رسالة ماستر بعنوان الشهادة الطبية في القانون المغربي
رابط تحميل الرسالة اسفل التقديم
___________________________
مقدمة
تشمل وظيفة الطبيب في المجتمع فضلا عن علاج المرضى تحرير الشهادات الطبية لمختلف الأغراض التي تتطلبها الحياة العصرية . بحيث أصبحت عملية تقديم هذه الشهادات جزءا لا يتجزأ من ممارسة الطبيب لدوره وواجباته مجتمعياً . وبما أن الطبيب قد يصدر خلال ممارسته لمهنته مجموعة من الوثائق من شأنها أن تختلط بالشهادة الطبية، فإننا ستعمد في هذه المقدمة إلى تعريف هذه الشهادة وتمييزها عما قد يختلط بها من المؤسسات المشابهة ( أولا)، قبل أن نبين أهميتها والإشكالية التي تطرحها ( ثانيا ) ، حتى تصل إلى خطة للبحث ( ثالثا) .
أولا : تعريف الشهادة الطبية وتمييزها عن المؤسسات المشابهة :
عرف غالبية الفقهاء الشهادة الطبية بأنها سند مکتوب مخصص المعاينة أو تفسير وقائع ذات طابع طبي . .كما عرفها الأستاذ " أوبي " والأساتذة " بنو " 2 بأنها سند مكتوب يشهد بمقتضاه طبيب بأنه أجرى معاينة ذات طابع طبي أو أنجز عملا طبيا .
في حين عرفتها الأستاذة " لارغوبيي " بأنها الإشهاد الصادر عن طبيب بكل المعاينات الإيجابية والسلبية التي تخص الشخص المفحوص والتي من شأنها التأثير بصفة مباشرة أو غير مباشرة على المصالح العامة أو الخاصة لهذا الشخص ..
والذي يلاحظ على هذه التعريفات هو أن الأول منها أغفل نسبة هذه الشهادة إلى الطبيب باعتباره المختص بإنشائها ، مثلما أغفل الحالة التي يضمنها هذا الأخير إنجازه لعمل مهني أما التعريف الثاني فقد أغفل الحالة التي يكون فيها مضمون الشهادة تفسيرا
أو تأويلا لواقعة ذات طابع طبي وليس مجرد معاينة لها. وتنطبق هذه الملاحظة أيضا على التعريف الثالث ، الذي أغفل بالإضافة إلى ذلك الحالة التي يكون فيها مضمون الشهادة تثبيتاةالأداء أو إنجاز عمل طبي .
وعليه يمكن أن تعرف الشهادة الطبية بأنها سند مكتوب صادر عن طبيب بمناسبة ممارسته لمهنته ، يشهد بمقتضاه بأنه أنجز عملا مهنيا أو بأنه أجرى معاينة إيجابية أو سلبية لواقعة ذات طابع طبي تخص الشخص المفحوص ، كما قد يضمنه تفسيرا أو تأويلا لهذه الواقعة وتختلف الشهادة الطبية بهذا المعنى عن وثائق طبية أخرى من شأنها أن تختلط بها بالنظر إلى صدورها أيضا عن الطبيب .
فبالرغم من كون بعض الفقه يرى في الشهادة الطبية تقرير خبرة مصغر، مثلما يرى أن من شأن تحرير متقن لهذه الشهادة أن يجنب إنجاز خبرة لاحقة بالنظر إلى وحدة المضمون التقني لكل منهما. إلا أنهما يختلفان مع ذلك من عدة جوانب .
فمن جهة أولى يتم إنشاء الشهادة الطبية يطلب من المعنى بها بناءا على العقد الذي يربطه بالطبيب الممارس للمهنة في إطار مؤسسة الطب الحر، وذلك بخلاف تقرير الخبرة الذي يتم إنجازه بناء على أمر يصدره القاضي أو بناءا على توكيل من الأطراف 2 ، وعليه فإن غیاب رابطة تعاقدية بين الشخص الذي أجريت لفائدته الخبرة وبين الخبير الوكيل عن أحد الأطراف 4 أو المعين من لدن القاضي يعتبر عنصرا مميزا للتقرير عن الشهادة. وقد استند الفقه والقضاء في فرنسا على هذا الفارق الأساسي لاعتبار الخبير غير خاضع للالتزام بالسر المهني دونا عن منشئ الشهادة الطبية.
