اطروحة دكتوراه بعنوان حكامة المنظومة الصحية بين التشريع و الممارسة

تتوقف رفاهية المجتمع وتقدمه على ما يوفر له من رعاية اجتماعية تلبي احتياجات افراده، وتحل مشكلاتهم بما يكفل لهم الحفاظ على صحتهم وتعزيزها، ليتمكنوا من أداء الأدوار المنوطة بهم لتحقيق التنمية المجتمعية الشاملة.

اطروحة دكتوراه بعنوان حكامة المنظومة الصحية بين التشريع و الممارسة

رابط تحميل الاطروحة اسفل التقديم

____________________________

مقدمة

تتوقف رفاهية المجتمع وتقدمه على ما يوفر له من رعاية اجتماعية تلبي احتياجات افراده، وتحل مشكلاتهم بما يكفل لهم الحفاظ على صحتهم وتعزيزها، ليتمكنوا من أداء الأدوار المنوطة بهم لتحقيق التنمية المجتمعية الشاملة.

واهتماما بمختلف مجالات الحماية الاجتماعية، بعد الحفاظ على صحة الساكنة وتحسينها من مسؤولية الدولة، تقوم على تنفيذها من خلال إرساء منظومات صحية، أضحت المحور الأساس للدور الاجتماعي للدولة الحديثة.

وهي المنظومات الصحية التي تشمل بالأساس على مجموعة من المنظمات والمؤسسات والموارد التي تستثمر لإنتاج تدخلات مرتبطة بالصحة، تستهدف أساسا تحسينها، سواء كان ذلك في إطار خدمات الرعاية الصحية، أو من خلال المبادرات المشتركة بين القطاعات.

ولتحقيق فعالية هذه المنظومات كذلك، يتطلب الأمر بلورة سياسات عمومية منسجمة ومتكاملة، وفق رؤية استراتيجية واضحة، تضع في اعتبارها مجموعة من المحددات المنتمية المختلف مجالات الحياة سياسية واقتصادية، واجتماعية، وثقافية..). لذلك نجد أن فعالية المنظومات اله تبطة أساسا بشمولية السياسات الصحية المختلف القطاعات، سواء العمومية منه سة، بحيث يسترعي أن تشمل السياسات والاستراتيجيات الصحية الخدمات التي يوفرها ويمولها القطاع الخاص، فضلا عن الأنشطة التي تنظمها الدولة وتمولها، إذ بهذه الطريقة يمكن توحيد عناصر المنظومات الصحية ككل نحو تحقيق أهداف المصلحة العامة.

في ظل هذه الشمولية، من الصعب الأخذ في الاعتبار جميع المحددات الصحية، التي تؤثر في المدخلات الصحية للمنظومة، لأن ذلك سيؤدي إلى تعقيد النظام الصحي وصعوبة فهمه وتحليله، لذلك سنقتصر في تحليلنا للمنظومة الصحية على الجهات الفاعلة في المنظومة وعلى العوامل والمدخلات الصحية المباشرة.

ومن أهم مدخلات المنظومة الصحية، توفير خدمات صحية ذات جودة لجميع الساكنة بإنصاف ودون تمييز، أخذا بعين الاعتبار حمايتهم المالية، عبر وقايتهم من ارتفاع التكلفة المالية المرتبطة بالمرض.

إن تحقيق هذا الهدف يتطلب بلورة سياسات صحية ناجعة، تقوم على اعتماد أهداف أساسية للصحة، وتنفيذها من خلال أنماط تدبيرية تقوم على الحكامة الجيدة، بما هي ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده المادية والمالية والبشرية.

كما أنه لتفعيل هذه الأنماط التدبيرية وفق مبادئ الحكامة الجيدة، لا يتم توظيفها فقط في القطاع العام، ولكنها تشمل كذلك القطاع الخاص بنوعيه القطاع الخاص ذو الهدف الربحي والقطاع الخاص ذو الهدف غير الربحي، وذلك لما له من دور أساسي في تنفيذ سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ويأخذ تطبيق مبادئ الحكامة الجيدة في المنظومة الصحية مظاهر متعددة ومتنوعة تشكلت بحكم وجودها في بيئة تتحكم فيها مجموعة من الاعتبارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

فالبعد السياسي لحكامة المنظومة الصحية الوطنية يرجع بالأساس إلى طبيعة الدور الذي يمكن أن تقوم به الدولة دولة مساهمة في الرعاية الاجتماعية، دولة متدخلة، أم دولة ضابطة يتحدد دورها في ضبط وتنظيم الوضع الاجتماعي في سياق إشباع الحاجيات الاجتماعية، ويترجم ذلك في المجال الصحي عبر الاستمرار في تحمل مسؤولية الوقاية والحرص على التوازن المالي للمنظومة، والالتزام بتنظيم العلاج وتوزيعه بشكل متكافئ مع تأطير التأمين الاجتماعي لذوي الدخل المحدود والمساعدة الاجتماعية للمعوزين اقتصاديا.

