ما المراد بالمذهب المالكي
ما المراد بالمذهب المالكي, معنى المذهب المالكي، تعريف المذهب المالكي
المذهب لغة: الطريق ومكان الذهاب([1]).
مصدر ميمي يطلق على الزمان والمكان والحدث.([2])
وفي الاصطلاح له تعريفان :
1- تعريف المتقدمين : عبارة عما اختاره إمام من الأئمة في الأصول والفروع
يستفاد ذلك من :
- كتاب الموطأ
- كانوا يأخذون العلم والعمل
- صنيع أعلام المذهب من المتقدين كابن الطلاع
2- عند المتأخرين وهو المتبادر في الإطلاق : ”حقيقة عرفية فيما ذهب إليه إمام من الأئمة من الأحكام الاجتهادية([3])“.
ولقد تعددت آراء المالكية في بيان المراد من عبارة ”مذهب الإمام مالك“، والصواب: أن للعبارة معنيين: معنى تركيبي إضافي، ومعنى علمي لقبي:
المعنى الإضافي: هو النهج الذي نهجه الإمام مالك فيما فيه اجتهاد، فلا يقال هذا مذهب مالك إلا فيما يختص به، لأنه ظاهر اللفظ في الإضافة والاختصاص([4]). أو بتعبير آخر هو: المسائل والمناهج التي اختطها الإمام مالك لنفسه في الاجتهاد والاستنباط، يقول الإمام القرافي رحمه الله: ”فإذا قيل لك: ما مذهب مالك؟ فقل: ما اختص به من الأحكام الشرعية الفروعية الاجتهادية، وما اختص به من أسباب الأحكام والشروط والموانع، والحجاج المثبتة لها، وهذا هو اللائق الذي يفهم في عرف الاستعمال، ما السؤال إلا عنه“([5]).
المعنى اللقبي: هو عبارة عما ذهب إليه الإمام من الأحكام الاجتهادية التي بذل وسعه في تحصيلها، وما استخرجه أتباعه من المسائل من قواعده وأصوله([6]).
يقول العلامة العدوي رحمه الله تعالى: ”والمراد بمذهبه: ما قاله هو وأصحابه على طريقته، ونسب إليه مذهباً، لكونه يجري على قواعده وأصله، الذي بنى عليه مذهبه، وليس المراد ما ذهب إليه وحده دون غيره من أهل مذهبه([7])“.
ويقول العلامة محمد الطالب بن حمدون: ”(وفقه مالك) المراد بفقهه: مقوله ومقول أصحابه فمن بعدهم، مما كان جارياً على قواعده وضوابطه، وأصول مذهبه، ففقه مصدر بمعنى اسم مفعول([8])“.
يتضح مما تقدم أن المذهب المالكي أو الفقه المالكي تقوم حقيقته على ركنين:
الركن الأول – على الأحكام الاجتهادية الفروعية فيخرج بذلك ما لا اجتهاد فيه كأحكام العقيدة، وما ثبت بنص صريح من الأحكام الفقهية؛ سواء اعتمدت أم لا؛ يقول العلامة النفراوي رحمه الله: ”ما ذهب إليه مالك من الأحكام معتمدة كانت أو غير معتمدة([9])“.
يقول الناظم:
مذهب مالك إذا قيل المراد |
|
منه الذي لمالك فيه اجتهاد |
وغيره مما عليه نص لا |
|
يعد مذهباً له مؤصلا |
فعزو مذهب لذي اجتهاد |
|
بعد وجود النص ذو فساد |
بل كل ما ثبت بالدليل |
|
ينسب للإله والرسول([10]) |
الركن الثاني - ما بناه أصحابه على أصوله وقواعده وطريقته، وهل يشترط في ذلك موافقتهم له أم لا؟ الظاهر من كلامهم أنه لا يشترط.
يقول العلامة محمد بن الحسن الحجوي رحمه الله: ”والإنصاف أن ابن القاسم خالف مالكاً في مسائل كثيرة، قبلها منه من بعده، ولم ينكروا عليه، بل أخذوا بقوله، وتركوا قول الإمام في كثير من المسائل([11])“.
تنبيهات:
الأول - للمذهب إطلاقان:
* يطلق ويراد به: ما كان عليه الفقهاء بعد تأسيس المذاهب وفشو التقليد.
* يطلق عند المتأخرين على ما به الفتوى.
يقول الإمام الحطاب رحمه الله تعالى في مواهب الجليل: ”ثم صار عند الفقهاء حقيقة عرفية فيما ذهب إليه إمام من الأئمة من الأحكام الاجتهادية، ويطلق عند المتأخرين من أئمة المذاهب على ما به الفتوى، من باب إطلاق الشيء على جزئه الأهم، نحو قوله %: ”الحج عرفة“، لأن ذلك هو الأهم عند الفقيه المقلد والله أعلم([12])“.
الثاني – ثمة فرق بين المذهب والطريق([13]) الذي يعني العزو إلى المذهب، قال في ”التوضيح“: ”الطريقة عبارة عن: شيخ أو شيوخ يرون المذهب كله على ما نقلوه، فالطرق عبارة عن اختلاف الشيوخ في كيفية نقل المذهب، والأولى الجمع بين الطريق ما أمكن، والطريق التي فيها زيادة راجحة على غيرها، لأن الجميع ثقات، وحاصل دعوى النافي شهادة على نفي([14]).
”وسئل الإمام ابن عرفة: هل يجوز أن يقال في طريق من الطرق هذا مذهب مالك؟
فأجاب: بأنه من له معرفة بقواعد المذهب ومشهور أقواله والترجيح والقياس يجوز له ذلك بعد بذل وسعه في تذكره قواعد المذهب، ومن لم يكن كذلك لا يجوز له ذلك، إلا أن يعزوه إلى من قاله قبله، كالمازري وابن رشد وغيرهم([15])“.
الثالث - المذهب في مفهومه عند المتقدمين من أئمة المذهب قبل بروز داء التقليد والتعصب هو المقصود في الترجمة، لأنه إذا كانت الأحكام الثابتة بالنص الصريح أو المعلومة بالضرورة لا تعد مذهباً، فمن باب أولى ألا يعتبر ما خالف النص أو الإجماع منه، إذ كل مجتهد معرض للخطأ، ولا اجتهاد في مقابل النص. وما أضر بالمذاهب إلا داء التعصب المقيت؛ يقول شيخنا العلامة السيد عبد الحي ابن الصديق رحمه الله: ”وإنما الوزر على الفقهاء([16]) المقلدين له (الإمام مالك) في إصرارهم على تقليده فيما علموا علم اليقين أنه مخالف للسنة الصحيحة التي لا معارض لها ولا موجب لتركها إلا تلك الشروط التي بين الأئمة من الفقهاء وعلماء الأصول أنها لا تصلح حجة لترك العمل بها، كما بيناه فيما سبق، فعلى أولئك الفقهاء يقع الإثم العظيم والوزر الجسيم، وخاصة فيما أصّلوه من الأصول الموجبة لترك العمل بالسنة إذا كانت مخالفة لمشهور المذهب، وإن قال الإمام نفسه بصحتها!! فإن عملهم هذا مخالف لوصية الإمام مالك بترك قوله المخالف للسنة مخالفة صريحة([17])“.