الراشد بالله المنصور بن المسترشد بالله 529 هـ ـ 530 ه

الخلافة في الإسلام، تراجم الخلفاء، حياة الصحابة، سيرة الصحابة، الأحاديث في حياة الصحابة

الراشد بالله المنصور بن المسترشد بالله 529 هـ ـ 530 ه

الراشد بالله : أبو جعفر المنصور بن المسترشدولد في سنة اثنتين و خمسمائة و أمه أم ولد يقال : إنه ولد مسدودا فأحضروا الأطباء فأشاروا بأن يفتح له مخرج بآلة من ذهب ففعل به ذلك فنفعو خطب له أبوه بولاية العهد سنة ثلاث عشرة و بويع له بالخلافة عند قتل أبيه في ذي القعدة سنة تسع و عشرينو كان فصيحا أديبا شاعرا شجاعا سمحا جوادا حسن السيرة يؤثر العدل و يكره الشرو لما عاد السلطان مسعود إلى بغداد خرج هو إلى الموصل فأحضروا القضاة و الأعيان و العلماء و كتبوا محضرا فيه شهادة طائفة بما جرى من الراشد من الظلم و أخذ الأموال و سفك الدماء و شرب الخمر و استفتوا الفقهاء فيمن فعل ذلك : هل تصح إمامته ؟ و هل إذا ثبت فسقه يجوز لسلطان الوقت أن يخلعه و يستبدل خيرا منه ؟ فأفتوا بجواز خلعه و حكم بخلعه أبو طاهر بن الكرخي قاضي البلد و بايعوا عمه محمد بن المستظهر و لقب المقتفي لأمر الله و ذلك في سادس عشر من ذي القعدة سنة ثلاثينو بلغ الراشد الخلع فخرج من الموصل إلى بلاد آذربيجان و كان معه جماعة فقسطوا على مراغة مالا و عاثوا هناك و مضوا إلى همذان و أفسدوا بها و قتلوا جماعة و صلبوا آخرين و حلقوا لحى جماعة من العلماء ثم مضوا إلى أصبهان فحاصروها و نهبوا القرىو مرض الراشد بظاهر أصبهان مرضا شديدا فدخل عليه جماعة من العجم كانوا فراشين معه فقتلوه بالسكاكين ثم قتلوا كلهم و ذلك في سادس عشر رمضان سنة اثنتين و ثلاثين و جاء الخبر إلى بغداد فقعدوا للعزاء يوما واحداقال العماد الكاتب : كان للراشد الحسن اليوسفي و الكرم الحاتميقال ابن الجوزي : و قد ذكر الصولي أن الناس يقولون : إن كل سادس يقوم للناس يخلع فتأملت هذا فرأيته عجباقلت : و قد سقت بقية كلامه في الخطبة ولم تؤخذ البردة و القضيب من الراشد حتى قتل فأحضرا بعد قتله إلى المقتفيالمقتفي لأمر الله محمد بن المستظهر بالله 530 هـ ـ 555 هالمقتفي لأمر الله : أبو عبد الله محمد بن المستظهر باللهولد في الثاني و العشرين من ربيع الأول سنة تسع و ثمانين و أربعمائة و أمه حبشية و بويع له بالخلافة عند خلع ابن أخيه و عمره أربعون سنة و سبب تلقيبه بالمقتفي أنه رأى في منامه قبل أن يستخلف بستة أيام رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يقول له : سيصل هذا الأمر إليك فاقتف لأمر الله فلقب المقتفي لأمر الله و بعث السلطان مسعود بعد أن أظهر العدل و مهد بغداد فأخذ جميع ما في دار الخلافة من دواب و أثاث و ذهب و ستور و سرادق و لم يترك في إصطبل الخلافة سوى أربعة أفراس و ثمانية أبغال برسم الماء فيقال : إنهم بايعوا المقتفي على أن لا يكون عنده خيل و لا آلة سفرثم في سنة إحدى و ثلاثين أخذ السلطان مسعود جميع تعلق الخليفة و لم يترك له إلا العقار الخاص و أرسل وزيره يطلب من الخليفة مائة ألف دينار فقال المقتفي : ما رأينا أعجب من أمرك ! أنت تعلم أن المسترشد سار إليك بأمواله فجرى ما جرى و أن الراشد ولي ففعل ما فعل و رحل و أخذ ما تبقى و لم يبق إلا الأثاث فأخذته كله و تصرفت في دار الضرب و أخذت التركات و الجوالي فمن أي وجه نقيم لك هذا المال ؟ و ما بقي إلا أن نخرج من الدار و نسلمها فإني عاهدت الله أن لا آخذ من المسلمين حبة ظلما فترك السلطان الأخذ من الخليفة و عاد إلى جباية الأملاك من الناس و صادر التجار فلقي الناس من ذلك شدة ثم في جمادى الأولى أعيدت بلاد الخليفة و معاملاته و التركات إليهو في هذه السنة رقب الهلال الثلاثين من شهر رمضان فلم ير فأصبح أهل بغداد صائمين لتمام العدة فلما أمسوا رقبوا الهلال فما رأوه أيضا و كانت السماء جلية صاحية و مثل هذا لم يسمع بمثله في التواريخو في سنة ثلاث و ثلاثين كان ببحترة زلزلة عظيمة عشرة فراسخ في مثلها فأهلكت خلائق ثم خسف ببحترة و صار مكان البلد ماء أسودو فيها استولى المراء على مغلات البلاد و عجز السلطان مسعود و لم يبق له إلا الاسم و تضعضع أيضا أمر السلطان سنجر فسبحان مذل الجبابرة و تمكن الخليفة المقتفي و زادت حرمته و علت كلمته و كان ذلك مبدأ صلاح الدولة العباسية فلله الحمدو في سنة إحدى و أربعين قدم السلطان مسعود بغداد و عمل دار ضرب فقبض الخليفة على الضراب الذي تسبب في إقامة دار الضرب فقبض مسعود على حاجب الخليفة فغضب الخليفة و غلق الجامع و المساجد ثلاثة أيام ثم أطلق الحاجب فأطلق الضراب و سكن الأمرو فيها جلس ابن العبادي الواعظ فحضر السلطان مسعود و تعرض بذكر مكس البيع و ما جرى على الناس ثم قال : يا سلطان العالم أنت تهب في ليلة لمطرب بقدر هذا الذي يؤخذ من المسلمين فاحسبني ذلك المطرب وهبه لي و اجعله شكرا لله بما أنعم عليك فأجاب و نودي في البلد بإسقاطه و طيف بالألواح التي نقش عليها ترك المكوس و بين يديه الدباب و البوقات و سمرت و لم تزل إلى أن أمر الناصر لدين الله بقلع الألواح و قال : ما لنا حاجة بآثار الأعاجمو في سنة ثلاث و أربعين حاصرت الفرنج دمشق فوصل إليها نور الدين محمود بن زنكي و هو صاحب حلب يومئذ و أخوه غازي صاحب الموصل فنصر المسلمون و لله الحمد و هزم الفرنج و استمر نور الدين في قتال الفرنج و أخذ ما استولوا عليه من بلاد المسلمينو في سنة أربع و أربعين مات صاحب مصر الحافظ لدين الله و أقيم ابنه الظافر إسماعيلو فيها جاءت زلزلة عظيمة و ماجت بغداد نحو عشر مرات و تقطع منها جبل بحلوانو في سنة خمس و أربعين جاء باليمن مطر كله دم و صارت الأرض مرشوشة بالدم و بقي أثره في ثياب الناسو في سنة سبع و أربعين مات السلطان مسعودقال ابن هبيرة و ـ هو وزير المقتفي ـ : لما تطاول على المقتفي أصحاب مسعود و أساؤوا الأدب و لم يمكن المجاهرة بالمحاربة اتفق الرأي على الدعاء عليه شهرا كما دعا النبي صلى الله عليه و سلم على رعل و ذكوان شهرا فابتدأ هو و الخليفة سرا كل واحد في موضعه يدعو سحرا من ليلة تسع و عشرين من جمادى الأولى و استمر الأمر كل ليلة فلما تكامل الشهر مات مسعود على سريره و لم يزد على الشهر يوما و لا نقص يوماو اتفق العسكر على سلطنة ملكشاه و قام بأمره خاصبك ثم أن خاصبك قبض على ملكشاه و طلب أخاه محمدا من خوزستان فجاءه فسلم إليه السلطنة و أمر الخليفة حينئذ و نهى و نفذت كلمته و عزل من كان السلطان ولاه مدرسا بالنظامية و بلغه أن في نواحي واسط تخبطا فسار بعسكره و مهد البلاد و دخل الحلة و الكوفة ثم عاد إلى بغداد مؤيدا منصورا وزينب بغدادو في سنة ثمان و أربعين خرجت الغز على السلطان سنجر و أسروه و أذاقوه الذل و ملكوا بلاده و بقوا الخطبة باسمه و بقي معهم صورة بلا معنى و صار يبكي على نفسه و له اسم السلطنة و راتبه في قدر راتب سائس من ساستهو في سنة تسع و أربعين قتل بمصر صاحبها الظافر بالله العبيدي و أقاموا ابنه الفائز عيسى صبيا صغيرا و وهى أمر المصريين فكتب المقتفي عهدا لنور الدين محمود بن زنكي و ولاه مصر و أمره بالمسير إليها و كان مشغولا بحرب الفرنج و هو يفتر من الجهاد و كان تملك دمشق في صفر من هذا العام و ملك عدة قلاع و حصون بالسيف و بالأمان من بلاد الروم و عظمت ممالكه و بعد صيته فبعث إليه المكتفي تقليدا و أمره بالمسير إلى مصر و لقبه [ بالملك العادل ] و عظم سلطان المقتفي و اشتدت شوكته و استظهر على المخالفين و أجمع على قصد الجهات المخالفة لأمره و لم يزل أمره في تزايد و علوا إلى أن مات ليلة الأحد ثاني ربيع الأول سنة خمس و خمسين و خمسمائةقال