مبحث ما تجوز إجارته وما لا تجوز
كتاب المزارعة والمساقاة

أما أركان الإجارة فهي خمسة: العاقدان، والعوضان، والصيغة) .
الحنفية قالوا: الأشياء التي تستأجر: (ا) منها ما يصح استئجاره باتفاق.
(ب) ومنها ما لا يصح استئجاره كذلك.
(ج) ومنها ما هو مختلف فيه.
فأما الذي يصح استئجار فهو خمسة أمور: الأول: الدكاكين والدور.
الثاني: الأراضي الزراعية والأراضي الفضاء للبناء أو لغرس الأشجار فيها.
والثالث: الحيوانات كاستئجار الجمال والخيل والبغال والحمير والبقر لركوبها أو للحمل عليها أو للحراثة أو نحو ذلك.
الرابع: استجار الآدمي للخدمة أولحمل المتاع أو لصنع شيء كالخياطة والصباغة والحدادة ونحو ذلك.
ومن هذا استئجار المراضع لتقوم برضاع الأطفال وتسمى الظئر.
الخامس: إجارة الثياب والخيام والحلي ونحو ذلك.
ويعلق بكل قسم من هذه الأقسام أحكام سترد عليك مفصلة فيما يلي: القسم الأول استئجار الدكاكين والدور ويتعلق بها أمور: (أحدهما) : أنها تصح إجارتها بدون بيان ما يعمل فيها كما تقدم لأن المعروف من استئجارها إنما هو السكنى والسكنى لا تتفاوت فلا يلزم بيانها.
ثانيهما: أن للمستأجر أن يسكن بنفسه أو يسكن غيره باجرة ويغير أجرة حتى ولو شرط أن يسكن وحده فهذا الشرط لا يعمل به.
ومثل الدكاكين والدور كل شيء لا يختلف استعماله باختلاف المستعمل كالأرض الزراعية والآدمي المستأجر للخدمة فإن المستعمل بالنسبة لهما لا يختلف حاله أما ما يختلف استعماله باختلاف المستعمل كالدواب والثياب والخيمة فإنه لا يصح للمستأجر أن يؤخرها لغيره إذ قد يستأجر الدابة لركوبها شخص نحيف تقوى على حمله فربما يؤجرها لشخص ينصها في مكان بعيد عن الشمس والمطر فلا يضر بها فربما يؤجرها لشخص ينصبها في مكان فيه شمس ومطر فتتأثر به.
ثالثهما: لا يصح للمستأجر أن يؤجر العين التي استأجرها لصحابها الذي استأجرها منه فلو استأجر محمد داراً من خالد لمدة سنة فلا يصح لمحمد أن يؤجر تلك الدار لخالد سواء كانت تلك الدار ملكاً لخالد مستأجرها من شخص آخر حتى واو تخلل بينهما ثالث كأن أجر محمد تلك الدار لبكر وأجرها بكر لخالد منه ابتداء فإنه لا يصح.
فلو وقع وأجرت الدار لخالد ثانياً فهل يبطل العقد الأول أو لا يبطل؟ الصحيح أنه لا يبطل العقد الثاني الفاسد الصحيح.
وهل يلزم المستأجر وهو محمد بالأجرة أو لا؟ والجواب أنه إذا استلمها فإنه يلوم بأجرتها.
أما إذا كانت في يد خالد ولم يستلمها محمد فلا يلزم بأجرتها.
رابعها: إذا استأجر شخص داراً أو دكاناً بمبلغ معين كجنيه في الشهر فلا يحل له أن يؤخرها لغيره بزيادة.
ومثل الدور والدكاكين في ذلك غيرهما من الأشياء المستأجرة كالأرض الزراعية فإنه لا يصح للمستأجر أن يؤجر (من باطنه) بأجرة زائدة على ما استأجر به وإنما يصح له تأجيرها بالأجرة التي استأجر بها بدون زيادة فإذا فعل فإن عليه أن يتصدق بالزيادة.
ويستثنى من ذلك ثلاثة أمور: الأمر الأول: أن يضم إلى الدار المستأجرة ونحو هما شيئاً من ملكه يصلح للتأجير ويؤجره معها فإن فعل ذلك وأجرها بزيادة فإنه يصح.
الأمر الثاني: أن يحدث في العين المستأجرة إصلاحاً كأن يبيض حيطانها ويرم جدرانها إن كانت داراً أو يشق فيها ترعة إن كانت أرضاً.
وبعضهم يقول إن شق الترعة لا يكفي وإنما الذي يكفي هو أن يحدث في هذه الحالة بناء على ما زاده من العمل ولا يخفى أن في شق الترعة إصلاحاً فقوله غير صحيح.
الأمر الثالث: أن يؤجرها بغير جنس ماستأجر به كما إذا استأجرها بنقود وأجرها بعرض تجارة قيمتها أكثر فإن الزيادة تحل له.
هذا وإذا استأجر بيتين صفقة واحدة وزاده في أحدهما عن الآخر فإن له أن يؤجرها بأكثر.
أما إذا استأجرهما في صفقتين فإن الزبادة لا تحل له.
(خامسها) : للمستأجر الدور والدكاكين أن يعمل فيها كل مالا يضر ببنائها أو بسقوفها فله أن يبني التنور (الفرن) وإن احترق بها شيء لا يضمنه المستأجر إلا إذا بناها بدون احتياط كأن وضعها تحت سقف خشب يتأثر بما يتصاعد من نارها فإنه في هذه الحالة يكون مقصراً فيضمن ما احترق.
وللمستأجر أيضاً أن يكسر خشب الوقود.
ويستعمل المدق (المطحن) لطحن الملح ونحوه ويستعمل الرحى لطحن الحبوب بشرط أن لا يضر ذلك الاستعمال بالبناء فإنه لا يصح إلا برضا المالك أو باشتراطه في العقد وعلى هذا فلا يصح للمستأجر أن يسكن الدار حداداً أو نجاراً أو نحوهما من أرباب الحرف التي تحتاج إلى دق شديد يضر بالمنزل إلا إذا رضي المالك أو اشترطه المستأجر في العقد، وإذا قال المستأجر: إنني اشترطت عليك أن أفعل في المنزل ذلك الذي يضر وقال المالك لم تشترط فإن القول في هذه الحالة للمالك وإذا أقاما البينة فالذي تسمع بينته المستأجر لأنه يريد إثبات شيء زائد على أصل العقد.
وإذا استأجره للنجارة فاستعمله للحدادة فإن له إن اتحد ضررهما.
وإذا استأجر داراً للسكنى فاستعملها للحدادة فأضر ببنائها كان ضامناً للضرر الذي حصل فعليه التعويض وسقط عنه الأجر في هذه الحالة لأن الأجرة لا تجتمع مع الضمان إذ الأصل في المستأجر أن لا يكون ضامناً أما إذا سلمت الدار ولم يضرها الاستعمال فإنه عليه الأجرة لأنه تبين في هذه الحالة أن الاستعمال غير ضار وهذا بخلاف الدابة والخيمة فعلاً والثوب ونحوها فإنه إذا استأجر دابة ليرطبها فأجرها لغيره فإنه يكون غاصباً في هذه الحالة فعليه ضمانها إذا حل لها عطب وتسقط عنه الأجرة مطلقاً سواء عطبت أو سلمت لأن منافع المغصوب غير مضمونة إلا في أمور ستأتي في بابها، وإنما المضمون هو المغصوب.
