الدعوى العمومية في قضايا الجمارك

يتولد عن ارتكاب الجريمة الجمركية تحريك دعوى عمومية من طرف إدارة الجمارك والضرائب غير المباشر أمام المحكمة المختصة. لذلك سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين أحدهم يخص تحريك ومتابعة الدعوى العمومية والمطلب الثاني يخص المحكمة المختصة.

الدعوى العمومية في قضايا الجمارك

يتولد عن ارتكاب الجريمة الجمركية تحريك دعوى عمومية من طرف إدارة الجمارك والضرائب غير المباشر أمام المحكمة المختصة. لذلك سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين أحدهم يخص تحريك ومتابعة الدعوى العمومية والمطلب الثاني يخص المحكمة المختصة.

المطلب الأول: تحريك ومتابعة الدعوى العمومية

أسند المشرع المغربي مهمة ممارسة الدعوى العمومية للنيابة العامة فهي المدعي الأصلي في الدعوى حيث تقيم وتمارس الدعوى في نفس الآن.[1]

إلا أن القانون قد فوض استثناءا لبعض الإدارات نفس الامتيازات التي تتمتع بها النيابة العامة ومن بين هذه الإدارات نجد إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، حيث نص الفصل 249 على ما يلي:

أ – في حالة ارتكاب جنحة من الجنح الجمركية المنصوص عليها والمحددة في الفصلين  279 المكرر مرتين و 281 بعده يتولى تحريك الدعوى العمومية النيابة العامة أو الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد ممثليه المؤهلين لذلك.

ب- لا يمكن في حالة ارتكاب المخالفات الجمركية المنصوص عليها والمحددة في الفصل 285 و 294 و 297 بعده، تحريك الدعوى العمومية إلا بمبادرة من الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد ممثليه المؤهلين لذلك".

والملاحظ إذن أن الاختلاف في حق تحريك الدعوى العمومية يختلف بين ما إذ كانت الجريمة مخالفة أو جنحة جمركية فبالنسبة للمخالفات خولت الفقرة 2 من الفصل 249 تحريك الدعوى العمومية للوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد ممثليه المؤهلين لذلك، وبالنسبة للجنح أعطت الفقرة الثانية من الفصل249 الحق في تحريك الدعوى العمومية للنيابة العامة أو الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد ممثليه المؤهلين لذلك.[2]

يتبين من هذا النص إذن أن المشرع حاول جاهدا أن يوفق بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة لإدارة الجمارك وذلك بإشراك النيابة العامة مع وزير المالية ومدير إدارة الجمارك ومن ينيبه في تحريك الدعوى العمومية في الجنح لأنها تتضمن عقوبات مدنية ومالية، نظرا لخطورة هذه الجنح الجمركية على الاقتصاد الوطني لأنها ترتبط بالتهريب الجمركي كما لها آثار وخيمة على الصحة العامة (المخدرات).

في حين ظلت المخالفات الجمركية حكرا على وزير المالية أو مدير الإدارة أو من ينيبه لأن عقوبتها أغلبها مالية فهي ترتبط بالمصلحة الخاصة.[3]

وهذا ما سار عليه كذلك المشرع الفرنسي أو كان سباقا إليه بالأحرى في الفصل 343

من القانون الجمركي الفرنسي[4].في حين نجد المشرع المصري أعطى الحق في الفصلين  124 و 125 من القانون الجمركي تحريك الدعوى العمومية المتعلقة بالجرائم الجمركية لمدير الإدارة أو من ينيبه في بعض الجرائم ولوزير المالية أو من ينيب في جرائم أخرى. 

أما تحريك ومتابعة المخالفين فتتم انطلاقا من المحاضر الذي أعدها أعوان الجمارك حول المخالفات المرتكبة، فهذه الوثائق ترسل بعد إنجازها إلى الهيئة القضائية المختصة قصد فتح متابعة بشأن الأشخاص المرتكبين أو المتورطين في الوقائع التي أثبتها.  والمطالبة بإصدار الحكم في القضية، وبين المتابعة وإصدار الحكم لابد من سلوك عدة إجراءات. تنطلق من وضع الشكاية مع المحضر للنيابة العامة[5] وتقديم ملتمسات وتبادل المذكرات وممارسة كل طرق الطعن العادية وغير العادية إلى حين اكتساب الحكم قوة الشيء المقضي

به[6]. ولابد أن نشير في الأخير بأن المتابعات تقوم بها المصالح الخارجية للإدارة المركزية، أما دور هذه الأخيرة يقتصر فقط على التوجيه وإبداء الآراء في بعض الملفات الشائكة التي تطلب المصالح الخارجية رأي الإدارة فيها أو تتدخل الإدارة المركزية مباشرة فيها بناءا على شكايات أو غير ذلك.

