مذاهب الفقهاء فى أجناس المال الربوى

مذاهب الفقهاء فى أجناس المال الربوى

مذهب الظاهرية :

مختصر رأي الظاهرية: إقتصر فيه المال الربوى على الأعيان الستة (أى أجناسها بذاتها).

تفصيل رأي الظاهرية : حيث ورد بشأنها النص فى حديث عبادة عن النبى صلى الله عليه و سلم   و هى : الذهب و الفضة و البر  و الشعير و التمر و الملح و لا يتحقق الربا المحرم بقسميه عندهم إلا فى هذه الأعيان الستة من الأموال و ذلك لظاهر الحديث الوارد عن النبى صلى الله عليه و سلم (الذهب بالذهب , و الفضة بالفضة , و البر بالبر , و الشعير بالشعير , و التمر بالتمر , و الملح بالملح , مثلا بمثل يدا بيد , فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) .

مع عموم قوله تعالى ((وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)) لأن حل البيع فى الآية عام يشمل جميع الأموال و أنواعها و خرج من عموم هذا النص الأعيان الستة التى ورد بشأنها الحديث و بقى ما عداها على مقتضى العموم و هو عدم تحقق الربا فيها حيث لا يصح عندهم قياس فى الشرع و لعلهم نظروا إلى أن الربا المحرم المنهى عنه بنص قطعى الدلالة و الثبوت هو من باب السماع كالعبادة لأن الانتهاء عن التعامل بالربا مأمور بها أى تعبدنا الله بها  والعبادات مبنية على السماع و لا يصح الاجتهاد فيها.

 

المذهب الحنفي :

مختصر رأي الحنفية: علته فى الأموال الربوية الستة المنصوص عليها فى الحديث هى الكيل أو الوزن مع الجنس.

تفصيل رأي المذهب الحنفي: هذه العلة تتعدى عندهم إلى كل مال يكال أو يوزن مأكولا أو غير مأكول مطعوما لآدمى أو لغير آدمى و عليه فهى تتعدى الذهب و الفضة إلى جميع المعادن الأخرى إذا تحقق الوزن فيها شرعا أو عرفا أى بنص الشارع أو بما تعارفت عليه الناس

و يشهد لذلك قول النبى صلى الله عليه و سلم (لا تبيعوا الصاع بالصاعين و لا الصاعين بالثلاثة) و هذا عام فى كل كيل سواء كان مطعوما أو غير مطعوم لأن الحكم متعلق بالكيل و الوزن إما إجماعا أو لأن التساوى حقيقة لا يعرف إلا بهما

 

و بناؤ على مذهب الأحناف فإن الربا يثبت فى النقود إن كانت من أحد النقدين أو من غيرهما و كان يتحقق فيها التعامل بالوزن و المماثلة و التساوى فى الجنس الواحد و تعارف عليه الناس بالاصطلاح و بالقياس على النقدين الشرعيين لأن القياس دليل شرعى صحيح عند الفقهاء  إلا أنه إذا كان ليس للوزن اعتبار فى النقد العرفى فإنه لا يدخل فيه الربا عند أبى حنيفة و أبى يوسف و ذلك كالفلوس المُتخذة من غير الذهب و الفضة

و على ذلك فبيع النقود من غير الذهب و الفضة التى لا يعتبر فيها الوزن يجوز بالعد مفاضلة عند التعيين و لو من جنس واحد لأن ثمنيتها تكون بذلك قد زالت بالاصطلاح عليها

أما عند عدم تعيين العوضين فى المجلس فهو لا يصح لفساد العقد فيه لا لأنه ربا لأنه بذلك يعد من باب بيع الكالىء بالكالىء (أى بيع الدين بالدين)و هو منهى عنه شرعًا لوجود الغرر الفاحش فيه و لنهى النبى صلى الله عليه و سلم عن بيع الغرر

و لا ربا بين المسلم و الحربى فى دار الحرب عند أبى حنيفة و محمد لأن مالهم مباح لعدم الأمان . إلا أنه بالأمان حرم عليه التعرض بغير رضاهم تحرزًا من نقض العهد

بخلاف المستأمن لأن ماله صار محظورًا بالأمان.

 

المذهب المالكي :

مختصر رأي المالكية: العلة فى نص الحديث فى الذهب و الفضة عينهما أى جنسهما.