ومثل ذلك ما إذا استأجر خيمة فأجرها لغيره، أو ثوباً أو نحو ذلك، مما يختلف استعماله باستعمال الأشخاص فإنه لا يصح للمستأجر الأول أن يؤجره فإذا فعل كان غاصباً وعليه الضمان وذلك لأن أحوال الناس تتفاوت في مثل ذلك.
(سادسهما) : يجوز أن يزيد المستأجر في الأجرة أثناء المدة إذا كانت من غير جنس نا استأجر به فإذا استأجر شخص من آخر دكاناً مدة سنة شهرية (جنيهين) وعرض في خلال المدة ما يوجب الزيادة فزاد المستأجر متطوعاً في الأجرة فإنه لا يصح للمؤجر أن يأخذها إلا إذا كانت من غير جنس الجنيهات التي استأجر بها أما بعد انقضاء المدة فإن الزيادة من المستأجر مطلقاً وهل تعتبر الزيادة في أثناء المدة عن الأشهر الباقية، أو توزع على أشهر السنة كلها خلاف وليس للمالك أن يزيد الأجرة على المستأجر مدة عقد الإجارة مطلقاً سواء ارتفعت إجارة العين لعارض أو لا إلا في الوقت وملك اليتيم على التفصيل الآتي في الوجه السابع.
(سابعهما) : إذا أخرجت داراً موقوفة أو ملك فاحش فإن الإجارة تقع فاسدة ومثل الدار في هذا الحكم غيرها من دكان أو أرض زراعية أو غير ذلك مما يصح استئجاره.
وقد اختلف في حكم المستأجر فقال بعضهم إنه غاصب، وقال بعضهم: إنه ليس بغاصب وعليه أجر المثل في المدة التي استعمل فيها الدار.
والمراد بالغين الفاحش مالا يدخل تحت تقويم المقومين بمعنى أن أهل الخبرة بعضهم يقوم الدار مثلاً بعشرة وبعضهم يقومها بتسعة وبعضهم يقومها بثمانية وهو يؤرجرها بسبعة فإن ذلك يكون غنبناً فاحشاً لأن السبعة لم بقومها بها أحد ومتى ثبت أنها أجرت بغبن فاحش فإن الناظر يؤجرها بأجر المثل لمن يرغب فيها سواء أكان المستأجر الأول.
ولا تكفي مجرد دعوى الناظر أو الأجنبي بأن الأجرة بغبن فاحش لأن الناظر متهم بنزعها من يد المستأجر كي يؤجرها لغيره والأجنبي متهم بأنه يريد استئجارها لنفسه بل لا بد من أن يخير من أن يخبر القاضي رجل خبير بمثل هذه الأمور بأن كانت الأجرة وقت العقد بغبن فاحش.
وإذا شهدت بينة بأن الأجرة أجرة المثل وقت العقد واتصل بها القضاء فإنه يعمل بها ولا تنقص بخبر الواحد الخبير إلا إذا كذبها الظاهر.
أما إذا لم يتصل بها القضاء فإنها تنقص ويعمل بخبر الواحد ذي الخبرة.
بقيت مسألة أخرى وهي ما إذا أجر الناظر بأجر المثل ثم زادت رغبات الناس فيها فزادت أجرة المثل عما كانت عليه فماذا يكون الحكم فماذا يكون الحكم؟ والجواب أن هذه المسألة على وجهين: الوجه الأول: أن لا تكون العين المستأجرة مشغولة بملك المستأجر كالدار والدكان والأرض التي لا زرع بها فإن هذه الأشياء يمكن إخلاؤها من المنقولات التي بها.
وحكم هذا أن الزيادة التي عرضت للعين تعرض على المستأجر بعد ثبوتها فإن قبل فذاك وإن لم يقبل فالناظر يفسخ العقد ويحكم به القاضي ثم يؤجر بالزيادة وليس للمستأجر أن يتمسك بأنه أجرها بأجر المثل وليس للناظر أن يزيده في أثناء المدة على الأصح المفتى به.
وبعضهم يقول إن المعتبر في ذلك هو وقت العقد فمتى كانت أجرة المثل وقت العقد فلا ينظر للزيادة التي عرضت بكثرة الرغبات وهذا القول وجيه في ذاته لمل يترتب عليه من احترام العقود وعدم نفرة الناس من تأجير الوقف فإنهم إذا عملوا بأنهم مهدون بفسخ العقد لعارض تقل رغبتهم في التأجير فليس من المصلحة نقضه ما دام مؤجراً بأجر المثل وقت العقد على أن بعضهم قال: إنه لا يفسخ في هذه الحالة إلا إذا بلغت الزيادة نصف الذي أجر به أولاً فإذا كان مؤجراُ بخمسة لا يفسخ إلا إذا زاد إلى عشرة وهذا القول يبرز الفسخ في الجملة لأن مصلحة الوقف في هذه الحالة تكون ظاهرة ولكن المعتمد عندهم أن الفسخ يكون بالزيادة التي لا يتغابن الناس فيها عادة سواء كانت نصفاً أو ربعاً أما الزيادة اليسيرة كالواحدة من العشرة فإنه لا يفسخ العقد من أجلها باتفاق.
الوجه الثاني: أن تكون العين المستأجرة مشغولة بملك بحيث لا يمكن إخلاؤها بدون إتلاف ذلك الملك ويشتمل ذلك الوجه على صورتين: الصورة الأولى: أن تكون العين مشغولة بالزرع الذي له مدة ينتهي إليها حصاده كالقمح والذرة ونحو ذلك.
وحكم هذه الصورة أن تعرض الزيادة على المستأجر فإن قبلها فإنها تحسب عليه من وقت الزيادة إلى أن يحصد ولو انتهت مدة العقد وإن لم يقبل الزيادة يؤمر بقلع الزرع إن لم يضر بالأرض فإن أضر بها يتملكه الناظر لجهة الوقف بقيمته جبراً على المستأجر.
الصورة الثانية: أن تكون الأرض مشغووولة بالبناء وغرس الأشجار ليس لها مدة يقلع فيها كانخيل والرمان ونحو ذلك وفي هذه الحالة تعرض الزيادة على المستأجر فإن قبلها تحسب عليه من وقتها إلى انتاهء مدة العقد فقط لأن الشجر والبناء ليست لهما مدة معلومة.
فإذا كانت مؤجرة مشاهرة فسخها وأجرها لغيره.
أما البناء أو الشجر إن كان قلعة يضر بالوقف فالناظر مخير إما أن يضمه للوقف بقيمته أو يتركه حتى يسقط وحده.
أما إذا لم يضر بالوقف فإنه المستأجر يكلف برفعه وأخذه ومحل هذا كله إذا كان الغرس والبناء بدون إذن الناظر لإغن كان بإذنه فإنه يضم للوقف ويرجع الغارس أو الباني على الناظر بقيمة ما أنفقه.
وإذا كانت زيادة الأجرة بسبب بناء الناظر أو غرسه فإنه لا يطالب بالزيادة باتفاق لأن الذي نشأت معه الزيادة إنما جاء من ملك المستأجر.
وبعضهم يقول: إذا غرس المستأجر في أرض الروقف أشجاراً أو بنى ومضت مدة الإجارة فله أن يبقيها فلا يقطع الأشجار ولا يهدم البناء ويدفع عليها بقائها في الأرض بمثل ما يستأجر به الأرض لذلك عادة.
