مقدمـة
يعتبر الزواج اللبنة الأساسية في قيام الأسرة، فهو نظام شرعه الله تعالى لعباده لبناء الأسرة وتنظيمها، وإنشاء علاقات القرابة وفق أحكام دقيقة ثابتة، على أركان متينة الدعائم قوامها المودة الرحمة مصداقا لقول الله جل شأنه " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ".
فمؤسسة الزواج مؤسسة اجتماعية ترقى بالإنسان من الدائرة الحيوانية إلى العلاقات فميزة لزواج الأولى أنه يؤكد قيمة الروحية لما تتميز به من ربط الأسرة برباط وثيق، اجتماعية للإنسان وفي ظلاله يشعر أنه أرقى الكائنات،إذ يربط نفسه بغيره ضمن علاقة وثيقة. فعقد الزواج يعد من أهم التصرفات القانونية في مجال الأسرة حيث تترتب عليه الكثير من الآثار الحقوق تتعلق به أحكام شرعية يبقى رها على مر الزمان، فلهذا العقد قدسية عظيمة مكانة متميزة ،على أن وظيفة الزواج بوصفه عقدا مقدسا رقى إلى هذه المكانة إلا إذا ثبتت أثاره ووجب الدليل على وجوده، إذ تتوقف الاستفادة من أي عقد الزواج باعتباره أهم التصرفات الشخصية التي يجريها الإنسان في حياته يخرج عن هذه القاعدة وذلك أن الاستفادة من الآثار تستوجب بالضرورة إثباته إقامة الدليل على وجوده.
من هنا أخضع المشرع المغربي هذا العقد لمقتضيات قانونية خاصة، عن طريق إقامة الدليل أمام القضاء عملا ،إذ خص إثبات عقد الزواج بشروط حددها القانون في المادة 16 من مدونة الأسرة بقواعد خاصة لم يخضع تنظيمه للقواعد العامة. وإنطاقا من هذا الأساس فإن إثبات الزوجية في إطار التشريع الأسري المغربي يتم بطريقتين طبقا للمادة 16 من مدونة الأسرة حيث تعتبر الوثيقة العدلية التي ضمن عقد الزواج الوسيلة الأصلية المقبولة لإثبات قيام العلاقة الزوجية، وهي الوثيقة التي تمر عبر سلسلة من الإجراءات الشكلية التي تم التنصيص عليها في المواد من 65 إلى 69 من المدونة، حيث لم يعد بإمكان العدلين المنتصبين للإشهاد أن يتلقيا مب رة عقد يسلم لهما من الزواج، وإنما أوقف المشرع هذا التلقي على إدلاء الخطيبين لإذن بتوثيقه طرف قاضي الأسرة المكلف بالزواج. ولمزيد من الضبط، أوجب المشرع سجيل نص العقد في سجل خاص استحدثه لدى قسم قضاء الأسرة.
كما لأزم المشرع في إطار ربط الصلة بين مؤسسة قضاء سرة نظام الحالة المدنية توجيه ملخص من عقد الزواج إلى ضابط الحالة المدنية لمحل ولادة الزوجين، أو إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط إذا لم يكن للزوجين أو أحدهما محل ولادة بالمغرب.
من ناحية أخرى، وإلى جانب هذه القاعدة الأصلية في إثبات الزواج، أجاز أو في مدونة رة إثبات المشرع المغربي سواء في مدونة الأحولا الشخصية الملغاة الزواج حتى في حالة انعدام وثيقة عقد الزواج ذلك من أجل إتاحة لا رصة للأزواج الذين لم يوثقوا زواجهم لتصحيح زيجاتهم إضفاء الصفة الشرعية والقانونية عليها حفاظا على حقوق الأسرة وحماية للأنساب من الاختلاط الضياع، ويرجع إقرار هذا المقتضى القانوني الاستثنائي إلى واقع المجتمع المغربي الذي مازال يعرف بعض العادات التقاليد في الزواج إذ يتم الاستغناء عن التوثيق العدلي لعقود الزواج والاكتفاء ببعض الطقوس العادات المتعارف عليها، إلا أن المشرع المغربي رخص هذا الاستثناء كقاعدة رضة تخضع لسقف زمني تتجاوزه لسماع دعوى الزوجية. وإذا كان الإثبات الاستثنائي لعقد الزواج جاء كضمانة لحماية استقرار كيان الأسرة برمتها من الضياع حماية لحقوقها وخاصة نسب الأبناء فانه يثير عدة شكالات تتمثل في الكتابة المتطلبة في عق الزواج هل هي شكلية للانعقاد أم للإثبات؟ وما هي المقتضيات الإجرائية التي نص عليها المشرع لتلافي مظاهر القصور التحايل الذي كان يقع في إبرام عقد الزواج؟ وما هي المعايير المعتمدة في سماع دعوى الزوجية؟ وما هي سلطة المحكمة التقديرية في سماع الدعوى؟
تتطلب معالجة الإشكالات المطروحة سلفا دراسة الموضوع من خلال تقسيمه تقسيما ثنائيا إلى فصلين التطرق للأصل في إثبات إبراز كيفية تنظيم المشرع لتوثيق عقد الزواج (الفصل الأول) ثم التعرض لمسطرة سماع دعوى ثبوت الزوجية كيفية تعالم القضاء معها (الفصل الثاني). وذلك من خلال التصميم التالي:
الفصل الأول : إثبات الزواج عن طريق الكتابة.
الفصل الثاني : إثبات الزواج عن طريق الاستثناء.