العقوبات في الجرائم الجمركية

تتوزع العقوبات الجمركية إلى عقوبات تمس الشخص في حريته ودمته المالية وتدابير تمس بحقوقه، لذلك سنتطرق إلى العقوبات في فقرة والتدابير الاحتياطية في فقرة أخرى.

العقوبات في الجرائم الجمركية

الفقرة الأولى: العقوبات الجمركية

أولا: الحبس

تعد عقوبة الحبس هي السالبة للحرية في مدونة الجمارك[1]   تم التنصيص عليها في

الفصل 279 مكرر، حيث عاقبت على خرق الجنح الجمركية من الطبقة الأولى، بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات. وكذلك في الفصل 280 بالحبس من شهر إلى سنة فيما يخص الجنح من الطبقة الثانية. وبالتالي يتبين بأن عقوبة الحبس طبقت فيما يخص الجنح دون المخالفات وجاءت منسجمة كذلك مع القواعد العامة للقانون الجنائي التي جعلت أدنى مدة الحبس شهر وأقصاها خمس سنوات بالنسبة للجنح.

      غير أنه بمقتضى الفصل 226 لا تطبق العقوبات الحبسية المنصوص عليها في المدونة على الأشخاص المشار إليهم في الفصل 223 إلا في حالة صدور خطأ متعمد، كما أنها لا تطبق على المجانيين والقاصرين المشار إليهم في الفصل 228، وكذا المسؤولين مدنيا، وبمقتضى الفصل 229 فالعقوبة الحبسية المنصوص عليها في القانون الجمركي تطبق عليها شروط الحق العام، لذلك فهي تخضع إذن لتفريد العقاب ولسلطة القاضي في اختيار العقوبة، هاته السلطة التي تتخذ ثلاث مظاهر إما تشديد العقاب أو تخفيفه أو وقف تنفيذ العقوبة[2] .

وإذا كان المشرع المغربي جعل أقصى مدة الحبس هي ثلاث سنوات فالمشرع الجزائري قرر في المادة 328 من القانون الجمركي لسنة 1998 للجنح من الدرجة الرابعة مدة الحبس من شهر إلى ستين شهر وهي أطول مدة، وتتعلق بالتهريب المقرون بظروف استعمال الحيوانات أو سلاح ناري أو بواسطة المراكب الجوية أو السيارات أو السفن التي  تقل حملوتها عن 100 طن  صافية  أو عن  500 طن إجمالية.

وعقوبة الحبس غالبا ما لا يحكم بها إذا أبرمت مصالحة قبل صدور الحكم كما تعتبر  إ ج ض غ م أن هذه العقوبة لديها دور فعال في استخلاص الإدارة للغرامات وهي الأهم بالنسبة لها .

ثانيا: الغرامة

 الغرامة هي عقوبة تلزم المحكوم عليه بأن يدفع مبلغ من المال للإدارة الجمركية و العقوبة المالية معرفة في الفصل 35 من القانون الجنائي بأنها "إلزام المحكوم عليه بأن يؤدي لفائدة الخزينة العامة مبلغا معينا من النقود بالعملة المتداولة قانونا في المملكة".

والغرامة في القانون الجمركي إما نجدها محددة بين حد أدنى وأقصى كما هو الشأن في الفصل 298 المتعلقة بالمخالفات الجمركية من الطبقة الثانية، وإما غرامة ترتبط بالمنفعة المحصل عليها. كما هو الشأن بالنسبة للفصل 296 الذي ينص على أنه يعاقب عن المخالفات الجمركية من الطبقة الثالثة بغرامة تعادل ضعف مبلغ المنافع المرتبطة بالتصدير.

وما يجب الإشارة إليه أن عقوبة الغرامة في مدونة الجمارك تأخذ صبغة تعويضات مدنية وتصدر عن المحاكم الزجرية، ويجب الحكم بها في جميع الحالات حتى ولو لم يصدر أو يلحق أي ضرر مادي بالدولة. وتؤدى هذه الغرامات لفائدة إدارة الجمارك وليس للخزينة العامة، كما أنها تطبق حتى على القاصرين الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة (ف 228)[3] ويلزم فيها الكفلاء بقدر ما يلزم الملتزمون الرئيسيون بأداء الغرامة الجبائية حسب الفصل 230 ، وهذا يشكل استثناء من مبدأ شخصية العقوبة.

