أصول المذهب المالكي وقواعده مقارنة بين المذاهب الأخرى

أصول المذهب المالكي, أصول الاستنباط في المذهب المالكي, الاختلاف الحاصل في أصول الاستنباط بين المذهب المالكي والمذاهب الاخرى, الاختلاف الحاصل في اصول الاستنباط بين المذهب المالكي والشافعي, الاختلاف الحاصل في اصول الاستنباط بين المذهب المالكي والحنبلي, الأصول التي بنى الإمام أحمد عليها مذهبه, القواعد الفقهية في المذهب المالكي, الاختلاف الحاصل في اصول الاستنباط بين المذهب المالكي والحنبلي

أصول المذهب المالكي وقواعده مقارنة بين المذاهب الأخرى

مقدمة 
يعد المذهب المالكي من المذاهب التي اقبل عليها المغاربة تعلُّما وتفقُّها وتفقيها وتعبدا لله تعالى، وقد تلقوه بالقبول جيلا بعد جيل فكان عليه مدار الفتوى. 
و يعتبر هذا المذهب من أصحِّ المذاهب وأعدلها في العقيدة والأحكام، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "مذهب أهل المدينة النَّبويَّة −دار السُّنَّة ودار الهجرة، ودار النُّصرة، إذ فيها سنَّ الله لرسوله محمَّد صلى الله عليه وسلم سنن الإسلام وشرائعه، وإليها هاجر المهاجرون إلى الله ورسوله، وبها كان الأنصار الَّذين تبوؤوا الدَّار والإيمان من قبلهم مذهبهم في زمن الصَّحابة والتَّابعين وتابعيهم أصحُّ مذاهب أهل المدائن الإسلاميَّة شرقا وغربا في الأُصول والفروع".
ويشتهر المذهب المالكي بكثرة أصوله وقواعده، ويتميز بقيامه على اصول نقلية وعقلية تتصف بالسعة والمرونة والتجديد، مما جعلها تضمن للمذهب صلاحيته لاستيعاب التطورات واحتواء المستجدات .


وفيما يخص قواعد المذهب المالكي فقد انتبه علماء المذهب الى اهميتها وحاجة الفقهاء اليها لجمع شتات الفقه واستيعاب فروعه في المذهب، مما جعلهم يؤلفون كتبا جمعوا فيها هذه القواعد الكثيرة التي تدل على نضجه واستوائه.
وتكمن أهمية بحثنا في كونه يعرض ولو بمنهج غير تام ما يتأصل به المذهب المالكي من أصول وقواعد وقد كان سبب اختيارنا لهذا الموضوع هو ما لي الأصول والقواعد من أهمية في معرفة المذهب وكذلك معرفة ما يتميز به المذهب المالكي عن غيره من المذاهب وقد اعتمدنا على المنهج الاستقرائي الغير التام او الناقص في عرض محتوى البحث .

تمهيد 
وقبل البدء في عرض المباحث وجب أولا تعريف كل من الأصول والقاعدة .
فالأصول جمع أصل، وله معان متعددة في اللغة أقربها معنيان:
1.    ما يبنى عليه غيره، كما قاله أبو الحسين البصري في ( المعتمد ) .
2.    منشأ الشيء.
والأول أشهر .
الأصل اصطلاحاً :الأصل في الاصطلاح له معان متعددة أيضا نذكر منها:
1.    الدليل: كقولهم، أصل هذه المسألة الكتاب والسنة، ومنه أيضا أصول الفقه، أي أدلته.
2.    الرجحان: كقولهم: الأصل في الكلام الحقيقة، أي الراجح عند السامع والمتبادر إلى ذهنه هو الحقيقة لا المجاز.
3.    القاعدة المستمرة: كقولهم: إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل، أي على خلاف القاعدة المستمرة.
4.    الصورة التي قيس عليها: وهي أحد أركان القياس، إذ لا بد فيه من أصل يقاس عليه، وفرع يلحقه حكم الأصل.


مفهوم القاعدة الفقهية:
لغة: بمعنى أساطين البناء وأسسه، ومنه قوله تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل)، وقواعد البيت أساسه جمع أس، ومنه قوله تعالى: (فأتى الله بنيانهم من القواعد).
أما اصطلاحاً: عرفه الفقهاء بعدة تعريفات، فعرفها المقري أنها: " كل كلي هو أخص من الأصول وسائر العاني العقلية العامة، وأعم من العقود وجملة الضوابط الفقهية الخاصة". وعرفها تاج الدين السبكي بأنها: "الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة يفهم أحكامها منها"
 

أصول المذهب المالكي

 نشأة الاصول في المذهب المالكي


  مر المذهب المالكي منذ بداية تأسيسه، إلى أن نضج واكتمل بمراحل علمية مختلفة، وأطوار متعددة ولكل مرحلة من هذه المراحل خصائصها، وميزاتها التي تميِّزها عن غيرها، ويمكن تلخيص تلك الأطوار في ثلاث مراحل  رئيسية هي:
مرحلة النُّشوء والتكوين: تميزت هذه المرحلة بجمع الروايات والسماعات عن الإمام مالك، وترتيبها، وتدوينها.
مرحلة التطور والتوسع:وهذه المرحلة تميزت بظهور نزعة الضبط والتحرير، والتمحيص والتنقيح، والتلخيص والتهذيب، مع التفريع.
مرحلة الاستقرار:وتظهر غالبا حين يصل علماء المذهب إلى قناعة فكرية بأن اجتهادات علماء المذهب السابقين لم تترك مجالاً لمزيد من الاجتهاد، إلَّا أن يكون اختصارا، أو شرحا.

من  خلال ما مر يتضح ان الامام مالك لم يدون أصوله التي بنى عليها مذهبه، واستخرج على أساسها أحكام الفروع التي استخرجها، والتي قيد نفسه في الاستنباط بقيودها، لكن وإن لم يذكر الأصول الفقهية لاستنباطه، فقد أشار إليها بتدوين بعض فتاويه ومسائله والأحاديث المسندة بسند متصل، والمنقطعة والمرسلة والبلاغات، وإن لم يكن قد وضح المنهاج، ودافع عنه، وبين البواعث التي بعثته على الأخذ به، والاتجاه إليه دون سواه، فالموطأ خير دليل على ذلك، وقام بعد ذلك علماء المذهب بحصر أصول المذهب وترتيبها، بل وتوسعوا في ذلك توسعا أدى إلى اعتبار مذهب مالك أكثر المذاهب أصولا.

أصول الاستنباط في المذهب المالكي:


 يعدُّ مذهب الإمام مالك أكثر المذاهب أصولاً، وإن كان الإمام لم ينصَّ بالتَّفصيل على أصوله التي اعتمد عليها، وجعلها مصادر تؤخذ الأحكام الشرعية منها، إلَّا أنَّه أشار إليها على سبيل الإجمال، فيما نقله عنه ابن وهب حيث قال :"الحكم الذي يحكم به بين النّاس حكمان: ما في كتاب الله، أو أحكمته السنّة، فذلك الحكم الواجب، وذلك الصواب. والحكم الذي يجتهد فيه العالم برأيه، فلعله يوفق”
وهذا النّصُّ من الإمام مالك  يدلُّ على أنَّ أصول الاستنباط عنده لا تخلو من أحد نوعين: أصول نصِّيَّة نقلية، أو أصول عقلية اجتهادية.

واصول المذهب المالكي بالاجمال هي كالتالي:
أوَّلا الكتاب الكريم: مراعيا ترتيبه −وكذا السنّة النبوية − من حيث الوضوح، بتقديم نصوصه، ثم ظواهره، ثم مفهوماته وظاهر مذهب الإمام مالك: الأخذ بالقراءة الشاذة في الأحكام الشرعية، وذلك لاستدلاله بها في موطئه) على بعض المسائل الفقهية) 

 ثانيا: السُّنة النبوية: متواترها، ومشهورها، وآحادها والمشهور من مذهب مالك: قبول الحديث المرسل، والاحتجاج به، فقد أرسل أحاديث كثيرة في موطئه، واحتج بها، ولكن ذلك مشروط عنده بكون المرسل ثقة، عارفا بما يرسل، فلا يرسل إلَّا عن ثقة.

