الذمة المالية في الشريعة الإسلامية
مجموعة بحوث وعروض ودروس حول النظام المالي للزوجين في القانون المغربي و مدونة الأسرة المغربية
وبناءا عليه فقد عرفها القرافي من المالكية بأنها معنى شرعي مقدر في المكلف قابل للإلزام والإلتزام، ثم أتبع ذلك بما يدل على قصده فقال: "إن هذا المعنى جعله الشارع مبنيا على أشياء خاصة، منها البلوغ والرشد وعدم الحجر فمن اجتمعت فيه هذه الصفات رتب الشارع عليها تقدير معنى فيه يقبل إلزامه وإلتزامه بتصرفاته".
أما الشافعية فقد قالوا بأنها معنى مقدر في المحل يصلح للإلزام والإلتزام، أي لإلزامه من قبل غيره كالشارع ولالتزامه بعباراته ، وهم بذلك يوسعون من نطاق الذمة لتشمل ليس فقط الأشخاص الطبيعية بل حتى الأشخاص المعنوية.
في حين قصرها الحنفية على الإنسان دون غيره فعرفها عبد الله بن مسعود في كتابه التنقيح بأنها وصف شرعي يصير به الإنسان أهلا لماله وما عليه .
من هذا المنطلق يمكن أن نعرف الذمة المالية في الفقه الإسلامي بأنها وصف شرعي يفترض الشارع وجوده في الإنسان يصير به أهلا للإلزام والإلتزام، أي صالحا لأن تكون له حقوق وعليه واجبات مالية، وهي بهذا المفهوم وثيقة الصلة بأهلية الوجوب التي تعني صلاحية الإنسان لأن تكون له حقوق وعليه واجبات، فهي مترتبة على وجود الذمة وكلاهما تلازم الإنسان منذ ميلاده –مع العلم أن الجنين تكون له ذمة قاصرة- إلا أنها تختلف عن الذمة المالية في كونها تتعلق بالإلتزامات عامة .
أما في ما يتعلق بالمجال الأسري، فقد عملت الشريعة الإسلامية على العناية بالمال واهتمت بحفظه من الضياع، وشرعت مجموعة من الوسائل الوقائية لحمايته من كل تطاول عليه، كما حثت الآباء والأولياء على رعاية وحماية أموال أبنائهم الصغار، ونبهت إلى الوصية به إلى من يثقون به ، إذ يقول تعالى: " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم" .
والخطاب في الآية الكريمة برعاية أموال اليتامى في الصغر ودفعها لهم بالبلوغ خطاب عام يتعلق بالذكور والإناث.
ومن صميم تنظيمها لأموال الأسرة بصفة عامة فقد اهتمت الشريعة الإسلامية بأموال الزوجين –وإن كانت الأحكام المتعلقة بها بقيت مبعثرة في أعطاف كتب الفقه الإسلامي المختلفة- وأولتها أهمية بالغة، وعملت على تنظيمها وفق مناهج تتلاءم مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الزوجين، بل إنها اعتنت بأموال الزوجين عناية فائقة وأحاطتها بالترتيبات اللازمة منذ مرحلة ما قبل الزواج.
ومن المعلوم أنه من المبادئ الأساسية المعمول بها في هذا الشأن هو استقلال كل زوج بذمته المالية، يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن" ، ويقول: "فإن طبن لكم عن شيء منه فكلوه هنيئا مريئا" .
فالزواج في الإسلام لا أثر له على أموال الزوجين سواء كانت منقولا أو عقارا اكتسب قبل الزواج أو بعده ، فالمهر المفروض للزوجة مثلا هو حق خالص لها يثبت بمجرد إبرام عقد الزواج وليس لأحد حق في شيء منه سواء في ذلك الزوج أو غيره، حيث يقول تعالى: "ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا" ، فالمرأة في هذا كشقيقها الرجل لها ذمتها المالية المستقلة، وهي تتمتع بحق القيام بكل المعاملات التي من شأنها إثراء هذه الذمة، وبذلك يكون الإسلام سباقا على غيره من الشرائع الأخرى وكذا على القوانين الغربية في اعترافه للزوجة بحقوقها المالية لتحقيق كيانها البشري والاقتصادي بما يسمح لها بموقعة أفضل داخل الأسرة.