دراسة فقهية و قضائية للإحالة في القانون الدولي الخاص

نجد أن أغلبية رجال الفقه في معظم البلاد الأوربية يؤمنون بأن تاريخ الإحالة قديم وأن من بين أحكام المحاكم في هذه البلاد ما يفيد وجود فكرة الإحالة وأعمالها عند القضاء دون الإفصاح عنها إلا ان فكرة الإحالة لم تتبلور تماما بعناية الفقهاء أو الفقه إلا في الربع الأخير من القرن 19 منذ قضية (فروجوا ) وهي قضية شهيرة عرضت على القضاء الفرنسي وتتردد ذكراها في كتب الفقه في البلاد الأوروبية والبلاد الأنجلوأمريكية

دراسة فقهية و قضائية للإحالة في القانون الدولي الخاص

نجد أن أغلبية رجال الفقه في معظم البلاد الأوربية يؤمنون بأن تاريخ الإحالة قديم وأن من بين أحكام المحاكم في هذه البلاد ما يفيد وجود فكرة الإحالة وأعمالها عند القضاء دون الإفصاح عنها إلا ان فكرة الإحالة لم تتبلور تماما بعناية الفقهاء أو الفقه إلا في الربع الأخير من القرن 19 منذ قضية (فروجوا ) وهي قضية شهيرة عرضت على القضاء الفرنسي وتتردد ذكراها في كتب الفقه في البلاد الأوروبية والبلاد الأنجلوأمريكية(1) وتعتبر مشكلة الإحالة من صنع الاجتهاد القضائي وتعتبر قضية (فرجوا)التي صدر بشأنها قرار عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ22/02/1882هي التي كانت سببا في إثارة مشكلة الإحالة ، وتتمثل في واقع هذه القضية في ان (فروجو)هو ولد غير شرعي ولد في أواخر القرن19بإقليم بافاريا بألمانيا وجاءت أمه وهو في الخامسة من العمر إلى فرنسا وأقام بها إقامة فعلية دون أن يتخذ لهما موطن قانونيا في فرنسا إذ كان القانون الفرنسي يقتضي آنذاك الموصل عللا تصريح بالتوطن القانوني وهما لم يحصلا عليه ونص على ذلك م13 قانون مدني فرنسي وقد ألغي بقانون 10/08/1927.

وعندما ثبت (فروجو) تزوج من فرنسية ثرية ماتت وتركت له ثروة منقولة هامة وعندما بلغ 68من عمره توفي بفرنسا دون أن يترك ورثة مباشرين أي دون أب،أم ،إخوة أو أبناء وكان القانون الفرنسي لا يعطي الحق في ميراث الولد الشرعي إلا لأبويه وأخوته فقط لكن ألغي هذا التمييز في فرنسا بين الولد الشرعي والولد الغير الشرعي بقانون  : 03-01-1972 الذي عدل المادتين 757و758مدني.

فاستولت مصلحة الأملاك الفرنسية على هذه الثروة باعتبارها حركة بدون وارث وأموالا شاغرة ولكن حواشي(فورجو)من عائلة ditchl أقارب أمه طالبوا بالميراث مستندين فيذلك إلى قواعد القانون البافاري الداخلية التي تسوي بين الولد الشرعي والولد الغير الشرعي في الميراث بالنسبة لمن لهم الحق في لميراث فقضت محكمة الإستأناف peau برفض طلبهم في :11-03-1874على أساس أن (فروجو)متوطن بفرنسا وبالتالي يسري على ميراث أمواله المنقولة القانون الفرنسي وهو يقضي بحرمانهم من الميراث(2)  باعتبار أن (فورجو) كان متوطنا بفرنسا وبالتالي يطبق على ثروته المنقولة القانون الفرنسي وهو يقضي بحرمان غير الأبوين والاخوة للولد الغير شرعي من ميراثه وبالتالي رفع الورثة طعنا ضد هذا الحكم أمام محكمة النقض الفرنسية فنقضت الحكم في 5-ماي-1875على أساس أنه مخطأ باعتبار المالك متوطن في فرنسا مع أنه لم يحصل على ترخيص بالتوطن فيها ويكون موطنه القانون هو (بافاريا) وبالتالي يطبق عليه القانون البافاري فأحيلت القضية من جديد على محكمة الاستئناف ب:bourdeauxالتي فصلت لصالح الورثة على أساس تطبيق قواعد القانون البافاري  التي تورث المدعين فطعنت إدارة الأملاك الفرنسية في هذا الحكم على أساس أن القانون البافاري يطبق على ميراث المنقول قانون المواطن فقضت محكمة النقض في 24-جوان-1878بنقضه لأنه طبق القانون الداخلي البافاري دون أن يرجع إلى قواعد التنازع فيه وهذه الأخيرة تحيل ميراث المتوفي إلى قانون موطنه الفعلي أي القانون الفرنسي فأحيلت القضية من جديد إلى محكمة أستأنف تولوز التي فصلت في 22-ماي- 1880حسب ما قضت به محكمة النقض فطعن الورثة من جديد ضد هذا الحكم على أساس أنه طبق قاعدة التنازع البفارية دون القواعد الموضوعية للقانون البافاري فرفضت محكمة النقض هذا الطعن في :22-فيفري –1882وقبلت إحالة القانون البافاري على القانون الفرنسي دون أن تصرح بذاك ،ومنذ ذلك الوقت أصبح القضاء الفرنسي يأخذ بالإحالة من الدرجة الأولى بصفة خاصة ميراث الأموال المنقولة والأحوال الشخصية ولاسيما الطلاق والنسب ونظام الأموال ونجد أن القضاء الفرنسي يجعل من الإحالة مطية لحلول سياسة مراعاة لمصلحة الدولة الفرنسية ومصلحة كذلك المواطنين الفرنسيين* .