تفصيل رأي المالكية: ليشمل النقد منهما و غير النقد سواء كان حليا أو غير حلى و سواء كان جامدا على هيئة سبائك أو كان سائلا يتحقق الربا فى عينهما فضلا و نساء

و على ذلك فلا تتحقق علة الربا فى غير الذهب و الفضة من المعادن عامةً لأنها من عروض التجارة فى البيع و الشراء أصلا فهى قيمية و إن صلُحت ثمنا فى البيع و الشراء .

أما العلة عند المالكية فى بقية الأموال الربوية المنصوص عليها فى الحديث غير الذهب و الفضة فهى الطُعم بشرط كونه مقتاتا و مدخرا فى ربا الفضل و مطعوما مطلقا و إن لم يدخر فى ربا النساء

أى يكون الطعام مقتاتا يقتات به الإنسان غالبًا و يدخل فيما سبق كل ما فى حكمه مما يقتات و يدخر عند أهل كل بلد.

 

المذهب الشافعي:

مختصر رأي الشافعية: أجناس المال الستة التى ذكرت فى نص الحديث إنما ذكرت لمعان فيها فهى للتمثيل لا للحصر و عليه فإن الربا يدخل فى أموال  أخرى غير واردة فى النص.

تفصيل رأي الشافعية: حيث أن النص يدل عليها بطريق المعنى و إعتبرها أصلا يتصل بفروعه بطريق علة الأصل بواسطة القياس الشرعى الذى هو دليل شرعى من أدلة الأحكام المتفق عليها عند جمهور الفقهاء إلا أنهم رأوا أن العلة فى الذهب و الفضة هى جوهرية الثمن فى أعيانها بإعتبارهما ثمنًا لغيرهما من أجناس الأموال و ذلك فى معيار الشارع

و لهذا أطلق عليهما النقدان و هذا الإطلاق الفقهى خاص بهما و لا يتعداهما إلى غيرهما

و النقد المراد به الذهب و الفضة مضروبًا أو غير مضروب كما قال الغمراوى فى شرحه على المنهاج إن بيع بجنسه كذهب بذهب اشترط المماثلة و إن بيع بغير جنسه كذهب بفضة جاز التفاضل و علة الربا فى الذهب و الفضة الثمنية و هى منتفية عن العروض و الفلوس فلا يشترط شىء من ذلك

أما علة الربا فى بقية الأجناس من الأموال التى ذكرت فى حديث عبادة غير الذهب و الفضة و هى كلها تدخل فى مسمى المطعومات و هو يشمل المطعوم ضرورة و حاجة أدما أو تفكها أو تداويا فقد اختلف فيها مذهب الإمام الشافعى رضى الله عنه على قولين :

الأول :

و هو القديم فى مذهب الإمام الشافعى و هو ظاهر المذهب الجديد أن العلة فى الربا فى المطعوم

هو الطعم مع التقدير فى الجنس بالكيل و الوزن بمعنى أن الربا يتحقق فى المطعوم المنصوص عليه فى الحديث كونه مطعوما مكيلا أو موزونا و على هذا فلا ربا فى كل مطعوم لا يكال و لا يوزن و على هذا أيضًا فإن الربا يتحقق كذلك فى كل مطعوم يكال أو يوزن لم يشتمل عليه الحديث إذا تحققت فيه علة المنصوص عليه فى الحديث 

الثانى :

و هو الجديد فى مذهب الإمام الشافعى و هو الأظهر أن علة المطعوم هو الطُعمية فقط

أى كونه مطعومًا آدميًا و ذلك لقوله صلى الله عليه و سلم (الطعام بالطعام مثلاً بمثل)

و الطعام يشمل كل مطعوم إذ به قوام الأبدان و كذلك الثمنية إذ بها قوام الأموال فاقتضت الحكمة التعليل بهما

هذا ولإن الحديث نص على    البر و الشعير و المقصود بهما التقوت فألحق بهما ما فى معناهما كالأرز و الذرة

                   و نص على    التمر و المقصود فيه التفكه و التأدم فألحق به ما فى معناه كاتين و الزبيب

                   و نص على    الملح و المقصود منه الإصلاح فألحق به ما فى معناه كالزنجبيل

و لا فرق بين ما يُصلح الغذاء أو يصلح الأبدان فإن الأغذية لحفظ الصحة و الأدوية لرد الصحة

و قال الشيرازى : فأما الأعيان الأربعة غير الذهب و الفضة ففيهما قولان :