يمكن تحريك الدعوى بشأنها من طرف النيابة العامة ويؤدى عنها الإكراه البدني حسب الفصل 262، وللإدارة اتخاذ كافة الإجراءات التحفظية قصد ضمان الغرامات الجبائية، وتحسب الغرامة انطلاقا من قيمة الشيء على حالته وقيمة الشيء في السوق الداخلية وقت ارتكاب الغش.

وغالبا ما تجري المحاكم خبرة فنية لتحديد قيمة الشيء[4]، كما أن المجلس  الأعلى أصدر قرارا اعتمد فيما قضى به لتقدير قيمة السيارة المحجوزة على خبرة تقنية قدرت قيمة السيارة حالة وجودها في مستودع الحجز بين مرور مدة على ارتكاب المخالفة الجمركية لم يراع لتقدير قيمة السيارة اعتمادا على مقتضيات الفصل 219 في السوق الداخلية على حالتها الجيدة ووقت ارتكاب الغش.[5] الملاحظ على أن هذه العقوبات الواردة بنصوص القانون الجمركي والتي هي بمثابة تعويض مدني لإدارة الجمارك، أن ما يلمس هي أنها مغلطة، فمثلا الفصل 279 يعاقب مرتكب الجنح الجمركية من الطبقة الأولى بالإضافة إلى الحبس والمصادرة بغرامة تعادل خمس مرات مجموع قيمة البضائع المرتكب الغش بشأنها ووسائل النقل والبضائع المستعملة لإخفاء الغش وكذلك الفصل 280 فهو يعاقب مرتكبي الجنح الجمركية من الطبقة الثانية من حيث العقوبة المالية بغرامة تعادل خمس مرات مجموع الأشياء المرتكب العش بشأنها.

وهذا التغليظ في العقوبة يجد أساسه في عدة اعتبارات متداخلة منها نوع الجريمة وخطورتها على الاقتصاد وعلى الصحة العامة وكذلك استنزاف موارد الدولة... ولا نجد أي غرابة إذا وجدنا هذه العقوبات تتشابه في كثير من القوانين المقارنة.[6]

الفقرة الثانية: التدابير الاحتياطية العينية:

          تنقسم التدابير الاحتياطية إلى تدابير عيينة وشخصية.

أولا-  التدابير العينية:

تتمثل التدابير العينية في القانون الجمركي في المصادرة وهي حسب الفصل 42 من القانون الجنائي بأنها "تمليك الدولة جزءا من أملاك المحكوم عليه أو بعض أملاك له معينة". وهي من العقوبات الإضافية المنصوص عليها في القانون الجنائي من الفصل 36 إلى 48 كما تعتبر المصادرة تدبير وقائي عيني حسب الفصل 83 من القانون الجنائي المغربي.

و تم التنصيص على هذا التدبير في المادة 208 من القانون الجمركي ضمن العقوبات والتدابير المقررة للجرائم الجمركية، وبمقتضى المادة 210 من نفس القانون فهي تتخذ صبغة تعويض مدني وتدبير احتياطي إذا كانت الأشياء المصادرة غير محضورة، وحسب الفصل 211 يتوجب الحكم بالمصادرة على البضائع المرتكب الغش بشأنها بمجرد وقوع الجريمة أيا كان حائزها ولو كانت هذه البضاعة ملكا لشخص أجنبي عن الغش أو شخص مجهول وحتى ولو لم يصدر أي حكم بشأنها، كما أمر القانون الجمركي وجوبا الحكم بمصادرة وسائل النقل التي استخدمت أو كانت معدة لاستخدامها لارتكاب المخالفة سواء كان يملكها من شارك في الغش أو محاولة الغش أو شخص أجنبي أو كان مرتكب الغش هو المكلف بالسياقة[7].

وفي هذا الصدد وطبقا لمقتضيات الفصل 211 المشار إليها سابقا صدر قرار عن المجلس الأعلى يوجب مصادرة المواد الكحولية لفائدة الإدارة الجمركية[8]

وتشمل المصادرة البضائع المرتكب الغش بشأنها والبضائع المستعملة لإخفاء الغش وكذا وسيلة النقل وهي البضائع موضوع الجريمة الجمركية التي تـكون جسم الجنحة بضائع مهربة أو وقع بشأنها تصريح مزور أو بضائع تمر بالدائرة الجمركية بدون رخصة.

