الطرق البديلة لحل النزاعات في ظل قانون الاجراءات المدنية والادارية الجزائري الصلح – الوساطة - التحكيم

مجموعة دروس في قانون المسطرة المدنية للتحضير للمباريات القانونية و السداسية السادسة شعبة القانون والاسنعانة بها في البجوث والعروض والمقالات

الطرق البديلة لحل النزاعات في ظل قانون الاجراءات المدنية والادارية الجزائري الصلح – الوساطة - التحكيم

جامعة طاهري محمد بشار

كلية الحقوق و العلوم السياسي 

السنة الأولى ماستر. قانون خاص

مقياس : الطرق البديلة لحل النزاعات

الاستاذة: العماري يمينة

 

الطرق البديلة لحل النزاعات في ظل قانون الاجراءات المدنية والادارية الجزائري

الصلح – الوساطة - التحكيم

 

1-الصلح فى القانون الجزائرى

-الأحـكام العامـة للصلـح:

وضع التقنين المدني أحكام عامة عن الصلح من حيث أنه عقد ينحسم به النزاع القائم او المحتمل وقوعه ضمن الفصل الخامس تحت الباب السابع بعنوان العقود المتعلقة بالملكية وهذا ليس لأنه ينقل الملكية مثل البيع , بل لأن الصلح عقد يكشف عن الحقوق ولا ينقلها فهو يتضمن نزولا عنها فرتب القانون المدني نصوصه من المادة 459 إلى المادة 466 وقسمها إلى ثلاثة اقسام وعرض في القسم الأول أركان الصلح وفي القسم الثاني آثار الصلح والقسم الثالث بطلان الصلح .

  نبين الأحكام العامة لعقد الصلح وهذا كعقد من عقود التراضي الملزم للجانبين حسب ما جاء في القانون المدني وهي الأحكام التي تحكم الصلح بصفة عامة وهذا كعقد ينهي النزاع في المواد المدنية,

المبحث الأول : ماهية الصلح .

نتناول في هذا المبحث ضمن مطلبين إلى تعريف الصلح وشروطه في المطلب الأول , وفي المطلب الثاني  إلى تميزه عن الأعمال القانونية المشابهة له .

المطلب الاول : تعريف الصلح وشروطه .

الفرع الأول : تعريف الصلح .

- الصلح في اللغة : هو إنهاء الخصومة فنقول صالحه وصلاحا إذا صالحه وصافاه , ونقول صالحه على الشيء أي سلك معه مسلك المسالمة في الإتفاق وصلح الشيء إذا زال عنه الفساد.

- الصلح لدى فقهاء القانون : عرفه الدكتور محمود سلامة زناتي بأنه إتفاق حول حق متنازع فيه بين شخصين بمقتضاه يتنازل أحدهما عن إدعائه مقابل تنازل الآخر عن إدعائه أو مقابل أداء شيء ما  .

وعرفته الأستاذة إبتسام القرام في مؤلفها المصطلحات القانونية في التشريع الجزائري بأن الصلح (المصالح) : "عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو محتملا وذلك من خلال التنازل المتبادل ".

أما الدكتور بوسقيعة أحسن فيرى أنه يمكن تعريف المصالحة أو الصلح بوجه عام ,بأنها تسوية لنزاع بطريقة ودية.

د- الصلح في التشريع الجزائري : لقد عرف المشرع الجزائري الصلح في المادة 459 من القانون المدني : " عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا وذلك بأن يتنازل كل طرف منهما على وجه التبادل عن حقه ".

ويختلف مفهوم الصلح في المجال المدني من فرع إلى آخر وكذا في المجال الجزائي , غير أن كل التعاريف تشترك في كون الصلح طريقة ودية لإنهاء النزاع ويختلف باعتباره كعقد أو كإجراء ,فإن كانت المفاهيم السابقة تعرفه كعقد فإنه بالنظر إليه كإجراء أو كما يسمى بالصلح القضائي فقد عرف كالآتي :"هو الإجراءات التى تفرضها بعض القوانين على المتخاصمين لإلزامهم للحضور امام القاضي ومحاولة تقريب وجهات نظرهم بعد إقامة الدعوى وخصوصا في مسائل الطلاق والفراق ".

الفرع الثاني : شروط الصلح .

نص المشرع الجزائري على الشروط الواجب توفرها حتى نكون أمام صلح , وبالاطلاع على أحكام المواد 459 ,460,461,من القانون المدني نجدها تتضمن شروط عامة يمكن تطبيقها على الصلح بصفة عامة في المواد المدنية نتناولها بإختصار على أن نقف إلى الشروط الخاصة بالصلح في المواد المدنية .

فقد نصت المادة 460 من القانون المدني على أنه : " يشترط في من يصالح أن يكون أهلا للتصرف بعوض في الحقوق التي يشملها عقد الصلح ", كما نصت المادة 461 على أنه : " لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنزاع العام ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية الناجمة عن الحالة الشخصية " .

ومن نص المادة 459 من القانون المدني نخلص إلى أن للصلح مقومات ثلاثة وهي بمثابة شروط أساسية لكي يكون الصلح صحيحا وتتمثل في :

01 - وجود نزاع قائم أو محتمل .

02 - نية إ نهاء النزاع .

03 - النزول المتبادل عن الإدعاءات .

أولا = وجود نزاع قائم أو محتمل :

إذا لم يكن هناك نزاع قائم أوفي القليل نزاع محتمل , لم يكن العقد صلحا ,فإما أن تكون المطالبة القضائية قائمة ومحاولة الصلح يكون كإجراء أثناء سير الخصومة أو قد يكون مجرد مصالح متعارضة مع إمكانية المطالبة القضائية أي مجرد إحتمال النزاع يكفي .

فإذا كان هناك نزاع قائم مطروح أمام القضاء وحسمه الطرفان بالصلح كان هذا الصلح قضائيا ( JUDICIAIRE ) , وإذا كان النزاع محتملا بين الطرفين فيكون الصلح لتوقي هذا النزاع ويكون في هذه الحالة صلحا غير قضائيا ( EXTRA JUDICIAIRE ) , فالمهم أن يكون هناك نزاع جدي قائم أومحتمل ولو كان أحد الطرفين هو المحق دون الآخر وكان حقه واضحا مادام هو غير متأكد من حقه ,فالمعيار هو معيار ذاتي محض والعبرة بما يقوم في ذهن كل من الطرفين لا بوضوح الحق في ذاته.

ثانيا = نية إنهاء النزاع .

أي أن يقصد الطرفان بالصلح حسم النزاع بينهما ,إما بإنهائه إذا كان قائما أو بتوقيه إذا كان محتملا , وليس من الضروري أن ينهي الصلح جميع المسائل المتنازع فيها فقد ينهي بعضها لتبت المحكمة في الباقي , كما يجوز للطرفين أن يتصالحا لإنهاء النزاع ويتفقان على أن يستصدرا حكما من المحكمة بما يتصالحا عليه فيكون هذا صلحا بالرغم من صدور الحكم .

ثالثا= النزول المتبادل عن الإدعاءات .

فإذا لم ينزل أحدهما عن شيئ مما يزعمه وترك الطرف الأخر كل ما يدعيه , فلا نكون بصدد الصلح بل مجرد نزول عن الإدعاءات , إذ يجب أن يكون التنازل على وجه التقابل وعن جزء من الإدعاءات وليس من الضروري أن تكون التضحية من الجانبين متعادلة كما لا يشترط أن يكون التنازل على جزء من أصل الحق فقد يكون حتى على المصاريف القضائية أو جزء منها فيكون صلحا مهما كانت تضحية الطرف الأخر قليلة بالنسبة إلى تضحية الطرف الأول .

المبحث الثاني : أركان الصلح.

لكون أن الصلح هو عقد من عقود التراضي إذ لا يشترط في تكوينه شكل خاص , بل يكفي فيه توافق الإيجاب والقبول ليتم , وما الكتابة فيه إلا للإثبات لا للإنعقاد وهو بهذا كسائر العقود له أركان ثلاثة هي التراضي والمحل والسبب نتناولها تباعا في مطلبين :

المطلب الأول : التراضي في عقد الصلـــح .

المطلب الـثاني : المحل والسبب في عقد الصلح .

المطلب الأول : التراضي في عقد الصلح .

للتراضي شروط صحة وشروط إنعقاد نتناولها في الفرعين التاليين :

الفرع الأول : شروط الإنعقاد في التراضي .

عقد الصلح من عقود التراضي , فيكفي لانعقاده توافق الإيجاب والقبول من المتصالحين , وتسري على إنعقاد الصلح بتوافق الإيجاب والقبول القواعد العامة في نظرية العقد, من ذلك طرق التعبير عن الإرادة والوقت الذي ينتج فيه هذا التعبير وأثره وموت من صدر منه التعبير عن الإرادة أو فقده لأهليته , والتعاقد ما بين الغائبين , وغير ذلك من الأحكام العامة ولابد من وكالة خاصة في الصلح , فلا يجوز للمحامي أن يصالح على حقوق موكله مالم يكن الصلح منصوص عليه في عقد التوكيل , ويعتبر الصلح قضائي إذا وقع بين الخصوم في دعوى مرفوعة بينهم أمام القضاء ,وتصادق عليه المحكمة , ولكون أن الصلح يتضمن عادة شروطا واتفاقات معقدة إذ هي ثمرة المساومات والأخذ والرد فإنه لا يثبت إلا بالكتابة أو بمحضر رسمي , وهي غير ضرورية للانعقاد لأن الصلح من عقود التراضي .

الفرع الثاني : شروط الصحة في التراضي .

يجب أن يتوافر في عقد الصلح الأهلية في المتصالحين وخلو إرادة كل منهما من العيوب .

أولا = الأهلية في عقد الصلح :

نصت المادة 460 من القانون المدني على أنه :" يشترط في من يصالح أن يكون أهلا للتصرف بعوض في الحقوق التي يشملها عقد الصلح " .

فالأهلية الواجب توافرها في كل من المتصالحين هي أهلية التصرف بعوض في الحقوق التي تصالح عليها , لأن كلا منهما ينزل عن جزء من إدعائه في نظير نزول الأخر عن جزء مقابل والنزول بمقابل عن حق مدعى به هو تصرف بعوض , فإذا بلغ الإنسان الراشد ولم يحجر عليه كانت له أهلية كاملة في الصلح على جميع الحقوق , والصبي المميز ليست له في الأصل أهلية التصرف في أمواله فلا يملك الصلح على الحقوق , ويجوز لوليه إذا كان هو الأب ان يصالح على حقوقه , ولكن يجب عليه الحصول على إذن المحكمة إذا كان محل الصلح عقارا أو محلا تجاريا أو أوراقا مالية ,وتسري هنا نفس الأحكام على المحجور عليه و أما الصبي غير المميز فلا يملك الصلح كما لايملك التعاقد بتاتا لإنعدام إرادته .

ثانيا = عيوب الرضا في عقد الصلح

يجب أن يكون الرضا خاليا من العيوب , وهذا بأن لايكون مشوبا بغلط أو بتدليس أو بإكراه أو بإستغلال , شأن الصلح في ذلك شأن سائر العقود , فإذا شاب الرضا إكراه جاز أيضا إبطال الصلح وفقا للقواعد العامة المقررة في الإكراه , وقد يشوب الصلح إستغلال فنتبع القواعد المقررة في الإستغلال .

أما عن الغلط فله أهمية خاصة في عقد الصلح , إذ نصت المادة 465 من القانون المدني على أنه : " لا يجوز الطعن في الصلح بسبب غلط في القانون " .

وهذا النص إستثناء صريح من القواعد العامة , والسبب في ذلك أن المتصالحين كانا وهما في معرض المناقشة في حقوقهما يستطعان التثبت من حكم القانون فيما قام بينهما من نزاع على هذه الحقوق , بل المفروض أنهما تثبتا من هذا الأمر , فلا يسمع من أحد منهما بعد ذلك أنه غلط في فهم القانون , وهذا تحليل تقليدي يتردد كثيرا في الفقه الفرنسي ,وينتقده الفقه الحديث , ويرى الدكتور عبد الرزاق السنهوري أن أقوى تحليل هو أن المتصالحين مادما على بينة من الوقائع ولم يقعا في غلط فهما إنما يتصلحان على حكم

القانون في النزاع الذي بينهما , وسواء علما حكم القانون في هذا النزاع أو لم يعلماه فهما قد قبلا حسم النزاع بينهما على الوجه الذي إتفقا عليه مهما كان حكم القانون فجعل بذلك المشرع الغلط في القانون ليس بالغلط الجوهري في عقد الصلح , أما الغلط في الوقائع في عقد الصلح فيخضع للقواعد العامة ويكون سببا لإبطال الصلح إذا كان جوهريا أي بلغ حدا من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام الصلح لو لم يقع في هذا الغلط .

المطلب الثاني : المحل والسبب في عقد الصلح .

الفرع الأول : المحل في في عقد الصلح .

محل عقد الصلح هو الحق المتنازع فيه , ونزول كل من الطرفين عن جزء مما يدعيه في هذا الحق في مقابل مال يؤديه للطرف الآخر , فيكون هذا المال هو بدل الصلح , فيدخل بدل الصلح ليكون هو أيضا محل الصلح , وأيا كان محل الصلح فإنه يجب أن تتوافر فيه الشروط التي يجب توافرها في المحل بوجه عام , فيجب أن يكون موجودا , ممكنا , معينا أو قابلا للتعيين ويجب بوجه خاص أن يكون مشروعا فلا يجوز أن يكون مخالفا للنظام العام , وتنص المادة 461 من القانون المدني في هذا الصدد على ما يأتي : " لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية الناجمة عن الحالة الشخصية " .

01 = بطلان الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية والأهلية :

فالحالة الشخصية للإنسان وكذا الأهلية من النظام العام فليس لأحد بإتفاق خاص أن يعدل من أحكامها وقد نصت المادة 45 من القانون المدني على أنه : " ليس لأحد التنازل عن أهليته ولا لتغيير أحكامها " , فلا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالأهلية , مثل أن يتصالح شخص مع آخر على بنوّته منه بنفي أو بإثبات أو على صحة الزواج أو بطلانه , ومن كان غير أهل فلا يجوز له أن يصلح غيره على أنه أهل , ولكن يجوز الصلح على الحقوق المالية التي تترتب عن الحالة الشخصية , مثل نزول المطلقة عن مؤخر صداقها وعن نفقة العدة.

02 = بطلان الصلح في مسائل أخرى من النظا م العام :

فلا يجوز الصلح على الضرائب والرسوم المستحقة إذا كان الحق في تحصيلها بصفة نهائية وليست محلا للنزاع ,وإنما يجوز الإتفاق على تقسيطها , ولايجوز الصلح على أحكام القانون المتعلق بإصابات العمل , ولا على الأموال العامة للدولة , فهذه تخرج عن التعامل , ولا يجوز الصلح على بطلان التصرفات الراجع إلى النظام العام مثل التصالح على دين قمار أو دين سسببه مخالف للآداب .

الفرع الثاني : السبب في عقد الصلح .

Ø هناك السبب بالمعنى التقليدي :

فالسبب بالمعنى التقليدي في عقد الصلح هو الغرض المباشر الذي من أجله إلتزم المدين , فيكون سبب إلتزام كل متصالح هو نزول المتصالح الآخر عن جزء من إدعائه وعلى هذا الوجه يختلط السبب بالمحل إختلاطا تاما .

وهناك من الفقهاء يجعل السبب في عقد الصلح هو حسم نزاع قائم أو محتمل , فإذا لم يكن هناك نزاع , أو كان النزاع قد حسمه حكم نهائي , فالصلح يكون باطلا لإنعدام السبب , ويرى الأستاذ السنهوري بأن وجود نزاع بين المتصالحين هو من مقومات الصلح وليس سببا له , ومن ثم يكون النزاع محلا لعقد الصلح لا سببا له .

Ø وهناك السبب بالمعنى الحديث :

وهو الذي تقول به النظرية الحديثة , والمتمثل في الباعث الدافع للمتصالحين على إبرام الصلح , فهناك من يدفعه إلى الصلح خشيته أن يخسر دعواه أو عزوفه عن التقاضي أو خوفه من العلانية والتشهير , وقد يكون الدافع هو الإبقاء على صلة الرحم أو على صداقة قديمة ...وهذه البواعث مشروعة فالصلح الذي يكون سببه باعثا من هذه البواعث يكون مشروعا , أما إذا كان الدافع إليه سببا غير مشروع فإنه يكون باطلا , مثل أن يصالح شخص آخر على نزاع متعلق بإيجار منزل حتى يتمكن من إدارته للدعارة أو للمقامرة , فهذه بواعث غير مشروعة ومتى كان الطرف الآخر على علم بها فإن الصلح يكون باطلا لعدم مشروعية السبب.

الجزء الثاني: مجالات إجراء الصلح في المادة الإدارية

تقتصر مجالات إجراء الصلح حسب المادة 970 من ق.إ. م.إ على دعاوى القضاء الكامل والتي تعد دعوى التعويض أهم أنواعها، وفي مادة العقود الإدارية ومنها الصفقات العمومية.

الفرع 1: الصلح في دعوى التعويض

تلجأ الإدارة العامة لأداء نشاطها إلى القيام بالعديد من التصرفات والأعمال التي ترد أساسا إلى:

أعمال مادية: وهي الأعمال التي تقوم بها الإدارة إما بصفة إرادية تنفيذا لعمل تشريعي، أو عمل إداري دون أن يكون قصدها إحداث مركز قانوني جديد، أو بصفة غير إرادية والمتمثل في الأعمال التي تقع من الإدارة نتيجة خطأ.

أعمال قانونية: تفصح الإدارة من خلالها الإدارة عن إرادتها ونيتها في ترتيب أثر قانوني، فتارة تقوم بها مستندة إلى توافق إرادتين، كما هو الحال في العقود الإدارية، وتارة أخرى مستندة إلى إرادتها المنفردة بما لها من امتيازات السلطة العامة.

الفرع 2: الصلح في مادة العقود الإدارية

نميز في هذا الصدد بين المنازعات التي لا يجوز فيها الصلح، والمنازعات التي يجوز فيها الصلح في إطار العقود الإدارية.

1- المنازعات التي لا يجوز فيها الصلح: تتمثل هذه المنازعات في:

أ- القرارات الإدارية المنفصلة عن عملية التعاقد: يمكن الطعن فيها بالإلغاء من قبل الغير لأن سبيل المتعاقد هو قضاء التعويض أمام القاضي. أما التعاقد فلا يمكن أن يلجأ إلى القضاء من أجل التعويض، ومن ثم فقد قدم له مجلس الدولة الفرنسي باب قضاء الإلغاء. 

ب- طعون المستفيدين في حالة عقود الإمتياز: يتقدم المنتفع إلى الجهة الإدارية المختصة طالبا منها أن تتدخل بناء على سلطاتها الإدارية لتجبر الملتزم على احترام شروط العقد فإذا رفضت الإدارة التدخل صراحة أو ضمنا، حق للمنتفع أن يطعن في هذا القرار أمام قاضي الإلغاء، ويكون القرار غير مشروع إذا ثبت فعلا أن الملتزم لم يحترم شروط العقد.

2- المنازعات التي يجوز فيها الصلح: نميز في هذا الصدد بين حالتين:

الأولى: النزاعات التي تكون الأشخاص العمومية المذكورة في المادة 800 ق.إ.م.إ طرفا فيها، حيث أن هذه النزاعات هي نزاعات إدارية يجوز أن تخضع للصلح المتعلق بحل النزاعات الإدارية، والذي يحدد مجاله القضاء الكامل.

الثانية: المنازعات التي تكون المؤسسات المذكورة في الفقرة الأخيرة من المادة 06 من المرسوم الرئاسي 15/247 طرفا فيها، فإذا كيفت النزاعات المتعلقة بها على أنها نزاعات إدارية، فإنها تخضع للصلح المتعلق بالنزاعات الإدارية في مجال القضاء الكامل، طبقا للمادة 970 ق.إ.م,إ، أما إذا كيفت على أنها نزاعات عادية فإنها تخضع للصلح المتعلق بالنزاعات العامة.

