أنواع المحاضر الجمركية وقوتها الثبوتية
سنحاول التطرق في هذا البحث إلى كل من أنواع المحاضر الجمركية وذلك في وكذا القوة الثبوتية للمحاضر الجمركية
أنواع المحاضر الجمركية :
يمكن تعريف المحضر الجمركي بأنه وسيلة قانونية هدفها إثبات جريمة ارتكبت أو هي في طور الارتكاب ، يتم تحريرها من طرف موظف مختص ومؤهل للقيام بعملية الإثبات .
والمشرع المغربي قبل أن ينص على انه يجوز إثبات المخالفة الجمركية بجميع الطرق القانونية الأخرى أكد في الفصل 234 من مدونة الجمارك على انه تثبت المخالفات الجمركية عن طريق الحجز أو عن طريق البحث .
يتبين إذن ، أن المحاضر تنقسم إلى نوعين فهناك محضر حجز وبجانبه محضر بحث بل أدى التطور القانوني إلى إبراز نوع جديد من المحاضر إلا وهو محضر حجز الوثائق والذي ينتج عادة عن محضر بحت .
أولا) محضر الحجز (le procès-verbal de saisie) :
يخول القانون العام le droit commun لمختلف الأجهزة القضائية والإدارية المكلفة بالبحث والمتابعة عن الجرائم صلاحية حجز مختلف الأشياء والمستندات التي قد تكون مفيدة للكشف عن الحقيقة .
وتعد إدارة الجمارك من بين هذه الأجهزة الإدارية المكلفة بمتابعة المخالفين لتنظيماتها حيث يحق لهذه الإدارة وضع يدها على الشيء المحجوز حيث تتمكن من الإثبات المادي للجريمة إلى تدعى وجودها وتتمكن كذلك من الإدلاء أمام القضاء بجسم الجريمة عندما تنتصب طرفا في الدعوى .
ولقد نصت الفقرة الأولى من الفصل 240 من مدونة الجمارك على انه يجب أن ينص محضر أو محاضر الحجز إذا تعددت على :
- أسباب الحجز وهي إما جمركية أو غير جمركية (14)
- وصف الأشياء المحجوزة مع بيان نوعها وجودتها وكميتها وكذلك أصل البضائع وعلامة الغلافات وإذا تعلق الأمر بعربة (سيارة) فلا بد من التنصيص على علامتها ورقم تسجيلها (15)
- وهذا الوصف يجب أن يكون صحيحا ومفصلا إلا انه يجب الإشارة إلى أن مسالة التفصيل ليست إلزاما قانونيا بل تبقى مسألة اختيارية .
- التدابير المتخذة لضمان إيداع الأشياء المحجوزة أو حراستها أو حفظها
- تعيين حارس مع ذكر هويته وموافقته وتوقيعه ، وهذا الحارس إما أن ينتمي إلى إدارة الجمارك أو يكون من الغير وقد يكون في بعض الأحيان المخالف نفسه(16).
- حضور أو غياب مرتكب الجنحة عند وصف الأشياء المحجوزة وملاحظاته المحتملة .
- السماح عند الإقتضاء بإستلام البضائع غير المحظورة أو رسائل النقل مقابل كفالة أو وديعة.
ثانيا) محضر البحث le procès-verbal de :
يشكل نظام البحث إطارا قانونيا تعمل بداخله مختلف أجهزة الشرطة القضائية التي أوكل إليها قانون المسطرة الجنائية مهمة معاينة الجرائم والبحث عن مرتكبيها (17) وفي هذا الإطار يمكنها حجز جميع الأشياء والمستندات التي قد تكون مفيدة للكشف عن الحقيقة حيث يكون الحجز مجرد إجراء قد تقتضيه ضرورة البحث ، وتعد إدارة الجمارك من بين الإدارات العامة التي أوكل لها المشرع مهام البحث في الجرائم والمخالفات في الميدان الجمركي ، ولهذا قد عين الفصل 42 من مدونة الجمارك وخاصة في فقرته الأولى الأشخاص الذين يجـوز لهـم القيام
بأبحاث جريمة وحدده في مفتش مساعد على الأقل والضباط الجمركيين ، حيث لم يعد الأمر يهم جميع أعوان الجمارك .
وعلى العموم فإناطة مهمة البحث بإدارة الجمارك يستدعي ضرورة خلق مصالح متخصصة في معالجة المعلومات والحصول عليها بما يتطلب ذلك القيام بعملية البحث في الوثائق وجمع الأدلة ، وتشكلت بذلك داخل إدارة الجمارك مصالح جديدة تعرف بمديريات الأبحاث الجمركية .
ثالثا) محضر حجز الوثائق :
تستدعي عملية الإطلاع من العون الجمركي الإنكباب على الوثيقة حينما وجدت ودراستها في عين المكان ثم تحرير محضر بنتائج هذه العملية ومختلف الخلاصات التي يكون قد توصل إليها .
