التشريع الجنائي الإسلامي

دراسة للجرائم في التشريع الغسلامي و العقوبات المقررة فيها : الجنایة على النفس ومقادیرها الشرعیة, المقادیر الشرعیة للدیة, أقوال الفقهاء في مساءلة الدية, الجنایة على ما دون النفس بإبانة الأطراف, الجنایة على ما دون النفس بذهاب منفعة الأعضاء مع بقاء أعیانها, الجنایة على ما دون النفس بالشجاج والجراح, الجنایة على ما دون النفس مع انتفاء أثر الاعتداء

التشريع الجنائي الإسلامي

الجنایة على النفس ومقادیرها الشرعیة: 

یصطلح على المقادیر الشرعیة للدیة 
وهي المال الواجب على الجاني، یؤدى إلى المجني علیه أو أهله. وقد أوجب االله الدیة في القتل الخطأ جبرا كما أوجب القصاص في القتل العمد زجرا. 
وقد قسم بعض الفقهاء الدیة إلى قسمین:

دیة واجبة ابتدا ء:

 مجرى الخطأ كما في حالة النائم فينقلب أو يسقط على آخر فيقتله. الخطأ أن يرمي الجاني في صيد إلى شيء فيصيب رجلا من غير قصد فيقتله ويلحق بهذا أيضا ما يجري مجرى الخطأ كما في حالة النائم فينقلب أو يسقط على آخر فيقتله.

دیة واجبة بدلا:

أي بدل القصاص وتكون في ثلاث حالات:
 - الحالة الأولى: تكون الدية واجبة بدلا في جناية الصبي أو المجنون أو عفو ولي المجني عليه وفي جناية الأصول على الفروع. 
- الحالة الثانية: إذا كان القتل شبه العمد فلا يوجب القصاص بل تجب الدية لأنه لا يكون الغالب فيه الهلاك لانتفاء القصد الجنائي للقتل " انتفاء نية القتل مثلا في الألعاب و المنافسات الرياضية، الفنون الحربية، ضرب أحد قصد التأديب. 
- الحالة الثالثة: تعذر استفاء القصاص في الأطراف وتندرج فيه أكثر الجروح.

المقادیر الشرعیة للدیة: 

لقد فرض رسول االله صلى االله علیه وسلم الدیة 
وقدرها مئة من الإبل على أهل الإبل 
و على أهل البقر مئتي بقرة، 
وعلى أهل الشاة ألفي شاه 
وعلى أهل الذهب ألف دینار
 وعلى أهل الفضة اثني عشر ألف درهما 
وعلى أهل الحلل مئتي حلة.


أقوال الفقهاء في مساءلة الدية:

ذهب الحنابلة و الحنفیة إلى القول بجواز أخذ الدراهم أو الدنانیر مع وجود الإبل ولا تثبت الدیة إلا بهذه الأنواع الثلاثة: الإبل والذهب والفضة.

أما الشافعیة والمالكیة فقالوا لا یؤخذ في الدیة بقر ولا غنم ولا حلل فمن لزمته الدیة وله إبل تؤخذ منها،
 تجب عند مالك في ثلاث أجناس: "الإبل والذهب والفضة"، 
وقد كان الإمام الشافعي یرى رأي مالك قدیما إلا أنه عدل عنه
 وقال إن الدیة تجب في جنس واحد وهو الإبل لأنها الأصل في القیمة وأن ماعدا الإبل من الذهب والفضة وغیرهما أبدال ولیست أصولا ثابتة 
تزید وتنقص بحسب زیادة قیمة الإبل ونقصها.

و سبب هذا الإختلاف هو صرف الدینار 
و عند الجمهور الدینار یساوي اثني عشر درهما بدلیل الحدیث الذي رواه النسائي و أبو داوود و ابن ماجة : أن رجلا من بني عدي قتل فجعل النبي صلى االله علیه وسلم دیته اثني عشر ألف درهم .

