مقدمة :
إن الصعوبة المادية و المعنوية و البشرية التي تحول دون تمكن الشخص الطبيعي، بوسائله الخاصة و المحدودة من خلق نشاط اقتصادي هام، أو إنشاء مشروعات تجارية و صناعية أو حرفية أو خدماتية كبرى تستطيع أن تؤدي دورا هاما في التنمية هي التي حولت 1 العمل الفردي إلى عمل جماعي ، و جعلت التفكير الانساني يتجه نحو الاشتراك، و يتم ذلك باتفاق الاطراف على أن يضع كل واحد رأسماله وائتمانه و عمله لتحقيق الهدف الجماعي، و تتولد عن هذا الاتفاق شخصية اعتبارية قانونية جديدة مستقلة عن شخصية الافراد المكونين 2 لها و هي الشركة . و قد تأثر نظام الشركات بالتطورات الاقتصادية و التجارية التي عرفها العصر الحالي، و كان من نتائج هذه التطورات الانتقال التدريجي من نظام شركة الاشخاص التي تقوم على الثقة، و بذل الجهد المشترك، إلى نظام شركات الامولا التي تقوم على المضاربة 3 و تسعير الاسهم في البورصة .
و لقد دفع هذا التطور المشرع الفرنسي إلى التدخل منذ زمن بعيد، بعد أن سبق له أن نظم بنوع من الاسهاب شركات الاشخاص، مع إشارة خاطفة و غير كالمة لشركات الامولا في الامر المتعلق بالتجارة البرية الذي صدر في سنة 1673 ثم توالت القوانين إلى حين صدور قانون 24 يوليو 1966 ،و المرسوم التطبيقي ل 23 مارس 1967 ،اللذين يجري بهما العمل إلى اليوم، مع مراعاة بعض التعديالت التي أدخلت عليهما بمقتضى قانون 11 يوليوز 1985 ،و قانون 2 يوليوز 1986 ،و قانون 4 يناير 1978 الذي أدخل تعديالت جوهرية على القانون المدني المنظم للشركات، و كذا المرسوم التطبيقي ل 3 يوليوز 1978 ، 4 و غيره من القوانين التي تنظم الشركات في فرنسا . أما في المغرب فلم يكن يوجد أي قانون منظم للشركات المدنية أو التجارية، و السبب في ذلك أنه دولة إسالمية، و بالتالي كان يعرف جميع أنواع الشركات التي أجازهاالاسلام من قبيل المغارسة و المضاربة أو القراض، و شركة المقاومة، و شركة العنان، و شركة 5 الابدان أو الصنائع، وشركة الوجوه .
و بقی الحال كذلك إلى حين صدور أول تنظيم للشركات التجارية في عهد الحماية، وكان ذلك بموجب ظهير 12 غشت 1913 ،وبالضبط المواد من 29 إلى 54. و أتي إصالح القوانين التي تحكم الشركات بعد مضي 83 سنة على تطبيق قانون التجارة لسنة 1913 المنسوخ، والذي انطبق منذ 1996 مسايرة لركب التطور و العصرنة و 1 التحديث 2 ، وأسفر عن صدور القانون رقم 95.17 المتعلق بشركة المساهمة ، و كذا قانون 05.96 المتعلق بشركات التضامن، التوصية البسيطة، التوصية بالاسهم، المحاصة، 3 والشركة ذات المسؤولية المحدودة . و بالرجوع إلى هذين القانونين نجدهما لم يضعا تعريفا عاما للشركة، و إنما اكتفيا بوضع تعريف خاص لكل شركة على حدة، يبرز خصائصها التي تختلف من شركة إلى أخرى.
و إذا لجأنا إلى قانون الالتزامات و العقود الذي يعد مصدرا استثنائيا للشركات- نجد المادة 982 تعرف الشركة كما يلي :" الشركة عقد بمقتضاه يضع شخصين أو أكثر أموالهم أو عملهم أو هما معا لتكون مشتركة بينهم قصد تقسيم الربح الذي قد ينشأ عنها " و يستنتج من هذا التعريف أن الشركة عقد يخضع لحرية التعاقد، و يهيمن عليه مبدأ سلطان الارادة،الاأن فكرة العقد هاته تعرضت لهزتين كبيرتين : الاولى : الاعتراف بالشركة ذات المسؤولية المحدودة بشريك واحد؛ الثانية : لا يمكن للشركة أن تكتسب الشخصية المعنويةالاابتداء من تاريخ تقييدها في السجل التجاري. و أدت هاتان الهزتان إلى بروز النظرية الحديثة أو فكرة النظام الذي يستقل المشرع بوضع إطاره أو نظامه التأسيسي.
و تنقسم الشركات إلى شركات مدنية تخضع لقواعد القانون المدني، وشركات تجارية تخضع لقانون الشركات التجارية، والشركات التجارية تنقسم من حيث الاعتبار الذي يتحكم في تكوينها إلى شركات الاشخاص، قائمة على الاعتبار الشخصي، وشركات الامولا قائمة على الاعتبار المالي، لكن هذا التقسيم أصبح يتراجع أمام تعميم الصفة التجارية بالشكل على جميع الشركات باستثناء شركة المحاصة وهكذا لم يعد للتمييز بين الشركات التجارية على أساس الغرض الذي أنشأت من أجله أي اعتبار بذكرالابالنسبة لشركة المحاصة، بمعنى أن جميع الشركات أصبحت تجارية من حيث الشكل مهما كان غرضها، اللهم إذا استثنينا شركة المحاصة، فهي لا تكون تجاريةالاإذا كان غرضها تجاريا.
