العلاقة السببية بين الخطأ والضرر

مجموعة مواضيع في النظرية العامة للالتزام في القانون المغربي لإنجازالبحوث والتحضير للمباريات القانونية

العلاقة السببية بين الخطأ والضرر
علاقة السببية هي ذلك الرباط الذي يوجد بين فعل أو خطأ وبين النتيجة المحققة، كما أنها تعتبر شرطا أساسا يجب توفره بين الخطأ والضرر الذي حصل للضحية، وهذا يستلزم إثبات أن هذا الخطأ هو سبب الضرر الحاصل .

ولا إشكال إذا كان محدث الضرر واحدا إذ يسهل نسبته له، غير أنه إذا تعدد الفاعلون قد يصعب تحديد أي منهم مسؤول عنه، مما حدا بفقهاء القانون إلى وضع معايير وضوابط تسهل على القاضي، تحديد سبب الضرر وتضمين من نسب إليه.

وقد تتدخل عوامل أخرى في حدوث الضرر تنتفي معها : السببية، كالقوة القاهرة والحادث الفجائي وخطأ المضرور وفعل الغير.

المطلب الأول أولا-ضوابط السببية عند تعدد الفاعلين: أظهر الواقع أن الحوادث لا تقع في كل مرة على ذلك الشكل البسيط المتمثل في تسبب شخص واحد بفعله في إحداث النتيجة الضارة، إذ قد ترافق فعل الإنسان أو فعل الشيء أو الحيوان الذي يحرسه عوامل تتداخل معه في إحداث هذه النتيجة، بحيث لا يستغرق ذلك الفعل هذه العوامل فيكون التساؤل عما إذا كان ينبغي الأخذ بكل هذه الأسباب المتدخلة في الحادث، أو الاقتصار فقط على الأسباب المنتجة له على النحو المألوف، مما حدا بفقهاء القانون إلى وضع حلول أسست عليها نظريات أهمها نظرية تكافؤ الأسباب (أولا) ونظرية السبب المنتج (ثانيا).

أولا : نظرية تكافؤ السباب ذهب أنصار نظرية تكافؤ الأسباب إلى القول إن الضرر يحدث نتيجة مجموعة من الأسباب فإذا ألفي أحدها فإن الضرر لا يقع ، كما أنه لا يمكن أن يقوم بإجراء تفرقة بين الأسباب بحسب أهميتها في إحداث الضرر فكل الأسباب تكون متكافئة.

فنظرية تكافؤ الأسباب لا تفرق بين السبب الذي يحدث بذاته النتيجة الضارة، وبين مجرد الفرصة الظرفية التي توفر السبيل إلى حصول نتيجة معينة.

وقد أيد بعض فقهاء القانون هذه النظرية غير أن جانبا كبير منهم انتقدها بشدة، فأمام المزايا البسيطة التي تترتب عنها، ومنها تسهيل مهمة الإثبات بالنسبة للمضرور مادامت كل الأسباب التي ساهمت في إحداث الضرر يجب الأخذ بها، توجد عيوب كثيرة نسبت إليها أهمها عدم إمكانية تحديد نطاق الضرر، ودرجة مساهمة كل مسؤول عن الضرر الذي لحق المضرور.

مما يجعلها تتيح إمكانية التوسع وإقحام مسؤولية أكبر عدد ممكن من الأشخاص، ولو كان وجودهم في محيط الحادث ظرفيا، فمثلا إذا نقل شخص آلة حادة أو سلاحا أبيضا ممنوع حمله قام بإخفائه في سترته، فسقطت منه أثناء إسراعه بعيدا عن عراك شاهده وخشي نتائجه، فلاحظ أحد المتعاركين السلاح يسقط فاستعجل في استعماله، وألحق بخصمه ضررا بليغا باستعماله لذلك السلاح الأبيض، فإنه يمكن في إطار نظرية تكافؤ الأسباب وبالتوسع الذي تقرره أن تعد حامل السلاح مسؤولا أيضا عن الإصابة التي لحقت المضرور بفعل هذا السلاح المحظور، وبتقصيره الذي أتاح سقوطه بالطريقة التي ابتعد بها عن العراك نتيجة الارتباك ، بل واعتبار مسؤوليته متكافئة مع مسؤولية مستعمل السلاح الذي أحدث بفعله النتيجة الضارة.