الفرع 3: مراحل إجراء الصلح ودور القاضي الإداري فيه

لم يحدد المشرع الإجراءات التي يتم بموجبها إجراء الصلح، وإنما فتح المجال واسعا للقاضي، وفقا لما يراه مناسبا بشأن الكيفية مادام ذلك يحقق نتيجة.

1- مراحل إجراء الصلح

تتمثل مراحل الصلح في ثلاثة مراحل هي: مرحلة المبادرة بالصلح، انعقاد الصلح، محضر الصلح.

أ- المبادرة بالصلح

تنص المادة 972 ق.إ.م.إ: "يتم إجراء الصلح بسعي من الخصوم أو بمبادرة من رئيس تشكيلة الحكم، بعد موافقة الخصوم". وعليه، فإنه لا يجوز للقاضي أن يفوض غيره في القيام بمحاولة الصلح لأنها من المهام الأساسية للقاضي.

ب- انعقاد الصلح

لا يكفي أن يكون هناك عقد صلح صحيح وقائم بين الطرفين ولو كان هذا الصلح مثبتا في ورقة عرفية، أي أنه تم بسعي من الخصوم وقاما بتحرير ورقة عرفية موقعا عليها من الطرفين، يلزم بالإضافة إلى ذلك أن يحضر طرفي النزاع بنفسهما أو يوكل بوكالة خاصة بالصلح أمام المحكمة وأنه موافق على الصلح ولن يأتي ذلك، إلا إذا حضر الطرفان وقاما بالتوقيع عليه، وإذا تدخل الغير في الدعوى فلا يجوز للمحكمة التصدي عن الصلح إلا بعد الفصل في مدى صحة التدخل.

ومنه يكون للقاضي سلطة تقديرية في تحديد الوقت والمكان المناسبين لإجراءات عملية الصلح، ويختلف ذلك حسب وقائع وظروف كل قضية، فالقاضي يقوم بمحاولة التوفيق في أول جلسة أو أثناء اتخاذ إجراء التحقيق أو في لحظة الحضور الشخصي، كما يجوز عرض الصلح بعد قفل باب المرافعات وذلك إذا فتح أحد الخصوم باب المرافعة من جديد، أما عن مكان إجراء الصلح فيكون إما في مكتب القاضي أو في قاعة الجلسات على أن تتم هذه المحاولة بحضور الخصوم شخصيا.

 ج- محضر الصلح

حسب نص المادة 973 من ق.إ.م.إ، فإنه إذا حصل صلح يحرر رئيس تشكيلة الحكم محضرا يبين فيه ما تم الاتفاق عليه، ويأمر بتسوي النزاع وغلق الملف.

في التطبيقات القضائية المتعلقة بمسألة الصلح تكون المحاضر مطبوعة متضمنة جميع البيانات المختلفة المتعلقة بالأطراف والموضوع والنتيجة المتوصل إليها، وقد يحرر المحضر على وثيقة بيضاء يدون فيها القاضي تاريخ ومكان إجراء الصلح والأطراف الحاضرة والتصريحات، ويتم تسجيل هذا المحضر في سجل خاص بجلسات الصلح ويترك أصل النسخة لدى أمانة الضبط التي يرجع إليها عند الحاجة.

المبحث الثالث : أثار الصلح وإنقضائه .

نعالج هذا المبحث في مطلبين , الأول نتناول فيه الآثار المترتبة عن الصلح بصفة عامة, ثم في مطلب ثان كيفية إنقضاء الصلح .

المطلب الأول : الأثار المترتبة عن الصلح .

إن الهدف الأسمى للصلح هو إنهاء النزاع بين أطرافه , وذلك بتسويته بصورة ودية , والصلح في الأصل يكشف عن الحقوق ولا ينشؤها وأثره نسبي بالنسبة إلى الأشخاص وبالنسبة إلى السبب.

الفرع الأول = حسم النزاع .

إذا أبرم صلح بين طرفين فإن هذا الصلح يحسم النزاع بينهما عن طريق إنقضاء الحقوق والإدعاءات التي نزل عنها كل من الطرفين , ويستطيع كل منهما أن يلزم الآخر بما تم عليه الصلح أو يطلب فسخ الصلح إذا لم يقم الطرف الآخر بما إلتزم به فنصت المادة 462 من القانون المدني على أنه : " ينهي الصلح النزاعات التي يتناولها ويترتب عليه إسقاط الحقوق والإدعاءات التي تنازل عنها أحد الطرفين بصفة نهائية " .

ومن خلال هذا النص نجد ان للصلح أثر إنقضاء وأثر تثبيت :

- فيكون إنقضاء : إذا تنازع شخصان على ملكية دار وأرض مثلا ثم تصالحا على ان تكون الدار لأحدهما والارض للآخر , فهذا الصلح عقد ملزم للجانبين يلزم من خلصت له الدار أن ينزل عن إدعائه في ملكية الأرض ,ويلزم من خلصت له الأرض أن ينزل عن إدعائه في ملكية الدار .

- ويكـون تثبيت : كما في المثال السابق حيث من خلصت له الدار قد تثبتت ملكيته فيها , إذ نزل الطرف الأول عن إدعائه لهذه الملكية , ومن خلصت له الأرض قد ثبتت ملكيته فيها هو أيضا ,إذ نزل الطرف الآخر عن إدعائه لملكيتها .

وإذا تم حسم النزاع بالصلح وهذا بان تنقضي الحقوق والإدعاءات التي نزل عنها كل من الطرفين فإنه يثور التساؤل عن كيفية تفسير هذا التنازل ؟ ثم عن طرق إلزام كل طرف بما تم عليه الصلح ؟ وهذا مانتناوله فيما يلي :

أولا = تفسير التنازل تفسيرا ضيقا :

نصت المادة 464 من القانون المدني على أنه : " يجب أن تفسر عبارات التنازل التي يتضمنها الصلح تفسيرا ضيقا أيا كانت تلك العبارات فإن التنازل لايشمل إلا الحقوق التي كانت بصفة جلية محلا للنزاع الذي حسمه الصلح ".

والصلح شأنه شأن غيره من العقود يقوم فيه قاضي الموضوع بالتفسير , ولا يخضع لرقابة المحكمة العليا في التفسير مادام يستند إلى مبررات وأسباب , على أنه لما كان هناك نزول لكل من المتصالحين عن جزء من إدعائه , فإن هذا النزول المتبادل يجب أن :

7 يفسر تفسيرا ضيقا : فإذا تصالح الشريك مع شركائه على ما يستحق من أرباح الشركة فإن هذا الصلح لا يشمل إلا ما إستحقه فعلا من أرباح , لا ماقد يستحقه في المستقبل .

7 أن يكون اثر الصلح مقصورا على النزاع الذي تناوله : وهذا ما يعرف بالأثر النسبي للصلح فيما يتعلق بالمحل , أي دون ان يمتد إلي أي شيء آخر ,فالعقد يقتصر اثره على من كان طرفا فيه وعلى المحل الذي تناوله , فإذا تصالح وارث مع بقية الورثة على ميراث إقتصر الأثر على الميراث الذي تناوله الصلح ولا يتناول ميراثا آخر يشترك فيه أيضا بقية الورثة .

ثانيا = طرق الإلزام بالصلح .

فإذا أبرم الصلح بين طرفين إستطاع كل طرف أن يلزم الآخر بهذا الصلح فيمنعه من تجديد النزاع وهذا عن طريق :

7الدفع بالصلح : فإذا إنحسم النزاع بالصلح , لم يجز لأي من المتصالحين أن يجدد هذا النزاع, ويستطيع المتصالح الآخر أن يدفع بالصلح الدعوى المقامة او المطلوب المضي فيها أو المجددة .

7 وضع شرط جزائي في العقد : يوقع على من يخل بإلتزامه بمقتضى عقد الصلح أو يرجع إلى النزاع الذي إنحسم , فنتبع في ذلك القواعد العامة المقررة في الشرط الجزائي وهذا كأن يكون مقررا للتأخر في تنفيذ الصلح أو كجزاء على الطعن فيه.

7 فسخ العقد : فإذا أخل أحد المتصالحين بإلتزاماته في الصلح ,يجوز للآخر طلب فسخ العقد, لأن الصلح عقد ملزم للجانبين .

الفرع الثاني : الأثر الكاشف والأثر النسبي للصلح .

أولا = الأثر الكاشف للصلح :

تنص المادة 463 من القانون المدني على أنه : " للصلح اثر كاشف بالنسبة لما اشتمل عليه من الحقوق , ويقتصر هذا الأثر على الحقوق المتنازع فيها دون غيرها ", يفهم من هذا النص أنه إذا اشتمل الصلح على حقوق غير متنازع فيها , وهو ما يسمى بدل الصلح كان الأثر ناقلا لا كاشفا .

- ومعنى ان للصلح أثرا كاشفا بالنسبة للحقوق المتنازع فيها أن الحق الذي يخلص للمتصالح بالصلح يستند إلى مصدره الأول لا إلى الصلح ,فإذا إشترى شخصان دارا في الشيوع , ثم تنازعا على نصيب كل منهما في الدار وتصالحا على أن يكون لكل منهما نصيب معين أعتبر كل منهما مالكا لهذا النصيب لا بعقد الصلح بل بعقد البيع الذي إشتريا به الدار في الشيوع و إستند بذلك حق كل منهما إلى مصدره الأول لا إلى الصلح , وتعلل النظرية التقليدية ذلك بأن الصلح هو إقرار من كل من المتصالحين لصاحبه , والإقرار إخبار لا إنشاء فهو يكشف عن الحق ولا ينشؤه , أما النظرية الحديثة تعلل ذلك بأن المتصالح إنما هو ينزل عن حق الدعوى في الجزء من الحق الذي سلم به , فهذا الجزء من الحق قد بقي على وصفه الأول دون أن يتغير.

