مقدمة :
العوالم الخارجية الاجرام يقصد بها مجموعة من الظروف الخارجة عن شخصية الانسان التي . ويطلق على هذه العوالم اصطالح 270 تحيط به وتؤثر في تحديد معالم شخصيته وفي توجيه سلوكه العوالم البيئية، فإذا ربطت عالقة سببية بين العوالم المحددة لبيئة الشخص وبين ظاهرة الاجرام، وصفت البيئة بأنها "إجرامية" والعوالم الخارجية عديدة ومتنوعة، الن بيئة الشخص تختلف عناصرها باختالف الافراد، ولكل فرد بيئته الخارجية التي تتلأف من مجموعة الظروف التي يكون من شأنها التأثير في الفرد، وواضح أن الظروف البيئية باعتبارها خارجة عن شخصية الانسان، تتميز بذلك عن العوالم الداخلية المتصلة بشخص المجرم .
أولا : أهمية البيئة في علم الاجرام لا تخفى أهمية دراسة العوالم الخارجية الاجرام، وهي أهمية لا تقل عن تلك الثابتة لدراسة العوالم الداخلية، في مجال تحديد سببية السلوك الاجرامي، فإذا كانت العوالم الداخلية يمكن أن تفسر أفراد، أو الاقل تقدم جانبا من هذا التفسير، فإن العوالم الخارجية قد تفسر إجرام طائفة أخرى أو تقدم الجانب اآلخر في تفسير إجرام تلك الفئة التي لا تكفي العوالم الداخلية وحدها لدفعها الى طريق الجريمة، ذلك أن العوالم الخارجية قد تتوافر لدى عدد من الاشخاص، ومع ذلك لا يقدمون جميعا على الجريمة، وإنما ينزلق إليها نفر منهم، ولا يمكن تفسير ذلكالابالرجوع الى البيئة التي يحيا فيها هذا النفر، للعثور على الظروف الخارجية 271 التي باشرت تأثيرها عليه ودفعته إلى ارتكاب السلوك الاجرامي .
ويشير هذا الى حقيقة هامة مؤداها أن الجريمة هي كما أسلفنا نتاج تفاعل بين العوالم الداخلية والعوالم البيئية معا، وليس بالزم إلحداث هذا التفاعل ان يتساوى تاثير هذه العوالم مع تأثير تلك، بل قد يخلق قدر مساهمة العوالم البيئية في إنتاج الجريمة، فقد يرجح دور العوالم الداخلية في إنتاج السلوك الاجرامي، وذلك حين تتماثل الظروف البيئية لشخصين ويرتكب احدهما الجريمة، وقد تتماثل على العكس العوالم الداخلية لشخصية، كما هي الحال بالنسبة للتوائم المتطابقة مثال، ومع ذلك يقدم أحدهما على الاجرام ويعصم عنه اآلخر، وهنا يصح القول بأن العوالم البيئية لها الغلبة، وأنها هي التي هيأت السبيل الرتكاب 272 الجريمة .
ومن ثم تبدو الصلة واضحة بين العوالم الداخلية الاجرام وبين العوالم الخارجية، وقد رأينا من قبل ان بعض النظريات غلب هذه العوالم أو تلك في تفسير السلوك الاجرامي، بينما توسط البعض فعزا الجريمة الى نوع العوالم، مقرا أنه لا يمكن تفسير السلوك الاجرامي تفسيرا متكامال إلى بالنظر إلى هاذين النوعين من العوالم وهذا هو الاتجاه التعددي أو التكالمي في تفسير الجريمة، وهو اتجاه يسلم به جمهور الباحثين في علم الاجرام في الوقت الحاضر.
ثانيا : مدلول البيئة الاجرامية وخصائصها : قوام البيئة إذن مجموعة من العوالم الخارجية المحيطة بالفرد، لكنك تالحظ أن كل العوالم الخارجية المحيطة بالفرد لا تدخل بالضرورة في مضمون بيئته لذلك تختلف عناصر البيئة باختالف الافراد كما قلنا، ويدخل من العوالم الخارجية في بيئة الفرد تلك العوالم التي تتوافر فيها إمكانية أو احتمال التأثير المباشر أو غير المباشر فيه، أما تلك العوالم الخارجية التي لا صلة للفرد بها، فتخرج من عداد الظروف التي تتكون منها بيئته، مهما كانت درجة قربها منه، وعلى ذلك يتحدد مدلول البيئة الاجرامية بأنها مجموع 273 العوالم الخارجية التي تؤثر في إجرام الفرد والبيئة الخاصة بالفرد تتميز بخاصيتين وهما النسبية والوحدة.