2 _دیة الجنایة على النفس 

1 -دیة الخطأ :

تجب دیة الخطأ على العاقلة وهي مئة من الإبل تؤخذ في ثلاث سنین أخماساً بنات مخاض و هي صنف من أصناف الإبل وهي ما استكملت السنة الأولى ودخلت في الثانیة تسمى مخاض، و عشرون من بنات لبون ما استكملت السنة الثانیة ودخلت في الثالثة، و عشرون من ذكورها، و عشرون ِحقة ما استكملت السنة الثالثة ودخلت في الرابعة، وعشرون جذعة ما استكملت الرابعة ودخلت في الخامسة) و هذا عند الحنابلة وحجتهم ما روي عن عبد االله بن مسعود قال :قال رسول االله ة وعشرون بنات مخاض وعشرون بنات لبون صلى االله علیه وسلم : «دیة الخطأ أخماسا : عشرون ِحقّ وعشرون بني لبون وعشرون جذعة».

وتغلظ دیة الخطأ عند الشافعیة في حالات ثلاث:

● إذا حدث القتل في حرم مكة

● إذا حدث القتل في الأشهر الحرم

● الجنایة على القریب.

2 -دیة العمد وشبه العمد :

تجب دیة العمد في القتل العمد وشبه العمد عند الجمهور إذا عفى ولي الأمر ، و تكون الدیة مغلظة عند الشافعي و أحمد في ثلاثة أوجه : 
أولها: أنها تجب على الجاني و لا تتحملها العاقلة
ثانیها: أنها تجب بلا تأجیل

ثالثها: أنها تغلظ بالسن و التثلیث (ثلاثون ِحقة وثلاثون جذعة وأربعون َخلِفة (الإبل التي أبناؤها في بطونها) 

كما جاء في حدیث عمرو بن شعیب أن النبي صلى االله علیه و سلم قال: «من قتل عمدا فإنه یدفع إلى أهل القتیل ، فإن شاؤوا قتلوه و إن شاؤوا أخذوا العاقلة "مئة من الإبل ، ثلاثون ِحقة وثلاثون جذعة وأربعون َخلِفة»
 رواه ابن ماجة في سننه.


الجنایة على ما دون النفس بإبانة الأطراف وما یجري مجراها:

ویقصد بإبانة الأطراف قطعها أو قطع ما یجري مجراها وتتنوع إلى أربعة أنواع:

النوع الأول:  ما لا نظیر له في البدن:

كالأنف واللسان والجلد وشعر الرأس.
ا-الأنف: إذا قطع كله أو قطع المارن (مقدمة الأنف)  ففیه  الدیة.  
ب. اللسان: إذا قطع لفوات منفعة مقصودة وهو النطق والكلام والإفهام ففیه الدیة.
 ت. الجلد: إذا سلخ الجلد و لم ینبت فالدیة واجبة. 
ث. شعر الرأس: وفي إزالة شعر الرأس وعدم رجوعه إلى حاله فالواجب الدیة عند الحنفیة والحنابلة.

النوع الثاني: ما في البدن اثنان:

أ. الیدان: 
ففیهما الدیة كاملة وفي كل واحدة منهما نصف الدیة لقوله صلى االله علیه وسلم «وفي الیدین الدیة» رواه ابن ماجة في سننه، وقول ابن مسعود: «في كل اثنین من الإنسان الدیة»
 ب. الرجلان:
 فیهما الدیة كاملة وفي كل واحدة نصف الدیة لقوله صلى االله علیه وسلم: «وفي الرجلین الدیة» وفي حدیث عمرو بن حزم: «وفي الرجل خمسون».