ومثاله لو كان لشخص سيارة ولم يتخذ الاحتياطات اللازمة للمحافظة عليها فسرقت منه وساقها السارق بسرعة كبيرة حتى صدم بها أحد المارة، فإن نظرية تكافؤ الأسباب تعتبر أن هناك سببين في إحداث الضرر، سرعة السائق وتقصير صاحب السيارة في المحافظة عليها، فالضرر لم يكن ليقع لو لم يكن السارق مسرعا، وما كان ليقع أيضا لو لم يمهل صاحب السيارة فتسرق منه، فالسببان متكافئان في إحداث الضرر وكلاهما يعتبر سببا في حدوثه .

ثانيا : نظرية السبب المنتج كان ظهور نظرية السبب المنتج نتيجة للعيوب التي أفرزتها نظرية تكافؤ الأسباب، وقد قامت على أساس التمييز بين أسباب الضرر بحيث لا تختار منها إلا الأسباب الصالحة لإحداث الضرر أو التي يمكن أن تجعله من الناحية الموضوعية ممكنا ، فهي لا تأخذ بعين الاعتبار إلا السبب المنتج، أي السبب الذي يحدث الضرر عادة حسب المألوف، وتسقط من حسابها السبب العرضي الذي لا يؤدي تدخله إلى إحداث الضرر عادة، وعلى هذا يعتبر السبب منتجا وفق هذه النظرية إذا كان قد بلغ درجة من الأهمية من شأنها أن تجعله يؤدي إلى كل الآثار التي حددت في جميع أو بعض الأحوال، أما إذا كان السبب لا يؤدي إلى تلك النتيجة على الإطلاق فإنه يكون سببا عرضيا يتعين تجاهله ، ويلاحظ أن هذه النظرية تعطي حرية شبه مطلقة للقاضي لاختيار الأسباب المنتجة حيث يقوم بتصنيف مختلف الأسباب التي يمكن أن ينشأ عنها الحادث، ويستبعد ما لم يكن منها له دخل مباشر في حدوثه .

وحسب هذه النظرية فإن المقدمات التي ساهمت في إحداث الضرر ليست هي بالضرورة الأسباب الحقيقية له، وأنه يجب التفرقة بين الأسباب التي لم يكن لها أي دور حقيقي في إحداث الضرر، والأسباب التي سببت حدوثه فعلا، ومن تم يجب التأكد مما إذا كان فعل الشخص فيما يتعلق بمسألة السببية يمكن أن يؤدي عادة إلى النتيجة أم لا ، وعلى هذا فإن الحادث الذي يمكن اعتباره سببا للضرر، هو ما يؤدي إلى إحداث الضرر وفقا للوضع العادي للأمور، ومن ثم يجب أن تكون العلاقة بين الحادث والضرر علاقة مؤثرة ومنتجة، وليس مجرد علاقة بسيطة أو ظرفية.

وقد تساءل بعض الفقهاء عن المعيار الذي يمكن الاعتماد عليه من أجل القيام بالتفرقة بين تلك الأسباب، كما ناقش المعيار الذي قال به أنصار هذه النظرية من أن العبرة هي أن يكون السبب مؤديا عادة إلى حدوث الضرر، أو بعبارة أخرى يجب الاقتصار على الحوادث التي تكون نتائجها الضارة محتملة أو متوقعة، ولاحظ أن هذا المعيار غاية في الإيجاز في حين أن الأمر يتطلب ترك القاضي حرا من أجل أن يقدر مدى مساهمة الحادث في الضرر .

وقد اقترح بعض الفقه انطلاقا من الأساس الذي تقوم عليه نظرية السبب المنتج أفكارا من شأنها أن تساعد في البحث عن السببية، منطلقا من النتائج التي وصلت إليها نظرية تكافؤ الأسباب، إذ يرى أنه بعد إحصاء أسباب الضرر يجب البحث عن الأسباب الحقيقية التي كانت ضرورية لحدوثه، وفي نظرهم يجب القيام بهذا البحث من زاويتين إحداهما موضوعية، حيث يمكن اعتماد فكرة الاحتمال للبحث عما إذا كان حادث معين يمكن أن يتسبب في الضرر أم لا؟ وكذلك من زاوية شخصية حيث يمكن البحث عما إذا كان المسؤول عن الحادث بإمكانه أن يتوقع الضرر أو لم يكن بإمكانه ذلك.

وقد تعرضت نظرية السبب المنتج بدورها لانتقادات على اعتبار أنها لم تقدم معيارا حقيقيا يسمح بتحديد علاقة السببية، ولم تفعل أكثر من تقديم صياغة غامضة صعبة التحديد بالنسبة لظروف الواقع، وانتقد الفقه كذلك الأساس الذي قامت عليه فقد تكون الأحداث التي ساهمت في وقوع الضرر كلها منتجة وأنه لولاها جميعها لما وقع الضرر، ومن الصعب في هذه الحالة القول بأن سببا واحدا منها هو السبب المنتج.

ومن أهم الانتقادات التي تعرضت لها أنها تخلط بين الخطأ والعلاقة السببية لأن فكرة الإمكانية الموضوعية أو التوقع، لا يمكن أن تستخدم في نفس الوقت في تحديد الخطأ وهو عنصر شخصي وعلاقة السببية وهي عنصر موضوعي .

واختلاف فقهاء القانون حول النظرية التي يجب الأخذ بها لتحديد المتسبب في الضرر نجد له مثيلا في الفقه الإسلامي إذ سبق البيان أن المالكية والحنابلة وقياسا عند الحنفية أخذوا بنظرية السبب المنتج عندما ذهبوا إلى تقديم السبب الأقوى عند تفاوت فعل المعتدين، فيما ذهب أبو حنيفة وأبو يوسف والحنابلة إلى الاعتداد بالأسباب التي أدت إلى الضرر جميعا قلت أو كثرت وهو ما يقابل نظرية تكافؤ الأسباب.

ثانيا-انـــتـــفــاء علاقة السببية:–خطأ المضرور : يعد خطأ المضرور من ضمن الأسباب الأجنبية المعفية من المسؤولية، ولم يوله المشرع المغربي ضمن تنظيمه للمسؤولية التقصيرية تنظيما خاصا، بل اكتفى بالإشارة إليه ضمن بعض النصوص، كالفصل 85 من قانون الالتزامات والعقود المنظم للمسؤولية عن فعل الغير والفصل 86 من نفس القانون الخاص بالمسؤولية عن حراسة الحيوان والفصل 88 المتعلق بالمسؤولية عن حراسة الأشياء والفصل 95 الخاص بحالات الدفاع الشرعي إضافة إلى بعض النصوص الخاصة.

ويعتبر المضرور مخطئا إذا ما أخل بالتزام قانوني ببذل عناية، إذ يلتزم بأن يتخذ سلوكا ينطوي على القدر المألوف من اليقظة والتبصر حتى لا يضر بنفسه، فإذا انحرف عن هذا السلوك وكان مدركا لهذا الانحراف اعتبر مخطئا، وبالتالي يمكن تعريفه بأنه انحراف المضرور في سلوكه عن عناية الشخص المعتاد انحرافا يؤدي إلى حدوث ضرر له بحكم السير العادي للأمور .

وقد يكون خطأ المضرور إما سببا للإعفاء الكلي من المسؤولية متى توفرت فيه شروط القوة القاهرة، بأن يثبت المتضرر بأن الضرر كان بسبب هذا الخطأ والذي لم يكن في استطاعته توقعه ودفعه متى تعلق الأمر بخطأ واجب الإثبات.

أما بالنسبة للمسؤولية المفترضة وخاصة مسؤولية حارس الشيء، فيقتضي الأمر إثبات خطأ المضرور وكذلك أنه فعل ما كان ضروريا لمنع وقوع الضرر، وبالتالي لزمه إثبات الشرطين معا للإعفاء من المسؤولية .

كما قد يعفى جزئيا من المسؤولية متى نتج الضرر عن عدة أخطاء، وبالتالي تتوزع بين المضرور وغيره من الأشخاص المشتركين معه في إحداث الضرر، وهذا يعني أن التعويض المستحق للمضرور سينقص بمقدار نسبة الخطأ الذي ساهم به هو شخصيا، سواء كان خطأ المضرور مستغرقا لغيره من الأخطاء أم لا، طالما أن هذه الأخطاء جميعا كانت مرتبطة بالضرر بمقتضى علاقة سببية مباشرة ومنتجة .

وقد يستغرق خطأ المضرور خطأ المسؤول بحيث يعفى هذا الأخير من المسؤولية، خاصة في صورتين : -الصورة الأولى: كون فعل المضرور متعمدا، ومعه تنتفي مسؤولية المدعى عليه لتخلف رابطة السبيبة، كمن يلقي بنفسه متعمدا أمام سيارة تسير بسرعة.

