مقال بعنوان أسس تدبير المرافق العمومية بالمغرب: زخم دستوري تعترضه صعوبة في التفعيل

أسس تدبير المرافق العمومية بالمغرب: زخم دستوري تعترضه صعوبة في التفعيل

مقال بعنوان أسس تدبير المرافق العمومية بالمغرب: زخم دستوري تعترضه صعوبة في التفعيل

رابط تحميل المقال اسفل التقديم

نص الدستور المغربي الصادر في 29 يوليوز 2011 (1) على مجموعة من المبادئ والآليات المؤطرة التدبير المرافق العمومية، بعضها يكتسي طابعا تقليديا، نشأ مع ظهور مفهوم المرفق العمومي وتطور مع تطور وظائف الدولة وتدخلاتها، والبعض الآخر، ارتبط بالاتجاهات الجديدة في ميدان تحديث التدبير العمومي وتعزيز أداء المرافق العمومية والرفع من جودتها.

ولا شك في أن تكريس المبادئ التقليدية المؤطرة السير المرافق العمومية، إلى جانب الارتقاء بعدد من المبادئ والمعايير الحديثة الأخرى عبر تضمينها في الوثيقة الدستورية، يؤشر على أن المرفق العمومي كان ومازال يشكل أحد الأسس المهمة التي تستمد منها الدولة مبرر وجودها وشرعية استمراريتها. إن الرهان لم يعد يقتصر على ضرورة توفير المرافق العمومية وتغطيتها لكافة المجالات، بل أصبحيطرح والحاج على مستوى نجاعة هذه المرافق في إشباع احتياجات المواطنين وتحقيق رضاهم. هذا التحول في المطالب والانتظارات العكس بشكل أوضح في علاقة المواطنين الشعب بالسلطات العمومية الحكام، فأصبحت هذه العلاقة، في العادة إيجابية ومبنية على الثقة حينما تودي المرافق العمومية وظائفها على نحو جيد ينال جدا أدنى من رضا المواطن وفي المقابل، متشنجة ومرتكزة على التسلط تعاني من ضعف منسوب الثقة عندما تعجز المرافق العمومية عن خدمة المواطن بالكيفية

(1) دستور صادر بتنفيذه الظهير رقم 11191، تاريخ 20 يوليوز (الله، منشور بالجريدة الرسمية عدد 1964 مكرر، بتاريخ 2011 300 يوليوز

312

عصام القرني

المطلوبة، وبالتالي فمستوى جودة الخدمة العمومية بدولة ما، بشكل معيارا حاسما في تكريس شرعية نظامها الحاكم وتحديد طبيعة العلاقة بين الحكام والشعب داخل هذه الدولة. ووعيا بأهمية هذا المعطى الذي تتجاوز أبعاده ما هو إداري واجتماعي إلى ما هو سياسي وأمني عمل المشرع الدستوري خلال سنة 2011 التي تميزت بسياق وطني وإقليمي خاص، على تقوية التأطير الدستوري لمبادئ وقواعد تدبير المرافق العمومية وتعزيز حكامتها، بغاية خلق دينامية جديدة في ميدان النشاط الإداري على مستوى الممارسة، في أفق تجاوز الاختلالات والأعطاب المتعددة التي ظلت عصية. من الإصلاح على امتداد عقود من الزمن.

تأسيسا على ما سبق، تعالج هذه المساهمة إشكالية محورية يثيرها البحث في هذا الموضوع، تتمثل في التالي: إلى أي حد العكست المبادئ والمقتضيات الدستورية المؤطرة لتدبير المرافق العمومية في أداء هذه المرافق على مستوى الممارسة مختبرين بذلك مدى صحة فرضية واتساع الهوة بين تقدم المقتضيات الدستورية وتخلف الممارسة الإدارية في ميدان تدبير المرافق العمومية، وذلك من خلال المحورين الرئيسيين التاليين:

المحور الأول: تطور الأسس الدستورية التدبير المرافق العمومية. المحور الثاني: محدودية تنزيل المرتكزات الدستورية التدبير المرافق العمومية.