ت. الشفتان: فیهما الدیة كاملة لحدیث عمرو بن حزم: «وفي الشفتین الدیة» رواه الترمذي وفي كل شفة نصف الدیة علیا أو سفلى، صغیرة أو كبیرة 
وهو مذهب الجمهور، وذهب زید  بن ثابت بالقول أن في السفلى ثلثي  الدیة  وفي العلیا الثلث "قول سعید  بن  المسیب" وحجته في ذلك أن الطعام والشراب  یحبس  بالسفلى فحركتها أعظم ومنفعتها أجل من حركة الشفة العلیا. 
ث. الحاجبان: إذا أزیل شعرهما ولم ینبت فیهما الدیة عند الحنفیة والحنابلة وفي أحد الحاجبین نصف الدیة لأن الجاني أتلف منفعة مقصودة وفوت جمالا مقصودا لذاته. 
خ. العینان:  فیهما  الدیة  لحدیث عمرو بن حزم: «وفي العینین  الدیة» رواه مالك في الموطأ وفي العین الواحدة نصف الدیة. 

ح. الأذنان:فیهما الدیة كاملة بالقطع أو الاقتلاع "الاصطدام" وفي أذن واحدة نصف الدیة لحدیث عمرو بن حزم «وفي الأذن خمسون من الإبل» والمشهور عند الإمام مالك أنه لا تجب في الأذنین الدیة كاملة إلا إذا ذهب سمعهما.

النوع الثالث: ما في البدن أربعة:

 كالأشفار والأجفان والأهداب ففي أشفار العینین الدیة كاملة 

وفي إحداهما ربع الدیة لأنه بذهابهما تفویت للجمال وحبس المنافع. وفي كل جفن وشفر ربع الدیة. وكذلك الأهداب لأنها تابعة للأجفان فإذا جني علیها فالواجب الدیة كاملة.

النوع الرابع: ما في البدن عشرة:

أصابع الیدین والرجلین: فیها الدیة كاملة، وفي كل أصبع عشر الدیة لحدیث عمرو بن حزم عن ربعة  بن أبي عبد الرحمان أنهقال : سألت سعيد بن المسيب كم في أصبع المرأة ؟ فقال : عشر من الإبل ، فقلت : كم في أصبعين ؟ ) منها ( قال : عشرون من الإبل ، فقلت : كم في ثلاث ؟ ) منها ( فقال : ثلاثون من الإبل ، فقلت كم في أربع ؟ قال : عشرون من الإبل ، فقلت حين عظم ) كثر ( جرحها ) بضم الجيم ( واشتدت مصيبتها ) بذلك ( نقص عقلها ) ديتها ( فقال سعيد : أعراقي أنت ؟ ) تأخذ بالقياس المخالف للنص ( فقلت ) لست بعراقي ( بل عالم متثبت أو جاهل متعلم ، فقال سعيد : هي السنة يا ابن أخي ) .

الأسنان :
 وفیها الدیة. وفي كل سن خمس من الإبل ،
 لحدیث عمرو بن حزم: «وفي السن خمس من الإبل»، 

والأضراس كالأسنان على هذا القول كلها سواء لعموم النص وإطلاقه ولأنها كلها في أصل المنفعة سواء فلا تفاضل بینهما كالأید

والأصابع، سواء كانت السن صغیرة أو كبیرة، 

فلو ضرب رجل رجلا ضربة فألقى أسنانه كلها فعلیه الدیة وثلاثة أخماس الدیة لأن جملة الأسنان اثنان وثلاثون سنا: عشرون ضرسا، وأربعة أنیاب، وأربعة ثنایا، وأربعة ضواحك، 

قال الإمام الشافعي : "إذا كسرت السن من مخرجها فقد تم عقلها( أي وجبت دیتها)، وكذا لو قلعها من سلخها (الأصل)في كل واحدة منها خمس من الإبل وإن كسرت فتم عقلها ثم نزع إنسان سلخها ففي نزعها حكومة یقدر مقدار لها باجتهاد.

ت. الشفتان: فیهما الدیة كاملة لحدیث عمرو بن حزم: «وفي الشفتین الدیة» رواه الترمذي وفي كل شفة نصف الدیة علیا أو سفلى، صغیرة أو كبیرة .

