موقف الشريعة الإسلامية من الإجهاض

موقف الشريعة الإسلامية من الإجهاض

 انطلاقا من قوله عز و جل في كتابه العزيز " و لا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم و إياهم " يتضح لنا مدى قدسية حياة اﻷجنة و معصوميتها فاﻹتجاه العام يقر على أن الجنين في اﻹسلام كائن حي منذ انعقاده و لا يجوز إسقاطه بغير عذر مقبول حيث نجد معظم فقهاء الشريعة اﻹسلامية يحتاطون من الإجتهاد في موضوع الإذن بالإجهاض يكاد يكون الرأي الراجح هو حصر مجاله في حالة واحدة هي عندما يتعلق اﻷمر بصحة اﻷم لكن الخلاف الفقهي امتد ليشمل أولا قبل كل شئ الفترة الزمنية التي يجوز فيها الإجهاض و هنا يتم التمييز بين فترتين أثناء الحمل فترة ما قبل نفخ الروح و فترة ما بعد نفخ الروح و قبل التطرق يجب الحديث عن أسس أحكام الإجهاض بحيث تقوم على أسس أربعة:
      *الأساس الأول : لا تعد النطفة ذات حياة محترمة و مقدسة ما لم ينغلق عليها الرحم لتتطور إلى علقة ثم مضغة... و لاعبرة شرعا بتلك الحياة.
      *الأساس الثاني: لا يجوز العدوان بإجهاض أو غيره على الحياة الإنسانية، و النطفة قد دخلت في أطور مرحلة الحياة الإنسانية إستنادا لقوله تعالى "ون قتل نفسا بغير نفس أو فساد في اﻷرض فكأنما قتل الناس جميعا".
      *الأساس الثالث: ملاحظة و أخد بعين الاعتبار الحقوق الثلاثة و هي حق الجنين و حق الأبوين و حق المجتمع.
     *الأساس الرابع: يتمثل في مجموعة الأحاديث الصحيحة المتعلقة بهذا الموضوع و منها قوله صلى الله عليه و سلم " إذا مر بالنطفة مائتان و أربعون ليلة بعث الله ملكا فصورها و خلق سمعها و بصرها و جلدها و لحمها و عظامها ثم يقول يا رب أذكر أم أنثى " رواه مسلم.

إن بالرجوع إلى آراء الفقهاء و تمييزهم بين حكم الإجهاض الذي يقع في مرحلة ما قبل نفخ الروح و حكم الإجهاض في مرحلة ما بعد نفخ الروح نجد:

     • مرحلة ما قبل نفخ الروح : لا توجد نصوص قطعية في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة و يبقى تفسير الفقهاء يختلف من مذهب ﻵخر فالسادة الشافعية أباحوا الإجهاض قبل نفخ الروح استنادا في ذلك أن الحمل خلال هذه المرحلة لم يدخل مرحلة التخلق و لم يبدأ التصور بعد ، إضافة إلى أن وقوع النطفة في الرحم و اختلاطها بماء المرأة إفسادها جناية لكن تركها حتى تصير علقة و مضغة هي جناية أفحش ، بينما يذهب السادة الحنابلة بدورهم إلى إجازة الإجهاض في هذه المرحلة اعتبارا لأن الحمل لا زال قطعة لحم ليس جنينا و حياتها البشرية في حكم المجهول أما السادة الحنفية فلهم في حكم الإجهاض و الإسقاط رأي يرى أنه يجوز الإسقاط في هذه المرحلة و رأي لا يبيح هذا الإسقاط اعتبارا ﻷن النطفة بذرة محترمة لا يجوز المساس بها ، و بقي أن نشير إلى أقوال السادة المالكية الذي تعتبر أقوالهم أكثر تشددا مقارنة بباقي اﻷقوال حيث ذهبوا إلى تحريم الإجهاض اعتبارا لأنه محصول الحمل منذ بدايته له حق الحياة.

     •مرحلة ما بعد نفخ الروح : فحكم الإجهاض في هذه المرحلة حرام و غير جائز بالإجماع بين آراء جل السادة فقهاء المذاهب اﻷربعة إذا كان دون عذر ، فالسادة المالكية والحنفية اعتبروا المساس بالجنين بعد نفخ الروح هو بمثابة قتل صريح اعتداء على هذا الجنين أما السادة الحنابلة و الشافعية فإضافة لحكم عدم اﻹباحة يقرون على أن هذا الفعل جنحة و لها عقوبتي الكفارة و الدية .

يميل معظم الفقهاء والمجتهدين المعاصرين إلى الاحتياط في موضوع الإذن بالإجهاض، ويكاد يكون الرأي الأكثر تداولا هو حصر مجاله في حالة واحدة تتعلق بصحة الأم، لكن الخلاف الفقهي في هذا الموضوع يمتد ليشمل أولا الفترة الزمنية التي يجوز فيها الإجهاض، ويتسع ليدرج حالات أخرى غير صحة الأم ضمن الضرورات الملجئة للإجهاض أو الأعذار المبيحة له، لكن الثابت في كل هذه الاجتهادات هو إخضاع هذه الحالات إلى منطق الضرورة الشرعية بما يعنيه تحديد مواصفات دقيقة للحالة تميزها عن غيرها، ووضع ضوابط صارمة تمنع توسيع هذه الضرورة، وتفعيل قاعدة الضرورة تقدر بقدرها.

ويستعرض الدكتور يوسف القرضاوي في فتوى شرعية رأيه في الإجهاض ويقول: إن الأصل في الإجهاض هو الحرمة. وإن كانت الحرمة تكبر وتعظم كلما استقرت حياة الجنين.

