مبحث اعتراض الجهلة على حد القذف

كتاب الحدود

مبحث اعتراض الجهلة على حد القذف
-إن بعض الناس يتخيل أن عقوبة الجلد شديدة، ولا تناسب المدنية الحاضرة.

والجواب عن مثل هذا هو أن يقال: ينبغي لمن يتكلم بهذا أن يدرك اولاً معنى الجريمة، ومعنى ما يترتب عليها من الآثار التي تؤذي المجتمع الإنسانين ثم يقارن بينها وبين فاجلدوهم ثمانين جلدة} فالآية لم تفرق بين فرد وآخر، ولا بين قريب وبعيد، ولآنه حد هو حق الله تعالى، فلا يمنع من إقامته قرابة الأولاد.

وقال المالكية: إذا حد الب سقطت عدالة الابن لمبائرته سبب عقوبة أبيه، مع قول الله تعالى: {ولا تقل لهم أفٍ، ولا تنهرهما، وقل لهما قولاً كريماً} .

وأجمع الأئمة على أنه إذا كان لزوجته الميتة التي قال لولدها، بعد موتها: يا أبن الزانية ولد آخر من غيره، كان له حق المطالبة، بحد القذف.

لأن لكل منهما حق الخصومة، وظهر في حق أحدهما مانع، دون الآخر، فيعمل المقتضى عمله في الآخر، ولذا لو كان جماعة يستحقون المطالبة، فعفا ا؛ دهم، كان للآخر المطالبة به، بخلاف عقو أحد مستحقي القصاص فإنه يمنع استيفاء الآخر، لأن القصاص حق واحد للميت، موروث للوارثين فباسقاط أحدهما بالعفو لا يتصور بقاؤه، لأن القتل الواحد لا يتصور تجزئته، أما هنا فالحق في الحد لله تعالى.

قالوا: ومن قال لغيره: يا زاني، فقال: لا، بل أنت، فإنهما يحدان، لأن معناه، لا بل أنت زان، إذ هي كلمة عطف يستدرك بها الغلط فيصير الخبر المذكور في الأول، مذكوراً في الثاني.

قال لامرأته: يا زانية، فقالت: لا بل أنت، حدت المرأة خاصة، إذا ترافعا، ولا لعان، لنهما قاذفان، وقذف الرجل زوجته يوجب اللعان، وقذفها إياه يوجب الحد عليهما والأصل أن الحدين إذا اجتمعا، وفي تقديم أحدهما اسقاط للآخر، وجب تقديمه احتيالاً للدرء، واللعان قائم مقام الحد فهو في معناه، وبتقديم حد المرأة يبطل اللعان، لأنها تصير محدودة في قذف.

واللعان لا يجري بين المحدودة في القذف، وبين زوجها لأنه شهادة، ولا شهادة للمحدود في القذف.

قالوا: ولو كانت قالت في جواب قوله: يا زانية زنيت بك فلا حد، ولا لعان، لوقوع الشك في كل منهما، لأنه يحتمل أنها أرادت الزنا قبل النكاح، فتكون قد صدقت في نسبتها إلى الزنان فيسقط اللعان، وقذفته حيث نسبته إلى الزنا، ولم سصدقها عليه، فيجب الحد دون اللعان، ويحتمل أنها ارادت زناء مان معك بعد النكاح، لآني ما مكنت أحداً غيرك.

وهو المراد، في مثل هذن الحالة، وعلى هذا الاعتبار يجب اللعان دون الحد على المرأة، لوجود القذف منه، وعدمه منها، فعلى تقدير يجب الحد دون اللعان، وعلىم تقدير يجب اللعان دون الحد، والحكم بتعين أحد التقديرين فوقع الشك في كل من وجب اللعان والحد، فلا يجب واحد منهما بالشك) .

- العقوبة، ليعلم أن الغرض من العقوبة إنما هو زجر الناس عن كل فعل، أو قول يضر بالمجتمع، ويؤذي أفراده، وجماعته، فإذا فشت الجرائم بين الناس، وأصبح كل واحد غير آمن على عرضه، أو نفسه، أو ماله، فإنه لا يكون لهذا معنى الإ أن الإنسان الذي ميزه الله تعالى بالعقل مساوٍ للحيوان المفترس، الذي يعتدي فويه على ضعيفة، وذلك هو الهلاك، والفناء للأفراد والجماعات، فلا بد من زاجر يزجر المجرمين، فاسدي الخلاق، ويوقفهم عند الحد الذي يصلح للبقاي، ولا بد أن يكون ذلك الزاجر قاطعاً للدابر الجريمة، كي لا يكون لها أثر بين الناس، فمن مصلحة المجتمع، ومصلحة المجرمين أنفسهم، أن تكون العقوبة زاجرة، بصرف النظر عن تفاوت حال المجرمين في الرقة والخشونة، أو الذكورة والنوثة، فإن ذات الجريمة واحدن، وآثارها الضارة واحدة ولا يليق بعاقل مشرع أن يقول: إن المحرم الذي يهاجم أعراض الناس فيثلمها بلسانه كذباً وافتراء، لا يستحق عقوبة الضرب الموجعة.

بل الواجب أن يقول: إن هذه الجريمة لها اسوأ الأثر بين الأفراد والجماعات، فيجب أن توضع لها عقوبة تقلعها من أساسها، فالعقوبة التي وصفها الله تعالى لازمة ضرورية.

فعلى المؤمنين الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، أن ينزهوا ألسنتهم عن قذف الناس بهذه الفاحشة إن لم يكن خوفاً من العقوبة الدنيوية، فخوفاً من الله الذي وصفهم بأنهم (فاسقون) .

أما المستهترون الذين لا يبالون أمر الله عز وجل، ولا يخشونه، فإن هؤلاء أحط من الأنعام، فلا زاجر لهم إلا بما يؤذيهم، وإلاتمادوا في نهش أعراض الناس بدون حساب

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0