قال فى الجديد: العلة فيها أنها مطعومة و الدليل عليه ما روى معمرعن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول (الطعام بالطعام مثلاً بمثل) و الطعام اسم بكل ما يتطعم

و قال فى القديم : العلة فيها أنها مطعومة مكيلة أو مطعومة موزونة و الدليل عليه أن النبى صلى الله عليه و سلم قال (الطعام بالطعام مثلاً بمثل) و المماثلة لا تكون إلا بالكيل أو الوزن

فعلى هذا لا يحرم الربا فيما لا يكال و لا يوزن من الأطعمة ثم قال و ما سوى الذهب و الفضة و المأكول و المشروب لا يحرم الربا فيها فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا و نسيئة و يجوز فيها التفرق قبل القبض فلقد أشترى رافع ابن خديج رضى الله عنه بعيرا ببعيرين فأعطاه أحدهما و قال آتيك بالآخر غدا

و الظاهر من نص الإمام النووى فى المنهاج و الشربينى فى مذهبه أن هذين القولين صحيحان فى المذهب الشافعى و لهذا عبر عنهما بالظاهر و الأظهر و كلاهما يصح العمل به لصحة الدليلين اللذين إستند عليهما القولان القديم و الجديد

و عليه إذا لم يظهر للباحث أو المجتهد ترجيح يرجح آخر فله أن يختار منهما ما يراه مناسبا فى الحكم و القضاء بما يناسب مصالح العباد و البلاد بشرط أن تتوحد الفتوى.

 

المذهب الحنبلي:

مختصر رأي الحنابلة: العلة فى الأموال الربوية على ثلاثة أقوال

أحدهما :

و هو الأشهر أن العلة فى الذهب و الفضة كونهما موزونى جنس و العلة فى الأربعة الباقية هى كونهن مكيلات جنس

الثانى :

أن العلة فى الذهب و الفضة الثمنية فلا يتعدى الحكم الخاص بها إلى غيرهما و العلة فى الأربعة الباقية كونهن مطعوم جنس

الثالث :

أن العلة فى النقدين هى الثمنية و العلة فى الأربعة الباقية هى الطعم والتقدير فى الجنس

تفصيل رأي الحنابلة: فى علة نص الحديث عن الأموال الستة الربوية المذكورة فى حديث عبادة رضى الله عنه أقوال ثلاثة عن إمام المذهب و صاحبه الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه

أحدهما :

و هو الأشهر أن العلة فى الذهب و الفضة كونهما موزونى جنس و العلة فى الأربعة الباقية هى كونهن مكيلات جنس فيتعدى الحكم إلى كل موزون و مكيل بيع بجنسه و غير ذلك دون ما لا يكال و لا يوزن من مطعوم و غيره

- إستند هذا القول إلى : ما روى عن أبى سعيد الخدرى و أبى هريرة رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم :"إستعمل رجل على خيبر فجاء بتمر جنيب (نوع جيد) فقال أكل تمر خيبر هكذا ؟ فقال لا يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين و الصاعين بالثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تفعل بع الجمع (غير الجيد) بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا" و قال فى الميزان مثل ذلك و لمسلم فى رواية "و كذلك الميزان" متفق عليه

- كما إستندوا إلى ما رواه أحمد بسنده عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قال "لا تبيعوا الدينار بالدينارين و لا الدرهم بالدرهمين و لا الصاع بالصاعين فإنى أخاف عليكم الرماء(أى الربا) فقام رجل فقال يا رسول الله أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس و النجيبة بالإبل ؟ فقال لا بأس إذا كانت يدا بيد" وهذا القول يتفق مع مذهب الحنابلة جملة من جميع الوجوه

الثانى :

أن العلة فى الذهب و الفضة الثمنية فلا يتعدى الحكم الخاص بها إلى غيرهما و العلة فى الأربعة الباقية كونهمن مطعوم جنس فالعلة فى الذهب و الفضة جوهرية الثمنية غالبًا فيختص بالذهب و الفضة و العلة فى الأربعة الباقية كونها مطعوم جنس أى أن العلة فى الربا الطعم و الجنس شرط فى تحقيق الربا ففى الخبرالواحد فى كل مطعوم يتحقق ربا الفضل عند عدم المساواة و المماثلة فى العوضين الحالين و كذلك يتحقق ربا النساء فى البيع مع الأجل فيهما أو مع أحدهما . أما مع إختلاف الجنس فالأجل شرط لتحقيق الربا فى الحديث "إذا إختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد"

و هذا القول موافق لمذهب الشافعى رضى الله عنه فى الجديد الأظهر

الثالث :

أن العلة فى النقدين هى الثمنية و العلة فى الأربعة الباقية هى الطعم و التقدير فى الجنس والأربعة مكيلة غير أن المؤثر فى العلة هو التقديرالمنضبط فيدخل فيه الوزن أيضا فيتعدى ذلك إلى مطعوم مقدر بكيل أو وزن بيع بجنسه .

