الوجه الثامن ان رسول الله قال لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود
الوجه الثامن ان رسول الله قال لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود
الْوَجْهُ الثَّامِنُ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَ الْيَهُودُ فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» .
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّيَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو هَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ يُصَحِّحُ مِثْلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ تَارَةً، وَيُحَسِّنُهُ تَارَةً، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورُ مَشْهُورٌ ثِقَةٌ ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ كَذَلِكَ وَسَائِرُ رِجَالِ الْإِسْنَادِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ إلَى
وَصْفِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَشْهَدُ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ السَّبْتِ.
وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ قِصَّةَ الشُّحُومِ وَهَذَا نَصٌّ فِي تَحْرِيمِ اسْتِحْلَالِ مَحَارِمِ اللَّهِ بِالِاحْتِيَالِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ النَّبِيُّ أَدْنَى الْحِيَلِ، لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ ثَلَاثًا مَثَلًا قَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وَمِنْ أَسْهَلِ الْحِيَلِ عَلَيْنَا أَنْ يُعْطِيَ بَعْضَ السُّفَهَاءِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَيَسْتَعِيرَهُ لِيَنْزُوَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ مِنْ نِكَاحِ رَاغِبٍ، فَإِنَّ ذَاكَ يَصْعُبُ مَعَهُ عَوْدُهَا حَلَالًا؛ إذْ مِنْ
الْمُمْكِنِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ بَلْ أَنْ يَمُوتَ الْمُطَلِّقُ أَوَّلًا قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُقْرِضَ أَلْفًا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَمِنْ أَدْنَى الْحِيَلِ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَلْفًا إلَّا دِرْهَمًا بِاسْمِ الْقَرْضِ، وَيَبِيعَهُ خِرْقَةً تُسَاوِي دِرْهَمًا بِخَمْسِمِائَةٍ، وَهَكَذَا سَائِرُ أَبْوَابِ الْحِيَلِ.
ثُمَّ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ، وَقَدْ كَانُوا احْتَالُوا فِي الِاصْطِيَادِ يَوْمَ السَّبْتِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنَّهُمْ حَفَرُوا خَنَادِقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَقَعُ الْحِيتَانُ فِيهَا يَوْمَ السَّبْتِ، ثُمَّ يَأْخُذُونَهَا يَوْمَ الْأَحَدِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمُحْتَالِينَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الِاصْطِيَادِ لَمْ يُوجَدْ يَوْمَ السَّبْتِ، لَكِنْ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْكَفُّ عَمَّا يُنَالُ بِهِ
الصَّيْدُ بِطَرِيقِ التَّسَبُّبِ، أَوْ الْمُبَاشَرَةِ.
وَمِنْ احْتِيَالِهِمْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ أَكْلَ الشُّحُومِ، تَأَوَّلُوا أَنَّ الْمُرَادَ نَفْسُ إدْخَالِهِ الْفَمَ، وَأَنَّ الشَّحْمَ هُوَ الْجَامِدُ دُونَ الْمُذَابِ فَجَمَلُوهُ فَبَاعُوهُ وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ، وَقَالُوا: مَا أَكَلْنَا الشَّحْمَ، وَلَمْ يَنْظُرُوا فِي أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إذَا حَرَّمَ الِانْتِفَاعَ بِشَيْءٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ، أَوْ بِبَدَلِهِ إذْ الْبَدَلُ يَسُدُّ مَسَدَّهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَالِ جُمُودِهِ وَذَوْبِهِ فَلَوْ كَانَ
ثَمَنُهُ حَلَالًا لَمْ يَكُنْ فِي التَّحْرِيمِ كَبِيرُ أَمْرٍ وَهَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ.