الشركة بين الزوجين في القانون المغربي
مجموعة بحوث وعروض ودروس حول النظام المالي للزوجين في القانون المغربي و مدونة الأسرة المغربية
وقد شرعت الشركة بالكتاب والسنة، ووردت في هذا الصدد عدة آيات تدل على مشروعيتها، فيقول سبحانه وتعالى: "واعلموا أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسة، وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل" ، فجعل الله تعالى خمس الغنائم مشتركة بين أهل الخمس، وجعل الباقي مشتركا بين الغانمين، لأنه لما أضاف المال إليهم وبين الخمس لأهله علم أن الباقي لهم.
أما من السنة النبوية الشريفة فقد روي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما" .
أي أن الله سبحانه وتعالى معهما بالحفظ والإعانة ما دام الشريكين متعاونين ومتضامنين، فيمدهما بالمعاونة والبركة والنجاح فإن خان أحدهما صاحبه رفعت الإعانة والبركة عنها.
من هذا المنطلق اعتنى فقهاء الشريعة الإسلامية بالشركة كطريق للكسب الحلال، وقسموها عموما إلى قسمين: شركة الأملاك، وشركة العقود.
فشركة الأملاك تقوم بمجرد أن يمتلك شخصان شيئا من غير عقد شركة بينهما، وتنقسم بدورها إلى نوعين: نوع ينشأ بإرادة الشريكين ونوع ينشأ بغير إرادتهما، فالأول يثبت بان يوهب لهما مال معين، أو يملكا مالا باستيلاء، أو يوصى، أو يتصدق لهما، فيقبلا فيصير ذلك الموهوب أو الموصى به أو المتصدق به مشتركا بينهما.
أما النوع الثاني فيثبت باختلاط مال شخصين بغير إرادتهما حيث لا يمكن التمييز بينهما أو يمكن لكن بكلفة ومشقة .
أما شركة العقود، فهي عبارة عن قيام شخصين أو أكثر باستثمار أموالهما على أساس اقتسام ما قد يعود عليهما من أرباح، وقد قسم الفقهاء هذا النوع من الشركات إلى عدة أقسام بناءا على أسس متعددة، فأحيانا تم اعتبار رأس المال وحده، وأحيانا اعتبر العمل والكد، كما تم اعتبارهما معا، واعتبر الالتزام مرة رابعة، غير أن أغلب الفقهاء أجملوا هذه الأنواع في ثلاثة: شركة الأعمال، وشركة الأموال، وشركة الوجوه.
ورغم اختلاف هذه الشركات عن بعضها البعض فإنها تشترك فيما بينها في الأحكام التالية: أولا: تتميز هذه الشركات بأنها شركات أشخاص لا تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي.
ثانيا: لابد لتأسيس هذه الشركات توافر شرط تعدد الشركاء، لأن الشركة عقد والعقد يستلزم توفر إرادتين على الأقل باستثناء بعض الشركات التي تنعقد بشريك واحد .
أما فيما يخص شركة الزوجين، فإن بعض الفقه يرى عدم إمكانية قيام الشركة بين الزوجين، حيث يقول الأستاذ محمد التأويل بعدم وجود شركة بينهما استنادا إلى الأدلة التالية: 1- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "والمرأة راعية في بيت زوجها"، وفي رواية أخرى "في مال زوجها"، فجعلها الرسول صلى الله عليه وسلم راعية والراعي غير شريك.
2- القاعدة الفقهية: "الغنم بالغرم" و"من ملك شيئا ملك غلته"، تقضيان باختصاص صاحب المال بما نما من ماله.
3- الزوجة لا ضمان عليها في مال زوجها الذي تعمل فيه لأنها راعية مؤتمنة، والراعي والأمين لا ضمان عليهما، فلا يكون لها حق في ربحه ونمائه، لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن.
4- لقيام الشركة في الفقه الإسلامي لابد من توافر أركان وشروط، لا تصح إلا بهما، ولا يترتب عليها أثر إن وجدت بدونها، وأهم أركان الشركة الإيجاب والقبول وهما غير متوفرين .
إلا أنه من خلال الأحكام العامة لقيام الشركة في الفقه الإسلامي –المشار إليها أعلاه- وبما أن الشريعة الإسلامية تأخذ بمبدأ استقلال الذمة المالية للزوجين، حيث تتمتع المرأة بحق ملكية أموالها وبالحرية للتصرف فيها، فإنه بإمكان الزوجين إبرام شركة بينهما بنفس الشروط التي تنعقد بها الشركة بين الأجانب، فقد جاء في المدونة الكبرى: "قلت هل تجوز الشركة بين النساء والرجال في قول مالك؟ قال ما علمت من مالك في هذا كراهية، ولا ظننت أن أحدا شك في هذان ولا أرى به بأسا" .