الذهبي : كان المقتفي من سروات الخلفاء عالما أديبا شجاعا حليما دمث الأخلاق كامل السؤدد خليقا للإمامة قليل المثل في الأمة لا يجري في دولته أمر ـ و إن صغر ـ إلا بتوقيعه و كتب في خلافته ثلاث ربعات و سمع الحديث من مؤدبه أبي البركات بن أبي الفرج بن السنيقال ابن السمعاني : و سمع جزاء ابن عرفة مع أخيه المسترشد من أبي القاسم بن بيان روى عنه أبو منصور الجواليقي اللغوي إمامه و الوزير ابن هبيرة وزيره و غيرهما و قد جدد المقتفي بابا للكعبة و اتخذ من العقيق تابوتا لدفنه و كان محمود السيرة مشكور الدولة يرجع إلى الدين و عقل و فضل و رأي و سياسة جدد معالم الإمامة و مهد رسوم الخلافة و باشر الأمور بنفسه و غزا غير مرة و امتدت أيامهو قال أبو طالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع الهاشمي في كتاب المناقب العباسية : كانت أيام المقتفي نضرة بالعدل زاهرة بفعل الخيرات و كان على قدم من العبادة قبل إفضاء الأمر إليه و كان في أول أمره متشاغلا بالدين و نسخ العلوم و قراءة القرآن و لم ير مع سماحته و لين جانبه و رأفته بعد المعتصم خليفة في شهامته و صرامته و شجاعته مع ما خص به من زهده و ورعه و عبادته و لم تزل جيوشه منصورة حيث يممتو قال ابن الجوزي : من أيام المقتفي عادت بغداد و العراق إلى يد الخلفاء و لم يبق له منازع و قبل ذلك من دولة المقتدر إلى وقته كان الحكم للمتغلبين من الملوك و ليس للخليفة معهم إلا اسم الخلافة و من سلاطين دولته السلطان سنجر صاحب خراسان و السلطان نور الدين محمود صاحب الشام و كان جوادا كريما محبا للحديث وسماعه معتنيا بالعلم مكر ما لأهلهقال ابن السمعاني : [ حدثنا أبو المنصور الجواليقي حدثنا المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين حدثنا أبو البركات أحمد بن عبد الوهاب حدثنا أبو محمد الصيرفيني حدثنا المخلص حدثنا إسماعيل الوراق حدثنا حفص بن عمرو الربالي حدثنا أبو سحيم حدثنا عبد العزيز ابن صهيب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يزداد الأمراء إلا شدة و لا الناس إلا شحا و لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ] و لما عاد المقتفي الإمام أبا منصور الجواليقي النحوي ليجعله إماما يصلى به دخل عليه فما زاد على أن قال : السلام على أمير المؤمنين و رحمه الله ـ و كان ابن التلميذ النصراني الطبيب قائما ـ فقال : ما هكذا يسلم على أمير المؤمنين يا شيخ فلم يلتفت إليه ابن الجواليقي و قال : يا أمير المؤمنين سلامي هو ما جاءت به السنة النبوية و روى الحديث ثم قال : يا أمير المؤمنين لو حلف حالف أن نصرانيا أو يهوديا لم يصل إلى قلبه نوع من أنواع العلم على الوجه لما لزمته كفارة لأن الله ختم على قلوبهم و لن يفك ختم الله إلا الإيمان فقال المقتفي : صدقت و أحسنت المقتفي ألجم ابن التلميذ بحجر مع غزارة أدبهو ممن مات في أيام المقتفي من الأعلام : ابن الأبرش النحوي و يونس بن مغيث و جمال الإسلام بن المسلم الشافعي و أبو القاسم الأصفهاني صاحب لترغيب و ابن برجان و المازري المالكي صاحب كتاب [ المعلم بفوائد مسلم ] و الزمخشري و الرشاطي صاحب [ الأنساب ] و الجواليقي ـ و هو إمامه ـ و ابن عطية صاحب التفسير وأبو السعادات ابن الشجري و الإمام أبو بكر بن العربي و ناصح الدين الأرجاني الشاعر و القاضي عياض و الحافظ أبو الوليد بن الدباغ و أبو الأسعد هبة الرحمن القشيري و ابن علام الفرس المقرئ والرفاء الشاعر و الشهرستاني صاحب [ الملل و النحل ] و القيسراني الشاعر و محمد بن يحيى تلميذ الغزالي و أبو الفضل بن ناصر الحافظ و أبو الكرم الشهرزوري المقرئ و الوأواء الشاعر و ابن الجلاء إمام الشافعية و خلائق آخرون

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0