كتاب الوصية
كتاب الوصية
ِ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهَا إقْرَارَ كَاتِبٍ أَوْ إنْشَاءٌ لِقِصَّةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ الَّتِي نَقَضَهَا الصِّدِّيقُ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْكَشْفِ هَلْ هُوَ طَرِيقٌ لِلْأَحْكَامِ فَنَفَاهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي إنَّ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ فِي ذَمِّ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى الْوَسْوَاسِ وَالْخَطَرَاتِ إشَارَةٌ إلَى هَؤُلَاءِ وَأَثْبَتَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ التَّصَرُّفَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ لِأَنَّ عُمْدَةَ
التَّصَرُّفِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ طُرُقَهَا مَضْبُوطَةٌ.
وَقَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ صَحِيحَةٌ إذَا أَصَابَ الْحَقَّ يَحْتَمِلُ بَادِئَ الرَّأْيِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِمَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ لَكِنَّ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ كُلِّ مُوصٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَخْصِيصِ الصَّبِيِّ بِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصِيَ بِهِ مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ لِأَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ فَعَلَى هَذَا
فَلَوْ أَوْصَى لِبَعِيدٍ دُونَ الْقَرِيبِ الْمُحْتَاجِ لَمْ تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَمَّا كَانَ قَاصِرَ التَّصَرُّفِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُنَظِّمَ إلَيْهِ نَظَرُ الشَّرْعِ كَمَا إذَا احْتَاجَ بَيْعُهُ إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ وَكَذَلِكَ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَنَا عَلَّلُوا الصِّحَّةَ بِأَنَّهُ إنْ مَاتَ كَانَ صَرْفُ مَا أَوْصَى بِهِ إلَى جِهَةِ الْقُرَبِ وَمَا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ الثَّوَابُ
أَوْلَى مَتَى صَرَفَهُ إلَى وَرَثَتِهِ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِي الْوَصِيَّةِ الْمُسْتَحَبَّةِ فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا وَالْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ فَتَرْكُ الْمَالِ أَفْضَلُ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَمَا أَظُنُّهُمْ قَصَدُوا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا هَذَا وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِالْخَطِّ الْمَعْرُوفِ وَكَذَا الْإِقْرَارُ إذَا وُجِدَ فِي دَفْتَرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثِ بِغَيْرِ رِضَى الْوَرَثَةِ وَيَدْخُلُ وَارِثُهُ فِي الْوَصِيَّةِ الْعَامَّةِ بِالْأَوْصَافِ دُونَ الْأَعْيَانِ وَلَكِنْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْوَصِيَّةِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِخِلَافِ هَذَا.
وَأَفْتَى أَبُو الْعَبَّاسِ لِمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثِيَابِهِ وَلَهُ أَبٌ فَقِيرٌ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ أَوْصَى بِوَقْفِ ثُلُثِهِ فَأَخَّرَ الْوَقْفَ حَتَّى نَمَا فَنَمَاؤُهُ يُصْرَفُ مَصْرِفَ نَمَاءِ الْوَقْفِ وَلَوْ وَصَّى أَنْ يُصَلِّيَ عَنْهُ بِدَرَاهِمَ لَمْ تَنْفُذْ وَصِيَّتُهُ وَتُصْرَفُ الدَّرَاهِمُ فِي الصَّدَقَةِ وَيَخُصُّ أَهْلَ الصَّلَاةِ وَلَوْ وَصَّى أَنْ يَشْتَرِيَ مَكَانًا مُعَيَّنًا وَيُوقِفَ عَلَى جِهَةِ بِرٍّ فَلَمْ يُبَعْ ذَلِكَ
الْمَكَانَ اشْتَرَى مَكَانًا آخَرَ وَوَقَفَ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي وَصَّى بِهَا الْمُوصِي.
وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا قَالَ بِيعُوا غُلَامِي مِنْ زَيْدٍ وَتَصَدَّقُوا بِثَمَنِهِ فَامْتَنَعَ زَيْدٌ مِنْ شِرَائِهِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ مِنْ غَيْرِهِ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ وَلَوْ وَصَّى بِمَالٍ يُنْفَقُ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ صُرِفَ فِي الْقُرَبِ وَلَوْ وَصَّى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ زَيْدٌ تَطَوُّعًا بِأَلْفٍ فَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ إذَا أَبَى الْمُعَيَّنُ الْحَجَّ حَجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ.
وَكَذَا إذَا مَاتَ أَوْ مَاتَ الْفَرَسُ الْحَبِيسُ صُرِفَ مَا وَصَّى لِلنَّفَقَةِ عَلَيْهِ فِي مِثْلِهِ وَلَوْ اسْتَغْنَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِفَقْرِهِ رَدَّ الْفَضْلَ فِي مِثْلِهِ وَقَدْ يُتَوَجَّهُ فِي الْوَصِيَّةِ لِمُعَيَّنٍ يَقْصِدُ وَصْفَهُ لِفَقْرٍ إنْ عَلِمَ وَنَحْوُ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَصْرِفَ إلَى مِثْلِهِ وَلَوْ جَمَعَ كَفَنَ مَيِّتٍ فَكُفِّنَ وَفَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ صُرِفَ فِي تَكْفِينِ الْمَوْتَى أَوْ رُدَّ إلَى الْمُعْطِي.
وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِيه فِي رِوَايَةٍ وَيَقْبَلُ فِي تَفْسِيرِ الْمُوصِي مُرَادَهُ وَافَقَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ أَوْ خَالَفَهُ.
وَفِي الْوَقْفِ يَقْبَلُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ وَالْمُتَعَارِضَةِ وَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ فَقَدْ يَحْتَمِلُ الْقَبُولَ كَمَا لَوْ قَالَ عَبْدِي أَوْ جُبَّتِي أَوْ ثَوْبِي وَقْفٌ وَفَسَّرَهُ بِمُعَيَّنٍ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْعُمُومَ وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي الْإِنْشَاءَاتِ الَّتِي يَسْتَقِلُّ بِهَا دُونَ الَّتِي لَا يَسْتَقِلُّ بِهَا كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ.