الخطبة و أحكامها في الفقه الإسلامي و القانون المغربي

مجموعة مواضيع في قانون الأسرة للإستعانة بها في البجوث التحضير للمباريات القانونية

الخطبة و أحكامها في الفقه الإسلامي و القانون المغربي

لقد أولى المشرع الخِطبةَ باهتمام خاص في المدونة الجديدة، وهو اهتمام جليّ في تخصيصها بخمسة مواد كاملة[1] ، بينما لم تتعد في تعديل 1993 حيز مادتين فقط( المادة 02- والمادة 03). والسبب أن هذه الفترة الممهدة لتوثيق العقد صارت تنتج عنها أثار مؤثرة على إنشاء العقد واستقرار الأسرة نفسها ، بل تتعدى ذلك إلى ارتباط قضايا أسرية هامة بها، من مثل إثبات النسب أو إثبات الزوجية كما سيأتي .

الخِطبة في الفقه الإسلامي:

الخطبة في تعريف الفقهاء هي طلب يد المرأة للاقتران بها، أي هو بيان الرغبة في الزواج منها وتواعدهما على إبرام عقد الزواج الرسمي؛ فهي بذلك مقدمة ممهدة للزواج .

وقد رسم الإسلام الآداب التي يسير عليها الخاطبان لكن دون أن يجعل لها إجراءات معينة، لأنها ليست عقدا بل وعد به، فالإيجاب و القَبول اللذان تتم بهما لا يكوّنان اتفاقا منشئا . ولقد اتفق الفقهاء على أنه يسن لمن رغب في الاقتران بامرأة أن يراها قبل الإقدام على طلب الزواج بها؛. فقد ورد عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال له النبي صلى الله عليه و سلم: ] انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما[ [2]. و روى جابر أيضا أنه صلى الله عليه و سلم قال:  ] إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعو إلى نكاحها فليفعل[[3] .

و ذهب أكثر الفقهاء إلى جواز النظر إلى الوجه و الكفين منها، و قال بعضهم بجواز رؤية القدمين أيضا، ومنهم من توسع فأجاز النظر إلى كل ما قد يظهر منها كالرقبة و الذراعين و الساقين.. 

و اتفق الفقهاء أيضا على حرمة خِطبة مخطوبة الغير إن هي وافقت واستجابت للخاطب الأول.

الخطبة في مدونة الأسرة:

عرفت الخطبة في المادة الخامسة من المدونة على أنها " تواعد رجل وامرأة على الزواج. تتحقق الخطبة بتعبير طرفيها بأي وسيلة متعارف عليها تفيد التواعد على الزواج، ويدخل في حكمها قراءة الفاتحة وما جرت به العادة والعرف من تبادل الهدايا". 

وهذا تعريف يشي بنظرة المشرع إلى طبيعة الخطبة، فهي ليس عقدا بل مجرد وعد بالزواج ، وهو الظاهر أيضا من تساهله في وسائل إثباتها، إذ حرص في التعريف نفسه على أن تبقي تلك الوسائل خاضعة للقواعد العامة، حفظا لحقوق الطرف الضعيف.

غير أن نظرة المشرع إلى الخطبة -حتى هذه الحدود- لم تأت بجديد. بل بقيت منسجمة و النظرة العامة للفقه. ليبقى أهم ما استجد في المدونة هو التوسع الطفيف الذي عرفته فيما يخص موضوع العدول عن الخطبة، لذلك نخصه بفقرة مستقلة.

التكييف القانوني للعدول عن الخِطبة  

يتناول الفقهاء في العدول عن الخطبة مسائل الاختلاف في لزوم رد الهدايا و ما يتعلق بها، و المدونة لم تغفل التطرق إلى هذا الشق من آثار العدول عن الخطبة ؛ إذ نصت في المادة 8 على أنه يحق لكل من للخاطب و المخطوبة استرداد هداياه ما لم يكن العدول من جهته، واستثنت من ذلك – في المادة 9 - ما قُدم من صداق على أنه مما يلزم المخطوبة رده للخاطب أو  لورثته في حالة الوفاة، ويفهم هذا الاستثناء في ضوء اعتبار الصداق من متعلقات عقد الزواج لا الخطبة، فيبقى بذلك دينا عالقا بذمتها.