كما تحيط بالشركة عدة حقائق ومعطيـات اقتصـادية وقانونيـة واجتماعية وحتى سياسية، فهـي وإن كانـت بمثابـة القـاصر الـذي اليمثل نفسـه ولا يظهـر للخارجالابواسطة ممثله القانوني فإنها تمثل كيانا رئيسيا في استغالل الثروات الطبيعية والمالية وهي مركز خلق الثروات ومواطن الشغل، وتعـد وحـدة هامـة في الحياة الاقتصادية ولذلك اهـتم القــانون بســالمة تكوينهــا وســير دواليبهــا والمحافظة على التوازنات والمصالح داخلها. هذا وتختلف مصالح الشركاء داخل الشركة، وإن كانت تتحد في الغاية، وهي الربح لكنها تختلف في التوجهات المحققة لذلك ، وبالتالي فإن الشركة خلال مرحلة حياتها قد تعيش بعض الصعوبات التي تواجه الشركاء فيما بينهم بحيث يترتب عن ذلك إما الاخلال بإجراءات التأسيس، أو إجراءات دعوة الجمعية العامة لالنعقاد، أو الاخلال بمبدأ المساواة بين المساهمين أو بدعوى الطعن في قرارات الجمعية بسبب تعسف الاغلبية، أو تغيير الرأسمال، أو توزيع الارباح الشيء الذي قد تؤول معه الشركة إلى حلها.
إن ضرورة معالجة القضايا التجارية من طرف قضاة متخصصين ومتوفرين على جميع الامكانيات الالزمة لجعلهم يفصلون في النزاعات المعروضة عليهم بالسرعة التي تتطلبها الحياة التجارية، أصبحت في ظل عولمة التجارة والاقتصاد من أهم المطالب التي يعلق على تحقيقها المستثمرون، والسيما الاجانب استثمار أموالهم في أي بلد من البلدان. وهذه الضرورة هي التي دفعت بالمغرب إلى إحداث محاكم تجارية مستقلة عن المحاكم 2 العادية بمقتضى القانون رقم95.53 ، وهكذا عمل المغرب على إحداث محاكم تجارية ومحاكم استئناف تجارية.
وبما أن المحاكم التجارية لها طابع القضاء المتخصص فإن المشرع المغربي تبنى 1 المعيار القيمي في تحديد اختصاصها ، بالاضافة إلى تبنى المعيار النوعي لتوزيع الاختصاص بينها وبين غيرها من المحاكم، وهكذا قام المشرع المغربي بوضع الئحة بالمنازعات التي تدخل في اختصاص المحاكم التجارية، وذلك بموجب المادة الخامسة من القانون رقم 95.53 المتعلق بإحداث المحاكم التجارية، من بين أهم هذه المنازعات نجد النزاعات الناشئة بين الشركاء في الشركات التجارية. يطرح الموضوع إشكالية أولية من حيث تحديده لكون النزاعات التي تنشأ بين الشركاء في الشركات التجارية يخص ميدانا شاسعا يدخل ضمن كافة القوانين التي تحكم إرادة و أفعال الاطراف من شروط وأركان تأسيس الشركة، مرورا بتسييرها، وصولا النقضائها أو وفاتها، والمقصود بذلك أن أي عمل يصدر عن عنصر من عناصر الشركة التجارية يمكن أن يكون محل منازعة قضائية لخلل في الاهلية أو المسطرة مثال)تفويت أسهم شركة تجارية يملكها قاصرون، الدفع بالغلط والاكراه أو التزوير في كمبيالة أو شيك وآجالات السقوط والتقادم...الخ(، وهكذا يعجز الباحث عن حصر هذا الموضوع في نقطة معينة و يجد نفسه أمام كم هائل من الاشكالات عليه التطرق إليها، وإن كان حصر وتحديد الموضوع هنا يفرض نفسه بشدة، النزاعات في الشركات التجارية يمكن بحثها من حيث دعاوى بطالن الشركات التجارية وكذا الدعاوى المدنية المتعلقة بالتسيير مرور بالتغييرات التي قد تدخل على الشركة خاصة فيما يتعلق بتغيير رأسمالها، وصولا إلى انقضائها، فكل هذه المراحل التي تمر منها الشركة تترتب عنها نشوء مجموعة من النزاعات بين الشركاء. انطالقا مما سبق يمكن صياغة إشكالية مفادها: إلى أي حد وفق المشرع المغربي في إيجاد آليات قانونية لتجاوز مختلف النزاعات التي قد تنشأ بين الشركاء في الشركات التجارية؟ من أجل الاجابة على هذه الاشكالية سيتم اتباع التقسيم التالي:
المبحث الاول: المنازعات المتعلقة بتأسيس وتسيير الشركة
المبحث الثاني : المنازعات المتعلقة بتغيير رأسمال الشركة وحلها.