وعادة ما تكون هذه البضائع محجوزة من طرف الإدارة، أما إذا لم يكن  تم حجزها فإن المحكمة بمقتضى الفصل  213 من المدونة تُصْدِر بطلب من الإدارة بدلا من المصادرة، الحكم بمبلغ يعادل قيمة البضائع ووسيلة النقل، وفي هذا الصدد صدر قرار عن محكمة النقض الفرنسية يوجب الحكم بأداء مبلغ من المال من أجل رفع اليــد على البضاعة التي تـم حجزها عندما تكون البضاعة محجوزة من قبل[9]، كما أصدرت قرار آخر ينص على أنه في المادة الجمركية وفيما يخص المخالفات لا يطبق عليها إلا غرامة مالية واحدة بالتضامن مهما كان عدد الفاعلين الذين ساهموا في الجريمة.[10]

ويجب الإشارة أن القاصر والمجنون إذا كانا معفيين كما سبق الذكر من عقوبة الحبس فهما تطبق عليهما المصادرة والغرامة وهذا ما يعتبره بعض الفقه لا يستقيم ومنطق قواعد العدالة والإنصاف والقواعد العامة للقانون الجنائي الذي يعفي القاصر والمجنون من العقاب لانعدام الإدراك[11].

ثانيا: التدابير الاحتياطية الشخصية

تم التنصيص على التدابير الاحتياطية الشخصية في ميدان الجمارك وهي:

- منع الدخول إلى المكاتب والمخازن والساحات الخاضعة لحراسة الجمرك ؛    

-  سحب رخصة قبول المعشر في الجمرك أو الإذن في الاستخلاص الجمركي؛

- الحرمان من الاستفادة من الأنظمة الاقتصادية الخاصة بالجمارك؛

- المنع من استخدام النظم المعلوماتية للإدارة؛

- سحب رخصة استغلال مخازن وساحات الاستخلاص الجمركي.

من المعلوم أن التدابير الوقائية المنصوص عليها في القانون الجنائي هي نوعان شخصية وعينية، والملاحظ أن القانون الجمركي المغربي نص على التدابير الوقائية أو الاحتياطية الشخصية، وكما يتبين بأن هذه التدابير هي مرتبطة بالقانون الجمركي وطبيعة عمل الإدارة على مستوى مصالحها الخارجية وهي تخرج عن التدابير المنصوص عليها في القانون الجنائي في الفصل 61 وما بعده لأن هذا الأخير لا يستوعب بعض التقنيات التي يتطلبها العمل الجمركي والتدابير الاحتياطية يمكن أن تتخذ كذلك بمقتضى قرارات إدارية. 



[1]               -  رغم أنه تم التنصيص على الإكراه البدني فيما يخص العقوبات المالية المتعلقة بالجنح والمخالفات الجمركية إلا أنه يبقى من أعمال التنفيذ وليس من العقوبات.

[2]              -  للتوسع في سلطة القاضي في تطبيق العقوبة  انظر شادية الشومي: محاضرات في القانون الجنائي العام ، الطبعة الأولى، مكتبة دار السلام ، الرباط 1997. ص 167 وما يليها –

                - انظر أحسن بوسقيعة : المنازعات الجمركية ، مرجع سابق، ص : 369  وما يليها.

[3]               - ينص الفصل 228 من القانون الجمركي على "أن مرتكب فعل يشكل خرقا القوانين والأنظمة الجمركية والمتواطئ عليه أو الشخص المنتفع به لا يعاقب إلا بالمصادرات والغرامات المنصوص عليها في هذه المدونة إذا كانت وقت ارتكاب الأفعال :

                - إما في حالة جنون

                 - وإما قاصر اقل سنه عن 18 سنة"

[4]               -  قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 14/2/1997 ملف جنحي عدد 1896 / 2 / 96 الذي أمر بإجراء خبرة نظرا لعدم إجرائها من طرف المحكمة الابتدائية.