أما ما تعلق بالتعويض عن الضرر المعنوي المترتب عن العدول عن الخطبة، فإن الفقهاء لم يتعرضوا له لأنه لم يكن مما جرى به العرف، بسبب قصر فترة الخطبة وانعدام اتصال الخاطب بالمخطوبة إلا ما ندر. لكن الأمر مختلف في المجتمعات المعاصرة، الذي غالبا ما تكون الفتاة ضحية  ذلك العدول بسبب اشتهار الخطبة و طول مدتها، لذلك فإن المشرعَ ملزمٌ بتقديم تكييف قانوني صحيح .

 لم تغفل المدونة هذه الحيثية؛ إذ نصت المادة 7 على ما يلي " مجرد العدول عن الخطبة لا يترتب عنه تعويض. غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضررا للآخر، يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض"غير أننا هنا أمام مقتضيين مهمين:

  • أولهما إن العدول في حد ذاته ليس موجبا للتعويض انسجاما مع قصد المشرع في اعتبار الخطبة مجرد مرحلة ممهدة لعقد مهم وخطير، و بالتالي فإنها ليست بعقد.
  •  ثانيهما أن الضرر الذي يرافق ذلك العدول هو الذي يستوجب التعويض.

و معنى هذا أن التكييف المعتاد للتعويض لا يستقيم . لكن كيف ذلك؟

إن التعويض في المادة المدنية يتأسس في التشريع المغربي على مقتضيات الفصلين 77 [4] و78[5] من ظهير الالتزامات والعقود، مما يعني أن ثبوت المسؤولية التقصيرية هو أساس استحقاق التعويض. لكن تنصيص مدونة الأسرة على أن مجرد العدول لا يترتب عنه تعويض، يجعل التكييف على مقتضى الفصلين غير سليم، لأن العدول من الخاطب أو المخطوبة هو استعمال حق كامل وليس مجرد تصرف تنشأ عنه آثار المسؤولية.

و بهذا فإن التكييف الوجيه هو الذي يستدعي نظرية التعسف في استعمال الحق[6]- وهي نظرية فقهية أصيلة-؛ لأن الفعل في المسؤولية التقصيرية غير مشروع أصلا. بينما المسؤولية بمقتضى نظرية التعسف في استعمال الحق تنشأ من الفعل المشروع في الأصل، وهو التطبيق الموافق لمسألة الضرر المرتبط بالعدول عن الخطبة، و لعل هذا ما جعل المشرع المغربي يلح على التمييز بين مجرد العدول وبين الضرر المستقل عن صحة ذلك الفعل،

و فعلى ضوء هذا التمييز المهم –إذن- تفهم قضية التعويض عن الضرر في الخطبة و عليه تكيّف التكييف الصحيح. و لعل ما يشهد له ويعضده توجه المجلس الأعلى حين قرر عدم إمكانية تطبيق المقتضيات الفصلين 77 و 78 في مجال الأحوال الشخصية[7] .

 


[1]  من   المادة 5 إلى المادة 9.
[2] رواه الإمام مسلم في كتاب النكاح ، رقم الحديث: 2552 .
[3]  رواه  أبو داود في كتاب النكاح ، رقم الحديث1783 .
[4] " كل فعل ارتكبه الإنسان عن نية واختيار، ومن غير أن يسمح له به القانون، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر..."
[5]  " كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه، لا بفعله فقط ولكن بخطئه أيضا...ّ
[6] لمزيد من التوسع أنظر" الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده،" فتحي الدريني ، مؤسسة الرسالة- بيروت،ط2، 1977 .
[7] قرار المجلس الأعلى الصادر في 11 يناير 1982، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلىعدد31، ص 92، وما بعدها

What's Your Reaction?

like
1
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0