وهو مذهب الجمهور، وذهب زید  بن ثابت بالقول أن في السفلى ثلثي  الدیة  وفي العلیا الثلث "قول سعید  بن  المسیب" وحجته في ذلك أن الطعام والشراب  یحبس  بالسفلى فحركتها أعظم ومنفعتها أجل من حركة الشفة العلیا. 

ث. الحاجبان: إذا أزیل شعرهما ولم ینبت فیهما الدیة عند الحنفیة والحنابلة وفي أحد الحاجبین نصف الدیة لأن الجاني أتلف منفعة مقصودة وفوت جمالا مقصودا لذاته. 

خ. العینان:  فیهما  الدیة  لحدیث عمرو بن حزم: «وفي العینین  الدیة» رواه مالك في الموطأ وفي العین الواحدة نصف الدیة. 

ح. الأذنان:فیهما الدیة كاملة بالقطع أو الاقتلاع "الاصطدام" وفي أذن واحدة نصف الدیة لحدیث عمرو بن حزم «وفي الأذن خمسون من الإبل» والمشهور عند الإمام مالك أنه لا تجب في الأذنین الدیة كاملة إلا إذا ذهب سمعهما.


الجنایة على ما دون النفس بذهاب منفعة الأعضاء مع بقاء أعیانها.

و یقصد من ذلك تفویت منفعة العضو مع بقائه قائما، من هذه الأعضاء:

السمع :

وفیه الدیة كاملة لما رواه معاذ عن النبي صلى االله علیه وسلم أنه قال: 
«في السمع الدیة» رواه مالك في الموطأ. فإذا ذهب السمع في إحدى الأذنین وجبت نصف الدیة أما إذا كانت الجنایة بقطع الأذنین مع ذهاب السمع وجبت دیتان، لأن السمع في غیر الأذن فلا تدخل دیة أحدهما في الآخر، فقال الإمام مالك: "في الأذنین إذا ذهب سمعهما الدیة اصطلمتا أو لم تصطلما". وقال ابن المسیب : "وفي السمع إذا ذهب الدیة التامة".

البصر أو ضوء العین :
الشم :

البصر أو ضوء العین : 
فیه الدیة لأنه فیه منفعة العینین، وفي كل عضوین وجبت الدیة بذهابهما أو بذهاب نفعهما. وفي إبصار العین الواحدة نصف الدیة ولیس في إذهاب العینین أكثر من دیة واحدة كالیدین، لأن العینین هما محل البصر.
 الشم : 
تجب فیه الدیة تامة لقوله صلى االله علیه وسلم : «في المشام الدیة» رواه البخاري. فإن قطع أنفه وذهب شمه فعلیه دیتان، لأن الشم غیر الأنف فلا تدخل دیة أحدهما في الآخر.


1 . الذوق :

فیه الدیة فهو أشبه بالشم فإن جنى إنسان على اللسان فأذهب ذوقه كله ففیه دیة كاملة ، وإذا نقص الذوق نقصا غیر مقدر كأن یحس المذاق كله إلا أنه لا یدركه على الكمال ففیه حكومة كما لو نقص بصره نقصا لا یتقدر. والمذاق خمس وهي : الحلاوة والمرارة والحموضة والملوحة والعذوبة. فإذا ذهب واحد منها فُخمس الدیة.

2. العقل:

فیه الدیة إذا ذهب بالضرب لفوات منفعة الإدراك لأن الإنسان یمتاز عن غیره من المخلوقات بعقله وبه ینتفع في معاشه ومعاده .

وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي االله عنه أنه قضى لرجل على رجل بأربع دیات بضربة واحدة وقعت على رأسه ذهب بها عقله وبصره وسمعه وكلامه. وعن زید بن أسلم قال : "في العقل إذا ذهب الدیة"، وقیل یقدر بالزمان فلو جن یوما وأفاق یوما كان الذاهب نصفه أو جن یوما وأفاق یومین كان الذاهب ثلثه.