المحور الأول

تطور الأسس الدستورية لتدبير المرافق العمومية

تخضع المرافق العمومية في تدبيرها المجموعة من السيادي والقواعد والآليات الكفيلة بضمان ممارسة النشاط الإداري بما يستجيب لحاجيات المواطنين داخل إطار المصلحة العامة. وقد تطورت هذه المبادئ والآليات مع تطور نشاط الأجهزة العامة، متأثرة في ذلك بتنامي سقف مطالب المرتفقين إلى جانب تدخل السلطة القضائية التي استحدثت عددا من القواعد ضمن اجتهاداتها، بهدف ضبط العلاقة بين المرافق والمرفق العمومي، قبل أن يتدخل المشرع البلورة هذه الاجتهادات القضائية المتواترة في صيغة قواعد قانونية آمرة.

ونظرا لما لبعض المبادئ من أهمية خاصة باعتبارها تعكس عمق مفهوم المرفق العمومي، فقد حظي البعض منها بمكانة متميزة على المستوى التشريعي عبر إكسابها الصبغة الدستورية منذ صدور أول دستور للمملكة مع تكريس هذه المبادئ وإضافة غيرها في الدساتير اللاحقة خاصة الدستور الحالي (أولا)، وهو التوجه نفسه الذي تحته الكثير من الدساتير المقارنة. غير أنه ومع توالي التحولات التي شهدها المرفق العمومي، كان لزاما على المشرع الدستوري المغربي، مسايرة لهذه التحولات، غير الارتقاء بمجموعة

المجلة المغربية للإدارة المحلية والسيد عدد 100 بار

أمن تدبير المرافق العمومية بالمغرب: زخم دستوري تحرضه صعوبة في التفعيل

313

من القيم والقواعد والآليات المرتبطة أساسا بحكامة المرافق العمومية إلى المرتبة الدستورية (ثانيا)، غايته في ذلك إعطاء دفعة قوية في اتجاه تجويد أداء المرافق العمومية على مستوى الممارسة.

أولا: تكريس المبادئ التقليدية لتدبير المرافق العمومية

على غرار عدد من الدساتير المعاصرة المقارنة اهتم الدستور المغربي الصادر سنة 2011 بالمرفق العمومي، على اعتبار أنه يمثل أهم نشاط للدولة الحديثة ويعكس صورتها كما يحدد طبيعة علاقتها مع المواطنين، ونظرا لما للمبادئ التقليدية المتعلقة بسير المرافق العمومية من أهمية بالغة في الحفاظ على جوهر المرفق العمومي وفلسفته عمل المشرع الدستوري على تكريس هذه المبادئ في كنه الوثيقة الدستورية، ضمن باب أفرده بشكل خاص للحكامة الجيدة (2)، وهي المرة الأولى التي يخصص فيها الدستور المغربي بابا كاملا لمقتضيات الحكامة ومؤسساتها، وينص بشكل صريح ومباشر على مجموعة من المبادئ والمعايير والآليات المتعلقة بسير المرافق العمومية، وهو ما كان غالبا في الدساتير السابقة. وهكذا، فقد تم التنصيص في الفصل 154 من الدستور بشكل صريح على مبدأ المساواة بين المواطنين في الولوج إلى المرافق العمومية ويعتبر هذا المبدأ من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها سير المرافق العمومية، وينبثق من المبدأ العام للمساواة المنصوص عليه في تصدير الدستور وفي عدد من فصوله تماشيا مع المواثيق والمعاهدات الدولية (3) خاصة تلك المرتبطة بحقوق الإنسان، وقبلها تعاليم الديانات السماوية، والتي تفرض الالتزام بكافة أبعاد وتمظهرات مبدأ المساواة.

وبموجب هذا المبدأ، في علاقته بالمرفق العمومي، فإن جميع المواطنين سواسية ومتساوون على مستوى الحق في الاستفادة من الخدمات العمومية دون تمييز بين الجنس أو العرق أو اللون أو الدين أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي... على اعتبار أنهم، في المقابل، متساوون أيضا في الالتزامات التي يفرضها سير المرفق العمومي، خاصة على مستوى تحمل التكاليف العمومية وفقا للمقدرة التكليفية لكل )4( فرد

وينتج عن فرض هذا المبدأ، بالإضافة إلى المساواة في الولوج إلى خدمات المرافق العمومية المساواة في تقلد المناصب والوظائف العمومية داخل هذه المرافق وفقا للاستحقاق، ثم حياد المرفق العمومي (5) وانحيازه دائما إلى تحقيق المصلحة العامة واجتنابه المحاباة أي جهة أو مصلحة الخاصة أو

الباب الثاني عشر من الدستور المغربي لسنة 2011، ويضم الفصول : من 194 إلى 171 (3 ) في مقدمة هذه المواثيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

(4) الفصل 29 من الدستور المغربي السنة : الله (3) الحياد هو المبدأ الرابع السير المرفق العمومي وفق ما جاء به الأستاذ الريس رولانده، والذي بموجبه تعتبر متطلبات المصلحة العامة الهاجس الوحيد الذي يجب أن توجه انتقال | العراق العموم 6, 1947, 18.