بالإضافة إلى قضية (فورجو) هناك قضية (البرتودي مارتشي) ويتخذ وقائع هذه القضية في وفاة الشخص الأرجنتيني متزوج بفرنسية في فرنسا التي اتخذها موطنا فعليا له على تركه أمواله المنقولة فثار نزاع بين الزوجة الفرنسية والورثة الآخرين فطالب الورثة منها بتطبيق القانون الفرنسي بينما الزوجة طلبت بتطبيق القانون الأرجنتيني وهنا طبقت محكمة النقض القانون الأجنبي أخذا بفكرة الموطن القانوني على عكس قضية (فورجو)التي طبقت فيها القانون الفرنسي على اعتبار أنه أو على الأساس الأخذ بفكرة الموطن الفعلي وعللت هنا محكمة النقض رأيها في قضية البرتودي ماشيتي بأن تفسير القانون الأجنبي يخرج عن رقابتها ونجد بعض الفقهاء طبقوا القانون الأجنبي (قي رأيهم فقط ) في قواعده الموضوعية في هذه القضية لأنه كان في صالح الزوجة الفرنسية بحيث أخذت نصيبها من الميراث في الأموال المنقولة التي تركها زوجها عملا بقواعد الأرجنتينية في حين كان  القانون الفرنسي  سنة 1910لايمنحها إلا حق الانتفاع ،ولقد أخذ بالإحالة القضاء الإنجليزي والبلجيكي والألماني وذلك في صورة الإحالة الكلية .

وإذا ما استعرضنا تشريعات مختلف الدول وجدنا أن منها ما ينص على قبول الإحالة بنوعيها أي أ كانت لقانون القاضي أم لقانون أجنبي كالقانون البولوني الخاص بتنازع القوانين والصادر في سنة 1926(م37)والقانون الدولي الخاص البولوني الصادر في سنة 1965 (م4)منه وقد ألغي هذا القانون قانون1926*

فنجد ان القضاء الفرنسي أخذ بالإحالة من الدرجة الأولى رغم خلوا النص الفرنسي من النص عليها وكذلك القانون الدولي الخاص التشكوسلوفاكي الصادر في 1963(م35)وكذلك منها ما ينص على قبول الإحالة لقانون القاضي في حالات معينة كالقانون الألماني في (م27)من القانون المدني مثل بعض المسائل كالأهلية وشروط صحة الزواج وكذلك القانون الياباني في(م29)من قانون 1898وهو ينص على قبول الإحالة في مواد الأحوال الشخصية من القانون الأجنبي الواجب التطبيق إلى القانون الياباني وكذلك نص على قبول الإحالة في حدود معينة مثل قانون سويسرا أو السويد والصين واتفاقية لاهاي سنة 1902الخاصة بتنازع القوانين في مسائل الزواج واتفاقية جنيف سنة1930-1931الخاصة بالأوراق التجارية والشيك وكذلك اتفاقية لاهاي لسنة 1955الخاصة بتنظيم التنازع بين قانون الجنسية وقانون المواطن

و هناك من التشريعات ما ينص على رفض الإحالة  كالتقنيين  المدني اليوناني الصادر في 1940 في م32 منه والقانون والقانون المدني الإيطالي الصادر في 1942في م30 كما رفضتها  المجموعة  الأمريكية لتنازع القوانين في م 17 منها كما يميل القضاء في الولايات المتحدة الأمريكية الى رفضها .