ومن خصوصيات هذه الدعوى أنه في حالة قيام النيابة العامة وحدها بتحريك المتابعة وصدور الحكم الابتدائي في غياب إدارة الجمارك فإنه يخول لهذه الأخيرة أن تنتصب كطرف مدني أمام محكمة الاستئناف.

وشكلت هذه الدعوى جدلا فقهيا وقضائيا بخصوص طبيعتها واعتبار أن إدارة الجمارك ليست مجرد طرف مدني يهدف من خلال الإجراءات التي يقوم بها والطلبات التي يتقدم بها إلى تحصيل الحقوق والرسوم الجمركية، بل هي فوق هذا جهة أو طرف يسعى إلى تحقيق أهداف أخرى تتمثل في حماية الاقتصاد الوطني والمحافظة على النظام العام والصحة العامة ومكافحة التهريب والجريمة العابرة للحدود حفاظا على المصلحة العامة ككل وليس من أجل المصلحة الخاصة فحسب كطرف خاص. مما جعل القضاء يرفض إضفاء الطابع المدني للنقص على دعوى إدارة الجمارك معتبرا إياها دعوى من نوع خاص وكلا الدعويين مستقلتين عن بعضهما[7] ، كما قضت محكمة النقض الفرنسة في قرار آخر بأنه ليس من الجائز تشبيه دعوى إدارة الجمارك لتطبيق العقوبات المالية  في الدعوى المدنية المنصوص عليها  المادتين 2 و 3 من القانون الجمركي أو الخلط بينهما، هذا بصرف النظر عما تنعت به إدارة الجمارك خطأ بصفة الطرف المدني[8].

بل واتجهت في قرارات أخرى إلى اعتبار الدعوى الجبائية دعوى عمومية ذات طبيعة خاصة وعلى هذا الأساس قضي بقبول استئنافها في أوامر قاضي التحقيق ضمن نص نفس الشروط ونفس الآجال المقررة للنيابة العامة باعتبار أن إدارة الجمارك تمارس الدعوى الجبائية بالدرجة الأولى وليست بصفتها طرف مدني.  

المطلب الثاني: المحكمة المختصة

نص الفصل 214 على أنه "مع مراعاة أحكام الفصل 257 مكرر بعده تغلب على الغرامات الجبائية المنصوص عليها في هذه المدونة صبغة تعويضات مدنية، غير أنها تصدر عن المحاكم الزجرية ويجب الحكم بها في جميع الحالات ولو لم تلحق الأفعال المرتكبة أي ضرر مادي بالدولة."

إذا كانت القضية معروضة أمام المحكمة العسكرية جاز للإدارة أن تقدم طلب التعويض

إلى محكمة مدنية. وينص الفصل 252 على أنه "ترفع الجنح والمخالفات الجمركية إلى المحاكم وفقا للقواعد العادية، غير أن المحاكم المرفوعة إليها الدعوى قبل فاتح ماي 1984 تضل مختصة وفقا للنصوص المطبقة قبل هذا التاريخ."

انطلاقا من هذين النصين يتبين بأن الاختصاص ينعقد للمحاكم العادية حيث ترفع إليها الجرائم الجمركية وفق القواعد العامة[9]. وطبقا للقواعد الاختصاص المكاني فالمحكمة المختصة هي محكمة محل ارتكاب الجريمة أو محل إقامة المتهم أو إلقاء القبض عليه.