ثالثا الإجماع: مذهب الإمام مالك أنَّ إجماع المجتهدين من هذه الأمة في عصر من الأعصار على حكم شرعيٍّ حجَّة، فإجماع الصحابة في عصرهم حجَّة على من بعدهم، وإجماع التابعين في عصرهم حجّة على  من بعدهم ويصحُّ أن يكون مستنَد الإجماع عنده دليلا من الكتاب والسُّنّة، أو قياسا

رابعا القياس: كان من مذهب الإمام مالك العمل بالقياس على ما ورد فيه نصٌّ من الكتاب والسنّة، وإلحاق الفروع بالأصول في الحكم، وهذا ممّا يدخل في قوله _فيما سبق نقله عنه_" والحكم الذي يجتهد فيه العالم برأيه".
وقد توسع مالك وأصحابه في باب القياس، حيث لم يحصروه في القياس على الأحكام المنصوص عليها، بل عدَّوه إلى القياس على ما ثبت منها بالقياس، فيقيسون الفروع على الفروع والمسائل المستنبطة بالقياس.

خامسا عمل أهل المدينة: وهذا الأصل اختصَّ الإمام مالك باعتماده دون غيره من أئمة المذاهب، وقد احتج مالك به في مسائل كثيرة. 
 والمراد به: اتِّفاق أهل العلم بالمدينة أو أكثرهم زمن الصحابة أو التابعين على أمر من الأمور. والمشهور: أنَّ الإمام مالكا يحتجُّ بعمل أهل المدينة فيما كان طريقه التَّوقيف−كنقلهم مقدار الصَّاع، والمد والأذان−  لا فيما طريقه الرَّأي والاجتهاد.

سادسا قول الصحابي: والمراد به: قوله الذي قاله عن اجتهاد، ولا يعلم له مخالِف من الصحابة، ولم يشتهر، أو لم يعلم هل اشتهر أم لا ؟وأمَّ ا ما اشتهر، ولم يعلم له فيه مخالِف، فهو إجماع وحجَّة ، أو حجَّة وليس بإجماع،
كما هو معروف من الخلاف في الاجماع السكوتي.

سابعا شرع من قبلنا: والمراد به: الحكم الثابت في شريعة أحد الرُّسل عليهم السلام بنصٍّ من القرآن الكريم، أو السُّنّة الصحيحة، ولم يدلَّ الدليل في شرعنا على نسخه، ولا على إقراره.

ثامنا الاستصلاح المصالح المرسلة: أي المصالح المطلقة من الاعتبار والإلغاء، أي: التي لم يرد عن الشارع أمر بجلبها، ولا نهي عنها، بل سكت عنها،و لم يدلَّ دليل على اعتباره، أو إلغائه فكان من أصول الإمام مالك الحكم بالأصلح فيما لا نصَّ فيه.

تاسعا الاستحسان: والاستحسان الذي اعتمده الإمام مالك في الفقه والفتوى معناه: القول بأقوى  الدَّليلين، وذلك أن تكون الحادثة مترددة بين اصلي، واحد الاصلين اقوى بها شبها ،والاصل الاخر ابعد.

عاشرا سد الذرائع: ومعناه: منع ما يجوز، لئلا يتطرق به الى ما لا يجو وقد أعمل الإمام مالك هذه القاعدة، وحكم هذا الأصل في أكثر أبواب الفقه حتى ظنَّ اختصاصه به .

الحادي عشر الاستصحاب:وهو نوعان:
الأوَّل: استصحاب العدم الأصلي، ويسمّى البراءة الأصليَّة.
والثاني: استصحاب الحكم الشَّرعي.
وهذا الأصل وإن لم ينُصَّ الإمام مالك عليه، إلَّا أنَّ فتاويه تدلُّ على اعتماده هذا الأصل.

الثاني عشر اعمال الخلاف: اعمال دليل في لازم مدلوله الذي اعمل في نقيضه دليل اخر.

الاختلاف الحاصل في أصول الاستنباط بين المذهب المالكي والمذاهب الاخرى:

رغم اشتراك المذاهب الأربعة في كثير من أصول الاستنباط إلا أن الاختلاف حاصل وجلي يميز كل مذهب عن الأخر وللمذهب المالكي أصول تفرد بها وميزته عن باقي المذاهب .
وقد سبق التفصيل في المبحث السابق في أصول المالكية لدى سنذكرها في هذا المبحث ذكرا وما سيكون التفصيل بإيجاز فيه هي أصول الاستنباط عند المذاهب الاخرى ليتم توضيح الاختلاف بينها . 
اولا :الاختلاف الحاصل في اصول الاستنباط بين المذهب المالكي والحنفي:
بلور أئمة الحنفية منهجية الامام ابي حنيفة النعمان  وحددوا معالمها، ووضعوها في قالبها الاصولي ، وجعلوا أصول الاستنباط عند الإمام على النحو التالي:

الكتاب : فهو أصل الأصول ومصدر المصادر...
السنة : وهي المصدر الثاني من مصادر الشريعة, المبينة, والشارحة, والمفسرة للكتاب  فكان أبو حنيفة يأخذ بما , صح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
الإجماع: وذلك إذا لم يجد في المسألة نصا من القرآن, ولا من السنَة ووجد ً إجماعا; فإنه يأخذ به ويقدمه.
اقوال الصحابة: وذلك إذا اختلفوا وتعددت أقوالهم....
القياس: وذلك إذا لم يجد ًشيئا مما سبق.
الاستحسان: وذلك إذا قبح القياس ولم يستقم.
العْرف : ينظر في معاملات الناس, ويبني الحكم على ما تعارفوا عليه .  

وبذلك اختلف المذهب المالكي مع المذهب الحنفي بزيادة  الاصول التالية :

عمل أهل المدينة : وهذا الأصل اختصَّ الإمام مالك باعتماده دون غيره من أئمة المذاهب، وقد احتج مالك به في مسائل كثيرة.
المصالح المرسلة 
سد الذرائع 
الاستصحاب
 إعمال الخلاف 

:الاختلاف الحاصل في اصول الاستنباط بين المذهب المالكي والشافعي:

الأصول الفقهية للمذهب َّ الشافعي خمسة ذكرها الامام الشافعي في قوله :
"والعلم طبقات شتى :
الاولى :الكتاب والسنة اذا ثبتت السنة .
ثم الثانية : الإجماع فيما ليس فيه ٌ كتاب ولا سنة.
والثالثة: أن يقول بعض أصحاب  النبي صلى الله عليه وسلم ولا ِّ نعلم له ً مخالفا منهم.
والرابعة :اختلاف اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك .
الخامسة : القياس على بعض الطبقات ، ولا يصار الى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان  وانما يؤخذ العلم من اعلى "  الاجتهاد والقياس عند الشافعي اسمان لمعنى واحد.  

ويتجلى الاختلاف في الاصول بين المالكية والشافعية فيما يلي :
عمل أهل المدينة حيث اختص الإمام مالك بهذا الأصل وتميز به دون غيره من أئمة المذاهب. 
شرع من قبلنا 
المصالح المرسلة 
الاستحسان 
سد الذرائع 
الاستصحاب 
اعمال الخلاف 
وكل هذه الاصول عمل بها المذهب المالكي واختلف بذلك عن المذهب الشافعي .

الاختلاف الحاصل في اصول الاستنباط بين المذهب المالكي والحنبلي: 

الأصول التي بنى الإمام أحمد عليها مذهبه يمكن إجمالها فيما يلي :

النص: ويقصد به نصوص القرآن الكريم, والسنة النبوية الصحيحة .
الإجماع:  وهو ِّاتفاق المجتهدين من هذه الامة في عصر من العصور على أمرشرعي بعد وفاة النَّبي صلى الله عليه وسلم 
فتوى الصحابى فيما لم يعرف له مخالف 
الأخذ بالحديث  المْرَسل والضعيف إذا لم يكن في الباب ٌشيء يدفعه
القياس : قال في رواية الحسين بن حسان  "القياس هو أن يقيس على أصل إذاكان مثله في كل أحواله”
الاستحسان: وهو ترك موجب القياس إلى دليل أقوى منه في نظر المجتهد. فهذا النوع من الاستحسان معتبر عند الإمام أحمد.
الاستصحاب : وهو حجة عند الإمام أحمد عند عدم وجود الدليل من النص .
سد الذرائع: ويندرج تحته الحيل .

وقد اختلف المذهب المالكي من حيث الأصول مع المذهب الحنبلي أولا في عمل أهل المدينة - الاصل الذي تميز به المذهب المالكي عن غيره من الاصول – ثم شرع من قبلنا والمصالح المرسلة واعمال الخلاف وبالمقابل اعتمد الامام احمد على الأخذ بالحديث  المْرَسل والضعيف إذا لم يكن في الباب ٌشيء يدفعه كاصل من اصول الاستنباط في المذهب الحنبلي.

