مبــررات تطبيـــق مسطـــــرة التطليق للشقــــاق - وجـود نـزاع بين الزوجيـن يخـاف منـه الشقــاق

التطليق للشقاق في القانون المغربي مجموعة مواضيع في قانون الأسرة للإستعانة بها في البحوث التحضير للمباريات القانونية

مبــررات تطبيـــق مسطـــــرة التطليق للشقــــاق - وجـود نـزاع بين الزوجيـن يخـاف منـه الشقــاق
إن المبـدأ الأسمى الذي ينبغي أن تتأسس عليه الحيـاة الزوجيـة قوامـه التشاور، و التفاهم، و المودة، و أداء كل منهما دوره على أحسن وجـه، و احترام حقوق الآخر، و الحرص على خير الأسرة و استمرارها، تحقيقا للغاية التي شرع الله تعالى من أجلها الزواج بقوله:  و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة  ( )، فالعلاقة الزوجية من المنظور الإسلامي علاقة سكن و تساكن تنشرح فيها النفوس و تتصل بها المودة و الرحمة.

بيد أنه قد يطرأ على الحياة الزوجية ما يكدر صفوفها و يعكر صفائها بفعل اختلاف الطباع و الأدوار بين الزوجين ، مما يجعل الأسرة تواجه صعوبات من شأنها أن تعصف باستقرارها، فمن الناذر أن تخلو حياة الأسرة من أحداث و أزمات تؤدي إلى حدوث نزعات بين الزوجين تختلف طبعا من حيث نوعيتها و تأثيرهـا، فقد تكـون هذه النزاعات بسيطة ثم تتطور لتصبح شقاقا يستعصي معه دوام العلاقة الزوجية، و يحتمل أن يتلوها التوافق و التفاهم بينهما، مما يتيح لهما الاستمرار في جو أسري يطبعه الاستقرار كحالة طبيعية يفترض أن تكون عليها كل أسرة، لأن في استقرارها استقرار المجتمع و في تفككها إصابته بالتصدع و الشقاق.

ونظرا لكون القانون يهدف إلى ضبط و تنظيم العلاقات الأسرية من خلال حرصه على ضمان تحقيق التعايش الفعلي بين الزوجين، فقد عمد المشرع من خلال مدونة الأسرة إلى صياغة قواعد قانونية مبسطة تيسر للزوجين إمكانية التظلم أمام القضاء، تجسدها المقتضيات المنظمة لمسطرة الشقاق.

فكثيرة هي الحالات التي تكون فيها النزاعات الزوجية بسيطة يمكن حلها، غير أن السكوت عنها و تكررها و استمراريتها يؤدي إلى تطورها و احتدامها إلى أن تصبح شقاقا، يتعذر معه التوفيق بين الزوجين و يقتضي حله الحكم بالتطليق بينهما، لذلك فإن العديد من الأحكام القضائية التي صدرت بالطلاق أو التطليق غالبا ما كانت تتأسس على أسباب واهية بالإمكان تفاديها لو تريثا الزوجين و قدرا جيدا العواقب الوخيمة لتفكك الأسرة.

وإذا كان الخوف من الشقـاق الذي قد ينجم عن النـزاع الواقـع بين الزوجيـن، يعتبر المبرر الرئيسي لتطبيق مسطرة الشقاق، فإن المشـرع المغربي لم يعرف هذا الأخير كما فعل بالنسبة للضرر ( ) كما لم يحدد نماذج للنزاع المفضي إليه، ولعل هذا ما يفسر الغموض الحاصل حول المضاميـن الحقيقية لمسطرة الشقـاق، حيث ذهب البعض إلى القول أنها تعبر مسطرة جديدة الغاية منها توسيع حالات حق طلب التطليق الممنوح للزوجة، فالتطليق للشقاق بالنسبة لها يقابل حق الزوج في الطلاق، و بذلك فمسطرة الشقاق وفق هذا الرأي تشكل ثورة نسائية داخل مؤسسة الأسرة جاءت لتحرير المرأة من جبروت و تسلط الزوج، بطلبها التطليق للشقاق الذي يعتبر الحكم به مسألة حتمية متى تمسكت به ( )، و لعل هذا ما يفسر ارتفاع نسبة طلبات التطليق للشقاق بعد صدور مدونة الأسرة، و الحقيقة أن هذه المسطرة كما يستشف ذلك من المقتضيات القانونية المنظمة لها، تمثل مظهرا بارزا من مظاهر اتخاذ الزوجين أو أحدهما مبادرة اللجوء إلى القضاء لطلب حل كل نزاع بينهما يخشى أن يؤثر سلبا على مصير علاقتهما الزوجية ، حيث يمكن أن ندرج على سبيل المثال كنماذج لبعض الأسباب التي من شأنها أن تفضي إلى الشقاق بين الزوجين ما يلي ( ) : النشوز بمختلف مظاهره، السكر العلني و كثرة التدخين داخل بيت الزوجية، الإهمال ، تسلط الزوج أو الزوجة .