والعون في إطار هذا الاطلاع كان يجد نفسه أمام عدة طرق عمل ، فإما يتدخل بمجهوده الخاص التبسيط هذه البيانات أو تلخيصها في إطار المحضر المنجز ، أو يلتزم موقفا محايدا يتمثل في نقل هذه البيانات كليا أو جزئيا من الوثيقة إلى المحضر بعد أن يضع الاقتباسات والبيانات ، أو يأخذ نسخا من هذه الوثائق مع إرفاقها بمحضر البحث تدليلا على الخلاصات أو النتائج التي قد يتوصل إليها هذا العون أثناء عملية الاطلاع أو البحث ، أو بحجز تلك الوثائق عندما يكون الاستدلال بأصل تلك الوثائق عملية لا غنى عنها نظرا لما تحمله من تواقيع أو كتابات بخط يد الأظناء وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في قرارها بتاريخ 30 يناير 1976 (18).
ومن هذا المنطلق يتضح أهمية الدليل الكتابي الذي يعد من بين الوثائق التي يحق لأعوان الجمارك حجزها إذا كان من شانها أن نهمل القيام بمهمته حيث يحرر الأعوان عند الاقتضاء محضر بالحجز ويكون هذا الحجز ذو طابع خاص يتميز بالمرونة والتنوع ولا يشمل فقط المادة الجمركية بل كذلك كل ما له علاقة من قريب أو بعيد باختصاص الإدارة ومن بينها مادة الصرف التي تعتبر المجال المخصص لمثل هذه المحاضر .
وتبرز أهمية الوثائق المحجوزة خاصة في أنها تصلح تماما لإثبات مادية الجنحة وتصلح أيضا أساسا كافيا في الحساب الغرامات والتعويضات المطالب بها من طرف الإدارة .
إذن فنظام البحث قد يسفر عن حجز الوثائق وبالتالي تحرير محضر بالحجز الفقرة الأخيرة من الفصل 42 من مدونة الجمارك ، وفي هذه الحالة يستوي حجز الوثائق مع حجز البضائع من حيث الآثار القانونية حيث تلتقي المحاضر الجمركية في نهاية المطاف حول فكرة الحجز.
القوة الثبوتية لمحاضر أعوان الجمارك :
يجب بادئ ذي بدء أن نشير انه حتى تكسب المحاضر القوة الثبوتية اللازمة لا بد أن تتضمن البيانات تحترم الشكليات الواردة في المدونة.
وقد نظمت المادة 242 منه نفس المدونة القوة الثبوتية للمحاضر الجمركية حيث يتضح أن هذه الأخيرة إذا حررت بشان المخالفات الجمركية من طرف عونين للإدارة أو اكثر يعتمد عليها في الإثباتات المادية إلى أن يطعن في صحتها بالزور ولا تثبت بالمحاضر الإثباتات المادية فقط بل كذلك الإقرارات والتصريحات هذه الأخيرة لا تتساوى مع الإثباتات المادية من حيث الآثار حيث يعتمد عليها إلى أن يثبت ما يخالفها .
أما المحاضر المحررة من طرف عون واحد للجمارك وتلك المحررة من طرف أعوان تابعين لإدارات أخرى يعتمد عليها إلى أن يثبت ما يخالفها .
أولا) نطاق القوة الثبوتية للمحاضر الجمركية :
المحاضر الجمركية تتضمن الإثباتات المادية والتصريحات والإقرارات الصادرة عن المعني بالأمر .
I- بالنسبة للإثباتات المادية : يقصد بالإثباتات المادية ما شاهده أو عاينه أعوان الجمارك كوقائع أثارها وكيفية ضبطها ووصف ظروف ومكان ارتكاب الجنحة ونوع البضاعة وظروف إلقاء القبض إلى غير ذلك من الوقائع المادية .
فبالنسبة لهذه الإثباتات المادية فان القوة الثبوتية للمحاضر تشملها وذلك بصريح الفصل 242 من مدونة الجمارك ، إلا انه يجب الإشارة انه لا يبدو أن يتم تضمينها بالمحضر من طرف عونين كمد أدبي .
ويجب إضافة إلى ذلك إحترام شكليات وبيانات المنصوص عليها في الفصل 240 من مدونة الجمارك ، ولا تدخل في إطار الإثباتات المادية الوقائع الذهبية المثبتة على تخمين وتقدير محرري المحاضر ونفس الحكم يسري على الوقائع المادية المثبتة على الاستدلال والاستنتاج .
II- بالنسبة للإقرارات والتصريحات : القاعدة أنها توثق بالمحضر إلى أن يثبت ما يخالف ذلك سواء حرر المحضر من طرف عونين أو عون واحد .
إلا انه يجب أن نفرق بين وجود الإقرارات والتصريحات في حد ذاتها ومضمونها فعندما يتعلق الأمر بوجود هذه الإقرارات فانه تطبق قاعدة الحجية المطلقة عندما يحرر المحضر من طرف عونين أن وجود تلك الإقرارات والتصريحات من تم طرفهما .