لذلك تؤكد وثائق منظمة الصحة العالمية أن عملية إصلاح النظام الصحي تبقى أولا وأساسا عملية سياسية، مقوماتها سياسية وأهم المشاكل التي تعترضها سياسية أيضا.

أما على المستوى الاقتصادي، فتتواجد المنظومة الصحية في بيئة اقتصادية يحكمها قانون العرض والطلب، مما قد يشكل تنافيا مع مبدأ الحق في الصحة الذي يتطلب توفير الرعاية الصحية بغض النظر عن الإمكانيات الاقتصادية للمريض، وهو ما قد يسبب العديد من المنزلقات أهمها العبء المالي المترتب عن ارتفاع تكلفة الخدمات الصحية، والتسويق الحصري للمنتوجات ذات المردودية المالية المرتفعة، بغض النظر عن قدرة المريض على السداد إن هذه المنزلقات تجعل النظام الصحي يفقد عمقه التضامني، تحت ضغط هاجس الربح الذي يراود المتدخلين الخواص، بل قد يتعدى الأمر بهؤلاء إلى التأثير في صنع السياسة الصحية من أجل تموقع أفضل في المنظومة الصحية، والدفاع عن مصالحهم الربحية، دون الأخذ في الاعتبار الآثار السلبية التي قد تترتب عن سلوكاتهم، من خلال إغراءات الطلب في السوق الصحي

في هذا السياق، يأتي مضمون الحكامة في إطار مقاربة تعددية وتفاعلية تروم الحفاظ على توازن مصالح جميع المتدخلين في المنظومة الصحية، في إطار مسؤولية الدولة عن تحقيق الأهداف الصحية، وضبط مساهمة المتدخلين الخواص في تنفيذ مقتضيات تلك

..............

في ظل هذه المفارقة، وفي أفق استشراف نموذج حكامة وطنية يرقى إلى مستوى تطلعات المواطنين المغاربة، نتساءل عن مدى مساهمة القانون الإطار 34.09 المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات في تجاوز الإكراهات التي يعرفها القطاع الصحي وتحسين حكامة المنظومة الصحية، خاصة في اتجاه تعزيز رهانات الإشراك الفاعل المختلف المتدخلين في المنظومة الصحية.

ان معالجة هذه الإشكالية تتطلب تقييم حكامة المنظومة الصحية الوطنية، على ضوء مقتضيات القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات، من خلال مقارنة هذه المقتضيات مع الوضعية الحالية للمنظومة الصحية الوطنية، تخطيطا وتدبيرا للمكونات والبنيات، ورصدا لطبيعة العلاقات بين المتدخلين في المنظومة الصحية، ومن خلال دراسة مدى فعالية إسهام هؤلاء المتدخلين في تحقيق الأهداف الصحية، وبناء عليه، والطلاقا من مقتضيات القانون الإطار، سيتم الوقوف على مدى تحقق الرهانات الأساسية التي يجب تعزيزها للمساهمة في تجاوز الإكراهات التي يعرفها القطاع الصحي.

ومن أجل مقاربة موضوعية لعناصر الإشكالية أعلاه، تقرر الاستئناس بالأسئلة الآتية:

ما هي المرتكزات القانونية والمؤسساتية التي تعتمد عليها حكامة المنظومة الصحية في تحقيق الأهداف الصحية المحددة في القانون الإطار 34.09 ما مدى التزام وزارة الصحة ببلورة المخططات الصحية وفق مبادئ وأهداف القانون 34.09 الإطار

ما هي الإمكانيات المتاحة لتعزيز أدوار المتدخلين في المنظومة الصحية في اتجاه منطق وظيفي متكامل يعتمد المقاربة التشاركية في السياسة العمومية الصحية؟

ما هو نموذج حكامة المنظومة الصحية الذي تنحو إليه السياسة الصحية الوطنية؟ منظومة صحية ذات نفس ليبيرالي؟ أم منظومة صحية قائمة على ترسيخ الخدمة العمومية؟

في إطار المفارقة التي تطرحها إشكالية الموضوع، والأسئلة المتفرعة عنها، تقودنا إلى اقتراح الفرضيات التالية:

الفرضية الأولى: تأخذ السياسة الصحية الوطنية بخيار التملص من الالتزامات

الاجتماعية المتعلقة بالميدان الصحي لتجاوز أزمة المنظومة الصحية. الفرضية الثانية: تشكل المقتضيات القانونية للقانون الإطار 34.09 إطارا قانونيا منسجما مع باقي المقتضيات القانونية المرتبطة بالمنظومة الصحية الوطنية.