(1)ورفضتها كذلك القوانين العربية فنصت م 27 مدني مصري على أنه ((إذا تقرر أن قانونا أجنبيا هو الواجب التطبيق فلا تطبق منه إلا أحكامه الداخلية دون التي تتعلق بالقانون الدولي الخاص)) ومن خلال هذه المادة نلاحظ أن هناك رفض صريح للإحالة وكذلك م28 مدني ليبي وم29 مدني سوري وم 32 مدني عراقي وكذلك م72 من القانون الكويتي رقم 05 سنة 1961 الخاص بتنظيم العلاقات القانونية ذات العنصر الأجنبي ولم تنص القانون اليمني على الإحالة رفضا أو قبولا .

أما قانون دولة الإمارات العربية المتحدة أي القانون رقم 5 سنة 1985 ففي م26 منه وقد أخذت بالإحالة إذا كانت من الدرجة الأولى ولكن الصياغة المستعملة كانت غير صائبة فنصت ف1 إذا تقرر أن قانونا أجنبيا هو الواجب التطبيق فلا يطبق منه إلا أحكامه الداخلية دون التي تتعلق بالقانون الدولي الخاص ))وهذا رفضا صريحا للإحالة ولكن نصت ف2 منه (( يطبق قانون دولة الإمارات العربية المتحدة إذا أحالت على قواعد نصوص  القانون الدولي الخاص المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق))فهذه الفقرة توحي بأحد معنيين الأول هو قبول دولة الإمارات العربية المتحدة الاختصاص التشريعي المسند لقانونها طبقا لقواعد التنازع في قانون أجنبي ولا إشكال في هذه الحالة والثاني  قبول إحالة القانون الأجنبي على قانون دولة المارات العربية المتحدة ومما يؤكد هذا المعنى العبارة التي تقول:((على أنه التحفظ على الحكم الوارد في ف1 الرافضة الإحالة))، (1) كما نجد أن القضاء اللبناني رفض الإحالة لكن بعد تردد فقبل صدور قانون الإرث كانت تأخذ بالإحالة لكن بعد صدوره أصبح من المتعذر على اللبنانيين الأخذ بالإحالة الى القانون اللبناني خاصة  في الإرث وهذا لافتقارها لقانون موحد يمكن تطبيقه على الأجانب الذين يخضعون في دولهم في مسائل الأحوال الشخصية إلى القانون المدني.

(2) أما فيما يخص موقف المشرع الجزائري فلا نجد فيه أي نص يتعلق بالإحالة في مجال التنازع الدولي للقوانين إلا أننا نجد م23 ق م التي جاء فيها ((متى ظهر من الأحكام الواردة في المواد المتقدمة أن القانون الواجب التطبيق هو قانون دولة معينة تتعدد فيها الأنظمة التشريعية فإن القانون الداخلي الذي يجب تطبيقه)).

لكن نلاحظ هنا من خلال هذه المادة أنها تخص التنازع الداخلي لا التنازع الدولي فما نلاحظ أنه ليس هنالك حـل لمشكلة الإحالة فـي القانون الجزائري  ا نظـرا لعدم معـرفة موقف القضاء منها لكن النصوص التشريعية فنجد م23 ق م الوحيدة التي خصصت الإحـالـة .

كما يرى الأستاذ أسعد أنه لا يمكن قبول الإحالة في الأحوال الشخصية إلا إذا قانون الأحوال الشخصية غير مستمدة أحكام من الشريعة الإسـلامية لأننا إذا قبلنا هنا بـهذا .



(1) هشام صادق ص145

(2) د-زروقي الطيب(القانون الدولي الخاص الجزائري )ص106

* المرجع السابق ص107

* د)هشام صادق ص147

   (1) د.زروقي طيب ((محاضرات في القانون الدولي الخاص )) ص:115

(1)   د-  القانون الدولــي الخاص ص- 90

(2)   د- أعراب بالقاسم ,, محاضرات ق د خ ،، ص-109

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0