الجنایة على ما دون النفس بالشجاج والجراح

اولا الشجاج : هي الإصابات التي تقع بالرأس والوجه وأنواعها عشرة وكلها لا قصاص فیها إلا الموضحة إذا كانت عمدا لاستحالة المماثلة فیها وهي كالتالي:
1 .الحارصة:

1 .الحارصة : 
وهي الإصابة التي تشق الجلد قلیلا "تخدشه" ولا تدمیه "أي لایخرج الدم" 
2 .الدامیة: هي الإصابة التي تنزل الدم وتسمى عند الحنابلة بالبازلة ودیتها بعیر. 3 .الباضعة : 
وهي التي تشق اللحم بعد الجلد أي تبضعه وتقطعه ودیتها بعیران وهو قول زید بن ثابت.
4 .المتلاحمة : وهي الشجة الغائصة في اللحم في عدة مواضع منه ولا تقرب العظم ودیتها ثلاث أبعرة وهي روایة زید بن ثابت.

5 .السمحاق هي التي یبقى بینها وبین العظم جلدة رقیقة بین اللحم وعظم الرأس، و دیتها نصف ِّ 5 .ا دیة الموضحة وهو قول عمر وعثمان رضي االله عنهما وروي عن علي أنه قضى فیها بأربع من الإبل ویقال لها أهل المدینة الملطاة

6 .الموضحة : وهي التي تبین العظم وتكشفه ولا تكون إلا في جبهة الرأس و الخذین وهو قول مالك وأما أبو حنیفة و الشافعي فقالا: "الموضحة في جمیع الوجه والرأس" ولا تكون في الجسد وهو قول الجمهور، ودیتها إن كانت خطأ ُخمس من الإبل وقد ثبت ذلك عن النبي صلى االله علیه وسلم في كتابه لعمرو بن حزم «في الموضحة ُخمس» یعني من الإبل.

7 .الهاشمة: هي التي تهشم العظم وتكسره فیها عشر من الإبل وهو قول زید بن ثابت ولا مخالف له من الصحابة. 8 .المنقلة :وهي التي تنقل العظم بعد الكسر وتحوله من موضعه "أي تحول العظم من موضع إلى موضع آخر" ودیتها خمس عشرة من الإبل. أما إذا كانت عمدا فلیس فیها قصاص عند الجمهور لانتفاء المماثلة.

8 .المنقلة :
وهي التي تنقل العظم بعد الكسر وتحوله من موضعه "أي تحول العظم من موضع إلى موضع آخر" ودیتها خمس عشرة من الإبل. أما إذا كانت عمدا فلیس فیها قصاص عند الجمهور لانتفاء المماثلة.

9 .المأمومة أو الآمة: 
وهي التي تصل إلى أم الدماغ فلا خلاف أنه لا قصاص فیها وأنه فیها ثلث الدیة إلا ما حكي عن عبد االله بن الزبیر أنه أقاد منها( أي أخذ منها القصاص) ومن المنقلة 

. 10 .الدامغة :

وهي التي تخرج الدماغ من موضعه وفیها ثلث الدیة ولا یهتم الفقهاء كثیرا بالدامغة لأن النفس لا تبقى بعدها عادة، وبسببها یكون الموت متحققا ویكون ذلك قتلا لا شجا. أما الأحناف فیرون أن الشجاج إحدى عشر شجة ویضیفون الدامغة بعد الحارصة وهي التي تظهر الدم ولا تسیله.

ثانیا الجراح : 
الجراح وهو الإصابات التي تصیب الجسد من قطع في البدن أو تمزیق في الأنسجة أو كسر أوحروق أو جروح باطنیة أي ما كان من إصابات في سائر الجسد عدا الرأس والوجه
انواع الجراح:

1 .الجراح الجائفة: 
وهي التي تصل إلى الجوف ومواضعها الصدر والظهر والبطن، روي عن مالك أن في كل جراحة نافذة إلى تجویف عضو من الأعضاء ثلث الدیة، وهو قول سعید ابن المسیب واختلفوا فیما إذا وقعت في غیر ذلك من الأعضاء "كالرقبة"، فرأى ابن شهاب الزهري أن في ذلك اجتهادا من غیر توقیف، وأن الجراحات التي تقع في سائر الجسد فلیس في الخطأ منها إلا الحكومة.