ومن جهة ثانية فإن التقرير المنجز في إطار الخبرة يتميز عن
الشهادة الطبية من حيث أن الخبير ملزم عند إنجاز تقريره باتباع المسطرة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية أو قانون المسطرة الجنائية متى كانت الخبرة قضائية ، أو باتباع
الإجراءات التي حددها الخصوم متى كانت الخبرة اتفاقية ، وذلك بخلاف منشئ الشهادة الذي لا يكون ملزما باتباع مثل هذه الإجراءات.ومن جهة ثالثة فإن تقرير الخبرة قد يكون شفويا خلافا للشهادة
الطبية ، كما يستفاد من الفصل 60 من قانون المسطرة المدنية الذي نص في فقرته الثانية على أنه " إذا كان التقرير شفويا حدد القاضي
تاريخ الجلسة التي يستدعي لها الأطراف بصفة قانونية ويقدم الخبير
تقريره الذي يضمن في محضر مستقل .
ومن جهة رابعة فإن الطبيب المنجز لتقرير خبرة يكون ملزما بأداء اليمين أمام السلطة القضائية التي عينها القاضي الأمر بهذه الخبرة .
متى كان هذا الخبير غير مدرج بجدول الخبراء، وذلك بخلاف الطبيب
المنشئ للشهادة .
وتختلف الشهادة الطبية أيضا عن الرأي الطبي ، سواء من حيث المضمون أو من حيث الشكل ، إذ تكون الشهادة موضوعية وكتابية
بالضرورة ، بخلاف الرأي الذي هو شخصي ، كما أنه قد يكون شفويا
أيضا. وتختلف هذه الشهادة كذلك عن الرسالة الطبية سواء من حيث
الهدف أو من حيث الشخص الموجهة إليه . ذلك أنه إذا كانت الشهادة الطبية تسلم مبدئيا للشخص المعني بها من أجل استخدامها في
الإثبات، فإن الرسالة الطبية توجه على العكس من ذلك إلى الطبيب المختص لأجل توضيح المعاينات التي أجراها مرسلها لفائدة المريض .
ثانيا : أهمية الشهادة الطبية
والإشكالية المثارة
تكتسي الشهادة الطبية في المجتمعات المعاصرة أهمية بالغة . نظرا لتعدد أبعادها ، فإلى جانب طابعها الطبي باعتبار أنها مظهر من مظاهر ممارسة الطب، فإن لها انعكاسات تتجاوز ذلك المجال لتشمل مجالات أخرى مهنية وقضائية واقتصادية واجتماعية .. فمن الناحية المهنية تعتبر الشهادة الطبية عملا هاما وخطيرا يجسد الثقة التي يضعها المجتمع في الطبيب ويكون من شأنه أن يثير مسؤوليته، رغم أن تعدد الظروف والمناسبات التي تطلب فيها هذه الشهادة جعلها تفقد أهميتها في أعين الناس.
وتلعب الشهادة الطبية من الناحية الفضائية دورا فعالا في مجال الإثبات باعتبار مضمونها التقني الذي يخرج عن معرفة رجل القضاء والذي يجعله مضطرا للجوء إليها في كثير من الأحيان ... ومن الناحية الاقتصادية فإن من شأن الشهادة الطبية المثبتة.
المرض المتعاقد أن تؤثر على صحة العقود المبرمة من لدنه ، كما في الحالتين المنصوص عليهما في الفصلين 54 و 479 من ظل. ع ، مع ما يستتبع ذلك من تأثير على استقرار المعاملات، كما تعتبر الشهادة الطبية أساسا لاحتساب التعويضات المتعلقة بحوادث السير والشغل.
والأمراض المهنية في حالة عدم المنازعة فيها من لدن شركة التأمين. التأمين. هذا فضلا عن كونها تعتبر موردا هاما من الموارد المالية
للطبيب وترجع الأهمية الاجتماعية للشهادة الطبية إلى تعدد المناسبات.
التي يطلب فيها من الطبيب إنشاؤها . ذلك أن ظروف الحياة العصرية. أصبحت تفرض على الأفراد تقديم شهادات طبية مختلفة ، عند الولادة.
ولأجل الالتحاق بالوظيفة أو الحصول على رخصة مرضية للتغيب عنها وعند الإصابة بمرض عقلي أو بحادثة سير أو شغل، أو تعرض لضرب.