القواعد الفقهية في المذهب المالكي


 نشأة القواعد الفقهية

نشأت القواعد الفقهية وتطورت مع تطور الفقه الإسلامي,حيث أنها لم توضع جملة واحدة في فترة معينة على يد فقهاء مخصوصين، بل تكونت مفاهيمها وصيغت بالتدرج في عصور ازدهار الفقه ونهضته.
ويمكننا أن نقسم تاريخ القواعد الفقهية إلى ثلاثة مراحل أساسية هي: 
طور النشأة والتكوين: ابتداء من عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى نهاية القرن الثالث جاء القرآن الكريم بمنهج كلي في تقرير الأحكام, في الأغلب الأعم, فتضمن القواعد العامة, والأصول الكلية,في كثير من الآيات.
طور النمو والتدوين: في القرن الرابع الهجري وما بعده بدأت حركة تقعيد القواعد الفقهية وتدوينها، وذلك أن المتأخرين من الفقهاء قد وجدوا أشتاتا موزعة في أبواب الفقه المختلفة، ووقفوا على أحكام متشابهة ينص عليها في أبواب متعددة.

واهم ما دون في المذهب المالكي  في القواعد الفقهية:
"أصول الكرخي" أول من صنف من المالكية هو أبو الحسن الكرخي (ت 340هـ) وهي رسالة موجزة ضمت سبعا وثلاثين قاعدة. 
"أصول الفتيا" لأبي عبد الله محمد بن حارث الخشني القيروافي (ت 361هـ). 
"الفروق" للقرافي (ت 684هـ) وجمع فيه المؤلف القواعد الكلية والضوابط الفقهية، وقارن بينها، وذكر أوجه الشبه بين كل قاعدتين، أو ضابطين، أو أصلين، أو مصطلحين، وذكر أوجه الافتراق بين كل ذلك، وعليه. 

طور الترسيخ والتنسيق والإستقلال: رغم تلك الجهود المتتابعة والمبذولة في القواعد ظلت في هذه المرحلة متفرقة ومبددة في مدونات مختلفة، إلى أن وصل القرن الثالث عشر الهجري، حيث شهد ظهور أول عمل من نوعه في مجال التأليف في القواعد الفقهية، وقد تمثل ذلك في وضع "مجلة الأحكام العدلية" على أيدي نخبة من فحول الفقهاء في عهد السلطان الغازي عبد العزيز خان العثماني.


 أهمية القواعد الفقهية وفائدتها

بيَّن لنا العلامة القرافي أهمية القواعد وفوائدها فقال: "وهذه القواعد مهمة في الفقه، عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه، ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف، ومن جعل يخرّج الفروع بالمناسبات الجزئية، دون القواعد الكلية، تناقضت عليه الفروع واختلفت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى، ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات، لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره، وتناسب ". 
المطلب الثالث: مكانة القواعد الفقهية في الفقه المالكي
تحتل القواعد الفقهية مكانة بارزة في الفقه المالكي، تأصيلا وتقعيدا وتأليفا، وهذا ما جعله يتسم بالمرونة والسعة والتيسير، فلها مميزات متعددة نذكر منها:

سبق المالكية في مجال التأليف في القواعد الفقهية.
امتياز المالكية بالضبط في تحديد القاعدة الفقهية ويتجلى ذلك في قواعد المقري.
انتباه المالكية إلى أن القواعد الفقهية تكثر فيها الإستثناءات فهي ليست عامة.
تقسيم المالكية القواعد الفقهية لقسمين: ما هو أصول للمسائل، وما هو أصول لأمهات الخلاف.
صياغتهم لقواعد الخلاف صياغة استفهامية وهذا ما نهجه الزقاق في المنهج المنتخب، والونشريسي في ايضاح المسالك.
بيانهم للفروق بين القواعد الفقهية، كما فعل القرافي في الفروق.
النزوح نحو تبويب فقهي جديد يخالف العادة في كتب الفقه.
تطبيقه العملي للقواعد الفقهية.
امتيازهم بنظم القواعد الفقهية في المتون تسهيلا للحفظ، وكثرة تأليفه وتصنيفه في مجال القواعد والضوابط والكليات الفقهية.

خاتمة :

وهكذا ومن خلال ما عرض في هذا البحث نجد أن المذهب المالكي غني بأصوله الواسعة العميقة، وقواعده الكثيرة المجردة. وبذلك يستطيع استيعاب كل ما يجد في حياة الناس من الوقائع والحوادث على اختلاف أنواعها وحجمها وطبيعتها. وإذا كانت أصول المذهب المالكي هي عمدة المجتهد، فإن قواعده هي عمدة القاضي والمفتي. 

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0