ولا يملك الناظر ولا المسستحقون جبره فلع الشجرة ورفع البناء ولا ضمنها إلأى جهة الوقف إلا إذا أذنه الناظر بأن يبني لجهة الوقف.
أما إذا أذنه بأن يبيني لنفسه وأشهد على ذلك فإنه لا يضم ولا يقلع جبراً وقد أفتى بذلك بعضهم ولكن الصحيح خلافه.
وقد بالغ بعضهم في رد هذا القول لأنه يرى فيه إجحافاً بمصلحة الوقف وتضييعاً لأعمال البر على أن الكل فيه مجمعون على أن اللازم الفتوى فيه مصلحة الوقف لأنه عليه يقوم أعمال الخير فكل ما كان فيه مصلحة ينبغي العمل به فإذا كان في ترك الأشجار والبناء بأرض الوقف مصلحة فإنه ينبغي تركها وإلا فلا.
القسم الثاني: من أقسام ما يصلح للتأجير الأراضي ويتعلق بها مسائل: الأولى أنه لا بد في عقد إجارة الأراضي الزراعية من بيان ما يزرع فيها من قمح أو ذرة أو أرز أو قطن أو نحو ذلك حتى ترتفع الجهالة المفضية للنزاع بخلاف إجارة الدور والدكاكين لأن الغرض استعمال الأولى للسكنى والثانية للتجارة وهذا الاستعمال لا يتفاوت وكل ما يطلبه المالك أن لا يفعل المستأجر شيئاً يضر بالبناء أو السقوف وقد عرفت أن المستأجرر ممنوع من فعل كل ما يضر فيصح العقد فيها بدون بيان.
أما الأراضي الزراعية فقد زرع دون زرع بيان ما يراد زرعه أو يستأجرها على أن يزرع فيها فيها ما يشاء ويرضى المالك بذلك فإذا تعاقدا بدون العقد يكون فاسداً فإذا زرعها بعد العقد وعلم المالك وأقر زرعها فإن الإجارة تنقلب صحيحة ويجب دفع الأجرة المسماة.
الثانية: إذا استأجرها مدة تسع أن يزرعها مرتين فإن له أن يزرعها مرّتين.
الثالثة: أن للمستأجر الارتفاع بالمساقي الموجودة في الأرض وسقيها منها وله الانتفاع بالطريق الموصلة إليها المملوكة للمؤجر وإن لم ينص عليها في العقد.
الرابعة: لاتصح إجارة الأرض التي لا تصلح للزراعة كالأرض السبخة أو التي لا يصل إليها الماء كما لا تصح إجارتها في مدة لا يمكن زرعها فيها.
الخامسة: لاتصح إجارة الأرض المشغولة بالزراعة إلا إذا كانت تلك الزراعة بغير حق حتى يصح قلعها وتسليم الأرض لمستأجر.
أما إذا كانت بحق كأن كانت مستأجرة لشخص فزرعها وللم تحصد زرعها فإنه لا يصح إجارتها لآخر حتى ولو كانت الإجازة فاسدة لأن الإجارة الفاسدة لا يكون صاحبها غاصباً بل يكون أجر المثل فلا يجبر على قلع زرعه فإذا استأجر أرضاً مشغولة بالزرع فحصد صاحب الزرع زرعه وسلمها اتقلبت صحيحة على أنه يجوز تأجير الأرض المشغولة بالزرع إذا أدرك الزرع وحل موعده حصاده لأن صاحبه يؤمر بحصاده وتسليم الأرض.
وكذلك يصح تأجيرها وهي مشغولة إذا كان العقد مؤجلاً إلى زمن يدرك فيه الزرع.
السادسة: تصح إجارة الأرض للبناء عليها ولغرس الشجر فيها فإذا استأجر شخص من آخر أرضاً فارغة مدة معينة ليني عليها دكاناً فإنه يصح، فإذا مضت المدة يهدم بناءه ويسلمها خالية، وإذا استأجرها لغرس فيها شجراً فأثمر الشجر وانتهت المدة وبقي الثمر، فإن الشجر يبقى على الأرض بأجر المثل، ويصح أن يأخذ المالك الشجر والبناء بقيمته بسبب البناء بمعنى البناء والشجر يدفعا المالك فإن كانت الأرض تنقص قيمتها بهدم البناء أو بقلع الشجر فإن المالك يتملكها بقيمتها جبراً على المستأجر وإلا فالمستأجر مخير في أن يقلع أو يعطيها للمالك بالقيمة المذكورة، ولهما أن بتفقا على أن يبقى الشجر أو البناء على المستأجر وتبقى الأرض على ملك صاحبها بدون إجارة بل تكون عارية وتمون منفعتها شركة بينها فلو أجراها لثالث تقسم الأجرة بينهما على تقدير الأرض بلا بناء وعلى تقدير البناء بلا أرض، فإذا كانت أجرة الأرض فارغة تساوي عشرة وكانت أجرة البناء خمسة أخذ كل منهما نصيبه على ذلك الغرض وقد عرفت حكم البناء والغرس غي أرض الوقف فيما تقدم.
القسم الثالث: مما يصح تأجيره، الحيرانت فبصح أن يستأجر دابة ليركبها أو ليحمل عليها متاعه ونحو ذلك من الأغراض المقصودة للعقلاء كالطحين والحرث، أما أسنئجارها لمجرد الزينة أو لإبهام الناس أنه فرساً أو نحو ذلك فإنه لا يصح كما تقدم.
وتعلق بها أمور، أحدها: أنه يلزم بيان من يركبها فإذا لم يبين فسدت وتنقلب صحيحه بركوبها فعلاً سراء ركبها المستلأجر أو أركبها غيره لأن الراكب تعين عند المؤجر بعد العقد وهذا هو المطلب إذا لا يلزم التعيين ابتداء.
وإذا قبدها المستأجر براكب خاص بأن قال: أركبها أنا وفلان فركبها غبره فإنه يكون غاصباً وعليه ضمانها إذا عطبن ولا أجر عليه سواء سلمت أو عطبت كما تقدم لأن منافع المغصوب لاتضمن.
(ثانيها) : وإذا أستأجرها للحمل فسمى نوعاً كا القمح مثلاً فإن له أن يحمل عليها مثله أو أخف كا الذرة أو الشعير ولبس له أن يحمل أثقل كا الملح مثلاً.
(ثالثها) : إذا أردف خلفه شخصاً آخر وكانت الدابة تطبق حمل الاثنين عادة فإن كان كبيراً يمكنه أن يستمسك وحده بدون من يستند إليه وعطبت الدابة يضمن النصف سواء كان الذى أردفه خفيفاً في الوزن أو ثقيلاً إذا لاعبرة بالوزن.
أما إذا كانت الدابة لاتطيق حمل الاثنين فإنه يضمن الكل فإذا أردف صغيراً لا يستمسك بنفسه فإنه بضمن يقدر ثقله.
(رابعها) : إذا أستأجرها ليحمل عليها مقداراً معيناً فحمل عليه أكثر منه فعطبت كان عليه ضمان ما يقابل الثقل الذي زاده فإذا اتفقا على أن تحكل عشرة فحملها خمس عشرة فعطبت كان عليه قيمة ثلث عطبها وعليه الأجر فأما الضمان في مقابل ما زاد في الثقل الموجب لعطبها وأما الأجر فهو في مقابلة الحمل الذي بين مقداره.