وفيما يتعلق بمضمون تلك الإقرارات والتصريحات فان ذلك يطبق الحجية العادية وهكذا تظهر أهمية حضور عونين أثناء القيام بإجراءات جمركية لا تحرير المحضر ليس بالأمر السهل ، فذلك يتطلب كفاءات متعددة في البحث الدقيق من المخالفات والتطبيق الصحيح للنصوص .
ثانيا ) العمل القضائي والقوة الثبوتية للمحاضر الجمركية :
يتبين من خلال دراسة بعض الأحكام ، أن القضاء لا ينكر على المحاضر الجمركية القوة الثبوتية التي اعترف بها المشرع لهذا النوع من المحاضر .
فالقاعدة في المادة الجنائية أن القاضي يحكم حسب اقتناعه الذي يتكون لديه من العناصر المعروضة لديه ، فإما أن يقبلها أو يرفضها مع تعليل ذلك لكن مبدأ القناعة هذا يعرف استثناء فيما يخص حجية بعض المحاضر التي يعتمد عليها إلى أن يثبت زوريتها أو ما يخالفها .
وفي هذا الاتجاه يذهب المجلس الأعلى وذلك في قرار له صادر بتاريخ 11 نونبر 1971 (19) (عدد 87) حيث أكد "على أن المحاضر التي تحرر من طرف شخصين على الأقل من رجال الجمارك في المسائل المالية – ويقصد المجلس بذلك قانون الصرف – يوثق بها إلى أن يدعي بها لزور ولهذا يتعرض للنقض الحكم الذي اعتبر محضرا من هذا النوع باطلا استنادا إلى إثبات ما يخالفه عن طريق الشهادة".
وبالإضافة إلى ذلك فالمحكمة مطالبة بتقدير وجوه البطلان المنصوص عليها في الفصل 240 من مدونة الجمارك وفي هذا الصدد نجد قرارا آخر للمجلس الأعلى عدد 9684 صادر بتاريخ 26 دجنبر 1991 (20) الذي ينص على أن "محضـر ضباط الجمارك الذي يحرر فـي
غيبة من يتهم بحيازة المخدرات يقبل إثبات عكس ما ورد فيه" ولذلك يكون المجلس الأعلى قد طبق ما جاء في الفصل 243 من مدونة الجمارك .
حيث كيف يمكن توجيه تهمة إلى شخص بحيازة تلك المادة أو بالأحرى تحرير محضر بذلك في غيبته ، فحضور هذا الأخير شكلية لا بد منها طبقا للفصل 240 الفقرة الثانية من نفس المدونة .
وفي نفس الاتجاه تذهب محكمة النفض الفرنسية في قرارها بتاريخ 5 نونبر 1979 الذي ينص على انه "لا يسمح للمحكمة تسريح المتهم ما لم تقم عناصر من شأنها إسقاط القوة الثبوتية للمحاضر الجمركية" (21).
وتبعا لذلك فإن على المحكمة الأخذ بمحضر الجمارك الذي يعتمد عليه فيما يخص الإثباتات المادية إلى أن يطعن فيه بالزور ، فلا يجوز لها استبعاده أو إغفال ما له من قوة ثبوتبة .
وخلاصة القول فان المحاضر التي تعد بمثابة طريق لإثبات المخالفة الجمركية فإنها تعتبر أوراق رسمية يتدخل أعوان الجمارك المختصين بتحريرها بصفتهم موظفين عموميين ، حيث يعترف لهم القانون بصلاحية التوثيق في مكان تحريرها طبقا للشكل الذي يحدده القانون .
كما يمكن للمحاضر أن تصبح عرضة للبطلان إذا تم الإخلال بإحدى الشروط والقواعد المنصوص على احترامها في القانون الجمركي .
فعند الإخلال بالشروط القانونية يجوز الدفع بالبطلان للأسباب التالية :
- الدفع بالبطلان لإغفال البيانات المنصوص عليها في الفصل 240 من مدونة الجمارك.
- الدفع بالبطلان لعدم احترام قاعدة الاختصاص وتحرير محضر من طرف أشخاص غير مؤهلين .
- الدفع ببطلان المحضر لعدم احترام وضع اللوحة المشار إليها في الفصل 30 من مدونة الجمارك على واجهة المكتب الجمركي بالنسبة للبضائع غير المحضورة موضوع الحجز عند الاستيراد او التصدير .
- الدفع ببطلان بعض الإجراءات المضمنة بالمحضر لمخالفتها لبعض القواعد والشكليات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية والمتعلقة مثل الحراسة النظرية وتفتيش المنازل .
وتبعا لذلك فالمحاضر لا تقبل الطعن إلا بالزور طبقا للحدود التي رسمها المشرع التي يتوخى من خلالها مصلحتين مصلحة التفتيش من جهة ومصلحة الإدارة من جهة أخرى ، وهذا الطعن له اثر نسبي لا يسري إلا على من كان طرفا فيه أي على رافعه دون باقي الأظناء ما لم يكن موضوعه غير قابل للتجزئة ففي هذه الحالة ينتج أثره في حق جميع المتابعين .