.

.

الخ.

أما الشقاق فيعرف لغة من شق يشق شاقه أي خالفه و عاداه، و في القرآن الكريم :  ذلك بأنهم شاقـوا الله و رسوله و من يشاقق الله و رسوله فإن الله شديد العقاب ( )، وعرفه ابن منظور بأنه :» غلبـة العـداوة والخلاف، شاقـة مشاقة شقاقا خالفه، والشقاق العداوة بين فريقيـن و الخلاف بين اثنين «( )، أما في الاصطلاح الفقهي والقانوني فيعرف بأنه الخلاف العميق و المستمر بين الزوجين لدرجة يتعذر معها استمرار العلاقة الزوجية في الحال و المآل ( ).

بعد هذا التحديد لكل من الشقاق و النزاع المفضي إليه، تجب الإشارة إلى أن من مظاهر سوء فهم روح مسطرة الشقاق، كما يؤكد ذلك الواقع العملي الذي تعكسه الأحكام القضائية الصادرة في الموضوع، أن العديد من الطلبات التي تقدم بشأن التطليق للشقاق، تجعل هذا الأخير مستوعبا لكافة الأسباب الأخرى المبررة لطلب التطليق المنصوص عليها في المادة 98 من مدونة الأسرة، و نورد على سبيل المثال نماذج لبعض تلك الأحكام الصادرة عن بعض أقسام قضاء الأسرة بالمملكة : - حكم صادر عن ابتدائيـة الرماني بتاريخ 29 أكتوبر 2004 قـضى بالتطليق للشقاق بسبب العجز الجنسي للـزوج، جاء فيه: » .

.

.

و حيث أسست الزوجة الأسباب الداعية لطلبها على كون الزوج يعاني عجزا جنسيا نتج عنه أنها لازالت بكرا رغم معاشرته لها معاشرة الأزواج مما أثر على نفسية الرجل و تعذر عليها الاستمرار معه على هاته الحالة رغم مرور حوالي ثلاث سنوات على زواجهما، و أنه أمام تخلف الزوج ونفيه أو إثباته لهاته الوقائع تعذر على المحكمة محاولة الصلح بينهما، و حيث أن الشقـاق هو الخلاف العميـق و المستمر بين الزوجين لدرجة يتعذر معها استمرار العلاقة الزوجية دون تحديد المشرع للحالات محددة داخلة في نطاقه، بل هو مفهوم واسع وعام لا يشمل حالات بعينها، و حيث أنه بمقتضى المادة 97 من مدونة الأسرة فإنه في حالة تعذر الإصلاح و استمرار الشقاق تحكم المحكمة بالتطليق و بالمستحقات طبقا للمواد 83 و 84 و 85 من المدونة، و حيث تكون بهذه الإجراءات المتعلقة بمسطرة الشقاق قد استوفت شكلها المنصوص عليها في الفصول 94 إلى 97 « ( ).

- حكم صادر عن ابتدائية طنجة – قسم قضاء الأسرة – بتاريــخ 15/5/2005 قضى بتطليق الزوجة من زوجها للشقاق لكونه يعتدي عليها بالضرب و لا ينفق عليها وأنه يهددها بالقتل و يشتمها، جاء فيه : » بناء على مقال الدعـوى المسجل بكتابة الضبـط عند المحكمة بتاريخ 03 يناير 2005 و المعفي من الرسوم القضائية بقوة القانـون ، و الذي تعرض فيه المدعية أنها زوجة المدعى عليه على سنة الله و رسوله وأنها لها منه أبناء .