فلم يجتمع الضمان والأجر هذا إذا كانت الدابة تطيق الكل لأنه حملها ما لا تطيق.
(خامسها) : إذا اتفقا على حمل شيء معين ثم حملها صاحبا بيده أكثر منه فعطبت فلا ضمان على المستأجر لأن صاحبا هو الذي باشر فعل ما به عطبها وحده.
أما إذا اشترك معه المستأجر في وضع الحمل عليها كأن على المستأجر ضمان ربع ما عطيت منها، وذلك لأنه مأذون في النصف الثاني فيه شاركه فيه صاحبه فيكون عليه الربع فإذا اتفقا على أن تحمل ثمان كيلات فحملها ست عشر كيلة فإن وضع الزيادة صاحبها فلا شيء على المستأجر وإن اشترك معه في وضع الزيادة كان علبه الربع وهو ما يقابل أربعة من الزيلدة وعلى صاحبها أربعة تهدر طبعاً.
وإذا كان المحمول كالقمح مثلاً موضوعاً في وعاءين (جوالين) فوضع المستأجر عليها واحداً ومالكها واحداً ثم عطبت فلا ضمان على المستأجر سواء وضع الحمل هو أولاً أو ثانياً لأنه يجعل ما وضعه هو ماكان مستحقاً بالعقد وبعضهم يقول: إذا وضع المستأجر الحمل الثاني يضمن الجميع.
سادساً: إذا وضع عليها شيئاً زائداً على ماسماه وسلمت الدابة فإنه لا يلزم المستأجر بدفع شيء سوى ما سماه وإن كان لا يحل له أن يضع عليها شيئاً زائداً على ما سماه وذلك لأنه في هذه الحالة يكون غاصباً ومنافع الغضب لا تضمن كما تقدم.
سابعاً: إذا ضرب المستأجر الدابة فعطبت بها فإن عليه الضمان إلا إذا استأذن صاحبها فأذنه فضربها في الموضع المعتاد فإنه لا ضمان عليه.
وبعضهم يقول: إنه لا ضمان لضرب الدابة أثناء السير لأنه مستفاد بالعقد وهذا الخلاف وقع في ضرب الولي للصبي والأب فبعض الحنفية يقول لا ضمان عليه.
وبعضهم يقول: يضمنان بالضرب مطلقاً إذا عطب الصبي لأن التأديب لا يتوقف على الضرب إذ يمكن زجره وعرك أذنيه ونحو ذلك وقد اتفقوا على عدم جواز ضرب الإنسان المستأجر للخدمة فإذا ضربه زجره وعطب كان عليه الضمان لأن الإنسان الكبير يؤمر وينهي ويفهم فلا معنى لضربه بخلاف الدابة والصبي والصحيح أن الضرب الخفيف الذي لا يترتب عليه ضرر للحيوان ويحمله على السير فإنه مأذون فيه بشرط سلامة الحيوان فإذا ترتب على الضرب عطب كان ضامناً.
ومثل دابة الغير دابة نفسه فإنه لا يحل ضربها ضرباً يترتب عليه عطبها فإنه فعل فإنه يخاصم ويؤدب على ذلك ويملك مخاصمته كل أحد.
وله أن بفعل ما يحتاج إلى التأديب والزجر فقط، ويمنع من ضرب الحيوان على وجهه على أي حال فإن فعل فإنه يخاصم لذلك.
ثامنها: إذا استأجره وعليه سرج فنزعه فعطب كان عليه الضمان وكذلك إذا استأجره بدون سرج فوضع عليه السرج فإن كان مثل هذا الحمار لا يحتمل هذا السرج عادة كان علي الضمان وإلا فلا.
تاسعها: إذا عين عين له المالك طريقاً فسلك غيرها واختلف الطريقان بعداً ووعورة كان عليه الضمان وإذا سلم الحمار فللمالك الأجر المسمى بقطع النظر عن اختلاف الطريق فلا يصح أن يقول له قد سلكت طريقاً شاقاً أو بعيداً لأن المقصود واحد وهو الوصول إلى جهة معينة فمتى سلم الحيوان لا يظهر تفاوت إنما يظهر التفاوت حال هلاكه.
القسم الرابع: إجارة الآدمي وهي نوعان: الأول: استئجار الصناع وقد عرفت في الشروط أنه لا بد من بيان العمل كالصياغة والصبغ والخياطة فلا بد أن يعين ويبين لونه الذي يريده ونحو ذلك فإذا استأجر صانعاً ليعمل له عملاً في داره كالمنجدين والنجارين والخياطين الذين يدعون إلى المنازل لأداء ما يطلب منهم عن صانعهم فعملوا عملاً وتركوه في يد المستأجر ففسد أو هلك فإن لهم أجورهم.
فإذا استأجر خياطاً ليخيط له ثياباً في داره فقطعها (فصلها) وأعد الخيط الذي يخيطها به ثم تركها في المنزل وانصرف فجاء لص فسرقها فإنه لا يستحق أجر على (التفصيل) لأنه مستأجر على الخياطة وقد سرقت الثياب فلا أجر له وإذا استأجر خبازاً ليخبز له فاحترفق الخبز فاحترق في (الفرن) قبل إخراجه فلا أجر له وإن سرق لص الخبز من الخباز فلا أجر له ولا ضمان وقيل عليه ضمانه.
وإذا استأجر عمالاً لحفر بئر وبائها بالطوف ففعلوا ثم انهارت فلهم أجرهم وإذا انهارت قبل بنائها بالطوف فلهم أجر نما عملوا.
النوع الثاني: استئجار الآدمي للخدمة وهو جائز يالنسبة للرجال بعضعم بعضاً بلا كراهية إنما لا يصح للإنسان أن يستأجر أبويه ولو كافرين وإذا عمل الأب فله أجره، ومثل الأبوين الجد والجدة.
وإذا استأجر ابنة أو المرأة ابنها فإنه لا يصح وما عدا ذلك فإن استئجار جائز فتصح إجارة الإخوة وسائر الأقارب.
وبعضهم يقول: لا يصح استئجار العم والأخ الأكبر لما في ذلك من الإذلال الذي لا يليق ولهذا قالوا يكوه أن يؤجر المسلم نفسه لخدمة الكافر وإن كان جائز بخلاف العمل في السقي والزرع والتجارة ونحو ذلك فإنه يصح أن يؤجر له نفسه بلا كراهة لعدم المهانة في نحو ذلك.
ويجوز للمرأة أن تؤجر نفسها لخدمة الرجل التأكل هي وعيالها بشرط أن لا تختلي معه فإن الخلوة الأجنبية حرام ويكره للرجل أن يخلو بها.
ولا يجوز للمرأة أن تؤجر نفسها لخدمة بيت زوجها لأن ذلك مستحق عليها أما إذا أجرها فيما ليس من جنس خدمة البيت كزرع حديقة أو رعي ماشية فإنه يجوز.
وللمرأة أن تستأجر زوجها للخدمة أو لرعي الغنم وله أن بفسخ إجارتها ولا يخدمها.
