الوعد بالجائزة في القانون المغربي
مجموعة مواضيع في النظرية العامة للالتزام في القانون المغربي لإنجازالبحوث والتحضير للمباريات القانونية
.
" المشرع المدني الأردني نص بدوره على هذه المؤسسة القانونية واعتبارها من صور التعبير عن الإرادة المنفردة، أما المشرع المغربي فقد تناول بدوره هذه المؤسسة القانونية من خلال ظهير الالتزامات والعقود ، الذي من خلاله خص له خمسة فصول من الفصل 14 إلى الفصل 18 ، بحيث نجده ينص في افتتاحه لتنظيم مؤسسة الوعد بالجائزة على أن " بأنه مجرد الوعد لا ينشئ التزاما " ، هذا ما يجسد بأن الإرادة المنفردة إذا ما كانت مجردة من التنظيم التشريعي لا يرتب عليها القانون أي أثر ، بالتالي فالتصرف الانفرادي من حيث مصدره هو أقرب إلى القانون الذي يشكل مصدره المباشر فما المقصود إذن بالوعد بالجائزة الموجه إلى الجمهور ؟ وما هي أركانه ؟ إلى أي حد يرتب أثار على طرفيه ؟ أ: ماهية الوعد بالجائزة اتجهت أغلب التعاريف الفقهية إلى اعتبار أن الوعد بالجائزة هو عبارة عن إعلان يقوم به الواعد ، يتضمن التزاما منه بإعطاء جائزة لمن يقوم بعمل معين ، عليه فان الوعد بالجائزة هو تصرف قانوني من جانب واحد ينتج أثاره متى قامت أركانه وللوعد بالجائزة تجليات كثيرة في الواقع العملي ، كمن يقوم بوعد بجائزة لمن يقوم باختراع معين ، أو صناعة شيء معين ، أو العثور على شيء ضائع ، الوعد بالجائزة يأخذ طابعين ، إما طابعا تبرعيا ، إذا كان العمل الموعود بالجائزة عنه لايستفيد منه الواعد ، أو طابعا معاوضيا ، هو عكس الحالة الأولى ، بحيث يكون العمل الموعود بالجائزة عنه يستفيد منه الواعد ، كمن يجد شيء يريده الواعد ، 1- شروط وأركان الوعد بالجائزة باعتبار أن الوعد بالجائزة من الالتزامات الصادرة من طرف واحد ، وهي تلزمه بمجرد وصولها إلى علم الملتزم له ، فتلزم لصحتها الأحكام التي يخضع لها العقد ، ما عدى ما كان مرتبط منها بتطابق الإرادتين ، المشرع المغربي في تطرقه لمؤسسة الوعد بالجائزة ، اعتبارها تشكل التزاما بمجرد أن يقترن الوعد بجائزة وحتى ينتج الوعد بالجائزة كتصرف قانوني ، ، لابد أن تتوفر فيه مجموعة من الأركان والشروط 1- التعبير عن الإرادة : الإرادة باعتبارها المكون الأساسي داخل المنظومة التعاقدية ، فان الوعد الجائزة بدورها يشترط فيها أن تتجه إرادة الملتزم إلى إنشاء الالتزام ، بعبارة أخرى الوعد بالجائزة يقتضي أن تكون هناك إرادة جدية وحقيقية ، وأن يكون لها تمظهر خارجي تتجه إلى إحداث أثر قانوني وهو الوعد بالجائزة ،بحيث أن الواعد يلزم نفسه بإعطاء الجائزة لمن قام بالعمل أو أتى بشيء الذي من أجله عبر الواعد عن رغبته في الالتزام بالجائزة ، في هذا الإطار لابد من التمييز بين الوعد بالجائزة كمؤسسة قانونية منتجة لكافة أثارها ، و التسويق أو الدعاية التي قد تنتج عن طرف لا يوجه إرادته إلى إحداث أثر قانوني معين ، مثاله التاجر الذي يعلن عن جائزة لمن يكتشف عيبا في سلعته ، فهنا التاجر لم يكن جديا في توجيه ارداته إلى إحداث اثر قانوني بقدر ما كان غرضه التسويق والدعاية لسلعته ، وهذه الإرادة يجب أن تكون خالية من جميع عيوب الإرادة التي نضمها المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود من الفصل 39 إلى الفصل 50.
باستثناء التدليس، لأنه لا يمكن تصوره في الإرادة المنفردة.
