الأحكام التكليفية و الوضعية في الشريعة الإسلامية

الأحكام التكليفية و الوضعية في الشريعة الإسلامية

الأحكام التكليفية

وهي الأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين، خمسة:

1 – الواجب ويُسَمَّى الفرض كذلك: وهو ما يُثاب فاعلُه ، ويأثم تاركُه.

- والواجب قد يكون مُعَيَّنًا كالصلوات الخمس، وقد يكون مُخَيّرًا  بين أشياء مُعينة كخصال الكفارة، فالواجب مثلًا في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين، أو كسوة عشرة مساكين، أو تحرير رقبة، فبأيها أتى المُكلف فقد قام بالواجب.

- والواجب قد يكون مضيقًا وقد يكون مُوسعًا:

 *  فالمضيق هو ما كان الوقتُ فيه مساويًا للفعل لا يزيد عنه ولا ينقص، وذلك كشهر رمضان فإنه ثلاثون أو تسعة وعشرون يومًا، والواجب فيه صيام ثلاثين أو تسعة وعشرين يومًا، فلا يُمكن مثلًا للمسلم أن يستريح في أثناء الشهر؛ لأن الواجب هنا مضيق.

 * وأمّا الموسَّع فهو ما كان الوقتُ فيه أوسع من الفعل، وذلك كالصلوات الخمس مثلًا، فإن وقتها أوسع من فعلها، فوقت الظهر مثلًا ثلاث ساعات، أما الصلاة نفسُها فتستغرق عشر دقائق مثلًا.

  • والواجب قد يكون على الأعيان، وقد يكون على الكفاية:

  * فالواجب العيْنِيّ هو ما كان واجبًا على كل المُكلفين كالصلوات الخمس وصيام رمضان...إلخ فالغرض منه وجود الفعل من كل مكلف.

  * أما الواجب الكفائي فهو ما كان الغرض منه وجود الفعل بغض النظر عن الأفراد كتكفين الموتى مثلًا ودفنهم، فالغرض هو وجود الفعل بغض النظر عمن قام به، وإن قام الواجب الكفائي سقط عن الآخرين، فإن تركوه كلهم أثم جميع القادرين.

ويتعين فرض الكفاية في صورتين:

  • إن ظنّ أن غيره لن يقوم به.
  • إن شرع فيه فإنه يتعين عليه، كمن شرع في الجهاد أو طلب العلم أو حفظ القرآن...إلخ.
  • وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإن كان الحج واجبًا مثلًا، فالذهاب للحصول على التأشيرة ونحو ذلك واجب إن كان لا يُمكنه الحج بدونه.
  • والواجب يَسقْط بالعجز كالأمر بالقيام في الصلاة مثلًا فإنه يسقط بالعجز عنه، ومثل العجز ما كان يُخشى فيه على صاحبه من هلاكه أو زيادة مرضه ونحو ذلك.

2- المُستحب أو المندوب أو السنة أو النفل: وهو ما يُثاب فاعله إن فعله على وجه القربة، ولا يأثم تاركه، كصلاة الوتر، وصيام الإثنين والخميس.

 3 – المُباح: وهو ما استوى فيه الفعل والترك، فلا ثواب على الفعل لذاته، ولا عقاب على الترك لذاته.

وذلك مثًلًا كلبس الثياب الحسنة فإنه في ذاته لا ثواب فيه، ولكن قد يدخله الثواب إن كانت نية لابسها التزين للزوج. (والزوج يُطلق على الرجل والمرأة)

وكالذهاب إلى السوق فإنه في ذاته لا إثم عليه، ولكن قد يدخله الإثم إن علم أن هناك فتنًا في هذا المكان، وأنه إن ذهب فلن يستطيع أن يلتزم بحدود الله تعالى.

 4 – المَكْروه: وهو ما يُثاب تاركه، ولا يأثم فاعله، كالأكل بالشمال، والقزع –وهو حلق بعض الرأس وترك بعضه- وكإسبال الثب بدون خُيلاء....إلخ وذلك كله على مذهب جمهور العلماء.

- ويصير المكروه مُباحًا للحاجة، فدخول الخلاء مثلًا بما فيه ذكر الله مكروه، لكن إن احتيج إلى ذلك كأن تكون نقودًا يخشى ضياعها ونحو ذلك، فإنه يُباح ولا يُكره.

 مُلاحظة: قد يُطلق السلف المكروه ويُراد منه المحرم، فلم يكن السلف رضي الله عنهم يلتزمون بمثل هذه المصطلحات، وإنما هي مصطلحات توافق عليها العلماء بعد ذلك.

5 – الحَرام أو المحظور: وهو ما يأثم فاعله، ويثاب تاركه إن تركه على وجه القربة، أما إن تركه على غير وجه القربة فلا ثواب له، كمن ترك أكل الخنزير مثلًا لأن نفسه تعافه، وليس لأنه مُحرم.

- وإن اشتبه الحرام بالمُباح وجب الكف عن الجميع، فإن علم مثلًا أن أمه أرضعت بنتًا من عائلة فلان، ولكنه لا يعلم تحديدًا أي واحدة منهنّ، حرم عليه النكاح من هذه العائلة؛ لأنه لا يستطيع اجتناب الحرام هنا إلا بالبعد عن شيء من المُباح، فكما قلنا:ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فيمكننا  أن نقول: ما لا يتم اجتناب المُحرم إلا به فهو واجب.

- ويصير المُحرم مباحًا عند الضرورة بشروطها المعتبرة.