النوع الثالث: إجارة المراضع والقياس عدم جوازها وإنما جازت استحساناً وذلك لأنك قد عرفت مما مضى أن الإجارة إنما ترد على استهلاك المنفعة لا على استهلاك العين والإجارة هنا ترد على استهلاك اللبن كمن استأجر بقرة ليشرب لبنها وإنما استثنى المراضع لحاجة الناس إلى هذا ولمصلحة الصغير وتصح أجرتها بطعامها وكسوتها ولها عند النزاع كسوة وطعام الوسط.
ولزوجها أن يطأها وهي مرضعة في بيته لا في بيت المستأجر إلا إذا رضي المستأجر بأن يخلو بها في بيته.
وللزوج أن يفسخ إجارتها مطلقاً سواء كان يتعير بتأجيرها أم لا.
وللمستأجر أم يفسخ الإجارة بحيل المرضعة ومرضها وفجورها ظاهراً لا يكفرها لأنه لا يضر بالصبي.
وعليها أن تفعل مع الصبي ما جرت به العادة من غسل ودهن وتنظيف ثياب ونحو ذلك ولا يلزمها شيء من نفقات ذلك وأجرتها على الوالد الصبي إن لم يكن له مال وإلا ففي ماله.
القسم الخامس: استئجار الثياب والحلي والأمتعة والخيام ونحو ذلك فللإنسان أن يستأجر ثوباً ليلبسه أياماً معلومة فإن فعل فله أن يستعمله بما قضت به العادة والعرف بالنسبة لحالة الثوب فغن كان قيماً فلا يصح أن يلبسه بالليل ولا أن ينام بل يستعمله قياماً أعد له فإن نلم فيه فتخرق عليه ضمانه وإذا ألبسه لغيره فضاع أو تخرق كان ضامناً له.
أما إذا اشترط أن ينصبها في داره فنصبها في جهة أخرى في البد نفسها فلا ضمان عليه إذا كانت الدار مماثلة لداره.
أما كانت مكشوفة تنزل فيها الشمس أو المطر فيضر القماش فإنه يضمن.
وإذا استأجرت المرأة حلياً معلوماً إلى الليل لتلبسه ثم حبسته أكثر من يوم وليلة تكون غاضبة عليها الضمان وهذا إذا طلب منها ولم تدفعه لأصحابه.
أما إذا حفظه بأن وضعته في مكان لا يلبس فيه عادة فإنه لا ضمان عليها.
هذا ومما ينبغي التنبه له أن كل عين مستأجرة من حيوان أو متاع أو دار إذا فسدت بحيث لا يمكن الانتفاع بها سقط الأجر عن المستأجر من حين فسادها وعليه أجر مانتفع به مما مضى فإذا كان ساكناً بمنزل ثم تخرب في خلال الشهر فخرج منه عليه أن بدفع أجر الأيام التي قضاها من الشهر وإن اختلفا فيها فقال الساكن: إنها عشرة وقال المالك: إنها عشرون يحكم في ذلك حال المنزل والذي يشهد له من علامات الخراب يعمل بقوله.
وأما الأعيان التي لا يصح استئجارها باتفاق فمنها نزو الذكور من الحيوانات على إناثها فلا يحل لأحد أن يؤجر ثوره ليحبل بقرة غيره ولا يؤجر حمارة الغير وهكذا لأن إحبال الحيوان غير مقدور عليه فلا يصح تأجيره.
ومنها: الاستئجار على المعاصي مثل الغناء والنوح والملاهي كاستئجار بعض الفارغين من الشبان لبقوموا بأناشيد سخيفة ويتبادلون في مجلس الخمور والمحرمات فإن استئجارهم كبيرة لا يحل لمسلم أن يفعلها وهو الذين يسمونهم (كشكش) ومثل استئجار الأشخاص العاطلين لضرب الناس وإيذائهم بالسبب فإنه كبيرة لا يحل لمسلم أن يفعلها وهي إجارة باطلة لا يستحقون عليها أجراً، وأما إجارة المغنين فإن كان الغناء مما يجوز فإنها تصح وإلا فلا وقد تقدم في باب الوليمة في الجزء الثاني من الكتاب.
أما الإجارة على الطاعات فأصول مذهب الحنفية تقضي أنها غير صحيحة أيضاً لأن كل طاعة يختص بها المسلم لا يصح الاستئجار عليها ولأن كل قرية تقع من العامل إنما تقع عنه لا عن غيره فلو لم يكن أهلاً لأدائها لا تنفع منه فلا يصح له أن يأخذ عليها أجراً من غيره ويستدلون بحديث روي عنه عليه السلام: "اقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به" وقد عهد عمر إلى عمرو بن العاص: "وإن اتخذت مؤذناً فلا يأخذ على الأذان أجراً" هذا هو أصل مذهبهم وهو بظاهره عام يشمل كل الطاعات فكان من حقه أن لا بعض الطاعات للضرورة فاجازرا أخذ الأجرة على تعليم القرآن خوفاً من ضياعه ومثله تعليم العلم.
والأذان والإمامة والوعظ خوفاً من تعطيلها.
أما قراءة القرآن خصوصاً على المقابر وفي الولائم والمآتم: إنه لا يصح الاستئجار عليها إذ لا ضرورة تدعو إليها.
فمن أوصى لقارئ يقرأ على قبره بكذا أوقف له داراً أو أوصى بعتاقة أو نحو ذلك كانت وصيته باطلة لا قيمة لها لأن الأجرة على الطاعات بدعة محرمة كما ذكرنا.
وإنما تنفذ مثل هذه الوصايا أو الوقفيات إذا جعلت صدقات، وقد قال صاحب الطريقة المحمدية رضي الله عنه ما نصه: الفصل الثالث في أمور مبتدعة باطلة أكب الناس على ظن أنها قرب مقصودة.
ومنها الوصية من الميت بالطعام والضيافة يوم موته أو بعده وبإعطائه دراهم لمن يتلو القرآن لروحه أو يسبح أو يهلل له وكلها بدع منكرات باطلة والمأخوذة منها حرام للآخذ وهو عاض بالتلاوة والذكر لأجل الدنيا اهـ.
ومحصل هذا كله أن أصل المذاهب منع الإجارة على الطاعات، ولهذا أجمعوا على أن الحج عن الغير من باب الإنابة لا من باب الاستئجار فمن حج عن غيره كان نائباً عنه في أداء هذه الفريضة ينفق على نفسه بقدر ما يؤدي فإن زاده معه شيء من المال الذي أخذه وجب لصاحبه ولو كان إجارة لما رد منه شيئاً.
وإما إقتاء المتأخرين بجواز أخذ الأجرة على بعض الطاعات فهو للضرورة خوفاً من تعطليها فأجازوا أخذها على التعليم القرآن ونحوه ولم يجيزوه على قراءة القرآن إذ لا ضرورة في القراءة.
ويرد على هذا ما ثبت من جواز أخذ الأجرة على الرقية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: "إن أحل ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله" وأجيب بأن الرقية تلاوة فقط بل المقصود منها الطب وأخذ الأجرة على التداوي جائز.