[5]               -  قرار المجلس الأعلى عدد  299 / 3  بتاريخ 31  يناير  2001 ملف عدد 28744 / 29  غير منشور.

[6]               -  فعلى سبيل المثال نجد المادة 327 من القانون الجمركي الجزائري والمتعلقة بأعمال التهريب المقترنة بظروف التعدد أي يرتكبها ثلاثة فأكثر عقوبتها هي غرامة تساوي ثلاث مرات قيمة البضائع المصادرة ويقصد بالبضائع محل الغش البضائع التي تخفي الغش إن وجدت.

                وفي التشريع المصري الجمركي ينص الفصل 122 على غرامة تساوي ضعف الضرائب الجمركية إذا كانت الضرائب المهربة غير ممنوعة ، أما في حالة الضرائب الممنوعة فيكون مقدارها ضعف قيمة البضاعة أو ضعف الضرائب الجمركية المستحقة وينص القانون الفرنسي في المادة 414 على غرامة الجنح من الطبقة الأولى  بالإضافة إلى باقي العقوبات والتدابير.

                « sont possibles d’un emprisonnement de trois ans , de la confiscation de l’objet de fraude , de la confiscation des moyens de transport , de la confiscation des objets servant à masquer la fraude et d’une amende comprise entre une et deux fois la valeur de l’objet de fraude, tout , fait de contrebande ainsi que tout fait d’importation ou l’exportation sans déclaration lorsque ces infractions se rapportent à des marchandises de la catégorie de celles qui sont prohibées ou fortement taxées au sens du présent code.

[7]               -  انظر في هذا الصدد  J. H. Hoquet Douanes encyclopédie Dalloz : Pénal II 1989 , P.312

[8]               -  "مصادرة المواد لفائدة الإدارة 

                إن قرار المحكمة بمصادرة البضاعة المحجوزة وإتلافها يكون خرق مقتضيات الفصلين 280  و 211  إذ أن الفصل الأول ينص على انه يعاقب على الجنح من الطبقة السادسة بمصادرة الأشياء المرتكب الغش بشأنها. كذلك الفصل 211 المذكور ينص على انه تقع مصادرة البضائع المثبت الغش بشأنها أيا كان حائزها ويؤمر بها وجوبا حتى لو كانت هذه البضائع ملكا لشخص أجنبي عن الغش أو لشخص مجهول ويتجلى من هذين الفصلين إن البضائع المحجوزة تجب مصادرتها لفائدة إدارة الجمارك بصريح العبارة وبالتالي فإن القرار الذي قضى بإتلاف البضائع المحجوزة لم يكن مصادفا للصواب بناءا على الفصلين 280 و 211 من مدونة الجمارك

                حيث إن مقتضيات هذين الفصلين تجب مصادرة البضائع والأشياء المرتكب والمثبت الغش بشأنها ، وحيث إن المحكمة حينما قررت إتلاف قنينات الخمر المحجوزة ولم تأمر بمصادرتها لفائدة إدارة الجمارك طالبة النقص تكون قد خرفت مقتضيات الفصلين المستدل بهما على النقض ".

                قرار المجلس الأعلى عدد 2397 بتاريخ 07-03-1991 غير منشور

[9]               -  La condamnation au paiement d’une somme pour tenir lieu de confiscation de la marchandise, prévue à titre de sanction par les articles 412 et 214 du code des douanes , implique, lors que celle-ci a été réalablement saisie, la main levée de cette mesure et la résistons de la marchandise.

                cass.crim. 29 mai 1997 : Bull . crim. N° 114 , P : 699.-

[10]             - La matière douanière, chaque infraction ne peut donner lieu à l’application solidaire que d’une seule condamnation pécuniaire tenant lieu de confiscation, quel que soit le nombre de participants comme auteurs, complices ou intéresses à la fraude (cass-criml 6 mai 1971 Bull crim, n° 139 P 357). 

[11]               -  نور الدين الشرقاوي الغزواني: مدونة الجمارك وفق آخر تعديل ، الطبيعة الجنائية والجبائية لمدونة الجمارك، مكتبة دار السلام ، الرباط، 2003 ، ص: 38 – 39.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
1
love
0
funny
0
angry
1
sad
1
wow
0