 2 .الجراح غیر جائفة: 
وهي الجراحات التي لا تصل إلى الجوف والواجب فیها حكومة فإن أوضح عظم في غیر الرأس أوالوجه أو هشمه وجب فیه حكومة. ملاحظة: الفرق بین الشجاج والجراح هو أن الشجاج لا یكون إلا في الوجه والرأس بینما تكون الجراح في سائر الجسد.

 قضایا فقهیة في الشجاج والجراح 

1 .من شج نفسه وشجه غیره:

من شج نفسه وشجه رجل و عقره أسد وأصابته حیة فمات من ذلك كله فإنه یجب على من شجه ثلث الدیة، لأن فعل الأسد و الحیة جنس واحد، لكونه هدرا في الدنیا والآخرة، وفعله في نفسه هدر في الدنیا معتبر في الآخرة فیأثم علیه. فعند أبي حنیفة ومحمد بن الحسن یغسل ویصلى علیه، وعند أبي یوسف یغسل ولا یصلى علیه لأنه تعدى على نفسه بشجها. فصارت ثلاثة أجناس وكأن النفس أتلفت بثلاثة أفعال، فیكون الثالث بفعل كل واحد ثلثه فیجب علیه ثلث الدیة.

2 .جنایة الجماعة على الواحد بالجراح المفضي إلى الموت:

تقتل الجماعة بالواحد سواء كثرت أو قلت، باشروا جمیعا جرمهم أو باشره بعضهم فقتلوه بآلة أو من غیرها كما لو ألقوه من جبل أو رموه في بحر أو هدموا علیه حائطا ولو تفاوتت جراحاتهم في العدد، 
لما روي عن عمر بن الخطاب أنه قتل نفرا قیل خمسة وقیل سبعة برجل قتلوه غیلة وقال كلمته المشهورة :"لو تمالأ علیه أهل صنعاء لقتلتهم جمیعا" ولم ینكر علیه أحد من الصحابه فصار ذلك إجماعا. وإذا كانالقتل بالجراحات وزعت الدیة باعتبار عدد الرؤوس، لأن تأثیر الجراحات لا ینضبط وقد تزید ِنَكایة الجرح الواحد على جراحات كثیرة وحكم ذلك على أوجه: 
أولها: یجب على الجمیع القصاص كي لا یصیر ذریعة إلى القتل وسفك الدماء.
 ثانیها: لا یجب القصاص على أحد منهم بل تجب الدیة.
 ثالثها: یجب علیهم القصاص إذا اتفقوا على ضربه بشكل یؤثر في ازهاق روحه، بخلاف إذا وقع اجتماعهم من غیر تواطؤ فإنه تجب علیهم الدیة.

3 .تغیر حال المجروح من الجرح إلى الموت:

قد یتغیر حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت بعصمة أو حریة أو إهدار. فإذا جرح مسلم حربیا أو مرتدا أو عبدا، فأسلم الحربي والمرتد وأعتق العبد ثم مات بسبب الجرح فلا ضمان بمال ولا قصاص، لأن الجرح السابق غیر مضمون. وقیل تجب دیة مخففة اعتبارا بحال استقرار الجنایة وتتحملها العاقلة. 
وعكس هذا إذا جرح حربي مسلما ثم أسلم الجارح ومات المجروح فلا ضمان على الصحیح عند الشافعیة والحنابلة، ولو ارتد المسلم المجروح فلا قصاص ولا دیة لأن نفسه هدر وجارحه غیر مرتد وهو قول جمهور الفقهاء من المالكیة والشافعیة والحنابلة و الصاحبین "محمد بن الحسن و أبو یوسف"
 إلا أن أبا حنیفة خالف الجمهور