1-نسبية البيئية : البيئة فكرة نسبية لا مطلقة، لأنها ليست واحدة بالنسبة لجميع الاشخاص، ذلك أن لكل شخص بيئته الخاصة به، وهي تتحدد على أساس مدة اتصاله بالظروف الخارجية وتأثره بها، ولهذا السبب تختلف بيئة الشخص الواحد من وقت آلخر ومن مكان آلخر، ويمكن تفسير اختالف البيئة باختالف الاشخاص بأن بيئة الشخص تتحدد ليس فقط باتصال الشخص بالظروف الخارجية المحيطة به، بل كذلك بصالحية تلك الظروف للتأثير فيه، بيد أن الاشخاص يتفاوتون في اتصالهم بالظروف الخارجية وفي مدى استعدادهم للتأثر بها، وعلى ذلك قد يعيش شخصان في نفس الظروف الخارجية، ويكون لكل منهما رغم ذلك بيئته الخاصة به.
وتختلف ظروف بيئة الشخص الواحد كذلك باختالف الزمان والمكان، وذلك لأن اختالف المكان يستتبع اختالفا في العوالم التي يتصل بها الشخص ويتأثر بها، فبيئة الشخص داخل وطنه غير بيئته خارجه، وبيئته في عمله تختلف عن بيئته في منزله، كما أن اختالف الزمان يرتبط به اخالف في مدى استعداد الشخص للتأثر بالعوالم الخارجية المحيطة به، ومن ثم كانت بيئة الفرد في طفولته مختلفة عن بيئته في شبابه وهن بيئته في شيخوخته.
2 -وحدة البيئة : عوالم البيئة مختلفة ومتعددة كما رأينا، لكنها رغم اختالفها وتعددها تعتبر وحدة غير قابلة للتجزئة، وهي لذلك تتكالم في تأثيرها على سلوك الشخص، بمعنى انه لا يمكن نسبة الاثر الذي تحدثه في السلوك الى إحداها منفردا، بل إن سلوك الفرد هو ثمرة تفاعلها وتضافرها، ويعني ذلك أنه إذا تضاربت العوالم البيئية وتصاعدت فيم بينها، بدال من أن تتضافر وتسير في اتجاه واحد، فإن تأثيرها في سلوك الفرد يتوقف على تفوق الاقوى منها في تأثيره، فإن تفوقت عوالم السوء على عوالم الخير، ساء سلوك الفرد، وإن حدث العكس حسن سلوكه، وليس السلوك الاجراميالانوعا من جنس بمعنى أنه إذا تغلبت العوالم البيئية الدافعة إليه، سقط الفرد في هوة الجريمة، أما إن انتصرت العوالم البيئية الحائلة دونه، نجا من التردي فيها، فإن نشأ الطفل في أسرة منحرفة سيئة وانضم الى رفاق السوء في المدرسة، نتج عن تفاعل هاذين العالمين سقوطه في الجريمة، أما إن تربى في أسرة قويمة متماسة حظى فيها بقدر من الرعاية والتهذيب من شأنه أن يعصمه من اثر العوالم السيئة، فإن انضاممه إلى رفاق السوء في المدرسة يخلق تعارضا بين هاذين العالمين، فإن نجحت التربية الاسرية القويمة في شل مفعول صحبة الاشرار في 274 المجتمع المدرسة، انتصر عالم الاسرة ونجا الحدث من الوقوع في الجريمة .
مفاد ما تقدم أن عوالم البيئة متكالمة في تأثيرها، وكل تغيير يحدث في احد هذه العوالم يؤثر في مجموع العوالم البيئية الاخرى، ومن ثم في سلوك الفرد، من أجل ذلك يكون من الخطأ نسبة الجريمة إلى تأثير عالم خارجي واحد دون سواه من العوالم، لأن تأثير البيئة لا يحدث ظرف خارجي واحد مهما كانت أهميته، بل إن تأثيرها هو نتاج تفاعل مجموع الظروف الخارجية، فضال عن التكوين الشخصي للفرد بطبيعة الحال، وهذا ما يفسر اختالف تأثير الظرف الخارجي الواحد، كالفقر مثال، باختالف الاشخاص. تقسيم الدراسة :
العوالم البيئية كما رأينا عديدة ومتنوعة، وسوف نتناول بالدراسة فيما يلي أهم تلك العوالم، التي نقسمها الى عوالم اجتماعية وعوالم طبيعية، ، وعوالم اقتصادية، وعوالم ثقافية، ونخصص لكل مجموعة من هذه العوالم مطلبا مستقا