-الصورة الثانية: رضا المضرور بالضرر كأن يقبل صاحب السفينة نقل أسلحة مهربة فتصادر السفينة فإنه لا يعود بشيء على صاحب تلك السلعة .

والشأن نفسه في المسؤولية العقدية، فإذا تمسك المدين بسلوك الدائن مدعيا بأنه سبب الإخلال بتنفيذ التزامه أعفي من المسؤولية إما كليا أو جزئيا.

وسلوك الدائن قد يقتصر على المشاركة أو المساهمة في الإخلال الذي وقع في تنفيذ الالتزام، كما قد يكون هو السبب المباشر في ذلك، كما في حالة تأخر الدائن في دفع أقساط الأجرة المستحقة للمقاول مما أدى إلى تأخر هذا الأخير في تنفيذ العمل في موعده المقرر ما ترتب عنه صدور قرار من الجهات المختصة بعدم السماح بالبناء فوق عشرة طوابق، فعدم دفع الأقساط كان له تأثير مباشر على التأخر في تنفيذ العمل وبالتالي صدور قرار المنع الذي سبب الضرر .

–فعل الغير: إذا وقع الضرر بفعل الغير وحده، أي أنه السبب الوحيد في إحداث الضرر، كان هذا الغير وحده المسؤول، فإن نسب الخطأ للقوة القاهرة أو الحادث الفجائي فلا يكون أحد مسؤولا.

أما إذا وقع خطأ من المدعى عليه، واشترك في إحداث الضرر مع هذا الخطأ فعل الغير، كان هناك محل للتساؤل عن أثر فعل الغير في مسؤولية المدعى عليه .

فإن كان من شأن فعل الغير أن يقطع رابطة السببية بين خطأ المسؤول وبين الضرر، أو بلغ من الجسامة والفداحة ما جعله يستغرق خطأ المدعى عليه برغم إسهامه في إحداث الضرر، فإن المسؤولية لا تقع على عاتق المدعى عليه.

ومثال هذه الحالة أن يدس محمد السم لمحمود وقبل أن يسري مفعول السم يأتي أحمد ويقتل محمود بطلقة نارية، هنا تنتفي مسؤولية محمد وتقع المسؤولية على أحمد .

وقد لا يؤثر فعل الغير على رابطة السببية وتظل مسؤولية المدعى عليه كاملة، كأن يصيب شخص برصاص مسدسه آخر إصابة قاتلة فيهمل الطبيب علاج المصاب ويموت، ويظهر الكشف أن سبب الوفاة هو الإصابة وأن العلاج الصحيح ما كان ليحول دونها يصير فعل الطبيب –الغير- غير مؤثر وتظل المسؤولية كاملة على المدعى عليه .

وقد يساهم خطأ الغير إلى جانب خطأ المدعى عليه في إحداث الضرر، دون أن يستغرق أحدهما الآخر، سؤل كل منهما بنسبة مساهمته في إحداث الضرر، فإذا عمل المستببون في الضرر متواطئين، كان كل منهم مسؤولا بالتضامن عن النتائج دون تمييز بين من كان منهم محرضا أو شريكا أو فاعلا أصليا ، وكذلك الشأن إذا تعدد المسؤولون عن الضرر وتعذر تحديد فاعله الأصلي من بينهم، أو تعذر تحديد النسبة التي ساهموا بها في الضرر .

أما بالنسبة للالتزام العقدي فإن فعل الغير لا يعفي المدين منه إلا إذا شكل بالنسبة إليه أمرا غير متوقع ولا مستحيل الدفع، وبالتالي فسرقة أمتعة أحد النزلاء في فندق لا يعفي صاحب الفندق من التزاماته التعاقدية إلا إذا اعتبر فعل السرقة بالنسبة إليه أمرا غير متوقع ومستحيل الدفع.

-القوة القاهرة والحادث الفجائي: تعتبر كل من القوة القاهرة والحادث الفجائي أهم حالات السبب الأجنبي المؤدية إلى انقطاع العلاقة السببية بين الخطأ والضرر، وخلافا لما كان يراه بعض الفقه التقليدي من أن القوة القاهرة تختلف عن الحادث الفجائي لكون الأولى ذات مصدر خارجي بينما الثاني يكون ذا مصدر داخلي، وأن الأولى ما كانت مستحيلة الدفع بالنسبة لعامة الناس أما الحادث الفجائي فهو ما كان غير قابل للتوقع بالنسبة للبعض دون البعض الآخر، إلا أن الاتجاه السائد في الفقه المعاصر يذهب إلى تسوية القوة القاهرة بالحادث الفجائي خصوصا في الجانب المتعلق بالآثار القانونية المترتبة عنهما .