و هذا القول هو إختيار ابن قدامة حيث قال : و المماثلة إنما تعتبر بالمعيار الشرعى و هو الكيل و الوزن و جمعا بين الأحاديث لأن الأحاديث الواردة فى هذا الباب يجب الجمع بينها لأنها كلها صحيحة و لم يثبت نسخ أحدهما للآخر كما يجب تقييد كل واحد منهما بالآخر و هذا ممكن . فنهى النبى صلى الله عليه و سلم عن بيع الطعام إلا مثلا بمثل يتقيد بما فيه معيار شرعى و هو الكيل و الوزن و نهيه صلى الله عليه و سلم عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل يتقيد بما فيه معيار شرعى و هو الكيل و الوزن و نهيه عن بيع الصاع بالصاعين يتقيد بالمطعوم المنهى عن التفاضل فيه

و هذا القول موافق  لمذهب الشافعى رضى الله عنه فى القديم و هو ظاهر مذهبه فى الجديد.

 

مذهب ربيعة:

مختصر مذهب ربيعة : العلة فى الأموال التى تجب فيها الزكاة

تفصيل مذهب ربيعة : إن العلة فى الأموال المنصوص عليها فى الحديث كونها أموالا تجب فيها الزكاة و لذلك فإن الربا عنده

يتحقق فيما يجب فيه الزكاة من الأموال دون غيره على الإطلاق.

 

مذهب ابن سيرين:

مختصر مذهب ابن سيرين: العلة فى الجنس الواحد.

تفصيل مذهب ابن سيرين: أن العلة فى الأموال الربوية المذكورة فى النص هو الجنس فالجنس الواحد فى أى مال يكون علة لتحقيق الربا فيه و على ذلك يتعدى الربا من الأجناس المنصوص عليها فى الحديث إلى غيرها من كل الأموال بعلة الجنس الواحد فيها

هذا و قد أبطل ابن قدامى و غيره هذا التعليل لقول النبى صلى الله عليه و سلم فى بيع الفرس بالأفراس و النجيبة بالإبل "لا باس به إذا كان يدا بيد" فالفرس بالأفراس من جنس واحد و النجيبة من جنس الإبل

كما ورد قول ربيعة بأنه ينعكس بالملح و العكس لازم عند اتحاد العلة لأن الملح مما يجرى فيه الربا بالنص و لا تجب فيه الزكاة لأنه مباح كالماء و الكلاْ المباح أى لا تجب فى عينه و إن وجبت فى قيمته إذا بلغت النصاب لأنه بذلك أصبح من عروض التجارة.

 

مذهب سعيد بن جبير:

مختصر مذهب سعيد بن جبير: العلة فى ربا الفضل هو تقارب الانتفاع بين مالين.

تفصيل مذهب سعيد بن جبير: أن العلة فى ربا الفضل هو تقارب الانتفاع بين مالين حيث قال كل شيئين يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً كالتمر بالزبيب لأن التفاضل فى أحدهما بالنسبة للآخر و لو يدا بيد لأن تقارب المنفعة بين كل مالين يجعلهما كالجنس الواحد فى باب الربا و لهذا جريا فيه مجرى الجنس الواحد

و هذا المذهب مخالف لما اتفق عليه أهل العلم من أن ربا الفضل لا يجرى إلا فى الجنس الواحد و هو اجتهاد لا يصح من ابن جبير لمخالفته نص حديث النبى صلى الله عليه و سلم "بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد و بيعوا البر بالتمر كيف شئتم"

و هذا المذهب لا يعول عليه لمخالفته نص الحديث

و يبطله أيضا نقض مذهبه بالذهب مع الفضة حيث يجوز عنده بيع الذهب بالفضة مع تفاضل أحدهما على الآخرفى الوزن مع تقاربهما فى المعنى و الغرض و هو كونهما نقدا لبقية الأموال غالبا شرعا و عرفا .

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0