بالاضافة إلى ذلك يشترط أن تكون هذه الإرادة صادرة من طرف شخص كامل الأهلية ، ذلك بأن يكون راشدا ، ببلوغه سن الأهلية ، وأن لا يكون محجورا عليه لسفه أو جنون أو عته ، وهذا التعبير الصريح والجدي عن الرغبة في الالتزام بالوعد بالجائزة ، ألزمه المشرع المغربي بضرورة توجيهه إلى الجمهور، المقصود هنا بالجمهور العدد الغير المحدد من الناس الذين لا يعرفهم الواعد بذواتهم ،وإن كان يعرفهم بصفاتهم ، فالوعد بالجائزة يجب أن ينسحب إلى العموم ، ليس إلى أشخاص معينين ، لأنه حينئذ لا نكون أمام وعد بجائزة ، إنما أمام عقد يقوم على اقتران الإيجاب بالقبول ، وهذا الشرط يمكن أن نستشفه من خلال مجموعة من المصطلحات التي استعملها المشرع المغربي في الفصل 15 من قانون الالتزامات والعقود ، التي توحي بشكل واضح بأن الوعد بالجائزة يجب أن يوجه إلى الجمهور، إلا أنه تجب الإشارة إلى أنه لا يوجد هناك ما يمنع من تخصيص الجمهور بصفات معينة ، كأن يوجه الوعد إلى فئة معينة من الخبراء والأطباء ، أو المهندسين ، أو الطلبة.
.
.
.
.
.
كما اشترط المشرع المغربي ، كسائر الحال قي مختلف التشريعات العربية المقارنة على ضرورة أن يتم التعبير عن الإرادة المتعلقة بالوعد الجائزة الموجهة إلى الجمهور بصورة علنية ، وذلك حتى يتيسر للعديد من الناس العلم بهذه الإرادة ، ويكون ذلك باستخدام مختلف وسائل الإشهار ، 2- المحل في الوعد بالجائزة يقصد بالمحل في المنظومة التعاقدية ، الإجابة عن السؤال المتعلق بماذا التزم المدين المتعاقد ؟ أهمية المحل كركن في الوعد بالجائزة يتجسد من خلال صورتين أساسيتين ، هما العمل الموعود عليه ، الجائزة ذاتها ، فاستحقاق هذه الأخيرة تقتضي من الغير القيام بعمل معين ، هذا الأخير –العمل- يجب أن تتوفر فيه شروط السبب وعلى رأسها المشروعية ، وذلك بأن لا يكون مخالفا للنظام العام والأخلاق الحميدة ، من الأمثلة عن العمل الذي قد يشكل محلا للوعد بالجائزة كثيرة جدا ، كمن يجد شيئا من أجله أطلق الوعد وعدا بالحائزة لمن يحصل عليه ، الوصول إلى علاج مرض معين ، الفوز بمسابقة .
.
.
قيام الغير من الجمهور بهذا العمل يجب أن يكون مقترنا بجائزة ، نشير فيما يخص هذه النقطة بأن المشرع المغربي اعتبر الغير الذي يأتي بشيء معين أو يقوم بعمل ، وهو يكون جاهلا بأن هنالك وعد بجائزة من أجل بهذا العمل أو الشيء الذي أتى به ، فانه يكون مستحقا للجائزة ، الجائزة هي الركيزة الأساسية للوعد بالجائزة ، ذلك باعتبار أنه على أساسها ينشغل الموعود له بالعمل الذي يكون محلا لهذا الوعد ، هذه الجائزة يجب أن تتوفر فيها الشروط التي حددها المشرع المغربي من الفصل 57 الى 61 من قانون الالتزامات والعقود المتعلقة بأن تكون موجودة أو قابلة للوجود ، أن تكون ممكنة ، معينة أو قابلة للتعيين ، هذه الجائزة لم تشترط فيها اغلب التشريعات المقارنة المقرة للوعد بالجائزة كمؤسسة قانونية تنتج عن الإرادة المنفردة ، أي شروط معينة في تحديد طبيعتها ، بحيث يمكن أن تكون ذات قيمة مالية ، كالنقود أو السيارة ، أو ذات قيمة معنوية وأدبية ، كالوسام أو الشهادة أو الميدالية 3- السبب : كركن للوعد بالجائزة يقصد بالسبب الغرض الذي يرمي المتعاقد الوصول إليه من خلال التزامه التعاقدي ، فهنا نكون أمام الإجابة على سؤال لماذا التزم المدين ؟ وقد خص المشرع المغربي السبب بالتنظيم من الفصل 62 إلى 65 من قانون الالتزامات والعقود.
