تعريفه
كتاب النكاح

سواء كان مص ثدي آدمية أو ثدي بهيمة أو نحو ذلك، فيقال لغة لمن مص ثدي بقرة أو شاة: إنه رضعها، فإذا حلب لبنها وشربه الصبي فلا يقال له: رضعه، ولا يشترط في المعنى اللغوي أن يكون الرضيع صغيراً.
أما معناه شرعاً، فهو وصول لبن آدمية إلى جوف طفل لم يزد سنه على حولين - أربعة (الحنفية - قالوا: في زمن الرضاع رأيان.
أحدهما: أنه حولان ونصف حول، أعني ثلاثين شهراً، فإذا وصل اللبن إلى جوف الطفل في أثناء هذه المدة فإنه يعتبر رضاعاً شرعياً يترتب عليه الأحكام الآتية، أما إذا وصل إليه اللبن بعد انقضاء هذه المدة فإنه لا يكون رضاعاً شرعياً، ثانيهما: أن زمن الرضاع حولان فقط، فإن وصل إليه بعد الحولين لا يكون رضاعاً، والأول رأي أبي حنيفة والثاني رأي صاحبيه، وهل يجب العمل برأي الإمام.
أو برأي صاحبيه؟ والجواب: أن الراجح الذي عليه المعول أن ينظر في ذلك إلى قوة الدليل، فمتى كان الدليل القوي في جانب رجح العمل به، ويظهر أن الدليل هنا يؤيد رأي الصاحبين، وبيان ذلك أن الله سبحانه قال: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} ، ومعنى هذا أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فيبقى أربعة وعشرون شهراً وهي مدة الرضاع، وقد أول الآية بهذا المعنى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لعثمان رضي الله عنه حيث أراد عثمان أن يحد امرأة جاءت بولد لستة أشهر من حملها، فقال لها علي: كلا إنها جاءت به لأقل مدة الحمل، وهي ستة أشهر واستدل له بهذه الآية فاقتنع عثمان بذلك، وظاهر أن فهم الآية على هذا الوجه لا تكلف فيه، ولكن الإمام استدل بها على وجه آخر، فقال معنى - حمله وفصاله ثلاثون شهراً - أن كلاً منهما ثلاثون شهراً، فكأنه قال: مدة حمله ثلاثون شهراً ومدة فصاله ثلاثون شهراً، والمراد أكثر مدة الحمل لا أقلها، فتكون مدة الفصال حولين ونصف أعني ثلاثين شهراً، فإذا شرب الطفل في أثنائها فإنه يكون رضيعاً، ولكن ورد على هذا أن أكثر مدة الحمل سنتان لا ثلاثون شهراً، فقد روي عن عائشة أنها قالت: لا يبقى الولد في بطن أمه أكثر من سنتين، ولو بقدر فلكة مغزل، كناية عن قلة الزمن، فأجيب بأن قول عائشة هذا خصص مدة الحمل، فعلم أنها سنتان، وبقيت مدة الفطام على حالها، ولا يخفى ما في هذا الجواب من تكلف ظاهر، إذ لا معنى لكون الآية تنص على أن مدة الحمل قد تكون حولين ونصف حول ويقول الحديث: إنها لا تزيد عن حولين ولا لحظة، وقد بين بعض المحققين هذا بأن ثلاثين شهراً مستعملة وعشرين شهراً - فإن شرب صغير وصغيرة لبن بهيمة لا تحرم عليه، ولا فرق بين أن يصل اللبن إلى الجوف من طريق الفم بمص الثدي أو بصبه في حلقه أو إدخاله من أنفه، فمتى وصل اللبن إلى معدة الطفل أثناء مدة الحولين المذكورين بالشروط الآتية كان رضاعاً شرعياً عليه التحريم الآتي بيانه، أما إن كان كبيراً زائداً على الحولين ورضع فإن رضاعه لا يعتبر، وذلك لقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} فقد دلت الآية الكريمة على أن أكثر مدة الرضاع المعتبرة في نظر الشرع حولان، فلو رضع بعدها ولو بلحظة فلا يعتبر رضاعة ولا يترتب عليه تحريم لقوله صلى الله عليه وسلم "لا رضاع إلا ما فتق الامعاء وكان قبل الحولين" رواه الترمذي وحسنه ومعنى قوله "فتق الامعاء" وصل إليها، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "لا رضاع إلا ما كان في الحولين" رواه البيهقي وغيره.
فإن قلت: ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل أن ترضع سالماً مولى أبي حذيفة زوجها بعد البلوغ حتى تكون أماً له فلا يحرم نظره إليها، وذلك لأن سهلة ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت له يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن سالماً مولى أبي حذيفة مضى في بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال وعلم ما يعلم الرجال، فقال: " أرضعيه تحرمي عليه" فهذا صريح في أن رضاع الكبير يوجب التحريم، والجواب أن ذلك كان قبل تحديد مدة الرضاع بالحولين، فنسخ العمل به أو هو خصوصية لسالم وسهلة، لما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من الضرورة الملحة التي تستلزم الترخيص لأهل هذا البيت، حيث لا يمكن الاستغناء عن دخول سالم بحال، على أن هناك إشكالاً آخر، وهو أن الرضاع يستلزم الثدي ومصه ولمسه وهو محرم.
والجواب أنه لا يستلزم لأن التحريم كما يكون بالمص يكون بالشرب، كما عرفت، فيصح أن تكون قد حلبت له ثديها فشرب.
في معنيين: أحدهما حقيقي، وهو المفهوم من ثلاثين، والآخر مجازي، وهو أربعة وعشرون الذي دل عليه الحديث، فيكون اللفظ الواحد مستعملاً في حقيقته ومجازه، وعلى كل حال فهو غير جائز لأنه جمع بين الحقيقة والمجاز، لأن اللفظ الواحد، وهو ثلاثون مستعمل في إطلاق واحد في مدلولين، وهما: ثلاثون وأربعة وعشرون، على أن أسماء العدد لا يصح التجوز فيها بإطلاق بعضها على بعض، لما فيه من عدم الضبط والإبهام، ولأنها مختصة بما وصفت له، كالأعلام، وأجاب بعضهم بأن "حمله" مبتدأ خبره محذوف تقديره أربعة وعشرون، و "فصاله" مبتدأ آخر وهو "ثلاثون شهراً" فليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز، وإذا سألت هذا المجيب عن أي دليل في الآية يدل على هذا المحذوف أو يشير إليه أو يرشد إلى حرف واحد منه لا يمكنه أن يدلك عليه، على أن هذا حكم شرعي لا يصح حذفه في مقام البيان مطلقاً، وإلا فإنه يصح لكل واحد أن يقرر ما يشاء ويدعي الحذف، أما حديث عائشة فلا مدخل له في الآية، فإنها تفهم أولاً على حدة، ثم يطبق عليها الحديث، وظاهر أن الفهم الأول هو المتعين والحديث مؤيد له.
What's Your Reaction?