- أما بالنسبة للحقوق غير المتنازع فيها فإن الصلح ينشأ إلتزامات أو ينقل حقوقا فيكون له أثر منشىء أو ناقل لا أثر كاشف, مثل أن يتنازع شخصان على أرض ومنزل فيتصالحا على أن يختص أحدهما بالأرض والآخر بالمنزل , فإذا كان المنزل قيمته أكبر من الأرض , واقتضى الأمر أن يدفع من إختص بالمنزل معدلا , مبلغا من النقود يلتزم بدفعها لمن إختص بالأرض , فهنا الصلح قد أنشأ إلتزاما في ذمة من إختص بالمنزل هو دفع المعدل ,وهو لم يدخل في الحقوق المتنازع فيها .

ثانيا = الأثر النسبي للصلح .

الصلح شأنه في ذلك شأن سائر العقود له أثر نسبي , فهو مقصور على المحل الذي وقع عليه , وعلى الطرفين الذين وقع بينهما , وعلى السبب الذي وقع من أجله .

01- الأثر النسبي في المحل : فالصلح مقصور على النزاع الذي تناوله , فإذا تصالح الموصى له مع الورثة على وصية , لم يتناول الصلح إلا الوصية التي وقع النزاع بشأنها فلا يشمل وصية أخرى للموصى له تظهر بعد ذلك .

02- الأثر النسبي في الأشخاص :فإذا تصالح أحد الورثة مع الموصى له على الوصية فإن الورثة الآخرين لايحتجون بهذا الصلح ولا يحتج به عليهم ,فلا يترتب على الصلح نفع أو ضرر لغير عاقديه .

03- الأثر النسبي في السبب : فمن تصالح على حق له أو على حق تلقاه بناء على سبب معين , ثم تلقى هذا الحق ذاته من شخص آخر أو بناء على سبب آخر , لا يكون هذا الحق الذي كسبه من جديد مرتبطا بالصلح  السابق.

المطلب الثاني : إنقضاء الصلح.

الصلح بإعتباره عقد ملزم للجانبين فإنه كسائر العقود ينقضى دائما بالفسخ أو بالبطلان وفقا للقواعد العامة . 

الفرع الاول = إنقضاء الصلح بالفسخ .

عادة ما يرد الفسخ على العقود بإعتباره نتيجة لعدم تنفيذ طرفي العقد لإلتزاماتهما المتفق عليها فيعتبر, كأنه لم ينعقد ويزول كل أثر, وبالتالي يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كاناعليها قبل التعاقد فإذا إستحال ذلك جاز الحكم بالتعويض لطالب الفسخ طبقا لنص المادة 122,119 من القانون المدني ,وله أن يسترد ما قضي به , فإذا كان عينا يستردها وثمارها وإذا كان مبلغا يسترده وفوائده , وبالتالي يعود النزاع الذي أنهاه الصلح إلى الظهور و ويعود الأطراف إلى الحالة التي كانت قبل إبرام العقد ,وإسترداد كل متعاقد لما أعطاه , إنمايكون على أساس ما دفع دون حق , وكل ذلك تطبيق للقواعد العامة التي تقوم عليها نظرية الفسخ.

الفرع الثاني = إنقضاء الصلح بالبطلان .

قد ينقضي الصلح بالبطلان كسائر العقود وتطبق بشأنه القواعد العامة للبطلان لكن هل يكتفي عقد الصلح بهذه القواعد العامة أم أنه ينفرد بقواعد خاصة تميزه عن العقود الاخرى ؟

تنص المادة 466 من القانون المدني على أنه : " الصلح لا يتجزأ فبطلان جزء منه يقتضي بطلان العقد كله على أن هذا الحكم لا يسري إذا تبين من عبارات العقد أو من قرائن الاحوال أن المتعاقدين قد إتفقا على أن أجزاء العقد مستقلة بعضها عن بعض ". بالنظر إلى هذه المادة نجدها تقر ببعض المبادئ الهامة والمتمثلة في :

· أن الصلح لايتجزأ فبطلان جزء منه يقتضي بطلان العقد كله .

· لايسري هذا الحكم إذا تبين من عبارات العقد أن أجزاء العقد مستقلة عن بعضها البعض .

فيكون الصلح وحدة لا تتجزأ وهذه الوحدة تكون في كل بنوده وشروطه وبالنسبة لجميع أطرافه , فبطلان جزء منه أولطرف منه يقضي عليه بأكمله وفي كل أجزائه, وبالنسبة لجميع أطرافه , فإن جمع الصلح عدة متصالحين وكان منهم قاصر إلى جانب البالغين فيكون بطلانه بالنسبة للقاصر ولغير القاصر وإذا تضمن الصلح مسألة متعلقة بالحالة الشخصية إلى جانب ما ينجر عنها من حقوق مالية , كما هو الشأن بالنسبة لصفة الوارث والحقوق التي إنتقلت إليه عن طريق الإرث , فإن الصلح في هذه الحالة يقع باطلا برمته , وتستند هذه القاعدة إلى إرادة المتصالحين الضمنية , فالصلح عبارة عن تنازل كل طرف عن جزء مما يدعيه من حقوق في مقابل نزول الطرف الآخر عن بعض ما يدعيه .

وبالتالي يفترض أن يكون قصدهما إتجه إلى جعل صلحهما وحدة لا تتجزأ , فإذا إنهار جزء منها إنهار العمل القانوني بأكمله , لكن هذه القاعدة ليست من النظام العام , فيجوز أن تتجه فيه نية المتعاقدين صراحة أو ضمنيا إلى إعتبار أجزاء الصلح مستقلة عن بعضها البعض, فإذا بطل جزء منه بقيت الأجزاء الأخرى قائمة لأنها مستقلة عن الجزء الباطل وبذلك يمكن أن يتجزأ الصلح طبقا لإرادة الطرفين , وهذا ما أكدته الفقرة الثانية من المادة 466 من القانون المدني .

2-الوساطة

مقدمة:

تتسم الوساطة بتوخي العقلانية في العلاقات الإنسانية منذ القدم فلقد كانت لها الآثار الأولى في الحضارة اليونانية تأسيسا على فلسفة ذلك العهد التي كانت تهدف إلى بيان ما هو أصلح للفرد. ولم تغب الفكرة في الشريعة الإسلامية وفي التقاليد الراسخة في بعض البلدان العربية، وكفكرة حديثة في أوروبا بفضل بعض القضاة الفرنسيين في السبعينات، بالخصوص في القضايا العمالية، وذلك بعد أن لاحظ هؤلاء أن أحكامهم لا تفي بالحاجة. أو أنها ترتب أثار وخيمة على المستوى الإنساني، أو يصعب تنفيذها لأنها تقطع الحوار بين الخصوم ولذلك صدر قانون 8 فيفري 1995 لتكريس هذا الحل البديل.فالوساطة ليست كالصلح ولا كالتحكيم فالأول يبادر به القاضي والثاني يقوم به المحكم باتفاق مسبق وبطلب من الأطراف ، لذلك تفاديا للخوض في الدعاوي القضائية التي يطول أبدها، أدرجالمشرع الجزائري الوساطة في قانون الإجراءات المدنية و الإداريةكطريق بديل لحل النزاعات.

  و إذ يعتبر قانون الإجراءات المدنية والإدارية من القوانين الرائدة في التشريعات العربية، إذ عرف شكلا جديدا من حيث الشكل والموضوع حتى أصبحشبيها بالموسوعة القانونية الفرنسية لاستحواذه على أبواب مفصلة ومعنونة تشرح النص بشكل بسيط ومفصل، جاء هذا القانون باختيارات عديدة لحل النزاعات، كالصلح، التحكيم، والوساطة التي لا تعتبر جديدة على مجتمعنا لأنها نابعة من الأعراف والتقاليد ولكن ما يهمنا هو الشكل الجديد للوساطة البسيطة والتي سماها المشرع الجزائر بالوساطة القضائية

التي سنحاول  تسليط الضوء عليها من خلال النقاط التالية:

  • 1-التطور التاريخي للوساطة
  • 1-1- تعريف الوساطة
  • 1-2- أنواع الوساطة
  • 1-3- من يمكنه القيام بدور الوساطة
  • 2-إجراءات الوساطة
  • 2-1- الأهداف المرجوة من الوساطة
  • 2-2- أثر تعيين الوسيط على مهمة القاضي و المحامي
  • 2-3- مستقبل دور الوسيط في الجزائر
  •  
  • 1- التطور التاريخي للوساطة
  • كانت الوساطة في القديم تتم بشكل بسيط أساسه نابع من الأعراف والتقاليد السائدة في المجتمعات آنذاك، طبقت الوساطة في العهد القديم كقانون بمفهوم المصلحة واستخدمت من جديد بعد الثورة الفرنسية عام 1789، وقد ظهرت في الولايات المتحدة خلال الفترة ما بين 1965-1970.
  • ظهرت كذلك الوساطة كحل بديل في معظم الاتفاقيات الدولية من بينها:
  • أ‌-اتفاقية البنك الدولي الذي من شأن تسوية منازعات الاستثمار.
  • ب- كذلك بشأن نظام المصالحة والتحكيم لغرفة التجارة الدولية الذي نص على نظام المصالحة الاختيارية و وضع إجراءات خاصة، لأنها هيئة تمثل رجال الأعمال على مستوى الدولي، إذ تم تأسيسهابعد مؤتمر التجارة الدولية الذي عقد عام 1919 بمدينة (Atlantic City  ). بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث جميع الخلافات الناشئة تجري تسويتها بصفة نهائية وفقا لقواعد التصالح و التحكيم.
  • ففي الولايات المتحدة الأمريكية، حسب دراسة حديثة تقريبيا 75% من النزاعات التجارية تحل عن طريق الوساطة
  • في انجلترا الوساطة موجودة في عدة ميادين بالأخص منها النزاعات بين الأطباء والمرضى.
  • أما في الدول العربية فالوساطة شيء مفروض في الأعراف و التقاليد.
    1. تعريف الوساطة:

 تعتبر الوساطة من الآليات الجديدة التي استحدثها قانون الاجراءات المدنية والادارية 09/08 لتسوية النزاعات، نظرا لما تتمتع به من مزايا، كونها توفر الوقت والجهد والنفقات على الخصوم، وقد خص المشرع الوساطة ب 12 مادة وهي من المادة 994 إلى 1005 لكنه لم يعط لها تعريفا, الأمر الذي جعل الفقه يعرفها بأنها: "آلية تقوم على أساس تدخل شخص ثالث محايد في المفاوضات بين طرفين متخاصمين، حيث يعمل هذا المحايد على تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وتسهيل التواصل بينهما، ومساعدتهما على إيجاد تسوية مناسبة للنزاع".

أشكال الوساطة: الأصل أن الوساطة تتم في شكلين:

وساطة تعاقدية: تبنى على اتفاق الأطراف على اللجوء إلى وسيط في حالة ظهور نزاع بينهما.

وساطة قضائية: التي تتم بمسعى من القاضي، غير أن المشرع الجزائري أخذ بالوساطة القضائية دون الوساطة التعاقدية عملا بنص 994 التي لم تستثن منازعات الصفقات العمومية.

جعل المشرع من الوساطة إجراء وجوبي على القاضي لكنه لا يصبح نافذا إلا بقبول الخصمين له ويتم تعيين سلطة واسعة في اتخاذ التدابير التي من شأنها المساهمة في حل النزاع.

عملية الوساطة قد تكون مطلقة تشمل كل النزاع أو جزء منه مدتها لا تتعدى 3 أشهر على الأقل. يمكن تجديدها مرة واحدة بطلب من الوسيط وبموافقة الخصوم.

  • 1-2- أنـواع الوساطة
  • عدا تعريف المشرع الجزائري للوساطة من خلال قانون الإجراءات المدنية و الإدارية 2008 توجد هناك عدة أنواع للوساطة فهناك الوساطة البسيطة التي تشبه المصالحة أي وجود شخص يسعى إلى رضى كلا المتنازعين بدون التأثير على موقف أو وجهة نظر أحدهما.
  • هناك أيضا شكل أخر للوساطة يتخذ في قلب القضاء الصوري عن طريق وسيط مهمته الوصول إلى حل يرضى أطراف النزاع.
  • وهناك الوساطة الاستشارية التي يلجأ فيها أطراف النزاع إلى محامي أو خبير كوسيط لحل النزاع .
  • وهناك وساطة التحكيم، التي يتفق فيها الأطراف على قيام الوسيط بمهمة التحكيم إذا فشلت مهمته في الوساطة.
  • وهناك الوساطة الجنائية التي نادى بها معظم الدول في العالم التي من شانها وضع حد للضرر ولحالة الاضطراب الذي أحدثته الجريمة، عن طريق حصول الضحية على تعويض كاف عن الضرر الذي حدث له.
  • 1-3- من يمكنه القيام بدور الوسيط:
  • الوسيط هو كل شخص توفرت فيه المواصفات المطلوبة والتي نصت عليها المادة 998. حيث نصت على أن يعين الشخص الطبيعي المكلف بالوساطة من بين الأشخاص المعترف لهم بحسن السلوك و الانضباط و أن تتوفر فيه الشروط الآتية:
  • §ألاّ يكون قد تعرض إلى عقوبة عن جريمة مخلة بالشرف و ألاّ يكون ممنوعا من حقوقه المدنية.
  • §أن يكون مؤهلا للنظر في المنازعة المعروضة عليه.
  • §أن يكون محايدا و مستقلا في ممارسة الوساطة.
  •  ولكن لم يشرح المشرع  الجزائري في مادة 998 شخصية الوسيط، على خلاف المشرع الأردني إذ لوزير العدل الحق في تسمية وسطاء خصوصيين يختارهم من بين القضاة المتقاعدين والمحامين والمهنيين المشهود لهم بالحيدة والنزاهة و يقوم الوزير بتحديد الشروط الواجب توفرها في الوسطاء الخصوصيين، رغم هذا يمكن أن نتصور أهم مميزات الوسيط:
  • 1)العدل : أي أن لا يرجح كفة أحد الأطراف على الآخر.
  • 2)الحياد : أن لا يصدر أحكاما على موضوع النزاع.
  • 3)الإنصات الجيد:  " la bonne écouté"
  • 4)التواصل السليم و الواضح:  La communication
  • 5)كتمان السر المهني:La non violation du secret professionnel
  • 2- إجراءات الوساطة:

بمجرد الاطلاع على نص المادة 994 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، فالأمر القاضي بتعيين الوسيط يجب أن يتضمن ما يأتي:

  • 1- الدعوة إلى الوساطة المادة 1005
  • 2-تلقي وجهة نظر الأطراف المادة 994
  • 3-سماع كل شخص يقبل المادة 1001
  • 4-التوفيق بين الخصوم المادة 994-995
  • 5-محضر الوساطة المادة 1002-1003
  • 6-رجوع القضية إلى المجلس والمصادقة على محضر الاتفاق أو الوساطة المادة 1003- 1004.
  • 2-1- الأهداف المرجوة من الوساطة:
  • إن إدراج الوساطة في القانون الجزائري جاءمن أجل فض الاكتضاض على الأجهزة القضائية من محاكم و مجالس قضائية خاصة في المدن الكبيرة كوهران، الجزائر، قسنطينة.
  • فالوساطة تخضع لحرية أطراف النزاع في اللجوء إليها ولسريتها و لكفاءة الوسيط الذي يعمل حسب الأخلاقيات المعمول بها، كما أنها تتطلب حسن نية الخصوم للوصول إلى أحسن حل يمكن الوصول إليه بمراقبة القاضي، فالوساطة تسمح بشكل واضح لكلا أطراف النزاع تقديم تفسيرات تفيد في توضيح النقاط المزعجة في النزاعات ومن جهة أخرى الحفاظ على العلاقات المستقبلية عكس تماما مباشرة الدعوى القضائية التي قد تنقطع العلاقات بسببها دون رجعة
  • فالوساطة حل سريع يتقارب بكثير من الصلح أي للوسيط مهمة السماع للخصوم دون سلطة الفصل لهم أي حمل الخصوم لإيجاد حل يرضيهم.
  • 2-2- أثر تعيين الوسيط على القاضي والمحامي:
  • سبقت الجزائر في تعيين الوسيط عدة بلدان عربية و أوروبية فهدا الأمر بالتعيين ليس من شانه استخلاف منصب القاضي الذي له السلطة في الفصل أو المحامي الذي مهمته الدفاع عن أطراف النزاع، بل يبقى القاضي يتمتع بجميع سلطاته أثناء سير الوساطة، بحيث يراقب سيرها، وإن اقتضى الأمر بجدر به اتخاذ الإجراءات اللازمة لتسهيل مهمة الوسيط ، إذن تعيين الوسيط ليس معناه تخلي القاضي عن القضية إذ يمكنه اتخاذ أي بتدابير يراها ضرورية.
  • كما يمكن للقاضي إنهاء الوساطة في أي وقت بطلب من الوسيط أو الخصوم أو تلقائيا عن طريق أمين الضبط نصت عليه المادة 1002.
  • 2-3- مستقبل دور الوسيط في الجزائر:
  • الجزائر على غرار البلدان الأخرى تعرف أحيانا صعوبات على المستوى الداخلي من الناحية القانونية والتنظيمية ولكن هذا ما يسعى إليه المشرع الجزائري من مشاريع عديدة منها تحقيق العدالة وإزاحة الفوضى والبيروقراطية وتقريب العدالة من المواطن بشكل واضح وبسيط، أما بالنسبة للوسيط هناك عدة مسائل تبقى في الظل ويصعب تفسيرها من بينها:
  • 1)كيفية تسديد أتعاب الوسيط على الأقل في حالة لم يتوفق الوسيط في اتفاق يرضي الطرفين.
  • 2)رغم الطابع التقليدي الذي يغلب على الوساطة وعلى ثقافتنا في نفس الوقت، يمكن أن نقول للوساطة مستقبل كبير في المعاملات المالية والقضايا التجارية التي اتسع حجمها مع تزايد العلاقات التجارية و تطور القوانين المرتبطة بها.
  • 3)إن تبني المشرع الجزائري لهذه الطريقة البديلة لحل النزاعات ستساهم لا محالة في التخفيف من القضايا لاسيما أن الوساطة تتسم بالمرونة والتحضر.
  •  إن المراد من استعمال الوسائل البديلة لحل النزاعات بصفة ودية هو تشجيع الحوار بين الخصوم وحثهم للتفاوض والتشاور و بذل مجهودات لحل الصعوبات التي تواجههم.
  • فنجاح الوساطة في الجزائر سيؤدي إلى المحافظة على العلاقات المستقبلية والمشاركة في بناء واستقرار هذا البلد العزيز بغض النظر لما لها من أهمية في تخفيف العبء على الأجهزة القضائية.

استحدثت الوساطة من بين الطرق البديلة لحل النزاعات وهي إجراء يهدف إلى تسوية النزاعات بطريقة ودية، تسند هذه المهنة للوسيط القضائي بموجب أمر صادر عن القاضي يتضمن موافقة الخصوم وتحديد الآجال الأولى الممنوحة للوسيط للقيام بمهمته وتاريخ رجوع القضية إلى الجلسة و يبلغ عن طريق أمانة الضبط للوسيط والخصوم، يكون الوسيط المعين شـخص طبـيعي أو جمعية، وعـندما يـكون جـمعيـة، يقـوم رئيـسها بـتـعـيـين أحـد أعـضـائـهـا لـتـنـفـيـذ الإجـراء بـاسـمـهـا ويـخـطـر القاضي بذلك.

  – على القاضي عرض إجراء الوساطة على الخصوم في جميع المواد، باستثناء قضايا شؤون الأسرة والقضايا العمالية و كل ما من شأنه أن يمس بالنظام العام، وإذا قبل الخصوم هذا الإجراء، يعين القاضي وسيطا لتلقي وجهة نظر كل واحد منهم ومحاولة التوفيق بينهم، لتمكينهم من إيجاد حل للنزاع.