4 .تعدد الجراحات بتعدد الفعل:

لو جرح إنسان شخصا جراحة واحدة و جرحه شخص آخر بعده عشرون جراحة، ومات بسبب الواحدة والعشرین، وكانت تلك الجراحة الواحدة والعشرین جراحة لو انفردت كل منهما لقتلته، لزم صاحب الجراحة الواحدة، وصاحب العشرین جراحة، القصاص مطلقا. أما إذا كان فعلهما لا یقتل فإنه تجب علیهما الدیة، وإذا كان جرح أحدهما یقتل لو انفرد، وجرح آخر لا یقتل لو انفرد فلكل حكمه. فالأول یقتص منه مطلقا والثاني تجب علیه الدیة. ولو جرح واحد شخصا جرحین عمدا و خطأ، ومات بهما لا یكون علیه القصاص لاختلاف وصف الفعلین، حیث أن أحد الجرحین عمدا والآخر خطأ، فوجب في العمد نصف الدیة المغلظة من ماله الخاص "لا تتحملها العاقلة"، ووجب في الخطأ نصف الدیة المخففة على العاقلة.(دیة الخطأ المخفف تأخذ أخماسا عشرون من إناث بنات مخاض وعشرون من ذكورها وعشرون من بنات لبون وعشرون حقة). أما دیة القتل المغلظة فتغلظ بالسن والتثلیث (ثلاثون حقة وثلاثون جدعة و أربعون خلفة).

5 .عدم استیفاء القصاص في الجراح عند انتفاء المماثلة:

یمنع القصاص عند مالك عند انتفاء المماثلة، مثل أن یفقأ البصیر عین الأعمى،
 و اختلف الفقهاء في الأعور یفقأ عین الصحیح عمدا، قال الجمهور إن أراد الصحیح أن یستقید منه فله ذلك واختلفوا إذا عفا عن القصاص، فقال بعضهم إن أراد فله الدیة كاملة وهو مذهب مالك.
وقیل لیس له إلا نصف الدیة وبه قال الشافعیة، ویقول الشافعي قال ابن القاسم وعمدة أصحاب القول الأول أن عین الأعور بمنزلة عینین للبصیر فمن فقأها في واحدة كمن اقتص من اثنین، ومن جعل الدیة نصف الدیة فهو أحرز الأقوال ومجزئ للحجة وفي أحد قولي مالك في الأعور یفقأ عین الصحیح یخیر بین أن یفقأ عین الأعور أو یأخذ الدیة.

متى یستقاد من الجرح؟

لا یستقاد من الجرح الا بعد اندماله عند الإمام مالك معتبرا ما یؤول إلیه الجرح ومخافة أن یفضي إلى إتلاف النفس. أما الشافعي فجعله على الفور. وقد اختلف العلماء في المقتص من الجرح بموت المقتص من ذلك الجرح وقال الشافعي ومالك وأبو یوسف ومحمد بن الحسن لا شيء على المقتص وهو مروي عن علي وعمر رضي االله عنهما وبه قال أحمد داود الظاهري وقال أبو حنیفة وسفیان الثوري إذا مات المقتص منه وجب على عاقلة المقتص الدیة. و ُعمدة قول مالك ومن قال بقوله إجماعهم على أن السارق إذا مات من قطع یده أنه لا شيء على الذي قطع یده ( المقتص منه) و ُعمدة أبي حنیفة أنه قتل خطأ وجبت فیه الدیة. ویرى مالك أنه لا یقاد "لا یقتصر" في الحر الشدید والبرد الشدید بل یؤخر ذلك مخافة أن یموت المقاد منه "المقتص منه".


