باب تسوية الصفوف

باب تسوية الصفوف

باب تسوية الصفوف
ِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ يَجِبُ تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرَهُ فَقَالَ: لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَتَهَا مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بِبَابِ: إثْمِ مَنْ لَمْ يُقِمْ الصَّفَّ. قُلْت: وَمَنْ ذَكَرَ الْإِجْمَاعَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فَمُرَادُهُ ثُبُوتُ اسْتِحْبَابِهِ لَا نَفْيُ وُجُوبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا قَدَرَ الْمُصَلِّي أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ لَزِمَهُ وَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُسْمِعَ الْمُصَلِّي نَفْسَهُ الْقِرَاءَةَ الْوَاجِبَةَ، بَلْ يَكْفِيهِ الْإِتْيَانُ بِالْحُرُوفِ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَذَا كُلُّ ذِكْرٍ وَاجِبٍ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ فِي الِاسْتِفْتَاحِ بَيْنَ قَوْلِهِ: " سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك " إلَى آخِرِهِ، وَبَيْنَ: " وَجَّهْتُ وَجْهِي " إلَى آخِرِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي يُوسُفَ، وَأَبِي هُبَيْرَةَ، وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ لَفْظَيْ كَبِيرٍ وَكَثِيرٍ، بَلْ يَقُولُ هَذَا تَارَةً، وَهَذِهِ تَارَةً، وَكَذَا الْمَشْرُوعُ فِي الْقِرَاءَاتِ سَبْعٌ أَنْ يَقْرَأَ هَذِهِ تَارَةً وَهَذِهِ تَارَةً لَا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَأْتِيَ فِي الْعِبَادَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى وُجُوهٍ مُتَنَوِّعَةٍ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا: كَالِاسْتِفْتَاحَاتِ، وَأَنْوَاعِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمَفْضُولُ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ لِمَنْ انْتِفَاعُهُ بِهِ إثْمٌ. وَيُسْتَحَبُّ التَّعَوُّذُ أَوَّلَ كُلِّ قِرَاءَةٍ وَيَجْهَرُ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّعَوُّذِ وَبِالْبَسْمَلَةِ وَبِالْفَاتِحَةِ فِي الْجِنَازَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَحْيَانَا، فَإِنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ تَعْلِيمًا لِلسُّنَّةِ، وَيُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِالْبَسْمَلَةِ لِلتَّأْلِيفِ كَمَا اسْتَحَبَّ أَحْمَدُ تَرْكَ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ تَأْلِيفًا لِلْمَأْمُومِ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُتَطَوِّعًا تَبِعَهُ الْمَأْمُومُ وَالسُّنَّةُ أَوْلَى وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. قُلْت: وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ، وَهُوَ مَذْهَبُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ أَنْ يَجْهَرَ بِهَا أَحْيَانًا، وَهَذَا الْمَأْخَذُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْبَسْمَلَةُ آيَةٌ مُنْفَرِدَةٌ فَاصِلَةٌ بَيْنَ السُّورِ لَيْسَتْ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ لَا الْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهِمَا، وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ الْعَبَّاسِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إذَا كَانَ بِمَكَّةَ، وَأَنَّهُ لَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ تَرَكَ الْجَهْرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ " النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ " وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلْوَاقِعِ فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ كَانَ الْجَهْرَ بِهَا، وَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَالْكُوفَةِ فَلَمْ يَكُونُوا يَجْهَرُونَ، وَالدَّارَقُطْنِيّ لَمَّا دَخَلَ مِصْرَ وَسُئِلَ أَنْ يَجْمَعَ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ فَجَمَعَهَا، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ فِيهَا شَيْءٌ صَحِيحٌ؟ فَقَالَ: أَمَّا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا، وَأَمَّا عَنْ الصَّحَابَةِ فَمِنْهُ صَحِيحٌ، وَمِنْهُ ضَعِيفٌ، وَتُكْتَبُ الْبَسْمَلَةُ أَوَائِلَ الْكُتُبِ كَمَا كَتَبَهَا سُلَيْمَانُ، وَكَتَبَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَإِلَى قَيْصَرَ وَغَيْرِهِ، فَتُذْكَرُ فِي ابْتِدَاءِ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ، وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَنْزِلِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ لِلْبَرَكَةِ، وَهِيَ تَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ إذَا ابْتَدَأَ فِعْلًا تَبَعًا لِغَيْرِهَا لَا مُسْتَقِلَّةً فَلَمْ تُجْعَلْ كَالْهَيْلَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ، وَنَحْوِهِمَا. وَالْفَاتِحَةُ أَفْضَلُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهَا «أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَذَكَرَ مَعْنَاهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ، وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ أَعْظَمُ آيِ الْقُرْآنِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّ تَفَاضُلَ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ فِي نَفْسِ الْحَرْفِ أَيْ ذَاتِ الْحَرْفِ، وَاللَّفْظُ بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالْفَاتِحَةِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَعَانٍ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: تَوْحِيدٌ، وَقَصَصٌ، وَأَمْرٌ وَنَهْيٌ. {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مُتَضَمَّنَةٌ ثُلُثَ التَّوْحِيدِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا ثَلَاثًا إلَّا إذَا قُرِئَتْ مُنْفَرِدَةً[ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص: 1] ] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: السُّنَّةُ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ أَنْ يَقْرَأَهَا كَمَا فِي الْمُصْحَفِ، وَأَمَّا إذَا قَرَأَهَا مُنْفَرِدَةً أَوْ مَعَ بَعْضِ الْقُرْآنِ ثَلَاثًا فَإِنَّهَا تَعْدِلُ الْقُرْآنَ، وَإِذَا قِيلَ: ثَوَابُ قِرَاءَتِهَا مَرَّةً يَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَمُعَادَلَةُ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ يَقْتَضِي تَسَاوِيهِمَا فِي الْقَدْرِ لَا تَمَاثُلَهُمَا فِي الْوَصْفِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}[المائدة: 95] . وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِقِرَاءَتِهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَنْ قِرَاءَةِ سَائِرِ الْقُرْآنِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْقَصَصِ، كَمَا لَا يَسْتَغْنِي مَنْ مَلَكَ نَوْعًا شَرِيفًا مِنْ الْمَالِ عَنْ غَيْرِهِ، وَيَحْسُنُ تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَفْهِيمِهِ إيَّاهُ بِالتَّرْجَمَةِ. قُلْت: وَذَكَرَ غَيْرُهُ هَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. الْمُرَادُ بِالْحَرْفِ الْكَلِمَةُ وَوُقُوفُ الْقَارِئِ عَلَى رُءُوسِ الْآيَاتِ سُنَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْأُولَى تَعَلُّقَ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَالْقِرَاءَةُ الْقَلِيلَةُ بِتَفَكُّرٍ أَفْضَلُ مِنْ الْكَثِيرَةِ بِلَا تَفَكُّرٍ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الصَّحَابَةِ صَرِيحًا. وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَقَلَ عَنْهُ مُثَنَّى بْنِ جَامِعٍ رَجُلٌ أَكَلَ فَشَبِعَ، وَأَكْثَرَ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ، وَرَجُلُ أَقَلَّ الْأَكْلَ، فَقَلَّتْ نَوَافِلُهُ وَكَانَ أَكْثَرَ فِكْرًا، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَذَكَرَ مَا جَاءَ فِي الْفِكْرِ «تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ» قَالَ: فَرَأَيْت هَذَا عِنْدَهُ أَفْضَلَ لِلْفِكْرِ وَمَا خَالَفَ الْمُصْحَفَ، وَصَحَّ سَنَدُهُ، صَحَّتْ الصَّلَاةُ بِهِ. وَهَذَا نَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَمُصْحَفُ عُثْمَانَ أَحَدُ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ، وَقَالَهُ عَامَّةُ السَّلَفِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ مَعَ إمَامِهِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: 5] وَنَحْوَهُ. وَقِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الْإِمَامِ أُصُولُ الْأَقْوَالِ فِيهَا ثَلَاثَةٌ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ فَأَحَدُ الطَّرَفَيْنِ لَا يَقْرَأُ بِحَالٍ، وَالثَّانِي يَقْرَأُ بِكُلِّ حَالٍ، وَالثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ إذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ أَنْصَتَ وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ قَرَأَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ قِرَاءَتَهُ أَفْضَلُ مِنْ سُكُوتِهِ، وَالِاسْتِمَاعُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ السُّكُوتِ. وَعَلَى هَذَا فَهَلْ الْقِرَاءَةُ حَالَ مُخَافَتَةِ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَأْمُومِ، أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَشْهُرُهُمَا أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ، وَلَا يَقْرَأُ حَالَ تَنَفُّسِ إمَامِهِ، وَإِذَا سَمِعَ هَمْهَمَةَ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَفْهَمْ قِرَاءَتَهُ قَرَأَ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُ اسْتَحَبَّ، فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ سَكْتَتَيْنِ عَقِيبَ التَّكْبِيرِ لِلِاسْتِفْتَاحِ، وَقَبْلَ الرُّكُوعِ لِأَجْلِ الْفَصْلِ، وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَنْ يَسْكُتَ سَكْتَةً تَتَّسِعُ لِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ، وَلَكِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ وَالْقِرَاءَةُ إذَا سَمِعَ، هَلْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ أَوْ مَكْرُوهَةٌ وَهَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ إنْ قَرَأَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. أَحَدُهُمَا: الْقِرَاءَةُ مُحَرَّمَةٌ وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهَا حَكَاهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَهَلْ الْأَفْضَلُ لِلْمَأْمُومِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا، أَمْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَمَعَهَا مُقْتَضَى نُصُوصِ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِهَا أَفْضَلُ. قُلْت: فَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ غَيْرُهَا أَفْضَلَ إذَا سَمِعَهَا وَإِلَّا فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَسْتَعِيذُ حَالَ جَهْرِ الْإِمَامِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَمِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، مَنْ قَالَ لَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَسْتَعِيذُ حَالَ جَهْرِ الْإِمَامِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ حَالَ سُكُوتِ الْإِمَامِ، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّ النِّزَاعَ فِي حَالِ الْجَهْلِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِمَاعِ يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ وَقْتَ مُخَافَتَةِ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ اسْتِفْتَاحِهِ: غَلَطٌ، بَلْ قَوْلُ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ الِاسْتِفْتَاحُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اسْتِمَاعَهُ بَدَلٌ عَنْ قِرَاءَتِهِ، وَالْمَرْأَةُ إذَا صَلَّتْ بِالنِّسَاءِ جَهَرَتْ بِالْقِرَاءَةِ وَإِلَّا فَلَا تَجْهَرُ إذَا صَلَّتْ وَحْدَهَا. وَنَقَلَ ابْنُ أَصْرَمَ عَنْ أَحْمَدَ فِي مَنْ جَهِلَ مَا قَرَأَ بِهِ إمَامُهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا: لِأَنَّهُ لَمْ يَدْرِ هَلْ قَرَأَ إمَامُهُ الْحَمْدَ أَمْ لَا، وَلَا مَانِعَ مِنْ السَّمَاعِ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: بَلْ لِتَرْكِهِ الْإِنْصَاتَ الْوَاجِبَ. وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى أَنَّهُ «صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ لَا يُتِمُّ تَكْبِيرَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَعَلَّ ابْنَ أَبْزَى صَلَّى خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَوْتُهُ ضَعِيفًا فَلَمْ يَسْمَعْ تَكْبِيرَهُ فَاعْتَقَدَ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ التَّكْبِيرَ وَإِلَّا فَالْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافُ هَذَا. وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ النَّخَعِيِّ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ نَقَصَ التَّكْبِيرَ زِيَادٌ وَكَانَ أَمِيرًا فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَإِذَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ " وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْآجُرِّيُّ، وَأَبُو الْبَرَكَاتِ. وَيُسَنُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ إذَا قَامَ الْمُصَلِّي مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ إلَى الثَّالِثَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، اخْتَارَهَا أَبُو الْبَرَكَاتِ، كَمَا يُسَنُّ فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَفْعِ يَدَيْهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى أُذُنَيْهِ رَفَعَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ وَزِيَادَةٍ لَا يُمْكِنُهُ تَرْكُهَا. وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَعَمُّدِ تَكْرَارِ الرُّكْنِ الْفِعْلِيِّ لَا الْقَوْلِيِّ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَمَنْ لَمْ يُحْسِنْ الْقِرَاءَةَ وَلَا الذِّكْرَ أَوْ الْأَخْرَسُ لَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ حَرَكَةً مُجَرَّدَةً، وَلَوْ قِيلَ إنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ كَانَ أَقْرَبَ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ يُنَافِي الْخُشُوعَ وَزِيَادَةٌ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ. وَآلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلُ بَيْتِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُ، فَمِنْهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، وَفِي بَنِي الْمُطَّلِبِ الرِّوَايَتَانِ فِي الزَّكَاةِ، وَفِي دُخُولِ أَزْوَاجِهِ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ رِوَايَتَانِ، وَالْمُخْتَارُ الدُّخُولُ. وَأَفْضَلُ أَهْلِ بَيْتِهِ عَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ الَّذِينَ أَدَارَ عَلَيْهِمْ الْكِسَاءَ وَخَصَّهُمْ بِالدُّعَاءِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ حَمْزَةَ أَفْضَلُ مِنْ حَسَنٍ، وَحُسَيْنٍ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ إذَا اُتُّخِذَتْ شِعَارًا، وَهُوَ قَوْلٌ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ مَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ. وَيُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ لَا التَّكْبِيرُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ لَا قَالَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَلَا الْخَلْفِ، لَا يَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ سِرًّا لَا جَهْرًا لِعَدَمِ نَقْلِهِ. وَالتَّسْبِيحُ الْمَأْثُورُ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يُسَبِّحَ عَشْرًا، وَيَحْمَدَ عَشْرًا، وَيُكَبِّرَ عَشْرًا. وَالثَّانِي: أَنْ يُسَبِّحَ إحْدَى عَشْرَةَ، وَيَحْمَدَ إحْدَى عَشْرَةَ، وَيُكَبِّرَ إحْدَى عَشْرَةَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُسَبِّحَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيَحْمَدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيُكَبِّرَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَيَكُونَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ، وَيَخْتِمَ الْمِائَةَ بِالتَّوْحِيدِ التَّامِّ: وَهُوَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ. الْخَامِسُ: أَنْ يُسَبِّحَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيَحْمَدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيُكَبِّرَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ. السَّادِسُ: أَنْ يُسَبِّحَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَيَحْمَدَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَيُكَبِّرَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَيَقُولَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَلَا يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ لِغَيْرِ عَارِضٍ كَالِاسْتِسْقَاءِ وَالِانْتِصَارِ، أَوْ تَعْلِيمِ الْمَأْمُومِ وَلَمْ تَسْتَحِبَّهُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ ثَوْبَانَ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا خَصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ فَقَدْ خَانَ الْمُؤْمِنِينَ، الْمُرَادُ بِهِ الدُّعَاءُ الَّذِي يُؤَمِّنُ عَلَيْهِ كَدُعَاءِ الْقُنُوتِ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ إذَا أَمَّنَ كَانَ دَاعِيًا. قَالَ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}[يونس: 