النصوص القانونية المنظمة لمهنة الوسيط القضائي:

 – القانون رقم 08-09 المؤرخ في 25 فبراير سنة 2008، المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

 – المرسوم التنفيذي رقم 09-100 المؤرخ في 10 مارس سنة 2009، المحدد لكيفيات تعيين الوسيط القضائي.

شروط الالتحاق بمهنة الوسيط القضائي:

 يجب أن يعين الشخص الطبيعي المكلف بالوساطة من بين الأشخاص المعترف لهم بحسن السلوك والاستقامة، وأن تتوفر فيه الشروط الآتية:

 • ألا يكون قد تعرض إلى عقوبة عن جريمة مخلة بالشرف، وألا يكون ممنوعا من حقوقه المدنية،

 • أن يكون مؤهلا للنظر في المنازعة المعروضة عليه،

 • أن يكون محايدا ومستقلا في ممارسة الوساطة،

يقدم الوسيط طلبا لتسجيله في إحدى قوائم الوسطاء القضائيين وذلك ما لم يكن:

 • قد حكم عليه بسبب جناية أو جنحة باستثناء الجرائم غير العمدية،

 • قد حكم عليه كمسير من أجل جنحة الإفلاس ولم يرد اعتباره،

 • ضابطا عموميا وقع عزله أو محاميا شطب اسمه أو موظفا عموميا عزل بمقتضى إجراء تأديبي نهائي.

 و لا يجوز لأي كان، تحت طائلة الشطب، التسجيل في أكثر من قائمة للوسطاء القضائيين.

 – توجه طلبات التسجيل في قائمة الوسطاء القضائيين إلى النائب العام لدى المجلس القضائي الذي يقع بدائرة اختصاصه مقر إقامة المترشح، يجب أن يرفق الطلب بالوثائق اللازمة لذلك.

 – يحول النائب العام الملف بعد إجرائه تحقيقا إداريا إلى رئيس المجلس القضائي الذي يستدعي لجنة الانتقاء لدراسة الطلبات والفصل فيها، ترسل القوائم إلى وزير العدل، حافظ الأختام للموافقة عليها، بموجب قرار.

 – يؤدي الوسيط القضائي، قبل ممارسة مهامه أمام المجلس القضائي المعين في دائرة اختصاصه، اليمين القانونية.

مهام الوسيط القضائي: يضطلع بالعديد من المهام من بينها:

  – القيام بمهامه في أجل لا يتجاوز ثلاثة أشهر، ويمكن تجديدها لنفس المدة مرة واحدة بطلب من الوسيط عند الاقتضاء، بعد موافقة الخصوم، و للقاضي إنهاء الوساطة في أي وقت إما تلقائيا أو بطلب من الوسيط أو الخصوم.

  – عند إنهاءه لمهمته، يخبر القاضي كتابيا بما توصل إليه الخصوم من اتفاق أو عدمه، وفي حالة الاتفاق يحرر الوسيط محضرا يضمنه محتوى الاتفاق، ويوقعه مع الخصوم، ثم ترجع القضية أمام القاضي في التاريخ المحدد لها مسبقا وعند اتفاق الخصوم يقوم القاضي بالمصادقة على محضر الاتفاق بموجب أمر غير قابل لأي طعن، ويعد محضر الاتفاق سندا تنفيذيا.

واجبات الوسيط القضائي :يلتزم لاسيما بما يأتي : يجب عليه أو أحد أطراف النزاع الذي يعلم بوجود مانع للوسيط أن يخطر القاضي فورا قصد اتخاذ ما يراه مناسبا من إجراءات لضمان حياد الوسيط واستقلاليته:

 - إذا كانت له مصلحة شخصية في النزاع،

 - إذا كـانـت له قـرابـة أو مـصـاهـرة بـينه أو بـين أحـد الخصوم،

 -إذا كانت له خصومة سابقة أو قائمة مع أحد الخصوم،

 - إذا كان أحد أطراف الخصومة في خدمته،

 - إذا كان بينه وبين أحد الخصوم صداقة أو عداوة،

 -حفظ السر المهني إزاء الغير،كما يمنع على الوسيط القضائي أن يتحصل أثناء تأدية مهمته على أتعاب أخرى.

أتعاب الوسيط القضائي:

 يتقاضى الوسيط القضائي مقابل أتعاب، يحدد مقداره القاضي الذي يعينه، ويمكن للوسيط القضائي أن يطلب من القاضي تسبيقا يخصم من أتعابه النهائية، يتحمل الأطراف مناصفة مقابل أتعاب الوسيط القضائي ما لم يتفقوا على خلاف ذلك أو ما لم يقرر القاضي خلاف ذلك بالنظر إلى الوضعية الاجتماعية للأطراف.

انتهاء الوساطة: تنتهي الوساطة بطريقتين، دون تحقيق الهدف منها، وذلك من طرف القاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم أو بطلب من الوسيط نفسه أو بعدم الوصل لحل يرضي الطرفين. ويبقى الطريق القضائي مفتوحا لحل النزاع.

تحقيق الهدف منها أي توصل الوسيط إلى حل يرضي الطرفين فيحرر محضر يوقعه هو الوسيط والخصم ويصادق عليه القاضي المعني.

المحضر لا يقبل أي طعن يعد محضر الاتفاق من السندات التنفيذية.

 3-التحكيم و دوره في حل المنازعات

1-التحكيم كآلية لتسوية منازعات:

يعد التحكيم عملية قانونية مركبة تقوم على اتفاق أطراف النزاع على عرض خلافهم على محكم أو أكثر للفصل فيه، ويقوم التحكيم على إجازة المشرع وإرادة الخصوم. وقد كانت الجزائر قد تبنت موقفا معرضا للتحكيم بشكل عام متأثرة بجملة من العوامل التاريخية، وقد انعكس ذلك على موقف المشرع على التحكيم في عقود الدولة وظهر جليا بنص قانوني واضح يحضر الأشخاص المعنوية العامة من اللجوء إلى التحكيم، ولا يجيزه في منازعات العقود الإدارية الداخلية. غير أنه نظرا للتقدم العلمي والتكنولوجي وللمزايا التي يحققها التحكيم من بساطة الاجراءات وسرعة القرار وطابعه السري.

وعلى إثر تعديل قانون الصفقات العمومية وكذا صدور قانون الاجراءات المدنية والادارية تغيرت نظرة المشرع للتحكيم في مجال الصفقات العمومية واتجهت نحو اجازته وتشجيع استعماله في حل النزاع المتعلق بالصفقة العمومية. 

إذن التحكيم هو الحكم في نزاع من طرف خواص يعطى لهم اسم المحكمين ويعينهم الأطراف.

اتفاقية التحكيم هي الاتفاقية التي يقرر فيها الأطراف اللجوء إلى التحكيم. تأخذ اتفاقية التحكيم اسم شرط التحكيم  عندما تحرر تحسبا لنزاع محتمل مستقبلي (م.1007 ق.إ.م.إ.) واسم اتفاق التحكيم عندما تخص نزاع سبق نشوؤه (م.1011 ق.إ.م.إ.). طلب التحكيم معناه الاتفاق على عرض نزاع على المحكمين. لا يكون ثمة حكم تحكيمي إلا إذا حصل اتفاق على التحكيم. يعتبر باطلا حكم التحكيم الصادر دون اتفاق على التحكيم أو خارج التحكيم (م.1056 ق.إ.م.إ.).

يلاحظ أولا أن المشرع الجزائري تصور التحكيم كامتداد للجهات القضائية الرسمية التي تبقى هي الأصل للفصل في المنازعات، وهذا ما يفسر موقع التحكيم في ختام قانون الإجراءات المدنية والإدارية. هذا وأن المشرع أحاط مؤسسة التحكيم بشبكة من نصوص قانونية مقيدة ومعقدة. والفكرة التي تطغى على هذه المجموعة من القواعد هي أنه بلجوئهم إلى محكمين، فإن المتقاضين يفقدون الضمانات التي تمنحها المحاكم الرسمية. لذا منع المشرع التحكيم في بعض المواد حددتها المادة 1006 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وهي المسائل المتعلقة بالنظام العام أو حالة الأشخاص أو أهليتهم. وحتى خارج هذه المواد، فإن التحكيم يخضع في حصوله أو في تنفيذه إلى بعض القواعد تجعل منه مؤسسة ذات طابع استثنائي بالنظر إلى الجهات القضائية التابعة للدولة التي تعتبر محاكم ذات الاختصاص العام (م. 32 ق.إ.م.إ.). يجب أن يسبق التحكيم، اتفاق التحكيم الذي يعين فيه موضوعات النزاع وأسماء المحكمين، وإلا كان باطلا (م. 1012 ق.إ.م.إ.). ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، يتبع المحكمين والأطراف المواعيد والأوضاع المقررة أمام المحاكم (م. 1019 ق.إ.م.إ.). مهمة المحكمين تكون مؤقتة أصلا، وألزمهم القانون بإتمام مهمتهم في ظرف أربعة أشهر ما لم يمدد هذا الميعاد باتفاق أطراف العقد (م. 1018 ق.إ.م.إ.). وينتهي التحكيم لعدة أسباب ما لم يشترط الأطراف خلاف ذلك (م. 1024 ق.إ.م.إ.). وأخيرا يكون حكم التحكيم قابلا مبدئيا للاستئناف، ما لم يتنازل عنه الأطراف ( م. 1033 ق.إ.م.إ.).

مبدئيا يكون اللجوء إلى التحكيم اختياريا، ولكن أخضع المشرع بعض النزاعات للتحكيم بصفة إجبارية، ونذكر بالخصوص النزاعات الجماعية في العمل (القانون المؤرخ في 6 فبراير 1990).

بالنسبة للتحكيم التجاري الدولي، فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية مدد بصفة عامة الأحكام التي وردت في المرسوم التشريعي رقم 93-09 المؤرخ في 25 أبريل 1993 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات المدنية القديم الذي أقر مفهوم التحكيم الدولي. سنتطرق بالتوالي إلى التحكيم الداخلي  ثم إلى التحكيم الدولي.

