العدالة الرقمية وعدم هدر الزمن القضائي
يعد الحق في العدالة من الحقوق الطبيعية الأساسية اللصيقة بالإنسان، أقرته التشريعات السماوية، وأكدت عليه المواثيق والعهود الدولية، قوامه منح كل ذي حق حقه بمنتهى النزاهة والموضوعية والحياد، وهذا المنح مهمة مقدسة يستمد كينونته من النيابة عن المجتمع الإنساني المنظم سياسيا، ومن تم ليس هناك ما هو أعظم من القضاء العادل الذي يطمئن الناس في ظله على أموالهم وأرواحهم وأعراضهم وحرياتهم، ومنه حاولت جل القوانين والتشريعات الداخلية للدول الارتقاء بحق اللجوء إلى القضاء إلى قاعدة دستورية. والاهتمام بأسس العدالة، كما عملت على خلق مهن قانونية وقضائية تساعد في تحقيقها، ومن هنا بدأ الاهتمام بمنظومة العدالة باعتبارها قاطرة من أجل الرقي والازدهار، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المنظومة تشمل كافة الفاعلين والمتدخلين في حقل العدالة، وكل هذه
رابط التحميل اسفل التقديم
_______________________
مقدمة
يعد الحق في العدالة من الحقوق الطبيعية الأساسية اللصيقة بالإنسان، أقرته التشريعات السماوية، وأكدت عليه المواثيق والعهود الدولية، قوامه منح كل ذي حق حقه بمنتهى النزاهة والموضوعية والحياد، وهذا المنح مهمة مقدسة يستمد كينونته من النيابة عن المجتمع الإنساني المنظم سياسيا، ومن تم ليس هناك ما هو أعظم من القضاء العادل الذي يطمئن الناس في ظله على أموالهم وأرواحهم وأعراضهم وحرياتهم، ومنه حاولت جل القوانين والتشريعات الداخلية للدول الارتقاء بحق اللجوء إلى القضاء إلى قاعدة دستورية. والاهتمام بأسس العدالة، كما عملت على خلق مهن قانونية وقضائية تساعد في تحقيقها، ومن هنا بدأ الاهتمام بمنظومة العدالة باعتبارها قاطرة من أجل الرقي والازدهار، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المنظومة تشمل كافة الفاعلين والمتدخلين في حقل العدالة، وكل هذه
الأجهزة والمهن تسعى إلى تحقيق أهداف مختلفة ولكنها كلها تنصب من حيث الجوهر في خدمة وإنتاج العدالة، كما أن الخدمات التي يقدمها كل مكون داخل المنظومة تحتاج إلى تدخل واحد أو أكثر من باقي المكونات الأمر الذي يتطلب علاقة تواصلية بناءة وفعالة بين
كل الوحدات من أجل تطوير قطاع العدل ..
والمغرب بدوره استشعر أهمية العدالة وما ينجم عنها من آثار مرتبطة بالرقي بالدولة حيث عمل على ترسيخ جملة من الميكانيزمات المؤسساتية والقانونية لتفعيل مناخ العدالة ومؤخرا نهجت المملكة المغربية رهان إصلاح منظومة العدالة وفعاليتها، هذا الإصلاح الذي يمثل دعامة أساسية لتوطيد الشفافية والمصداقية داخل المؤسسات وبناء الديمقراطية الحقة، وتصريف أية خصومة داخل أجل معقول حيث أن العدالة أصبحت مطلوبة في الزمان قبل المكان لكونها أشبه ما يكون بالإسعافات الطبية. إذا لم تقدم في حينها أصبحت عديمة الجدوى، لأن المتقاضي حينما يطرق باب القضاء ينتابه هاجس الوصول إلى حقه بالدرجة الأولى عبر فضاء سهل الولوج غير مكلف وبأقصى سرعة ممكنة، ومنه كان لزاما تحقيق أمن قضائي للمتقاضي يعكس الثقة في المؤسسة القضائية من مقوماته عدم
هدر الزمن القضائي وفعاليته.
والمقصود بعدم هدر الزمن القضائي أن تبدأ الإجراءات القضائية وتنتهي في غضون مدة معقولة، ولأهميته الراهنة نصت العديد من الإعلانات والاتفاقيات الدولية والإقليمية على سرعة الفصل في الدعاوى وعدم هدر الزمن القضائي ، وأيضا اتجاه التشريعات
الأساسية إلى التنصيص على عدم هدر الزمن القضائي كمبدأ دستوري، إضافة إلى تبني
مجموعة من الأوراش التشريعية والتنظيمية الرامية إلى فعالية الزمن القضائي ومن تم
تحقيق نجاعة العدالة ورقبها .