وقد أثير إشكال أثناء قيام إدراك الجمارك ببعض أعمال الحجز وضبط الجرائم حيث في هذا الصدد صدرت عدة قرارات عن المحاكم الإدارية وأبقته للمحاكم الزجرية العادية  ومنها:

حكم المحكمة الإدارية بوجدة صرح بعدم اختصاص المحكمة الإدارية في طلب يهدف إلى الحكم برفع الحجز عن السيارة التي قامت بحجزها إدارة الجمارك بعلة أن صاحبها ضبط وهو يحاول استيرادها بدون تصريح بعد أن كان قد غادر التراب الوطني وحرر له محضر وأقيمت ضده دعوى معللة حكمها بكون هاته الأعمال تدخل في إطار الضبط القضائي وتخضع لمراقبة النيابة العامة.[10]

أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء مفاده أن القاضي الإداري لا يكون مختصا بمراقبة أعمال الإدارة التي تدخل في نطاق الشرطة القضائية وأن تقديم الطلب لرفع الحجز الذي قامت به مصلحة الجمارك في هذا النطاق مقدم إلى جهة غير

مختصة[11].

وتبقى المحاكم الإدارية مختصة في المنازعات ذات الطابع المدني والمتمثلة في مجموع المنازعات الناشئة عن تطبيق الإدارة للقوانين التي لا تنص مقتضياتها على عقوبة زجرية فهي تضم منازعات تحصيل ديون الدولة والمتمثلة في الرسوم الواجب تحصيلها من طرف الإدارة ثم منازعات المسؤولية ثم منازعات المسؤولية وهي تضم منازعات مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها ومصالحها.[12]



[1]               -  الفصل 3 من ق م ج.

[2]               - انظر الفصل 249 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

[3]               - عبد الوهاب عافلاني : مرجع سابق، ص : 189 حكم جنائي عدد 442 – 19  مارس  1990 اعتبر أن إدارة الجمارك  حكم مدني غير عادي منشور بمجلة المحاكم المغرية عدد 88 ص  36.

                انظر بهذا الصدد  أحسن بوسقيعة: الطبيعة القانونية للدعوى الجبائية مجلة الجمارك عدد خاص مارس  1992.

[4]               -  Art  343 – 1 L’action pour l’application des peines et exercée par le Ministre Public.

                a – L’action pour l’application des sanctions fiscales est exercée par l’administration des douanes : le ministère public peut l’exercer accessoirement à l’action public.

[5]               - يرى بعض الباحثين أن تحريك الدعوى بواسطة شكاية فهم خاطئ للقانون ، بل يجب استعمال  عبارة طلب كتابي في تحريك الدعوى العمومية في الجرائم الجمركية نظرا لطابعه الإلزامي ونظرا لأنه يصدر عن جهة إدارية ويتعلق بمصلحة عمومية وإن كان في الظاهر مصلحة خاصة بتلك الإدارة فقط، لكنها ترتبط بالاقتصاد الوطني ككل. عبد الوهاب عافلاني ، م.س . ص: 191.

[6]               . لمعرفة هذه الإجراءات: نظرا الجيلالي القددومي ،  إشكالية دعوى الجمارك، المجلة الالكترونية لندوات محاكم فاس عدد خاص عن مدونة الجمارك العدد الثالث يناير  2000، ص: 54.

                - أحسن بوسقيعة، م س ، ص: 202 وما بعدها.

[7]               -    20 novembre 1978 Bull crim n° 319 crim cass  قرار محكمة  النقض الفرنسية  أشار إليه أحسن بوسقيعة :المنازعات الجمركية ، مرجع سابق، ص: 212.

[8]               -    15 janvier    1981    Doc cont n° 1697 crim cass  قرار محكمة  النقض الفرنسية  أشار إليه أحسن بوسقيعة: المنازعات الجمركية ، مرجع سابق، ص:  212.

[9]               -  الفصل 251 من قانون المسطرة الجنائية المغربي.

[10]              - حكم المحكمة الإدارية بوجدة عدد 841/96 ملف رقم 207 / 95  صادر بتاريخ 02/10/1996

[11]              -  أمر استعجالي  صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالبيضاء، ملف رقم 325 بتاريخ 28/11/1995 منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية، والتنمية عدد 21. للمحاكم الإدارية.

[12]              -  للمزيد من التوسع حول الاختصاص الإداري في القضايا الجمركية انظر محمد الأعرج: الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية في المنازعات الجمركية مقال  منشور بمجلة المعيار عدد 33 يونيو ، 2005 ، ص: 81 وما بعدها.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0