89] وَكَانَ أَحَدُهُمَا يَدْعُو وَالْآخَرُ يُؤَمِّنُ وَالْمَأْمُومُ إنَّمَا أَمَّنَ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَدْعُو لَهُمَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ خَانَ الْإِمَامُ الْمَأْمُومَ. وَيُسَنُّ لِلدَّاعِي رَفْعُ يَدَيْهِ وَالِابْتِدَاءُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ يَخْتِمَهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَبِالتَّأْمِينِ، وَصِفَةُ الْمَشْرُوعِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا صَحَّتْ بِهِ الْأَخْبَارُ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِي الصِّحَاحِ لَمْ أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: «كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ» بَلْ الْمَشْهُورُ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ وَالطُّرُقِ لَفْظُ " وَآلِ إبْرَاهِيمَ " بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ. قُلْت: بَلْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الرُّسُلِ لَكِنْ وَقَعَ النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ قَطَعَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهُ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ كَمَا أَنَّ صَدِيقَهُ وُزِنَ بِمَجْمُوعِ الْأُمَّةِ فَرَجَحَ بِهِمْ. وَقَدْ أَنْكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ» لِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَارِدِ فِي تَعْلِيمِ الصَّلَاةِ. قُلْت: وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ " الْمَنْعَ قَوْلَ الْأَكْثَرِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَحْرُمُ الِاعْتِدَاءُ فِي الدُّعَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَقَدْ يَكُونُ الِاعْتِدَاءُ فِي نَفْسِ الطَّلَبِ وَقَدْ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْمَطْلُوبِ. وَلَا يُكْرَهُ رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ فِي الدُّعَاءِ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَلَا يُسْتَحَبُّ. وَإِذَا لَمْ يُخْلِصْ الدَّاعِي الدُّعَاءَ، وَلَمْ يَجْتَنِبْ الْحَرَامَ تَبْعُدُ إجَابَتُهُ إلَّا مُضْطَرًّا أَوْ مَظْلُومًا، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَدْعُوَ قَبْلَ السَّلَامِ بِمَا أَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ أَنْ يَقُولَهُ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك» وَلَا يُفْرِدُ الْمُنْفَرِدُ ضَمِيرَ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَيَكُونُ دُعَاءُ الِاسْتِخَارَةِ قَبْلَ السَّلَامِ. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: بَلْ وَالدُّعَاءُ سَبَبٌ لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا الدَّاعِي، وَلَا يَحْصُلُ بِهَا جَلْبُ الْمَنَافِعِ وَدَفْعُ الْمَضَارِّ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَإِذَا ارْتَاضَتْ نَفْسُ الْعَبْدِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَانْشَرَحَتْ بِهَا، وَتَنَعَّمَتْ بِهَا، وَبَادَرَتْ إلَيْهَا طَوَاعِيَةً، وَمَحَبَّةً: كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ يُجَاهِدُ نَفْسَهُ عَلَى الطَّاعَاتِ وَيُكْرِهُهَا عَلَيْهَا. وَهُوَ قَوْلُ الْجُنَيْدِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ عُبَّادِ الْبَصْرَةِ، وَالتَّكْبِيرُ مَشْرُوعٌ فِي الْأَمَاكِنِ الْعَالِيَةِ وَحَالَ ارْتِفَاعِ الْعَبْدِ، وَحَيْثُ يَقْصِدُ الْإِعْلَانَ: كَالتَّكْبِيرِ فِي الْأَذَانِ وَالْأَعْيَادِ وَإِذَا عَلَا شَرَفًا، وَإِذَا رَقَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ، وَإِذَا رَكِبَ دَابَّةً، وَالتَّسْبِيحُ فِي الْأَمَاكِنِ الْمُنْخَفِضَةِ، كَمَا فِي السُّنَنِ عَنْ جَابِرٍ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا هَبَطْنَا سَبَّحْنَا فَوُضِعَتْ الصَّلَاةُ عَلَى ذَلِكَ» . وَفِي نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ أَشْرَفُ الْكَلَامِ، إذْ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ، وَحَالَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ذُلٌّ وَانْخِفَاضٌ مِنْ الْعَبْدِ، فَمِنْ الْأَدَبِ مَنْعُ كَلَامِ اللَّهِ أَنْ لَا يُقْرَأَ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَالِانْتِظَارُ أَوْلَى.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0