السبعة كان في اول الاسلام لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم اولا، فلما تذللت السنتهم بالقراءة، وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيرا عليهم وهو اوفق لهم، اجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الاخرة، ويقولون انه نسخ ما سوى ذلك.

وهولاء يوافق قولهم قول من يقول ان حروف ابي بن كعب وابن مسعود وغيرهما مما يخالف رسم هذا المصحف منسوخة.

واما من قال عن ابن مسعود انه يجوز القراءة بالمعنى فقد كذب عليه، وانما قال: قد نظرت الى القراء فرايت قراءتهم متقاربة، وانما هو كقول احدكم اقبل، وهلم، وتعال، فاقرءوا كما علمتم.

او كما قال، فمن جوز القراءة بما يخرج عن المصحف مما ثبت عن الصحابة قال يجوز ذلك لانه من الحروف السبعة التي انزل القران عليها، ومن لم يجوزه فله ثلاثة ماخذ: تارة يقول ليس هو من الحروف المنسوخة، وتارة يقول هو من الحروف المنسوخة، وتارة يقول هو مما انعقد اجماع الصحابة على الاعراض عنه، وتارة يقول لم ينقل الينا نقلا يثبت بمثله القران.

وهذا هو الفرق بين المتقدمين والمتاخرين.

ولهذا كان في ال

مسالة:

قول ثالث وهو اختيار جدي ابي البركات، انه ان قرا بهذه القراءات في القراءة الواجبة وهي الفاتحة عند القدرة عليها لم تصح صلاته، لانه لم يتيقن انه ادى الواجب من القراءة لعدم ثبوت القران بذلك، وان قرا بها فيما لا يجب لم تبطل صلاته، لانه لم يتيقن انه اتى في الصلاة بمبطل لجواز ان يكون ذلك من الحروف السبعة التي انزل عليها.

وهذا القول ينبني على اصل، وهو ان ما لم يثبت كونه من الحروف السبعة فهل يجب القطع بكونه ليس منها، فالذي عليه جمهور العلماء انه لا يجب القطع بذلك، اذ ليس ذلك مما اوجب علينا ان يكون العلم به في النفي والاثبات قطعيا.

وذهب فريق من اهل الكلام الى وجوب القطع بنفيه، حتى قطع بعض هولاء كالقاضي ابي بكر بخطا الشافعي وغيره، ممن اثبت البسملة من القران في غير سورة النمل.

لزعمهم ان ما كان من موارد الاجتهاد في القران فانه يجب القطع بنفيه، والصواب القطع بخطا هولاء، وان البسملة اية من كتاب الله حيث كتبها الصحابة في المصحف، اذ لم يكتبوا فيه الا القران، وجردوه عما ليس منه كالتخميس والتعشير واسماء السور ولكن مع ذلك لا يقال هي من السورة التي بعدها كما ليست من السورة التي قبلها، بل هي كما كتبت اية انزلها الله في اول كل سورة، وان لم تكن من السورة، وهذا اعدل الاقوال الثلاثة في هذه المسالة.

وسواء قيل بالقطع في النفي والاثبات فذلك لا يمنع كونها من موارد الاجتهاد التي لا تكفير ولا تفسيق فيها للنافي ولا للمثبت، بل قد يقال ما قاله طايفة من العلماء ان كل واحد من القولين حق، وانها اية من القران في بعض القراءات، وهي قراءة الذين يفصلون بها بين السورتين، وليست اية في بعض القراءات، وهي قراءة الذين يصلون.

لا يفصلون بها.

واما قول السايل ما السبب الذي اوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف، فهذا مرجعه الى النقل واللغة العربية لتسويغ الشارع لهم القراءة بذلك كله اذ ليس لاحد ان يقرا برايه المجرد، بل القراءة سنة متبعة، وهم اذا اتفقوا على اتباع القران المكتوب في المصحف الامامي، وقد قرا بعضهم بالياء، وبعضهم بالتاء، لم يكن واحد منهما خارجا عن المصحف.

ومما يوضح ذلك انهم يتفقون في بعض المواضع على ياء او تاء، ويتنوعون في بعض كما اتفقوا في قوله تعالى: {وما الله بغافل عما تعملون}[البقرة: 74] في موضع وتنوعوا في موضعين، وقد بينا ان القراءتين كالايتين فزيادة القراءات لزيادة الايات، لكن اذا كان الخط واحدا واللفظ محتملا كان ذلك اخصر في الرسم.

والاعتماد في نقل القران على حفظ القلوب، لا على حفظ المصاحف، كما في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: «ان ربي قال لي قم في قريش فانذرهم، فقلت اي رب اذا يثلغوا راسي اي يشدخوا فقال: اني مبتليك ومبتل بك ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء تقراه نايما ويقظانا فابعث جندا ابعث مثليهم، وقاتل بمن اطاعك من عصاك، وانفق انفق عليك» .