وقد يقال في زماننا أن الناس يتصرفون عن تعليم القرآن إذا لم يجدوا فيه شيئاً يساعدهم على قوتهم فالعلة التي أباحوا من أجلها أخذ الأجرة على التعليم وهي خوف تقليل الحفاظ هي بعينها موجودة في الحفاظ الذين ينفقون الذين ينتفعون من قراءءتهم، وقد يكون للإفتاء بجواز أخذ الأجرة على القراءة من هذه الجهة وجه، ولكن الذي لا يمكن إقراره بحال إنما هو ما اعتاد بعض القراء من فعل ما ينافي التأديب مع كتاب الله تعالى كتلاوته على قارعة الطريق للتسول به وفي الأماكن التي نهىالشرع عنه الجلوس فيها وتلاوته على حالة تنافي الخشية والاتعاظ بآياته الكريمة كما يفعل بعض القراءة من التغني به في مجالس المآتم والولائم التي نهى الشارع عنها لما فيها من المنكرات وتأوه الناس في مجلسه كما يتأوهون في مجالس الغناء والإمعان في هذه الطريقة الممقوتة حتى أن بعض القراء يحرفون كلمه عن مواضعه تبعاً لما يقتضيه نغم وتمشياً مع أهواء الناس وشهواتهم فإن ذلك كله حرام باطل لا يمكن الإقرار عليه بأي حال.
ومن الأشياء التي لا تصح إجازتها الأياء التي تستأجر على خلاف شرائط الإجازة المتقدمة.
ومن ذلك استئجار الشخص بجزء من عمله كأن يستأجر جمالاً لينقل له جرنه ويأخذ باقية في نظير أجره أو يعطي طحاناً إردَبّاً من الحنطة ليطحنه ويأخذ منه كيلة في نظير أجره فإن كل ذلك ممنوع لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولأن القدرة على تسليم الأجرة شرط في صحة الإجارة وفي هذه الحالة أن يسلم الأجرة لأنه ناطقه بالشيء المعمول فالطحان مثلاً لا يمكنه أن يأخذ أجره إلا من الدقيق الذي ينتج من القمح المطحون وهو لم يوجد بعد فإذا وقعت مثل الإجازة وجب فيها أجر المثل بشرط أن لا تزيد على المسمى بينهما.
والحيلة في جواز مثل ذلك أن يفرز أولاً ويسلمه للمستأجر كأن يخرج الصوف أو القمح الذي يريد أن يدفعه أجراً ثم يسلمه للمستأجر وهذا جائز.
ومن ذلك إجارة ماء الشرب وحده فإنها لا تصح واقعة على استهلاك عين السمك وإجارة المرعى لتأكل غنمه حشيشها فإن كل ذلك فيه استهلاك للعين فلا تنفع إجارته ولكنه يصح أن يستأجر تبعاً لشيء آخر فيصح أن يستأجر القناة تجري فيها الماء فتقع الإجارة على الماء تبعاً ويصح أن يستأجر قطعة من أرض المرعى ليجعلها مأوى لمواشيه (حوش) ويبيح له مالكها الرعي من حشيشها.
وأما الأشياء المختلف في جواز استئجارها فمنها إجارة الحمام فإن بعضهم يقول: إن أخذ الحمامي أجرة مكروهة من الرجال والنساء.
وبعضهم يقول: إنها مكروهة من النساء دون الرجال والصحيح أنها جائزة بلا كراهة لحاجة الناس إليها وربما كانت حاجة النساء إليها أكثر من لنفاسهن وضعفهن إنما الذي ينبغي النهي عنه هو كشف العورة فيها سواء كان من فيها نساء أم رجال إذ لا يحل للنساء أن ينظرن إلى عورة بعضهن كما لا يحل للرجال على التفصيل المتقدم في مباحث ستر العورة فعلى من يدخل الحمام أن يحتاط في ستر عورته وأن يغض بصره عن النظر إلى عورة غيره وإلا فقد فعل ما لا يحل له فعله سواء أكان ذلك في الحمام أو غيره.
ومنها أجرة الحجام فقد قال بعضهم بكراهية لما ورد من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كسب الحجام خبيث، وثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث" والصحيح أنها جائزة بلا كراهة لما رواه البخاري من أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره ولو كان مكروهاً لم يعطيه والحديث الأول منسوخ بما ورد أن رجلاً "وقال يا رسول الله إن لي عيالاً وغلاماً حجاماً أفاطعم عيالي من كسبه؟ قال: نعم" وأيضاً فإن حديث البخاري مروي عن ابن عباس وحديث النهي رواه في السن عن أبي رافع.
ومما لا شك فيه أن ابن عباس أعلم وأضبط وأفقه فيعمل بحديثه على أنه إذا اشترط الحجام أجراً معيناً كره ذلك فيمكن حمل الكراهة على ذلك.
ومن ذلك أجرة السمسار والدلال.
فإن الأصل فيه عدم الجواز لكنهم أجازوا الناس إليه كدخول الحمام على أن الذي يجوز من ذلك إنما هو أجر المثل.
فإذا اتفق شخص مع دلال أو مع سمسار على أن يبيع له أرضاً بمائة جنيه على أن يكون له قرشين في كل جنيه مثلاً فإن ذلك لا ينفذ وإنما الذي ينفذ هو أن يأخذ ذلك الدلال لأجر مثله في هذه الحالة.
هذا وتصح إجارة الماشطة لتزيين العروس بشرط أن يذكر العمل أو مدته في العقد.
وإذا استأجر شخص عاملاً يمكن تعيين عمله كخياط ليخيط له هذا الثوب بكذا أو خباز ليخبز هذه الأرغفة بكذا أو هذا الإردَبّ فإنه لا يصح له أن يجمع مع هذا التعيين الوقت فيقول خطه اليوم أو غداً أو اخبزه اليوم أو بعد ساعتين فإذا تأخر عن هذا الموعد يكون بأجرة أقل وإنما لا يجوز ذلك لأنه يفضي إلى المنازعة بأن يقول العامل المنفعة المعقودة عليها إنما هي العمل وذكر الوقت للحث على العجيل وحيث قد تم العمل في اليوم أو بعده فإنني استحق عليه الأجر كاملاً ويقول المؤجر كلا بل المنفعة المعقود عليها مقدورة بالوقت فالمعقود عليه هو الوقت وحيث لم توجد قيمة المنفعة فلا تستحق الأجرة كاملة فلذا قبل بفساد العقد.
نعم إذا قال على أت تفرغ منه أو تخيطه في اليوم فإن العقد ألا يفسد ويعتبر العقد على العمل وذكر هذه الكلمة يكون الغرض منه إنجاز العمل والفرقأن قوله في اليوم معناه أن تعمل في اليوم ولا يلزم أن يعمله جميعه في اليوم.
وقوله على أن تفرغ منه اليوم يفيد أن ذكر اليوم ليس مقصوداً كالعمل فيكون الغرض من التعاقد إنما هو العمل وأما كونه يفرغ منه اليوم فهو أمر ثانوي معناه اسعجال العمل على أن بعضهم يقول إن الإجارة لا تفسد بذلك مطلقاً ولو قال اليوم بدون في أو على ويقع العقد على العمل ويكون الغرض من ذكر الوقت الحث على التعجيل.
ويجوز أن يقول شخص لآخر إن خطت لي الثوب في هذا اليوم فتكون أجرته درهماً وإن خطته غداً تكون أجرته نصف درهم.
وإن سكنت هذه الدار حداداً فبعشرة وإن سكنتها عطاراً فبخمسة.
وهكذا في كل ما فيه ترديد الأجرة بالنسبة للزمان والمكان والمسافة.
المالكية - قالوا: الأشياء المستأجرة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم ممتنع فلا يصح استئجاره، وقسم جائز، وقسم مكروه.