فبإمكانهما إذن إنشاء شركة مال يساهم كل واحد منهما فيها بحصة معينة، كما يمكنهما إنشاء شركة ملك فيما يشتريانه من عقارات ومنقولات، كما يمكنهما أيضا إنشاء شركة مفاوضة التي تجد سندها في الفقه المالكي، والتي تعتبر أكثر أنواع الشركات توافقا مع وضع الزوجين بحكم حياتهما المشتركة، ولما تتميز به من خصائص يمكن إجمالها في ما يلي: 1- أنها شركة مال.
2- أن كل شريك يطلق حرية التصرف لصاحبه فيما تعاقدا عليه، سواء كان حاضرا أو غائبا.
3- أن تصرف أحد الشريكين ملزم الآخر، إذا كان يهم شركتهما ويحقق مصلحتهما باستثناء التبرع.
4- لا تقوم الشركة بين طرفيها إلا فيما تعاقدا عليه من أمولهما .
وبانتقالنا إلى القانون المغربي، فإننا لا نجد أي نص يمنع الزوجين من إبرام عقد الشركة فيما بينهما أو يمنعهما من تلك، غير أننا نجد الفصل 984 من ق.
ل.
ع.
م يحدد على سبيل الحصر الأشخاص الذين لا يحق لهم أن يكونوا شركاء في شركة واحدة، وحسب هذا الفصل فإنه لا يجوز عقد الشركة بين الأشخاص التالية: أولا: بين الأب وابنه المشمول بولايته.
ثانيا: بين الوصي والقاصر إلى أن يبلغ هذا الأخير رشده ويقدم الوصي الحساب عن مدة وصايته ويحصل إقرار هذا الحساب.
ثالثا: بين مقدم على ناقص الأهلية أو متصرف في مؤسسة خيرية وبين الشخص الذي يدير أمواله ذلك المقدم أو المتصرف.
فهذا النص لا يمكن اعتباره كافيا للقول بإقرار المشرع المغربي لعقد الشركة بين الزوجين، لكن يمكن اعتباره على الأقل إشارة ضمنية على عدم بطلان الشركة المنعقدة فيما بينهما لكونه –الفصل 984 من ق.
ل.
ع.
م- لم يذكر المرأة وزوجها ضمن الأشخاص الذين حصر فيهم منع عقد الشركة فيما بينهم، هذا إضافة إلى أن القانون المغربي لا يأخذ بالأسباب التي كان القضاء الفرنسي يستند عليها لتقرير بطلان شركة الزوجين.
فقانون الالتزامات والعقود المغربي على خلاف القانون المدني الفرنسي –الذي كان يستلزم ضرورة إدخال شريك ثالث إلى جانب الزوجين لإمكانية قيام الشركة- يشترط لتأسيس الشركة شخصين فأكثر دون تفرقة بين الشركاء، سواء كانوا زوجين أو أجنبيين، كما انه يجهل مبدأ استقرار وثبات الاتفاقات الزوجية الذي اعتبر سببا حاسما لإبطال الشركة من طرف القضاء الفرنسي، وكذلك نظرية تعدد الأنظمة المالية للزواج، فالفصل 49 من مدونة الأسرة كرس مبدأ استقلال الذمة المالية للزوجين، حيث يحتفظ كل واحد منهما بملكيته الخاصة، كما أن عقود البيع بين الزوجين تعتبر مشروعة في القانون المغربي، أما عن التعارض الذي كان قائما في فرنسا بين علاقات المساواة بين الزوجين التي تفرضها طبيعة عقد الشركة وعلاقة التبعية والخضوع التي كانت تترتب عن عقد الزواج ، فإنه لا مجال لإثارته في المغرب لأن الفصل الرابع من مدونة الأسرة واضح في تكريسه للمساواة بين الزوجين في شتى جوانب الحياة الزوجية.
إضافة إلى هذا فإن مشرع مدونة الأسرة في إطار تنظيمه الأموال المكتسبة خلال الحياة الزوجية أقر إمكانية الاتفاق على استثمار أموال الزوجية بشكل تشاركي، فنص في الفقرة الأولى من الفصل 49 على انه: "لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية الاتفاق على استثمارها وتوزيعها" بذلك فإن تنظيم أموال الزوجين في شكل شركة هو طريق لاستثمار هاته الأموال، بل يعتبر استثمارا في أبعد معانيه.
وبناءا عليه يمكن للمرأة المتزوجة أن تكون شريكة مع زوجها بكل الأشكال وبجميع المساهمات الممكنة، فلها أن تقدم كحصة في رأس المال نقودا، أو أشياء أخرى منقولة كانت أو عقارية، أو حقوقا معنوية، ويمكن أن تقدم عملها وجهدها .
كما يحق لها أن تكون شريكة في جميع أنواع الشركات المنظمة في مدونة التجارة وقانون الشركات التجارية، من شركة تضامن وتوصية بسيطة وشركة ذات المسؤولية المحدودة.
.
.
غير أنه تبقى شركة المحاصة أكثر الشركات ملاءمة لوضعية الزوجين من حيث بساطتها وسهولة تأسيسها وكذلك من حيث انتهائها وإحلالها.