.

.

و أنه يعتدي عليها بالضرب و لا ينفق عليها وأنه يهددها بالقتل ويشتمها و لأجله، فإنها تلتمس الحكم بتطليقها للشقاق .

.

.

« ( )، و كذلك قضت نفس المحكمة في حكم آخر بالتطليق للشقاق لكون الزوج يعرض زوجته لمجموعة من الإهانات و الضرب و أنه يغيب عليها لمدة طويلـة، مما جعل استمرار العلاقة الزوجية بينهما أصبحت مستحيلة ( ).

- حكم صادر عن ابتدائية تاونات – قسم قضاء الأسرة – بتاريخ 26/01/2004 قضى بالتطليق للشقاق لكون الزوج لم يعاشر زوجته بالمعروف و يعرضها للضرب و الشتـم باستمرار ، فضلا عن إهماله لها و طردها من بيت الزوجيـة، ومما جـاء فيـه : » بناء على المقال الافتتاحي الذي تقدمت به المدعية بواسطة محاميها .

.

.

و الذي تعرض فيه أنها متزوجة بالمدعى عليه بمقتضى عقد النكـاح .

.

.

وأنه منذ تاريخ الزواج لم يعاشرها بالمعروف و يعرضها للضرب و الشتـم باستمـرار فضلا عن إهماله لها و طردها من بيت الزوجيـة مما لم تعد معه مطيقـة نفسيـا و عصبيا الاستمرار معه و أضحت غير مرتاحة لمعاشرته و قررت عدم الالتحاق به، لذلك تلتمس الحكم بتطليقها منه و الحكم بالمستحقات المنصوص عليها في المـواد 83 و 84 و 85 لمدونة الأسـرة .

.

.

« ( ).

وبذلك فلئن كان المشرع قد توخى من إخضاعه للطلاق الذي هو من حق الزوج لرقابة و إشراف القضاء، الحيلولة دون المبالغة و التعسف في اللجوء إليه تفاديا لكل المشاكل الناجمة عن ذلك، فإنه في ظل ما يجري به العمل بخصوص التطبيق القضائي لمسطرة الشقاق، يكون قد فتح بابا واسعا تستطيع الزوجة من خلاله ولوج القضاء لطلب التطليق للشقاق، والحصول عليه متى تمسكت به بناء على أسباب تتضرع بها ولو كانت تتعلق بحالات أخرى لطلب التطليق، على اعتبار أن الشقاق يستوعبها جميعها في ظل غياب التعريف التشريعي له يحدد نطاقه و يحصر حالاته، في حين أنه مادام أن المشرع حدد في مدونة الأسرة لكل سبب من أسباب التطليق المنصوص عليها في المادة 98 أحكامها و مسطرتها الخاصة بها، فإن المنطق القانوني يقتضي أن تبادر المحكمة إلى عدم الاستجابة لطلبات التطليق للشقاق، إلا إذا كانت مؤسسة حسب قناعتها على مبرر موضوعي و مقبول، يكشـف في عمقـه عن وجود نزاع عميـق و مستمر يتعذر معه استمرارية العلاقة الزوجية، وذلك بعد قيامها بكل الإجراءات القانونية الضرورية التي توصلها إلى هذه القناعة.

عموما فالسماح للزوجين أو أحدهما باللجوء إلى القضاء لطلب حل كل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق، من شأنه بناء على ما سبق أن يساهم في معالجة بعض الأسباب الكامنة وراء ارتفاع نسبة الطلاق و التطليق ببلادنا، إذا ما تم تفعيل الإجراءات المسطرية لدعـوى الشقاق في اتجاه يراعي هاجس الحفاظ على استقـرار و تماسك الأسرة، تفنيذا للرأي السائد بكون مسطرة الشقاق وسيلة سهلة للحصول على التطليق في أقـرب وقـت وبأبسط الإجراءات.

What's Your Reaction?

like
1
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0