أو جرح، ولأجل الزواج أو كفالة طفل مهمل .... بل وحتى عند الوفاة. ورغم أن هذه الظروف والمناسبات التي تستدعي الحصول على
شهادة طبية تبدو كثيرة، فإنها تبقى دوما مرشحة لأن تتزايد يوما بعد
يوم :
وقد أثار الأمر اهتمام بعض الباحثين في علم الاجتماع ، من ذلك
أن بعض المنظرين منهم ارتأوا أن الطبيب أصبح في عصرنا هذا خلفا
للمنجم أو لرجل الدين في تصور المجتمع الدوره ومكانته، وذلك بالنظر إلى طقوس أنشطته ولفته المعقدة ووصفاته الدوائية وأجهزته الغربية فاصبحت شهادته الطبية تؤدي مهمة مجتمعية جديدة، فهي بمثابة
تركية روحية للمريض توازي طقوس التعيد والدعاء سابقا. وأصبح فحص الطبيب يشكل أو يكتسي وجها من أوجه الطقوس المجتمعية ، فلقد كانت الطقوس والمواكب الدينية تركي وتؤكد اجتياز أهم المراحل في حياة كل فرد كالميلاد والحنان ودخول المدرسة والباقعية والزواج .... الخ
. ثم جاء الطبيب ليلعب دورا موازيا . ولقد يتشكك البعض في مدى صحة هذه الرؤيا ، لكن ومهما كان الرأي حولها فمن الأكيد أن نمو وتطور الأوجه الوقائية والجماعية للنشاط الطبي كالطب الاجتماعي والطب الجمعياتي ضاعف عدد الفرص التي يطلب فيها من الطبيب تحرير وتسليم الشهادات. وإذا كانت الأهمية العملية للشهادات الطبية واضحة بهذا الشكل فإن الأهمية العلمية لدراستها ترجع من جهة أولى إلى أن المشرع المغربي تعرض لها في نصوص عديدة ومتفرقة ، ولم ينظمها في قانون
واحد يمكن اللجوء إليه عند الحاجة ، مثلما لم يتعرض لها من مختلف جوانبها ، كما ترجع من جهة ثانية إلى أن القضاء كثيرا ما رفض الاعتراف لها بأي قيمة إثباتية في حالات تستدعي المناقشة ، خصوصا وأنها عرفت معارضة من لدن بعض الفقه ..
وإذا كانت أهمية الشهادة الطبية ترجع إلى الثقة التي تحظى بها محور الإشكالية التي يطرحها الموضوع. ذلك أن الاعتراف بقيمة إثباتية معينة للشهادة الطبية كهدف تبعا للثقة التي يضعها المجتمع في الطبيب ، فإن هذه الثقة تعتبر أنشئت لأجله يقتضي معرفة ما إذا كانت هذه الثقة مبررة ، وعليه فإن الإشكالية المطروحة تتمثل في الوقوف على ما إذا كانت الثقة التي تحظى بها هذه الشهادة محاطة بضمانات قبلية كافية وإجراءات بعدية رادعة هذه الإشكالية هي التي ستقودنا إلى وضع خطة للبحث .
ثالثا : خطة البحث
تقوم الإشكالية التي وضعناها لهذا البحث على ثلاث عناصر أساسية هي : القيمة الإثباتية للشهادة الطبية من جهة أولى . والضمانات القبلية المتمثلة في القواعد المتعلقة بإنشاء هذه الشهادة وتسليمها من جهة ثانية ، إضافة إلى الإجراءات البعدية الرادعة المتمثلة في المسؤولية المترتبة عن عدم احترام تلك القواعد من جهة ثالثة .
وتتمثل العلاقة التي تربط بين هذه العناصر الثلاث في أن الوصول إلى الإثبات بواسطة الشهادة الطبية كأثر يتم إنشاؤها لأجله ، يقتضي من الطبيب المحرر احترام الشروط القانونية لهذا الإنشاء واحترام قواعد السر المهني عند تسليمها لطالبها ، حتى لا تثار مسؤوليته كأثر ثان قد تنتجه هذه الشهادة.
من هذا المنطلق سنتناول القواعد المتعلقة بإنشاء الشهادة الطبية وتسليمها في فصل أول ، على أن تتناول آثار هذه الشهادة في فصل ثان .
_______________
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1EfK6KBRLyDuh3jiqSSrtniN9IXH2QfJH/view?usp=drivesdk