فالسبب في الوعد بالجائزة يتجلى من خلال الباعث الذي يسعى الى تحقيقه من الطرفين معا ،فالنسبة للواعد الغرض يتجسد في التصرف الذي يقوم به الموعود له ، هذا الأخير يكون باعثه الأساسي والجوهري هو الحصول على الجائزة ، ويشترط أن يكون الباعث في الالتزام بالوعد بالجائزة مشروعا ، فلا يتصور أن يكون السبب من الوعد بالجائزة هو الحصول على قنينة خمر أو قتل شخص أو غير ذلك من الأفعال غير المشروعة المخالفة للنظام العام ، والأخلاق الحميدة ، ثانيا – آثار الوعد بالجائزة إذا توفرت الأركان والشروط السالفة الذكر ، فان الوعد بالجائزة يصبح حالا وقائما ، منتجا لكافة آثاره ، إلا أنه ينبغي التمييز بين الآثار المترتبة عنه بين ما إذا كان الوعد الجائزة محدد المدة ، أم أنه غير محدد المدة .
1- الوعد بالجائزة المحدد المدة : المشرع المغربي طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 16 من قانون الالتزامات والعقود ، ألزم الواعد بعدم الرجوع عن وعده طوال المدة التي حددها للوعد ، بحيث ينص على انه " يفترض فيمن حدد أجلا لانجاز ذلك الفعل أنه تنازل عن حقه في الرجوع عن وعده إلى انتهاء ذلك الأجل " وعليه فانه إذا تم العمل قبل انقضاء المدة المحددة ، فان من قام به يصبح دائنا للواعد بالجائزة ، بمفهوم المخالفة فانه إذا انقضت هذه المدة دون أن يتقدم أحد بالعمل المقصود أو يعثر على الشيء المفقود ، فان الواعد ينقضي التزامه .
في هذه الحالة قد يثار إشكال يتعلق بما إذا قام أحد الأشخاص بالموعود عنه بجائزة بعد انقضاء هذه المدة ، فهل يستحق الجائزة ؟ أم أنه لن ينال أي شيء إزاء قيامه بهذا العمل ؟ نفس الشيء بالنسبة للشخص الذي قام بالعمل الموعود عنه قبل إعلان الملتزم للوعد بالجائزة .
في هذا الإطار ذهبت أغلب الفقهاء إلى أن أننا في كلتا الحالتين ، لا نكون أمام وعد بجائزة ، لأن الواعد يكون ملزما بوعده بمجرد التعبير عنه ،و ليس قبل ذلك ، يكون ملزما كذلك في حدود المدة التي قام بتحديدها ، لكن هذا لا يعني ضياع حق الغير، بل يمكن له أن يقوم بمطالبة الواعد بالتعويض ،ذلك على أساس القواعد العامة للإثراء بلا سبب .
2- الوعد بالجائزة غير محدد المدة : إن الوعد بالجائزة غير المحدد المدة يعتبر من أكثر الصور حرصية وإلزامية للواعد الملتزم ، بحيث يبقى ملتزما بوعده إلى حين القيام بالعمل الذي كان محلا للوعد بالجائزة ، أو إلى حين الرجوع في وعده ، وذلك خلال مدة معقولة يتكفل القضاء بتحديدها ، ويشترط في الرجوع في الوعد بالجائزة أن يتم إشهاره بنفس وسائل الإشهار والإعلام التي تم من خلالها التعبير عن الوعد بالجائزة ، هذا بشرط أن لا يكون أحد قد بدا بالشروع بتنفيذ العمل الموعود بالجائزة من أجله، تتقادم دعوى الوعد بالجائزة بمرور15 سنة من عدم القيام بالعمل الذي تم الوعد من أجله ، هذا ما نستقرئه من خلال القواعد العامة المنظمة للتقادم، بحيث ان الفصل 387 من قانون الالتزامات والعقود ينص على أنه " كل الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بمرور خمسة عشر سنة .
.
.
" و في الأخير تجب الإشارة إلى أن المشرع المغربي من خلال تنظيمه لمؤسسة الوعد بالجائزة تطرق إلى حالة انجاز أشخاص متعددون في وقت واحد الفعل الموعود بالجائزة من اجله ، في هذه الحالة نص المشرع المغربي على أن الجائزة تقسم فيما بينهم ، أما إذا تم انجاز العمل في أوقات مختلفة ، فان المنطق الذي انسجم معه المشرع المغربي ، فان الجائزة تكون لأسبقهم تاريخا.