العقد المالي وسيلة لإثبات الحقوق والالتزامات المالية المتبادلة

مجموعة بحوث وعروض ودروس حول النظام المالي للزوجين في القانون المغربي و مدونة الأسرة المغربية

العقد المالي وسيلة لإثبات الحقوق والالتزامات المالية المتبادلة
إن موضوع إثبات ملكية الأموال المحصلة أثناء الزوجية يعتبر من الموضوعات التي تثير إشكالات عريضة، إذ أبانت الممارسة العملية وبكل موضوعية أن الزوجة تكون المتضرر الأوحد في الدعاوى المتعلقة بالنزاع حول الممتلكات الزوجية، حيث كانت تعترض دعواها عدة معيقات إن على مستوى الموضوع أو على مستوى الإجراءات .

وهذه الإشكالات نابعة من الصعوبة التي تطرح أثناء إعمال الوسائل التي أقرها المشرع المغربي لإثبات الملكية، فجاء الفصل 49 من مدونة الأسرة بقاعدة جديدة في موضوع الإثبات –وفق ما أشرت سابقا- في حين تنص القاعدة العامة أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، والمشرع لما أتى باستثناء على هذه القاعدة إنما أراد الحفاظ على حقوق المرأة التي تقف دائما موقف المدعي بشأن هذا النوع من النزاع، إلا أنه بالرغم من ذلك ففي الواقع العملي يقع عبئ الإثبات على الزوجة التي عليها أن تثبت مساهمتها في الأموال المكتسبة ، وفي هذا ضياع لحقوق الزوجة نتيجة الاحتكام إلى القواعد العامة للإثبات إذ يصعب عمليا في العديد من الحالات إثبات الحق في ممتلكات زوجها أو حتى في أثاث بيت الزوجية ، بحكم أن الرابطة الزوجية وما يكتنفها من ثقة تقوم مانعا معنويا أو أدبيا يحول دون إحضار الزوجة وسائل إثبات قانونية للأموال التي دفعتها في سبيل شراء ما اكتسبه زوجها .

وشعورا منه باختلال موازين القوى بين الزوجين، وانعدام المعادلة المنصفة بينهما في واقع النظام المالي، تدخل المشرع لتنظيم ممتلكات الزوجين بنظام اختياري تعاقدي، يكون وسيلة لإثبات الملكية سواء أثناء قيام العلاقة الزوجية أو بعد انتهائها.

ومثل هذا الحل كان المشرع المصري سباقا إلى إقراره، فقد ورد في وثيقة الزواج الجديدة: "يحق للزوجين أن يتفقا على من تكون له ملكية منقولات منزل الزوجية، فإذا كان هناك اتفاق على أن منقولات منزل الزوجية ملك للزوجة دون الزوج فهذا الاتفاق صحيح ويكون ملزما الزوج بالوفاء به" .

ولتحقيق هذه الغاية يجب أن يفرغ هذا الاتفاق وجويا في محرر مكتوب، لأن الاتفاق غير المكتوب لا يحقق دائما الحماية المنشودة منه على اعتبار أن الاطمئنان إلى نوايا الزوج الحسنة يعد تقاعسا له نتائج وخيمة تتحملها المرأة في مستقبل أيامها، خاصة بعد انحلال زواجها بطلاق أو وفاة، كما أن العمل بشكلية الكتابة لا حرج فيه ما دام يعبر عن تطبيق سليم لقاعدة شرعية جليلة في مجال الإثبات "ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا" .

لذلك فهذه الوسيلة سوف تعزز باقي وسائل الإثبات الواردة في المدونة، خاصة وان الفصل 420 ق.

ل.

ع.

ينص على أن "الورقة الرسمية حجة في الاتفاقات والشروط الواقعة بين المتعاقدين، وفي الأسباب المذكورة فيها وفي غير ذلك من الوقائع التي لها اتصال مباشر بجوهر العقد.

.

.

" من خلال ما سبق فإننا لا نكون مغالين إذا قلنا أن إعداد وثيقة مكتوبة تتضمن اتفاقات الزوجين أصبح في وقتنا الراهن أمرا ضروريا، حيث أصبحنا نعيش في ظل تغيرات كثيرة لم يعرفها الأولون من السلف، لعل أهمها ضعف الوازع الديني في العلاقة الزوجية، وتدهور وضعية المرأة المتزوجة، وبات الاعتماد على ذلك الوازع من قبيل المتمنيات التي قد تتحقق أو لا تتحقق .

وما إقرار المشرع لهذه الإمكانية إلا إدراكا منه لخطورة هذا الواقع المتغير المستعصي على الضبط بمقتضى نصوص قانونية محددة سلفا، والتي كانت على مدى الزمن محل انتقادات بسبب عدم قدرتها على مواكبة التطورات، فرأى –المشرع المغربي- بذلك في تطبيق قاعدة "العقد شريعة المتعاقدين" تبرئة له وراحة معنوية نسبيا ما دام أن المتعاقدين ارتضيا لنفسهما ما اتفقا عليه والتزما بتحمل آثار اتفاقهم .

وإذا كان العقد المالي من الابتكارات التي أفرزها التطور الاقتصادي والاجتماعي كما سبق بسطه في غير هذا المكان، فإنه من قبيل المستجدات التي تتطلب بذل مجهودات على اكثر من صعيد حتى تتحقق على أرض الواقع.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0