 

الأحكام الوضعية

المقصود بالأحكام الوضعية الأمور التي وُضِعت في الشريعة علامة على شيء آخر، كأن تصف لصديقك عنوان بيتك، فتقول له: سر في طريق كذا حتى إذا ما رأيت نخلة فقف، فهذا داري، فالنخلة هنا قد وُضعت علامة على بيتك.

 وتنقسم هذه الأحكام إلى:

 1 – العلة:

والعلة هي: "المعنى الذي علّق الشرعُ الحُكم عليه"

مثال:

قد أجازت الشريعة الفطر في رمضان للمسافر.

فالحُكم هنا هو: جواز الفطر للمسافر.

والمعنى الذي علق الشرع هذا الحكم عليه هو: السفر.

إذن السفر علة الفطر، فإن وجد السفر وُجد الفطر.

 مثال آخر:

 حَرّم الله تعالى الخمر.

فالحكم هُنا هو: تحريم الخمر.

والسؤال: ما المعنى الذي علّق الشرع هذا الحُكم عليه؟

  • هل مثلًا كونها تبدأ بحرف الخاء؟؟ لا بالطبع! فلو كان كذلك لكان الخروف محرمًا، وهو حلال بالإجماع.
  • فهل لأنها سائلة؟ لا بالطبع! فلو كان كذلك لكان الماء واللبن مُحرمين، وهما مُباحان بالإجماع.
  • فماذا إذن؟ أقول: حَرّم الله الخمر لأنها مُسْكِرة، فإن وُجد الإسكار، وُجد هذا الحُكم.

 2 – السبب:

في الدراسات الفقهية والأصولية هناك مَعانٍ لمصطلح "السبب" ومنها:

 أ – مقابل المُباشر:

ويُستخدم كثيرًا في الجِنايات، فإن اتَّفق اثنان على قتل شخص مُعيّن، فقام الأول بحفر بِئْر، وقام الثاني بحمله وإلقائه في البئر، فالحافر يُسمى "السبب" والمُلقي يُسمى "المباشر".

 ب – العلة التي لم يظهر وجه مناسبتها:

فالفرق –طبقًا لرأي بعض الأصوليين- بين العلة والسبب كما يلي:

  • العلة: المعنى الذي علّق الشرع الحُكم عليه كما بينّا، وتظهر مناسبة –علاقة يفهمها العقل- بين هذا المعنى وبين هذا الحكم، كتحريم الخمر والإسكار، فبين الإسكار والتحريم علاقة مناسبة يشعر بها العقل.
  • السبب: أمر علّق الشرع الحُكم عليه، ولكن لا يظهر للعقل وَجْه العلاقة أو المناسبة، كالزوال فإنه سبب لوجوب صلاة الظهر، والعقل لا يُدرك سر العلاقة بين جعل الزوال تحديدًا سببًا لوجوب صلاة معينة.

 فعلى هذا فإن عَلّق الشارع الحُكم على وصف معين، نظرنا إلى هذا الوصف، فإن كانت مناسبته للحكم ظاهرة فهو "علة" وإلا فهو "سبب".

 3 – الشرط:

والشرط: "الذي يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم"

فالطهارة مثلًا شرط للصلاة:

  - فعدم الطهارة = عدم الصلاة، لأن من صلى بلا طهارة فكأنه لم يصل.

  - أما وجود الطهارة فلا يعني وجود الصلاة، ولا يعني عدم وجودها، فإن المرء قد           يتطهر ولا يُصلي، وقد يتطهر ويصلي.

والشرط قد يَكون:

  • شرطًا للعلة: فالسَّفر مثلًا علة جواز الفطر، بشرط عدم المعصية، فالعلة هنا مشروطة بعدم المعصية، فمن سافر سفر معصية، فلا يجوز له الفطر، رغم وجود العلة، وذلك لأن العلة هنا مشروطة.
  • شرطًا للحكم: فتكفير المسلم له علة وهي الإتيان بالنواقض، ولكن يُشترط في المَحْكوم عليه أن يكون عاقلًا مثلًا، فإن أتى المسلم بناقض في حالة جنونه فلا يكفر، وذلك لأن الحُكم بالكفر مشروط، وهنا لم يتحقق الشرط.

 4 – المانع:

وهو: "الذي يلزم من وُجوده العدم، ولا يلزمه من عدمه الوجود ولا العدم"

فالحدث مانع من موانع الصلاة:

  • فوجود الحدث يعني عدم وجود الصلاة، لأن من صلى مُحدثًا فصلاته باطلة.
  • أما عدم الحدث، فلا يعني وجود الصلاة، ولا عدمها.

والمانع قد يكون:

  • مانعًا للعلة: فالسفر علة الفطر، والمعصية مانع لهذه العلة، فمن سافر سفر معصية فلا يجوز له الفطر، رغم وجود العلة، وذلك لأن هناك مانعًا.
  • مانعًا للحكم: فتكفير المسلم له علة وهي الإتيان بالنواقض، ولكن الإكراه مثلًا مانع لهذا الحكم، فإن أتى المسلم بناقض في حالة إكراهه فلا يكفر، وذلك لأن الإكراه مانع لهذا الحكم، وهنا وُجد هذا المانع.

 أمثلة لمزيد من التوضيح:

  • يَجب حد الرجم على الزانية إن كانت مُحصنة –سبق أن جُومعت في نكاح صحيح من قبل- ما لم تكن مُكْرهة ، فأين الحكم والعلة والشرط والمانع فيما سبق؟
  • الحكم: وجوب الرجم
  • العلة: الزنا، فهو سبب الرجم.
  • الشرط: الإحصان.
  • المانع: الإكراه

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0