فهو في الأربعين الأولى أخف حرمة، فقد يجوز لبعض الأعذار المعتبرة، وبعد الأربعين تكون الحرمة أقوى، فلا يجوز إلا لأعذار أقوى يقدرها أهل الفقه، وتتأكد الحرمة وتتضاعف بعد مائة وعشرين يوماً، حيث يدخل في المرحلة التي سماها الحديث (النفخ في الروح). وفي هذه الحالة لا يجوز الإجهاض إلا في حالة الضرورة القصوى، بشرط أن تثبت الضرورة لا أن تتوهم، وإذا ثبتت فما أبيح للضرورة يقدر بقدرها.

ورأيي أن الضرورة هنا تتجلى في صورة واحدة، وهي: ما إذا كان في بقاء الجنين خطر على حياة الأم، لأن الأم هي الأصل في حياة الجنين، والجنين فرع، فلا يضحى بالأصل من أجل الفرع، وهذا منطق يوافق عليه مع الشرع الخلق والطب والقانون.
على أن من الفقهاء مَن رفض ذلك، ولم يقبل الجناية على الحي بحال.... ولكن الشرع ورد بارتكاب أخف الضررين، وأهون المفسدتين.. وأضاف بعض المعاصرين إلى الصورة المذكورة، صورة أخرى، وهي: أن يثبت بطريقة علمية مؤكدة أن الجنين وفقاً لسنن الله تعالى سيتعرض لتشوهات خطيرة تجعل حياته عذاباً عليه وعلى أهله، وفقاً لقاعدة: (الضرر يدفع بقدر الإمكان) وينبغي أن يقرر ذلك فريق طبي لا طبيب واحد.

والراجح أن الجنين بعد استكمال أربعة أشهر إنسان حي كامل. فالجناية عليه كالجناية على طفل مولود. بيد أن تشوهات الجنين ينبغي أن تعتبر إذا ثبتت بالفعل قبل الأشهر الأربعة، ومرحلة نفخ الروح. على أنه ليس من التشويه المعتبر أن يصاب الجنين بعد ولادته بمثل العمى أو الصمم أو البكم، فهذه عاهات عرفها الناس طوال حياة البشرية وعاشوا بها، ولم تمنعهم من المشاركة في تحمل أعبائها، وعرف الناس عباقرة من ذوي العاهات لا زالت أسماؤهم حاضرة في ذاكرة التاريخ.
أما بخصوص إجهاض الحمل (سواء كان نتيجة زنا أو اغتصاب)، فيرى القرضاوي في فتوى مستقلة أن الأصل في الإجهاض هو المنع، منذ يتم العلوق، أي منذ يلتقي الحيوان المنوي الذكر بالبييضة الأنثوية، وينشأ منهما ذلك الكائن الجديد، ويستقر في قراره المكين في الرحم.

ويعتبر أن هذا الكائن له احترامه، ويستدل في ذلك بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة الغامدية التي أقرَّت بالزنا واستوجبت الرجم، أن تذهب بجنينها حتى تلد، ثم بعد الولادة أن تذهب به حتى يفطم. وأكد القرضاوي أن هذا هو اختياره في الحالات العادية، وأشار إلى أن هناك من الفقهاء من يُجيز الإجهاض إذا كان قبل مضي أربعين يومًا على الحمل، عملاً ببعض الروايات التي صحت بأن نفخ الروح في الجنين يتم بعد أربعين أو اثنين وأربعين يومًا، كما أشار أيضا إلى أن هناك من الفقهاء من يرى الجواز إذا كان قبل مضي ثلاث أربعينات، أي قبل مائة وعشرين يومًا، عملاً بالرواية الأشهر بأن نُفخ الروح يتم عند ذلك. ورجح القرضاوي ما ذكره أولا، لكنه ارتأى ألا باس من الأخذ بالقولين السابقين في حالات الأعذار، وكلما كان العذر أقوى كانت الرخصة أظهر، وكلما كان ذلك قبل الأربعين الأولى كان أقرب إلى الرخصة، واعتبر القرضاوي في فتواه المتعلقة باغتصاب الفتيات البوسنيات أن الاغتصاب من عدو كافر فاجر، معتد أثيم، لمسلمة عذراء طاهرة عذرٌ قوي، لدى المسلمة ولدى أهلها، وهي تكره هذا الجنين ثمرة الاعتداء الغشوم وتريد التخلص منه.. فهذه رخصة يُفتى بها للضرورة، التي تقدر بقدرها.

أما الاغتصاب لحالا العسرة الاجتماعية فقد رفضه الشيخ القرضاوي، واعتبره محرما ومندرجا ضمن قوله تعالى: ولا تقتلوا أولادكم من إملاق.
وقد اختار الدكتور مصطفى بن حمزة رئيس المجلس العلمي بوجدة الاحتياط في الموضوع على مذهب المالكية، مؤكدا ألا أصل للترخيص في الإجهاض في المذهب المالكي، فالإجهاض ويسمى الإملاص يعتبر حراما منذ أن يخترق الحيوان المنوي بويضة المرأة، في المذهب المالكي، مضيفا في رد على مدير الجمعية المغربية للتخطيط العائلي أن المذهب المالكي من أشد المذاهب الفقهية في حالات الإجهاض في حالة الزوجين، أما بالنسبة للمرأة العازبة فهو فساد وأكثر حرمة بلاشك.
وعلى العموم، فالاجتهاد الفقهي في المسألة ظل وفيا للمقصد الأصلي (حفظ النفس) والحقوقي ( حق الحياة) ولم يفتح الإمكانية للتوسع في حالات الإجهاض المباحة إلا للضرورة الشرعية، مع إحاطة هذه الضرورة بجملة من القيود، حتى لا تتخذ ذريعة لقتل النفس بلا موجب شرعي، مع التأكيد على أن الاختيار العادي والأصلي هو المنع والحظر..

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0