فالقسم الأول: وهو الممتنع فهو ما خالف شرطاً من شروطها وقد تقدم بيان كثير منه وبقيت أمور: أولها كراء الشجر لأخذ ثمره لأن فيه استفياء عين وهو الثمر قصداً لا تبعاً وهو بيع عين قبل وجودها وذلك باطل.
أما الشاة لأخذ لبنها فقد مر بيانه في الكلام على المنفعة فارجع إليه.
وإذا استأجر داراً فيها نخلة أو كرمة فإن كان ثمرها قليلاً واشترط المستأجر لأن تكون تابعة للدار في الإجلرة فإنه يغتفر تأجيرها وأخذ ثمرتها بشرط أن لا يزيد ثمن الثمر عن ثلث الأجرة.
وذلك بأن تقوم الدار بغير الثمر فإن كانت عشرة وقيمة الثمر بعد إسقاط ما أنفق على الشجر من سقي ونحوه فإنه يصح في هذه الحالة أخذ الثمن لأن الخمسة إذا أضيفت إلى الأجرة وهي عشرة كان المجموع خمسة عشرة والخمسة ثلثها فيصح أخذه حينئذ أما إذا كانت قيمة أكثر من خمسة فإنه لا يصح لأن القاعدة من مذهب مالك أن كل شيء يمكن قليله من كثيره فثلثه والقليل يتسامح فيه ويستثنى من هذه القاعدة أمور ثلاثة: الآفات التي تصيب الثمرة المبيعة فغن ثلثها ليس من القليل.
مساواة المرأة للرجل في دية الجراحة.
ما تحمله العاقلة من الدبة.
ثانيها: الإجازة على التعليم الغناء فإنها لا تصح والغناء بالمد التطريب بالأهوية المعروفة في علم الموسيقى وقد عرفت في مباحث الوليمة أن المالكية لا يبحون سماع شيء من الغناء إلا إذا كان على وزان: أتيناكم أتيناكم فحيونا نحيكم إلى أخره.
وكل ما لا يباح لا يصح تأجيره أما غيره فلهم فيه تفصيل فما كان منه مباحاً فإنه يصح الأجرة على تعليمه عندهم.
ومن ذلك أجرة آلات الطرب كالعود والمزمار فإن استعمالها وسماعها حرام فكذلك ثمنها وإجارتها.
ثالثهما: إجارة النائحة (المعددة) فإنه حرام بلا خلاف.
رابعهما: إجارة الدجالين الذين يزعمون أنهم يخبرون عن المسروق ويردون الضائع فإنها لا تحل ومثله الاستئجار على حل المربوط (العاجز عن إتيان امرأته) فغن اسئجاره لا يحل وقيل يحل إن تكرر نفعه.
خامسها: استئجار الحائض لكنس المسجد فإنه لا يحل.
سادسها: إجارة الدكان ليباع فيه الخمر والحشيش ونحوه مما يفسد العقل أو يضر بالبدن فإنها لا تصح وكذلك إجارة المنازل لتتخذ بيوتاً للدعارة أو محلاً للفسق أو نحو ذلك.
وكما لا تصح إجارتها كذلك لا يصح بيعها على ثمنها المعتاد إن باعها بثمن زائد عنه.
سابعها: الإجارة على طاعة مطلوبة من الأجير (طلب عين لا طلب كفاية) إذا كانت لا تقبل النيابة كالصلاة والصيام سواء كان طلبها على سبيل الوجوب أو على الندب.
فلا يصح الاستئجار على صلاة ركعتي الفجر والوتر.
أما ما يقبل النيابة كالحج، وقراءة القرآن وأذكار، والتهليل ونحوها ففيها خلاف مبنى على وصول ثوابها للميت.
فبعضهم يقول: إنها تصل فالإجارة عليها صحيحة، وبعضهم يقول: إنها لا تصل فالإجارة عليها لا تصح والمنقول عن الإمام مالك أنها لا تصل وأن الإجارة عليها لا تصح، ولكن الظاهر من قول أصحابه الميل إلى الميل إلى أنها تصل عملاُ بحديث رواه النسائي: "من دخل مقبرة وقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة وأهدى ثوابها لهم كتب الله له من الحسنات بعدد من دفن فيها" فلو لم يكن ثواب القرآن ينفع الميت ويصل إليه لما حث النبي صلى الله عليه وسلم قل هو الله أحد للأموات.
أما الأعمال المطلوبة من المكلف على سبيل الكفاية كتكفين الميت وتغسيله ودفنه فيجوز الإجارة عليها بلا خلاف فما يأخذه (الحانوتية) على تغسيل الموتى وحملهم ودفنهم من الأجرة (جائز) ثامنها: تأجير العامل الذي يجني الزيتون أو النبق ونحوهما أو يعصره زيتاً بجزء مما يخرج منه فلو قال له انقض لي هذه الشجرة يختلف في ذلك فمنه ما يسقط من ثمره بالهز كثيره ومنه ما يسقط قليل فيكون القدر الذي ينزل منه مجهول.
وكذا إذا قال له اعصر هذا الزيتون أو الرقطم ولك جزء مما يخرج منه فإنه لا يصح لأن القدر الذي يخرج من الزيت مجهول وصفة الزيت الخارج بالعصر مجهولة إذ يمكن أن يكون جيداً وأن يكون رديئاً ثخيناً أو رقيقاً نقياً أو مشوباً ينقصه.
وبعضهم يقول إذا قال له انفض الثمر الذي على هذا الشجر كله ولك سدسه مثلاً فإنه يجوز فإذا وقع شئ من هذا فإن للعامل أجر مثله وجميع الثمر أو الزيت لصاحبه فإن اقنسما كان ما يأخذه العامل حراماً أما ما يأخذه رب العمل فهو حلالاً لأنه كله ملكه.
ومثل ذلك ما إذا قال له أدريس (هذا الجرن) ولك ثمن ما يخرج من الحب فإنه إجارة فاسدة للجهل بقدر ما يخرج من الحب.
أما إذا قال له احصد هذا الغيط ولك سبعه أو ثمنه فإنه يصح لأن الزرع ظاهر مرئي فيمكنه معرفة القدر الذي بخرج منه.
ثامنها: تأجير أرض صابحة للزراعة ليزرعها با الطهام فإنه لا يصح فإذا اسنأجر فداناً ليزرعه بخمسه (أرادب) من القمح أو الذرة أو الشعير أو نحو ذلك مما تنبته الأرض كالعدس والفول وجميع أنواع الطعام فإنه لا يصح أنه يمكنه أن يزرع الأرض من هذا النوع الذى أستأجر به فتؤل المسألة ألى بيع الطعاملأجل منع التفاضل والغرر لأنه يحتمل أن يخرج له من الزرع قدر الأجرة أو أقل أو أكثر.
وكذلك لا يجوز تأجيرها بالطعام الذى لا تنبته كالعسل والجبن واللبن والشاة المذبوحة والشاة التى بها لبن.
أما الشاة الحية التى لا لبن بها يجرز أنها ليست بطعام في هذه الحالة ولا يتولد منها طعام كذلك لاتصح بالسمك وطير الماء زعلة ذلك أنه ربما يزرعها طعاماً كا القمح والذرة ونحو ذلك فيكون فيه بيع بطعام مخالف له وهو ممنوع.