الفرضية الثالثة: أعمال الدولة على مستوى تخطيط وتوفير وتدبير موارد وبنيات

المنظومة الصحية تستجيب للالتزامات المحددة في القانون الإطار 34.09

الفرضية الرابعة مساهمة المقاربة التشاركية الرامية إلى تمكين المتدخلين الخواص في تحسين حكامة المنظومة الصحية.

ولتمحيص هذه الفرضيات، تتطلب الدراسة تقييم السياسات العمومية في فضاء المنظومة الصحية، وتحليلها تحليلا يمكن من الوقوف على عناصر الفهم الضرورية، وذلك للإجابة عن التساؤلات الأساسية المرتبطة بالفعالية، واستدامة الأعمال العمومية. ونظرا لقيام الدراسة على معطيات كمية، وبيانات وتقارير ترتبط بالمنظومة الصحية

الوطنية، فقد تم اعتماد منهج تحليل المضمون، لما يتميز به من خاصية الموضوعية في التحليل، والتي تمكن من المعالجة العلمية للإشكالية المطروحة. وسعيا لتقييم فعال لمختلف التدخلات في المنظومة الصحية، وإعطائها صورة

واضحة، تم اعتماد المقاربة النسقية، التي تقوم أساسا على تحديد أهم المدخلات المتمثلة في المطالب والحاجات الصحية المرتبطة بالساكنة، ومصالح المتدخلين في المنظومة الصحية

ثم تم بعد ذلك الانتقال إلى دراسة المخرجات، وتحليلها ومقارنتها بالتجارب الأجنبية الفرنسية خاصة، والتي تتجلى في الإطارات النظرية والقانونية والمؤسساتية المؤطرة

للمنظومة الصحية، بحيث يتم تحليلها من منظور تقييم السياسات العمومية، وبعد ذلك تتم معالجة المعطيات وتحليل المعلومات المتعلقة بتنفيذ السياسة الصحية، ومقارنتها على ضوء الإطارات النظرية والقانونية السالفة الذكر، لتخلص إلى تحديد الفعل الاسترجاعي العكسي ودراسته، هذا الفعل الذي يبحث في أهم الرهانات المستقبلية لتحسين حكامة المنظومة الصحية.

خطة الدراسة:

إن التأكيد في هذه الدراسة على مرجعية القانون الإطار 34.09، يجعل منه مرتكزا أساسيا لتقييم أهم معالم إصلاح المنظومة الصحية الوطنية، وهو الأمر الذي يمكن من أخذ نظرة شمولية عنها، انطلاقا من مساءلة القانون الإطار، وذلك وفق تراتبية منهجية تبتدئ

بعرض وتحليل الإطارات القانونية والتنظيمية والوظيفية لمنظومة الصحة الوطنية، ثم تقويم مدى التزام الدولة بالمسؤوليات المحددة في القانون الإطار، لنبحث بعد ذلك في المقاربات الممكنة لدعم تفعيل تلك المسؤوليات. لذلك سنعتمد في تصميمنا للموضوع بناء على الاعتبارات السالفة الذكر، إلى تحديد الدراسة في قسمين:

القسم الأول: التأطير القانوني والتنظيمي لحكامة منظومة الصحة الوطنية ويتناول عرض الإطار النظري وتحليل التأطير القانوني والتنظيمي للمنظومة الصحية الوطنية.

القسم الثاني: حكامة المنظومة الصحية بين إكراهات الواقع ورهان مقاربة الشراكة ويبحث في مخرجات السياسة الصحية، من خلال تشخيص واقع حكامة منظومة الصحة الوطنية، وطرح الرهانات الرئيسية أمام المتدخلين في المنظومة الصحية الوطنية.

__________________

رابط التحميل 

https://drive.google.com/file/d/1BziJqVBigNj-X0vO-AZy93uKjFhIb-65/view?usp=drivesdk

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0