فاخبر ان كتابه لا يحتاج في حفظه الى صحيفة تغسل بالماء، بل يقروه في كل حال كما جاء في نعت امته: اناجيلهم في صدورهم بخلاف اهل الكتاب الذين لا يحفظونه الا في الكتب ولا يقرءونه الا نظرا لا عن ظهر قلب.

وقد ثبت في الصحيح انه جمع القران كله على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة من الصحابة كالاربعة الذين من الانصار، وكعبد الله بن عمرو.

فتبين بما ذكرناه ان القراءات المنسوبة الى نافع وعاصم ليست هي الاحرف السبعة التي انزل القران عليها، وذلك باتفاق علماء السلف والخلف، وكذلك ليست هذه القراءات السبعة هي مجموع حرف واحد من الاحرف السبعة التي انزل القران عليها باتفاق العلماء المعتبرين، بل القراءات الثابتة عن ايمة القران كالاعمش، ويعقوب، وخلف، وابي جعفر يزيد بن القعقاع، وشيبة بن نصاح، ونحوهم هي بمنزلة القراءات الثابتة عن هولاء السبعة عند من ثبت ذلك عنده، كما ثبت ذلك.

وهذا ايضا مما لم يتنازع فيه الايمة المتبوعون من ايمة الفقهاء والقراء وغيرهم، وانما تنازع الناس من الخلف في المصحف العثماني الامامي الذي اجمع عليه اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعون لهم باحسان والايمة بعدهم، هل هو بما فيه من القراءات السبعة وتمام العشرة وغير ذلك، هل هو حرف من الاحرف السبعة التي انزل القران عليها، او هو مجموع الاحرف السبعة؟ على قولين مشهورين: والاول: قول ايمة السلف والعلماء.

والثاني: قول طوايف من اهل الكلام والقراء وغيرهم، وهم متفقون على ان الاحرف السبعة لا يخالف بعضها بعضا خلافا يتضاد في المعنى ويتناقض، بل يصدق بعضها بعضا كما تصدق الايات بعضها بعضا.

وسبب تنوع القراءات فيما احتمله خط المصحف هو تجويز الشارع وتسويغه ذلك لهم، اذ مرجع ذلك الى السنة والاتباع، لا الى الراي والابتداع.

اما اذا قيل: ان ذلك هي الاحرف السبعة فظاهر، وكذلك بطريق الاولى اذا قيل ان ذلك حرف من الاحرف السبعة، فانه اذا كان قد سوغ لهم ان يقرءوه على سبعة احرف كلها شاف كاف، مع تنوع الاحرف في الرسم، فلان يسوغ ذلك مع اتفاق ذلك في الرسم وتنوعه في اللفظ اولى واحرى، وهذا من اسباب تركهم المصاحف اول ما كتبت غير مشكولة ولا منقوطة لتكون صورة الرسم محتملة للامرين كالتاء والياء، والفتح والضم، وهم يضبطون باللفظ كلا الامرين، ويكون دلالة الخط الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوين شبيها بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المنقولين المعقولين المفهومين.

فان اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلقوا عنه ما امره الله بتبليغه اليهم من القران لفظه ومعناه جميعا كما قال ابو عبد الرحمن السلمي، وهو الذي روى عن عثمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: «خيركم من تعلم القران وعلمه» .

كما رواه البخاري في صحيحه وكان يقري القران اربعين سنة، قال: حدثنا الذين كانوا يقريوننا عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما انهم كانوا اذا تعلموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر ايات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا فتعلمنا القران والعلم والعمل جميعا.

ولهذا دخل في معنى قوله «خيركم من تعلم القران وعلمه» تعليم حروفه ومعانيه جميعا، بل تعلم معانيه هو المقصود الاول بتعليم حروفه، وذلك هو الذي يزيد الايمان، كما قال جندب بن عبد الله، وعبد الله بن عمر وغيرهما: تعلمنا الايمان ثم تعلمنا القران فازددنا ايمانا، وانكم تتعلمون القران ثم تتعلمون الايمان.

وفي الصحيحين: عن حذيفة قال: «حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثين، رايت احدهما، وانا انتظر الاخر: حدثنا ان الامانة نزلت في جذر قلوب الرجال ونزل القران» ، وذكر الحديث بطوله، ولا تتسع هذه الورقة لذكر ذلك.

وانما المقصود التنبيه على ان ذلك كله مما بلغه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى الناس.

وتلقاه اصحابه عنه الايمان والقران حروفه ومعانيه، وذلك مما اوحاه الله اليه كما قال تعالى: {وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا}[الشورى: 52] وتجوز القراءة في الصلاة وخارجها بالقراءات الثابتة الموافقة لرسم المصحف كما ثبتت هذه القراءات وليست شاذة حينيذ، والله اعلم.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0