سلطة المحكمة في توجيه مسطـرة الشقـــاق
التطليق للشقاق في القانون المغربي مجموعة مواضيع في قانون الأسرة للإستعانة بها في البحوث التحضير للمباريات القانونية
فسلطة المحكمة في المجال الإجرائي تبرز الدور الهام الذي يقوم به القضاء لمنح الحماية القضائية للمتقاضين، والتي بدونها تكون القاعدة القانونية عاجزة عن إنتاج الفعالية الكامنة فيها، بحيث إن التدخل القضائي في توجيه الخصومة يقوم على أساس أن المصلحة العامة تتطلب ذلك، حفاظا على الضمانات الأساسية للتقاضي التي تحمي في مجملها مصالح الدولة من خلال الرقابة و الإشراف القضائي، و مصالح المتقاضين عبر الحرص على احترام مبدأ الوجاهية و حقوق الدفاع، لذلك فهو يشكل في الحقيقة مظهـرا من مظاهـر السلطة التقديريـة الممنوحة للقضاء، الموجهـة والمؤطرة بالقواعد القانونية وفقا للمصلحة المحمية بهذه القواعـد عامة كانت أم خاصة( ).
والتدخل القضائي في مجال تسير و توجيه الخصومة يقتضي تجاوز المفهوم التقليدي السلبي للحياد، الذي يعني اكتفاء القاضي بتقدير ما يقدمه الخصوم من أدلة بالطرق و الإجراءات القانونية، إلى الأخذ بمفهومه الإيجابي التدخلي الذي يعطي له إمكانية الاجتهاد بالبحث و التحري و المواجهة بين الأطراف المتنازعة، اعتمـادا على ما يخوله له القانـون من صلاحيات في هذا الإطـار لأجل توزيـع العدالة بينهـم ( ).
ويجدر بنا التأكيد إلى أن ما انتهت إليه التشريعات الوضعية بخصوص منح القضاء سلطة توجيه الخصومة، سبقها إليه الفقه الإسلامي بإعطائه للقاضي صلاحيات مهمة في هذا المجال، يقول ابن فرحون ( ) : » إن نقص من دعواه ما فيه بيان مطلبه أمره بتمامه، و إن أتى بإشكال أمره ببيانه فإن صحت الدعوى سأل المطلوب عنها، و إن أبهم المطلوب أمره بتفسيره حتى يرتفع الإشكال و قيد ذلك إن كان فيه طـول و التباس .
.
.
« ثم يضيف :» و إن كانت مجملة سألهم عن تفسيرها و إن كانت غير كاملة أعرض عنها إعراضا جميلا ، فأعلم أن المدعـي لم يأت بشيء جديد و منها لا يسمع الدعـوى في الأشياء التافهة الحقيرة التي لا يتشاح العقـلاء فيها «.
ولما كان التوجه التشريعي المكرس في مدونة الأسرة، يرمي إلى جعل كل القضايا المرتبطة بتطبيقها تخضع لرقابة و إشراف قضاء الأسرة، و هو ما يمكن تسميته بالتدخل القضائي في مدونة الأسرة ( La Judiciarisation du code de la famille)، فقد خول المشرع للمحكمة سلطة توجيه مسطرة الشقاق، بحيث إن الفائدة العملية من ذلك تفعيل الضوابط الإجرائية وفقا لظروف كل قضية، للحيلولة دون الظلم والتعسف في استعمال رخصة الالتجاء إلى طلب تطبيقها من خلال التحايل على القانون، خاصة في ظل ضعف الوازع الديني و غياب الوعي القانوني حول المضامين الحقيقية لمسطرة الشقـاق، لذلك فمصلحة الأسـرة بالدرجة الأولى و مصلحة أفرداها اقتضت تقييد حل النزاعات الزوجية برقابة و إشراف القضاء.
والمحكمة أثناء ممارستها لوظيفتها القضائية المرتبطة بتفعيل مسطرة الشقاق تخضع لمجموعة من القيود والضوابط القانونية، منها ما هو عام يتعلق بجميع المساطر القضائية، كاحترام موضوع النزاع طبقا لفصل 3 من قانون المسطرة المدنية، وتسبيب الأحكام الذي يعتبر من أهم الضمانات التي فرضها القانون على القضاة للتأكد من مدى حسن تطبيقهم للقانون، حيث إن التسبيب يضطلـع بـدور هام في تحقيق احترام القانون للمبادئ الإجرائية التي تكفل حياد القاضي بمفهومه العـام ( )، ومنها ما هو خاص بمسطرة الشقاق تتعلق أساسا بضرورة مراعاة مراحلها الإجرائية، حيث إن المحكمة ملزمة بالقيام بكل المحاولات التي من شأنها أن تؤدي إلى التوفيق وإصلاح ذات البين بين الزوجين، إذ لا يجوز لها أن تحكم بالتطليق إلا بعد استنفاذ كل تلك المحاولات، وفي حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين لما في ذلك من تفكيك للأسرة و الإضرار بالأطفال ( المادة 70 من مدونة الأسرة )، و كل ذلك مع احترام أجل البت في دعاوي الشقاق المحدد قانونا طبقا للمادة 97 من المدونة في ستة أشهر، الذي تجاوز من خلاله المشرع الفراغ التشريعي الذي كان في ظل مدونة الأحوال الشخصية، بخصوص أجل الفصل في القضايا المرتبطة بانحلال العلاقة الزوجية سواء عن طريق الطلاق أو التطليق، حيث إن طول أجل التقاضي يعرض الأسرة للعديد من المشاكل نتيجة وضعية اللااستقرار التي تكون عليها.