وقد عرف المشرع المغربي القوة القاهرة من خلال الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود بأنها:".

.

.

كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه كالظواهر الطبيعية ( الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.

ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بدل كل العناية لدرئه عن نفسه.

وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين".

وقد أشار المشرع المغربي كذلك على اعتبار القوة القاهرة سببا للإعفاء من المسؤولية التقصيرية ما لم يسبقها أو يصطحبها فعل ما يؤاخذ به المدعى عليه .

أما الحادث الفجائي فهو كل أمر طارئ ليس بوسع الإنسان توقعه، وقد سواه المشرع بالقوة القاهرة وجعله سببا للإعفاء من المسؤولية عند تحقق الشروط التالية في أحدهما : الشرط الأول : عدم التوقع فإن كان الحدث مما يمكن توقع حدوثه كمنع تصدير أو استيراد بضاعة معينة، أو سقوط المطر بغزارة خلال فصل الشتاء أو شدة الحرارة في فصل الصيف لا يعتبر قوة قاهرة.

وهو ما أكدته محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في قرار لها جاء فيه أن:"إيجار سفينة في فصل الشتاء يكون من المتوقع معه وجود هيجان في البحر مما ينفي عن الحادث صفة القوة القاهرة ".

ويعتبر شرط عدم التوقع ذا معيار موضوعي لا شخصي، وعليه يكفي ألا يكون بوسع المدين بالذات أن يتوقع أو يتلافى الفعل أو الواقعة المكونة لحالة القوة القاهرة ويلزم أن يقوم عدم التوقع بالنسبة لأي مدين عادي، عندما يوجد في نفس الظروف الموضوعية للمدعى عليه .

واستخلاص معيار عدم التوقع من بين الأمور الموضوعية التي تندرج ضمن السلطة التقديرية لقاضي الموضوع، الذي يتعين عليه أن يقوم بتعليل ما استنتجته على نحو مقبول من الوجهة المنطقية، وإلا عرض حكمه للنقض بسبب انعدام التعليل أو نقصانه .

الشرط الثاني : استحالة الدفع أيضا يتعين لتحقق القوة القاهرة أن تكون واقعتها مستحيلة الدفع من قبل المدين الذي يتدرع بها للتحلل من التزامه التعاقدي أو التقصيري وإبعاد المسؤولية عنه.

ويقتضي ذلك أمرين الأول عدم استطاعته تلافي وجود الواقعة المكونة للقوة القاهرة، والثاني عجزه –بعد نشوء الواقعة- عن تجنب الآثار الناجمة عنها.

وعليه يمكن القول أن استحالة الدفع تفيد أن الواقعة المكونة للقوة القاهرة تفوق من حيث قوتها سواء في أصلها أو في آثارها الطاقة العادية للشخص العادي .

الشرط الثالث : أن لا يكون للمسؤول دخل في إثارة القوة القاهرة تطبيقا للمبدأ الذي يفيد بأنه لا يمكن للشخص الاستفادة من خطأ صادر عنه، فإن المسؤول الذي تسبب في إثارة القوة القاهرة لا يمكنه التمسك بها للإعفاء من المسؤولية، وهو ما أكدته محكمة النقض في قرار لها جاء فيه أن:"التمسك بالقوة القاهرة مردود، لأنه ثبت من الخبرة أن الأضرار التي طالت الضيعة ناتجة عن الإهمال وعدم العناية من قبل المدعى عليهم، علما أن الضيعة مجهزة ببئر ومضخة وقد تم إهمالها بإزالتها، وأنه بمقتضى الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة، الأمر الذي كان من الممكن دفعه ما لم يقدم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه على نفسه، ولا دليل على وجود الجفاف بالمنطقة، فإن مقومات فسخ عقد الكراء حسب مقتضيات الفصل 713 من القانون المذكور قائمة، مادام المستأنفون قد تسلموا الصيغة في وضعية حسنة وفق الافتراض المقرر في الفصل 677 من القانون المذكور الذي لم يثبت خلافه" .

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0