ولعل أهم ورش تم اعتماده في سبيل عدم هدر الزمن القضائي هو ورش رقمنة العدالة، حيث أنه في الأونة الأخيرة أصبح البحث منصبا على إيجاد وسائل كفيلة لنجاعة وعصرنة العدالة عصرنة تتم من خلال معالجة جوانب هيكلية وتنظيمية في الإدارة القضائية، تمكن من تسهيل أداء القضاء لمهمته على الوجه الأكمل، ولبلوغ هذا الهدف تشتغل الجهة المعنية - وزارة العدل - على مشروع كبير يهدف إلى إقامة إدارة قضائية احترافية مؤهلة قائمة على اللاتمركز الإداري والمالي وإرساء مقومات المحكمة الرقمية وتحديث الخدمات القضائية والرفع من البنية التحتية للمحاكم مع الانفتاح على المحيط الخارجي، وتعزيز التواصل مع المواطن وكل الفعاليات المهتمة بشؤون العدالة، ومنه أصبح ورش التحديث والرقمنة من الأوراش الإصلاحية الكبرى التي تشتغل عليها الوزارة المعنية حاليا، ونضيف إلى أن الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة تطرق لموضوع تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها. وأكد على أن هذا التحديث يرتكز أساسا على استخدام التكنولوجيا الحديثة كخيار استراتيجي من أجل تحقيق العدالة الرقمية والحوسبة الشاملة
للإجراءات والمساطر القضائية وانخراط كل مكونات العدالة في التطوير النوعي للخدمات المقدمة للمرتفقين ومن بعد كل هذا ظهر أن المغرب اعتمد مقومات وأسس العدالة
الرقمية كآلية لعقلنة الزمن القضائي وعدم هدره .
و الموضوع العدالة الرقمية وعدم هدر الزمن القضائي :
أهمية نظرية : تظهر من خلال معرفة السياق العام لتبني العدالة الرقمية والآثار الناجمة عنها، إضافة إلى التطرق إلى مقوماتها والعراقيل التي تحول دون تفعيلها، وأيضا الوصول إلى معرفة ما مدى مكانة العدالة الرقمية في عدم هدر الزمن القضائي، وما الدور الذي تلعبه في تدبير وضعية المرفق القضائي في علاقته مع المتقاضين و الفاعلين في حقل
العدالة .
أهمية عملية : تكمن في معرفة التنزيل الفعلي للعدالة الرقمية بالمغرب والمخططات المبرمجة لذلك، وكيف تساهم العدالة الرقمية في عقلنة الزمن القضائي وعدم
هدره، ومحاولة إيجاد تقييم المستقبل العدالة الرقمية بالمغرب .
والموضوع قيد الدراسة يتناول الإجابة عن إشكالية محورية تتمثل في : إلى أي حد يمكن اعتبار العدالة الرقمية كالية من الآليات المعتمدة في فعالية الزمن القضائي وعدم
هدره وصيانة الحقوق والحريات ؟
وسيرا على المنهجية العلمية الأكاديمية نسير إلى الإجابة عن الإشكالية باعتماد التصميم التالي :
المطلب الأول : مقومات العدالة الرقمية
المطلب الثاني : علاقة العدالة الرقمية بعدم هدر الزمن القضائي
المطلب الأول : مقومات العدالة الرقمية
عندما نتحدث عن مقومات العدالة الرقمية في المغرب نتجه إلى إبراز الدوافع أو بالأحرى الجهات الداعية إلى تكريس ركائز العدالة الرقمية ( الفقرة الأولى )، إضافة إلى التطرق لمبررات اعتبار الرقمنة آلية من آليات الارتقاء بالعدالة ( الفقرة الثانية ) .
الفقرة الأولى : الجهات الداعية إلى تكريس ركائز العدالة الرقمية
شهد المغرب عبر تاريخه الطويل جملة من المحاولات الإصلاحية المنظومة العدالة حيث أن الاهتمام بأوضاع العدالة كان من الأولويات التي سهر المغرب على القيام بها مباشرة بعد نيله لاستقلاله باعتباره من مشتملات السيادة، وهذا الاهتمام يمكن اختزاله في ثلاث مراحل أساسية المرحلة الأولى وهي مرحلة التأسيس ( 1957 إلى 1974 ). المرحلة الثانية مرحلة تدبير الأزمة ( 1974 إلى 1997 ) أما المرحلة الأخيرة وهي مرحلة التحديث التي انطلقت منذ سنة 1997 تعد هذه المرحلة متميزة بنهج ورش إصلاحي كبير المنظومة العدالة هادف إلى دعم استقلال القضاء وتخليقه وتحديث الإدارة القضائية لجعلها إدارة عصرية ناجعة
وحديثة تكون في خدمة المتقاضين وجميع المواطنين .
وكما جاء معنا أن من أهم الآليات الرائدة لتكريس تحديث الإدارة القضائية هو تبني العدالة الرقمية، وبالفعل سار المغرب في هذا الورش استنادا إلى مجموعة المرجعيات التي كان هدفها تثبيت الأمن القانوني القضائي وتحفيز الاستثمار لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وهذه المرجعيات تتمثل :
...
___________________
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1M-fqZSzyfZHgzVfFFR4FvMAPwbwCzhzo/view?usp=drivesdk