الجنایة على ما دون النفس مع انتفاء أثر الاعتداء:

ویقصد بها الضرب الذي ینتفي معه أثر الاعتداء رغم حدوثه فلا قصاص في لطمه و وكزه ووجأة (الوجأ: الضرب بالید).
 أما القصاص في الضرب بیده أو بعصاه أو صده قبل أن یلطمه فقد قالت طائفه من العلماء لا قصاص فیه بل فیه التعزیر لانتفاء المماثلة والمساواة فیه. والمأثور عن الخلفاء الراشدین وغیرهم من الصحابة والتابعین أن القصاص مشروع في ذلك وإذا لطم شخص أحدا رجلا أو امرأة على وجهه فحدث إضرر أو اصفرار و فوت جمالا ومنفعة وجبت علیه الدیة أو حكومة.

اذا حبس شخص آخر ومنعه الطعام والشراب حتى مات بسبب ذلك أو خنقه بیده، وجب علیه القصاص إن قصد بذلك موته أو علم أنه یموت من جراء ذلك. ومن ضرب غیره بمثقل كحجر حتى مات فإنه یقتص منه بلا قسامة. أما إذا أفاق بعد الضرب ثم مات فإنه لا یقتص منه إلا بالقسامة. كذلك من طرح معصوما (مسلما) في النهر لا یحسن السباحة لعداوة ثابتة وجب علیه القصاص ، أما إذا انتفت هذه العداوة ولم یكن القصد إلا اللعب فإن الواجب هوالدیة أما إذا ألقاه في ماء كلجة البحر لا یمكنه التخلص منه فالتقمه الحوت فالواجب علیه القصاص ولا نظر إلى جهة الهلاك(الدفع) كما لو ألقاه في بئر وفي أسفلها آلة قاتلة لم یعلم بها وهلك بذلك لأن التردیة تقتل غالبا. أما إذا ألقاه في نار یمكنه الخلاص منها لكنه مكث فیها حتى مات .

فیه قولان:
 القول الأول: تجب الدیة في الإلقاء في النار لأن النار تحرق بأول ملاقاتها وتخلف جروحا وحروقا قاتلة . 
القول الثاني: وجب فیه القصاص.

● الضرب للتأدیب :

الضرب بقصد التأدیب جائز شرعا كالسلطان إذا ضرب إنسانا لاقترافه جریمة لا توجب الحد أو أراد أن یعزره أو یجلده في حد من الحدود فمات بسبب ذلك أو قطع ید السارق فحدث نزیف في جسد السارق یرى القطع فمات بسبب ذلك فلا ضمان على السلطان ولا على بیت المال لأنه فعل أمرا أمر به الشرع ولم یقصد بفعله القتل. وكذلك الأب والأم إذا ضرب أحدهما ولده بقصد التأدیب فمات فلا شيء علیهما لقوله صلى االله علیه وسلم «لا یقاد الوالد بولده».والزوج إذا ضرب زوجته بقصد التأدیب والتربیة والحث على الاستقامة ضربا غیر مبرح فلا شيء علیه، أما إذا كان ضربا انتفت منه السلامة وبرز فیه القصد الجنائي فعلیه القصاص.

● القتل بالسم:

إذا دس شخص لآخر سما في طعامه أو شرابه فأكله باختیاره و مات فلا قصاص فیه ولا دیة، وإن كان لا یعلمه به عند الحنفیة لا قصاص قالوا یلزمه الاستغفار والحبس والتعزیز لارتكابه معصیة. أما في حالة الإكراه على تناول السم كأن أوجر شخص السم في حق شخص آخر و أكرهه على شربه حتى شرب، ففیه الدیة عند الحنفیة،و یعتبر موجبا للقصاص عند المالكیة وكذلك عند الحنابلة، أما عند الشافعیة فیعد تسمیم الصبي و المجنون قتلاعمدا موجبا للقصاص، وكذلك یجب القصاص إن سقى السم بالغا عاقلا مكرها.

وخلاصة القول: أن التسمیم قتل عمد عند المالكیة والحنابلة والشافعیة في حالة الإكراه و شبه عمد عند الحنفیة في حالة الإكراه . وفي غیر حالة الإكراه عند الشافعیة الواجب فیه التعزیز فقط.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0