كذلك لا يجوز تأجيرها بما ينبت منها من غير الطعام كالقطن والكتان والعصفر والزعفران ونحو ذلك لأنه قد يزرع فيها ذلك النوع الذي أجره بها فيكون فيه بيع الزرع بمثله لأجل فإذا وفع فيه شيء من ذلك كان فاسداً وله كراؤها بالنقود.
ويجوز كراء الأرض بالشجر الذي يمكث فيها زمناً طويلاً واختلف في جواز كرائها بما ينبت وحده لا بما ينبته الناس كالحلف والحشيش والصحيح لأنه يجوز.
وأما كراء الأرض لأجل بناء عليها دكان عليها جرن فيها جائز وكذلك كراء الدور والدكاكين بالطعام فإنه جائز بلا نزاع لانتفاع الشبه التي تقدمت.
تاسعها: يمنع استئجار صانع على عمل بحيث لو لأتمه في يوم يكون له عشرة وإن لأتمه يومبن يكون له ثمانية لأنه في هذه الحالة يكون قد أجر العامل نفسه بما لا يعرف.
فإذا استأجر خياطاً على هذه الحالة وخاط له الثوب فله أجر مثله خاطه في يوم أو يومين فإن اتفق معه على أجرة معينة ثن قال له بعد ذلك عجل وأزيدك كذا فإن كان على يقين من أنه يستطيع الفراغ منه في الموعد الذي حدده فإنه يجوز أما إن كان لا يدري فيكون مكروهاً.
عاشرها: أن يقول لآخر اعمل على دانتي كأن تحتطب عليها أو تحمل عليها الناس تحمل عليها الحبوب أو نحو ذلك أو يقول له اعمل على دابتي ولم يصرح بشيء مما يحمل عليها ولك نصف ما يتحصل من ثمن ما تحتطبه عليه وتبيعه أة نصف ما تكريها به.
وتشتمل هذه الصورة على أربعة أوجه: الأول أن يقول اعمل على دابتي فيعمل بنفسه.
الثاني: أن بقول اعمل عليها فيؤجرها لغيره ليعمل عليها.
الثالث: أن يقول له خذ دابتي فاكرها فيأخذها ويعمل عليها بنفسه.
الرابع أن يقول له خذها فاكرها فيأخذها ويكريها لغيره.
والإجلرة في جميع هذه الأوجه فاسدة.
فإذا وقع ذلك فحكم الأوجه الثلاثة الأول للعامل جميع ما يتحصل وعليه أجرة المثل لمالكها لأنه في هذه الأوجه يكون قد استأجر الدابة إجارة فاسدة فإذا لم يجد عملاً يعمله عليها فبعضهم يقول تلزمه أجرتها مطلقاً وبعضهم يقول لا تلزمه الأجرة إذ عاقه عن العمل عائق معروف.
وحكم الوجه الرابع، وهو أن يقول له خذها فاكرها فيكريها، أن كل ما يتحصل من الكراء للمالك ويكون له أجر المثل فيما عمله فإذا تعاقد مع شخص ليحمله من بلد إلى آخر ومشى خلفه كان له أجر المثل على التعاقد وعلى المشي الذي مشاه وما يتحصل من الأجر للمالك لأن العامل في هذه الحالة يكون قد أجر نفسه إجارة فاسدة.
هذا كله بعد الشروع في العمل أما قبله فتعين فسخ العقد، وإنما فسدت الإجارة في هذه الأوجه للجهالة بقدر الأجرة.
أما إذا قال له خذ دابتي الذي واحتطب عليها ولك نصف الذي تجيء به، فإنه يصح بشرطين: الأول: أن يكون القدر الذي يجيء به من الخطب معروفاً في العرف كأن تجري العادة بأن هذه الدابة تنقل قنطارين في اليوم أو يسترطا ذلك كأن يقولا نقسم كل قنطارين مما تنقله.
الثاني: أن لا يحجر المالك على العامل كأن يقول لا تأخذ نصيبك إلا بعد أن يجتمع الحطب في مكان كذا، فيصح بهذين الشرطين لانتفاع جهالة هنا محققة فإنه لا يدري بكم يبيع الحطب الذي يجيء به فالثمن مجهول تماماً.
وهل السفينة والحمام والربع ونحو ذلك من الأشياء الثانية مثل الدابة في ذلك؟ والجواب أن بعضهم يقول إنها مثلها فإذا قال العمل في سفينتي أو في حمامي أو في داري أو لنا ولك نصف ما يتحصل من ريعها فإن ما يتحصل يكون لمالكها وللعامل أجر مثله.
وبعضهم يقول إن السفينة والدار والحمام ونحو ذلك من الأعيان الثابتة التي لا يتولى العامل مؤنتها يكون لمالكها وللعامل أجرة مثله سواء قال اعمل عليها أو اكرها وسواء عمل عليها بنفسه أو أجرها لغيره.
والثاني أصح.
الحادي عشر: أن يبيع شخص لآخر نصف سلعة معين على أن يبيع المشتري النصف الثاني فلا يصح أن يقول شخص لآخر بعتك نصف داري هذه بمائة على أن تتولى بيع نصفها الثاني وإنما تمتنع هذه الصورة إن لم يعين محل البيع أو عين بلداً تبعد عن البلد الذي فيها العقد أكثر من ثلاثة أيام.
أما إذا قال له أن تبيع لي النصف الثاني في هذه البلدة التي حصل العقد أو في بلد قريب منها فإنه يصح وذلك لأنه في الحال الأولى يكون قد اشترى معيناً وهو نصف الدار ولم يتمكن من قبضة إلا بعد بيع النصف الثاني في بلد يبعد عن محل العقد أكثر أيام وذلك ممنوع.
أما في الحالة الثانية وهي إذا كان محل البيع في البلد أو في بلد يصح تأجير القبض إليها بأن كانت مسافتها ثلاثة أيام فأقل فإنه يصح ولكن يشترط في هذه الحالة أن يجعل العاقدان للبيع أجلاً معلوماً بأن يقول على أن تبيع لي النصف الثاني بعد شهر مثلاً حتى في المسألة بيع وإجارة.
أما البيع فلأنه قد باع نصف الدار بثمن معلوم.
وأما الإجارة فلأنه قد اجره على أن يبيع له الثاني في وقت كذا وذلك جائز لأنه يصح أن يجتمع البيع والإجارة في عقد واحد.
أما إذا لم يؤجلا فيجتمع في المسألة بيع وجعالة فكأن قال بعتك النصف بمائة على أن يكون هذا البيع جعلاً لبيع النصف الثاني وهو ممتنع وذلك لأنك التأجيل بعين الإجارة إذ الجعالة يفسدها التأجيل.
وإذا باع شيئاً مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً كأن أعطاه عشرين إردَبّاً من القمح وباع له إردَبّين منها بجنيه وسمسرة على بيع باقيها في خمسة أيام فيكون له نصف أجرة السمسرة فيرد نصف الإردَبّ الذي جعل في مقابل السمسرة ويحتمل أن يبيعها في آخر يوم من العشرة أو بعد العشرة فلا يريد شيئاً فقد ترددت أجرة السمسرة وهي الإردَبّ بين كون بعضه إجارة وبعضه سلفاً يرده غير جائز.
وإذا اشترط المشتري إنه باع النصف الثاني لا يرد شيئاً من الأجرة فإنه يصح.
فتحصل من ذلك أنه لا يجوز أن يبيع شخص لآخر سلعة بثمن معين وأجرة سم
What's Your Reaction?