السبعة المغربية الإدارة المحلية والنساء عند 100، يطول ابر 2

314

عصام القرني

فتوية، وفي هذا الصدد، نص الدستور على مبدأ الحياد، بمناسبة تحديده للإطار الذي يحكم ممارسة أعوان المرافق العمومية لوظائفهم، حيث ربط هذا المبدأ باحترام القانون والشفافية والنزاهة والمصلحة

العامة. غير أن مبدأ المساواة بالطبع، لا يمنع التعامل مع المواطنين المرتفقين بشكل متباين تبعا للتباين الموضوعي للوضعيات والفئات المعنية بخدمات المرفق العمومي (6)، وهنا يندرج التمييز أو الاستثناء الإيجابي الذي يهدف في النهاية إلى ابتغاء الإنصاف وتحقيق المصلحة العامة، وذلك من قبيل أن ينتفع من مرفق عمومي معين فقط الأشخاص المتوفرين على شروط محددة، أو كان تخصص خدمات عمومية حصرا لفئة اجتماعية هشة أو في وضعية صعبة، أو غيرها من الحالات التي يحدث فيها تمييز بناء على معايير موضوعية لا تخرج عن إطار المصلحة العامة.

إلى جانب هذا المبدأ، نص الدستور المغربي صراحة على مبدأ استمرارية المرفق العمومي في أداء الخدمات (1) مكرما بذلك أحد المبادئ التقليدية التي يتأسس عليها مفهوم المرفق العمومي، وتبعا لهذا المبدأ الدستوري، فالدولة ملزمة بضمان استمرارية نشاط المرفق العمومي، يشكل منتظم ومطرد دون القطاع قد يؤدي إلى حرمان المواطنين من خدمات المرافق العمومية في الأوقات العادية وفي أوقات الأزمات. ولأجل ذلك نص القانون على مجموعة من الضوابط والمقتضيات المنظمة للحقوق والوضعيات التي من شأن ممارستها التعارض مع مبدأ استمرارية المرفق العمومي، خاصة حق الإضراب وحل الاستقالة وعدم إمكانية الحجر على الوسائل المالية والمادية الضرورية لسير المرفق العمومي إضافة إلى إقرار نظريتي الموظف الفعلي والظروف الطارئة كالبات استثنائية للحفاظ على استمرارية سير المرافق العمومية في الأوضاع الخاصة والظروف غير المتوقعة.

ولا شك في أن استمرارية المرفق العام هو حاجة للمواطنين وضرورة للدولة في حد ذاتها، من حيث

كونه يعكس استمرارية أجهزة الدولة ومؤسساتها، وبالتالي لا يكفي العمل على إحداث المرافق العمومية

وإنما كذلك من الضروري القيام بتأمين استمراريتها (8). في مقابل التنصيص على هذين المبدأين الأساسيين، يسجل أن المشرع الدستوري لم يعمل على دسترة المبدأ التقليدي الثالث المتعلق بقابلية المرفق للتغيير والتعديل، والذي يجعل من مسألة تكيف المرفق وتأقلمه مع التطورات والتغيرات التي يشهدها المجتمع ضرورة الاستجابته للحاجيات ذات الأولوية والراهنية بالنسبة للمواطنين وتعتقد بأن هذا المبدأ لا يقل مرتبة عن باقي المبادئ الأخرى، بل إنه يكسي أهمية بالغة نظرا للتحولات المجتمعية والتقلبات الاقتصادية المتسارعة المميزة للزمن

(7) الفصل 194 من الدستور المغربي لسنة 2011. ) حميد ابو لاس والستمرارية المرفق العام في زمن كورونا.. له مقال علمي منشور بجريدة هسبريس الإلكترونية يوم 20 أبريل 2020 تمت زيارة الموقع بتاريخ 20 يناير 2003

المحطة العربية الإدارة المحلية والتنبية عدد لال يناير ايران 2001

رابط التحميل

https://drive.google.com/file/d/18PvgnaXF7QMbc6jJ5v8CBxjFC0v9xIeC/view?usp=drivesdk

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0