مسطرة اثبات النسب ونفيه
عروض في قانون الأسرة

مقــــــــــدمـــــــــة:
تعتبر المسطرة الاجرائية الاسرية الاداة المستحدثة التي تمكن الافراد من استخالص حقوقهم وفق ضوابط وشكليات حددها القانون. وإذا كان التفكير السائد في الحياة العامة هو أن العبرة بالجوهر وليس بالشكل فإن هذه الفكرة لا تنطبق في مجال القانون، وعليه فإنه لا ينبغي لأحد أن يتجاهل الفرق بين قانون الموضوع وقانون الاجراءات، فهذا الاخير مادة قائمة الذات وله دور مهم في تطوير قانون الموضوع. وبما أن الطفل من أهم الاطراف التي عملت مدونة الاسرة على حمايته، بحيث مكنته من مجموعة من الحقوق والتي من بينها حقه في النسب، فإن تمكينه من هاته الحقوق يتطلب سلوك مساطر خاصة.
ويمكن تعريف النسب بأنه تلك القرابة التي سببها الوالدة وهي الاتصال بين إنسانين )رجل وامرأة( اتصالا شرعيا باشتراك في والدة قريبة وبعبارة أخرى النسب هو:رابطة شرعية تربط الفروع أي الاوالد بالاصول أي اآلباء في إطار الضوابط والقواعد المنصوص عليها في هذا الباب وينسب فيها الولد لوالده سواء ترتب عن زواج صحيح أو فاسد أو شبهة .
وبالرجوع إلى مدونة الاسرة نجدها تعرف النسب في المادة 150 بأنه لحمة شرعية بين الاب وولده تنتقل من السلف إلى الخلف. ولقد اعتنى الاسلام بالاطفال عناية فائقة، فهم محط الآمال ومعقد الرجاء، كيف لا وقد وصفهم رسول اللهصلى اللهعليه ب "دعاميص الجنة "، وخصتهم الشريعة الاسلامية بجانب عظيم من الاهتمام، تبلور ذلك في شكل أحكام ضمت الكثير من الحقوق لعل أبرزها الحق في النسب، فاهلل أمثن على عباده بالنسب، قال سبحانه وتعالى :" وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ." وقد نهى رسول اللهصلى اللهعليه وسلم عن نفي نسب الطفل بدون موجب حق حيث قال: أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب اللهعنه وفضحه على رؤوس الاولين والآخرين .
هذا التنظيم والتأطير سجل أيضا على مستوى القوانين الوضعية لكن الجانب المسطري لقانون الاسرة مغيبا اليحظى بالاهتمام المناسب على الرغم من أهميته وخطورته في نفس الوقت، فمنذ عدة سنوات وقانون الاسرة محط انتقاد وذلك راجع لضعف المساطر المنظمة له حتى مع صدور قانون الاحولا الشخصية، كما أن الدور الذي كان يلعبه القضاء في القانون القديم، كان موضوعه وغايته هو حماية مصالح الاطراف الخاصة والفردية، لذلك اعتبر في تلك الفترة تدخل القضاء بمثابة تدخل القضاء بمثابة تدخل قضائي لتطبيق القانون، ومع التطور التشريعي الحاصل أصبحت صالحيات هذا الاخير وموضوعه وغايته تنصب حول انقاد الاسرة بما فيها الطفل بالتحديد، فكانت محاوالت ملموسة لتحديد وضبط الاجراءات المسطرية الخاصة بالنسب،ويظهر ذلك جليا من خلال استقراء النصوص القانونية المنظمة لها، سواء تعلق الامر بمدونة الاسرة الصادرة في 3 فبراير 2004 كقانون ينظم الشق الموضوعي، أو تعلق الامر بالجانب الاجرائي المسطري والمتمثل في القواعد العامة التي ينظمها قانون 6 المسطرة المدنية الصادرة في 28 شتنبر 1974 ، كما تم تعديله بمقتضى بعض النصوص.
وتتمثل الاهمية النظرية للموضوع في كونه منظم بمقتضى نصوص قانونية متعددة وحديثة متمثلة في قانون المسطرة المدنية بالاساس كقانون منظم الاجراءات المسطرية المتبعة في دعوى النسب، سواء من خلال إثبات النسب أو نفيه، وذلك استجابة لمجموعة من المبادئ التي أقرتها الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية وعلى رأسها اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989. أما بخصوص الاهمية العملية التي يحظي بها موضوع مسطرة إثبات النسب ونفيه تتمثل في الدور الذي تلعبه هذه الاجراءات المسطرية في تكريس الحماية للطفل من خلال اكتساب حقوقه التي أقرتها له جل النصوص القانونية وتمكينه منها في إطار قواد اجرائية محددة ومبسطة. وانطالقا من هذا البسط أعاله حري بنا أن نطرح الاشكالية التالية: إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال الاجراءات المسطرية الخاصة بدعوى النسب تحقيق حماية حقيقية للطفل؟ والاجابة على هاته الاشكالية ارتأينا تقسيم الموضوع كالتالي :
المبحث الاول : اجراءات دعوى النسب و خصوصيات مسطرة اثباته
المبحث الثاني : مسطرة نفي النسب