التحكيم الداخلي

I- إجراءات التحكيــم الداخلي

 نص المشرع الجزائري عن إجراءات التحكيم الداخلي في الفصل الأول من الباب الثاني لقانون الإجراءات المدنية والإدارية، وبالتحديد في المواد من 1006 إلى 1024. أدرجت في هذا الفصل القواعد المتعلقة باتفاق التحكيم (1)، وشرط التحكيم (2)، وتنظيم هيئة التحكيم (3)، والخصومة أمام المحكمين (4) .

  1- اتفاق التحكيم

اتفاق التحكيم هو الاتفاق الذي يقبل الأطراف بموجبه عرض نزاع سبق نشوؤه على التحكيم (م. 1011 ق.إ.م.إ.).لا يجب الخلط بين اتفاق التحكيم والصلح . الصلح عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا، وذلك بأن يتنازل كل منهما على وجه التبادل عن حقه (م. 459 ق.مدني.). و إما في اتفاق التحكيم، فإن الأطراف يكلفون شخص من الغير الفصل في النزاع القائم بينهم. ومهما كان التكييف الذي أعطاه الأطراف لاتفاقهم، يكون ثمة اتفاق التحكيم إذا كلف محكمين دون غيرهم بالفصل في النزاع.

فباتفاقهم على التحكيم، يكون الأطراف قد فضلوا إسناد مهمة الفصل في نزاعهم إلى أفراد عاديين عوضا من رفع الدعوى أمام الجهات القضائية الرسمية. ونظرا لخطورة اتفاق التحكيم، وضع المشرع شروطا صارمة لصحته.فإلي جانب الشروط الموضوعية، يجب أن تتوفر في اتفاق التحكيم بعض الشروط الشكلية .

1-1- الشروط الموضوعية

 لصحة اتفاق التحكيم، يجب أن تكون المادة قابلة لهذه العملية كما يجب أن تتوفر في الأطراف الأهلية الضرورية للاتفاق على التحكيم  .

1-1-1- المواد القابلة للتحكيم

 يمكن مبدئيا الاتفاق على التحكيم في كل المواد، ولكن وبصفة استثنائية، لا يجوز التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام أو حالة الأشخاص وأهليتهم (م. 1006 ق.إ.م.إ.). المادة 1006 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تنص أنه: "يمكن لكل شخص اللجوء إلى التحكيم في الحقوق التي له مطلق التصرف فيها". لا يمكن إذا طلب التحكيم في أشياء خارجة عن التجارة. وبصفة عامة لا يجوز الاتفاق على التحكيم في المواد التي لا تكون قابلة للصلح.

في ظل التشريع القديم كان لا يجوز إطلاقا للدولة وللأشخاص الاعتباريين العموميين طلب التحكيم، ولكن بعد التعديل الذي طرأ على قانون الإجراءات المدنية القديم  بموجب المرسوم التشريعي رقم 93-09 المؤرخ في 25 أبريل 1993 أجاز المشرع الأشخاص المعنويين التابعين للقانون العام طلب التحكيم ولكن فقط في علاقتهم التجارية الدولية. قانون الإجراءات المدنية والإدارية مدد هذا النظام الجديد ووسع مجال تطبيقه على الصفقات العمومية، فعملا بالمادة 1006 الفقرة 3: "لا يجوز للأشخاص المعنوية العامة أن تطلب التحكيم، ما عدا في علاقاتها الاقتصادية الدولية أو في إطار الصفقات العمومية".

قانون الإجراءات المدنية القديم كان يمنع التحكيم في مسائل الالتزام بالنفقة، وفي حقوق الإرث، والحقوق المتعلقة بالمسكن والملبس (م.442 ف.1 ق.إ.م.). قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يستثن هذه المسائل من التحكيم. المشرع أخذ إذا بالنسبة لمادة شؤون الأسرة بالنظرية التي تميز بين المواد المتعلقة بالأحوال الشخصية المحضة (مسائل الزواج والطلاق والنسب ...) التي لا تقبل التحكيم، والمواد المتعلقة بالمصالح المالية (النفقة، التعويض عن فسخ الخطبة، قسمة التركة أو إدارتها...). هذا الموقف هو في الواقع مطابق لأحكام المادة 461 من القانون المدني التي تجيز الصلح على المصالح المالية الناجمة عن الحالة الشخصية وتمنعه في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية  والنظام العام.

1-1-2-الأهلية الضرورية للاتفاق على التحكيم

 نظرا للخطورة الخاصة لاتفاق التحكيم، يجب أن تتوفر في من يقوم بهذا العمل لا فقط أهلية الالتزام أو أهلية التقاضي، بل كذلك أهلية التصرف المطلق في الحق المتنازع عليه. تطبيقا لنص المادة 1006 الفقرة 1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لا يجوز لبعض فاقدي الأهلية أن يطلبوا التحكيم. لا يجوز للقاصر الذي لم يبلغ سن التمييز، ولا للراشد الذي فقد أهليته أن يطلبا التحكيم، كما يكون طلب التحكيم مستحيلا في النزاعات المتعلقة بالمحجور عليهم.ولا يجوز للوكيل أن يطلب التحكيم إلا بموجب وكالة خاصة (م.574 ق.م.).

2-1- الشروط الشكلية

 حسب المادة 1012 من قانون الإجراءات المدنية، يحصل الاتفاق على التحكيم كتابيا. العقد الكتابي قد يكون عقدا رسميا أو عقدا عرفيا أو محضرا يحرره المحكمون يوقعون عليه كما يوقع عليه الأطراف. وعندما يحصل الاتفاق بعقد عرفي، يجب أن يصدر طبقا لقواعد القانون العام، أي يجب أن يكون عدد أصول العقد المحرر مثل عدد الأطراف ذوي المصالح المتباينة، مع الإشارة في كل واحد منهم إلى عدد الأصول.

المادة 1012 الفقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية لا تمنع حصول اتفاق التحكيم بموجب محضر يحرره المحكمون أنفسهم. يجب بدون شك أن يوقع المحكمون والأطراف على هذا المحضر، ولكنه لا يخضع للأشكال الأخرى التي تخضع لها العقود العرفية. وهكذا، فليس من الضروري تحرير المحضر بعدد مثل عدد المحكمين والأطراف، فيكفي تحرير أصل واحد، على أن يبقى هذا الأصل بين أيدي أحد المحكمين حتى يمكنهم إثبات سلطاتهم عند الحاجة.

وجوب الكتابة في الاتفاق على التحكيم يعد قاعدة شكلية كما هو الحال بالنسبة لأشكال أعمال الإجراءات. يكون المحرر ضروري لرفع النزاع أمام المحكمين كما يكون التكليف بالحضور ضروريا لرفع الدعوى أمام المحكمة. غياب المحرر أو التوقيع يترتب عليه البطلان ولكن يعتبر هذا البطلان بطلانا إجرائيا قد يغطي لو لم يتمسك به، أو إذا تخلى عنه الأطراف.

 سواء أكان رسميا أم عرفيا أم على شكل محضر، فإن العقد الذي يثبت الاتفاق على التحكيم يجب، حسب المادة 1012 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، أن يعين موضوع النزاع وإلا كان باطلا. وطبعا، يمكن أن يحتوي العقد على بنود أخرى، وبالخصوص على الأشكال التي يجب إتباعها، على الميعاد الذي يلزم خلاله المحكمين بإصدار قرارهم، على تعيين محكم مرجح أو على سلطة المحكمين بالفصل دون قابلية حكمهم للاستئناف. ولكن تعيين موضوع النزاع هو وحده مقرر تحت طائلة البطلان.

 يمكن للأطراف الاتفاق على تعيين محكم وحيد أو عدة محكمين . كما هو الحال لتعيين موضوع النزاع، فإن المادة 1012 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية استلزمت تعيين أسماء المحكم أو المحكمين تحت طائلة البطلان. ولكن يجب فهم هذا النص حرفيا. فالإشارة إلى اسم ولقب المحكمين ليس ضروريا، وما يطلبه القانون هو أن يعين هؤلاء المحكمين بطريقة لا تترك مجالا للشك في هويتهم. فقد يعين مثلا محكم بواسطة وظيفته أو صفته، كأن يعين الأطراف نقيب المحامين كمحكم. ويمكن للأطراف عوضا من تحديد أسماء المحكمين الاكتفاء بتحديد كيفية تعيينهم (م. 1016 ق.إ.م.إ.). ونفس القاعدة مقررة بالنسبة لشرط التحكيم (م. 1008 ق.إ.م.إ.). 

 رغم أن القانون لم ينص عن ذلك صراحة، يجب أن يكون اتفاق التحكيم مؤرخا. هذا الحل تفرضه المادة 1018من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي ألزمت المحكمين بإتمام مهمتهم في ظرف أربعة أشهر تبدأ من تاريخ تعيينهم بمعرفة أطراف العقد. فلو لم يؤرخ اتفاق التحكيم، استحال تحديد مدته لأن بدأ سريانه يبقى مبهما. لذا فإن اتفاق التحكيم الغير المؤرخ يكون باطلا، على الأقل في الرأي الذي يعتبر أن الكتابة تعد إجراء ضروري لصحة العقد.

3-1- بطلان اتفاق التحكيم

 اتفاق التحكيم قد يشوبه إذا البطلان. وهذا ما يقع أولا، إذا كان أحد المتعاقدين فاقدا لأهليته. مبدئيا وطبقا للقانون العام، لا يمكن التمسك بالبطلان إلا من طرف فاقد الأهلية أو ممثله، إما قبل التحكيم، وإما بعد انتهاء التحكيم. ويجوز للطرف الٱخر أن يتمسك بالبطلان بعد التوقيع على اتفاق التحكيم وقبل فصل المحكمين في النزاع.

وإذا أبرم وكيل اتفاق التحكيم دون حصوله على وكالة خاصة، يجوز لكلا الطرفين التمسك ببطلانه ما لم يوافق عليه الموكل. وإذا لم يصادق الموكل على اتفاق التحكيم الذي أبرمه وكيله دون إذن منه وصدر حكم التحكيم، فعلى الموكل أن يتخذ طريق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة (م. 1032 ق.إ.م.إ.).

وأخيرا، عندما يتعلق البطلان بالعقد المثبت لاتفاق التحكيم فقط، كالإغفال عن ذكر أسماء المحكمين أو عن تعيين موضوع النزاع، يكون ثمة كذلك بطلان، ولكن هذا البطلان ليس من النظام العام.

قبل الفصل في النزاع من طرف المحكمين، قد تطرأ بعض الأسباب الطارئة تنهي اتفاق التحكيم ومن ثمة مهمة المحكمين. ويكون كذلك في حالة وفاة أحد المحكمين أو رفضه القيام بمهمته أو تنحيته  أو حصول مانع له، ما لم يشترط خلاف ذلك، أو إذا اتفق أطراف العقد  على استبداله أو استبداله من قبل المحكم أو المحكمين الباقين (م. 1024 ف.1 ق.إ.م.إ.). 

ينتهي اتفاق التحكيم كذلك بانتهاء المدة المشروطة للتحكيم. فإذا لم تشترط مدة فبانتهاء مدة أربعة أشهر(م. 1024 ف.2 ق.إ.م.إ.). ينتهي أيضا اتفاق التحكيم بفقد الشيء موضوع النزاع، أو بانقضاء الدين المتنازع فيه، أو كذلك بوفاة أحد أطراف العقد (م. 1024 ف.3 و4 ق.إ.م.إ.).

المادة 1017 أوجبت تشكيل محكمة التحكيم من محكم واحد أو عدة محكمين بعدد فردي الشيء الذي يحول دون وقوع تصويت متساوي.

2- شــرط التحكيــم

شرط التحكيم هو الشرط الذي يتفق بموجبه المتعاقدون مسبقا على عرض النزاعات التي قد تنشأ بينهم على التحكيم. وخلافا لاتفاق التحكيم الذي يفترض نزاع قائم، فإن شرط التحكيم يتعلق بنزاع محتمل وذو موضوع غير محدد. عرفت المادة 1007 من قانون الإجراءات المدنيـة والإدارية شرط التحكيـم كما يلي: "شرط التحكيم هو الاتفاق الذي يلتزم بموجبه الأطراف في عقد متصل بحقوق متاحة بمفهوم المادة 1006 أعلاه، لعرض النزاعات التي قد تثار بشأن هذا العقد على التحكيم".

1-2- نطاق صحة شرط التحكيم

أجاز شرط التحكيم في كل المواد دون تمييز، على شرط فقط أن يتعلق الأمر بحقوق متاحة أي الحقوق التي يجوز التصرف فيها وأن لا يتعلق الأمر بمسائل تخص النظام العام أو حالة الأشخاص وأهليتهم (م. 1007 ق.إ.م.إ.).

2-2- الشروط الموضوعية والشكلية لشرط التحكيم

 شرط التحكيم يتضمن أساسا وعد بطلب التحكيم في المنازعات التي قد تنشأ عند تنفيذ العقد. ولكن خلافا لاتفاق التحكيم، فإن التحكيم المسبق لا يتضمن بالضرورة تعيين موضوع النزاع ولا أسماء المحكمين.المادة 1008 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية توقف  صحة شرط التحكيم على توفر شرطين:

1) يجب أن يثبت شرط التحكيم بالكتابة إما في الاتفاقية الأصلية وإما في الوثيقة التي تستند إليها.هذا الشرط يكون من شأنه نزع كل غموض في وجود شرط التحكيم.

2) يجب أن يتضمن شرط التحكيم تعيين المحكم أو المحكمين أو تحديد كيفيات تعيينهم، ومثال ذلك إشارة العقد إلى أن شرط التحكيم سيتم طبقا لاتفاقية التحكيم للمؤسسة التي أسندت لها تنظيم التحكيم.

قانون الإجراءات المدنية القديم كان ينص على أن وفاة أحد أطراف العقد لا ينهي التحكيم إذا كان ورثته راشدين وإنما يوقف فقط ميعاد التحكيم والحكم فيهللمدة اللازمة لجرد التركة واتخاذ قرار بشأنها عند الاقتضاء (م. 447 ف.2 ق.إ.م.). قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يتضمن نصا مماثلا لا في باب اتفاق التحكيم ولا في باب شرط التحكيم، فهل يعني ذلك أن وفاة أحد موقعي شرط التحكيم الذي خلف ورثة ينهي شرط التحكيم؟ نعتقد ذلك باعتبار أن المادة 1024 الفقرة 4 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تنص صراحة أن وفاة أحد أطراف العقد ينهي التحكيم.

إذا لم تتوفر هذه الشروط يصبح شرط التحكيم باطلا، ولكن هذا البطلان لا يمتد مبدئيا إلىالعقد الذي تضمن شرط التحكيم المشوب بالبطلان.

3-2- آثار شرط التحكيم

1-3-2- عدم اختصاص المحاكم العادية

المنازعات التي تنشأ عن الاتفاق المتضمن شرط التحكيم تنزع من اختصاص المحاكم العادية. فإذا كلف أحد الأطراف الطرف الٱخر بالحضور أمام المحكمة العادية، يجوز للمدعى عليه الدفع بعدم الاختصاص وتلزم المحكمة بقبوله. وعدم الاختصاص هذا يعد نسبيا فقط. لا يمكن التمسك به إلا من طرف المدعى عليه كما يجب إبداؤه قبل أي دفع أو دفاع ٱخر. ومن جهتها لا يجوز للمحكمة أن تقضي بعدم الاختصاص من تلقاء نفسها. هذه الحلول تستنتج من الطابع الاتفاقي لشرط التحكيم. هذه القواعد التقليدية نص عليها قانون الإجراءات المدنية والإدارية في الماد 1045 المتعلقة بالتحكيم التجاري الدولي: "يكون القاضي غير مختص بالفصل في موضوع النزاع، إذا كانت الخصومة التحكيمية قائمة، وإذا تبين له وجود اتفاقية تحكيم، على أن تثار من أحد الأطراف". يجيز الفقه اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة رغم وجود شرط التحكيم، وذلك في حالة الاستعجال.

يمكن للأطراف التنازل صراحة على اتفاق التحكيم والرجوع إلى اختصاص محاكم الدولة. يمكنهم كذلك التنازل على اتفاق التحكيم ضمنيا، كأن يقبل المدعى عليه الخصومة أمام المحكمة العادية عندما لا يتمسك بعدم الاختصاص قبل أي دفع أو دفاع أخر .

2-3-2- وجوب طلب التحكيم

شرط التحكيم ينتج أثر ثان: يلزم المتعاقدين بطلب التحكيم. ما هو مدى هذا الالتزام؟ ما هو جزاؤه؟ بالنسبة لمدى الالتزام، فإن المبدأ هو أن الأطراف يكونوا ملزمين، في حالة النزاع، باتخاذ الإجراءات اللازمة لتشكيل هيئة التحكيم وضمان سيرها. يجب عليهم إبرام اتفاق التحكيم حسب الشروط الموضوعية والشكلية المنصوص عليها في قانون الإجراءات، أي متضمنا تعيين موضوعات النزاع وأسماء المحكمين. إذا عين المتعاقدين المحكمين مسبقا، يكفي نقل هذا التعيين في اتفاق التحكيم مع تعيين موضوع النزاع.

إذا افترضنا أن أحد المتعاقدين رفض تنفيذ الالتزام بطلب التحكيم، فما هو جزاء خرق العقد؟ بعد التردد الذي كان سائدا في التشريع القديم الذي لم يتطرق صراحة لهذه الإشكالية، فإن المشرع الجزائري حسم الوضع وأسند للقاضي سلطة تعيين المحكمين مقام الأطراف. فطبقا للمادة 1009 الفقرة 1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: "إذا اعترضت صعوبة تشكيل محكمة التحكيم،بفعل أحد الأطراف أو بمناسبة تنفيذ إجراءات تعيين المحكم أو المحكمين، يعين المحكم أو المحكمين من قبل رئيس المحكمة  الواقع في دائرة اختصاصها محل إبرام العقد أو محل تنفيذه ". وإذا  اعتبر رئيس المحكمة أن شرط التحكيم باطل أو غير كاف لتشكيل محكمة التحكيم، فإنه يعاين ذلك ويصرح بألاوجه للتعيين (م. 1009 ف.2 ق.إ.م.إ.).

3-3-2- آثار شرط التحكيم على الغير

 (م. 1024-4 ق.إ.م.إ.) تنص على أن وفاة أحد أطراف العقد ينهي التحكيم.

لا يمكن الاحتجاج بشرط التحكيم على الغير. لا يمكن للأطراف تكليف الغير، الذي لم يشار إليه لا في شرط التحكيم ولا في اتفاق التحكيم، أمام هيئة التحكيم. وحتى في حالة عدم القابلية للتجزئة، أو تعدد المدعى عليهم، وكان واحد منهم على الأقل غير مرتبط بشرط التحكيم، لا يجوز للمدعي تكليفهم كلهم أمام المحكمة الرسمية.

3- تنظيـم هيئـة التحكيـم

1-3-إجراءات تعيين المحكمين

1-1-3- الشروط التي يجب أن تتوفر في المحكم

 هناك من يرى أن المحكم شخص يربطه بالأطراف عقد وكالة. ويستنتج من هذا أن كل شخص مؤهل ليكون وكيلا، يمكنه كذلك أن يكون محكما. وفي هذا الرأي، يجوز للقصر وللأجانب أن يكونوا محكمين لأنه يمكن تعيينهم كوكلاء.

ولكن أغلبية الشراح لم يأخذوا بهذا الرأي، ويرون أنه يوجد فرق كبير بين المحكم والوكيل. فالوكيل يتصرف في مصلحة موكله دون سواه، وأما المحكم، فإنه قاضي يلزم الأطراف بالقرار الذي يصدره. المحكم يتمتع بسلطة شخصية ومستقلة. هل يعني هذا أن المحكم قاضي حقيقي يتمتع بكل السلطات المتصلة بهذه الوظيفة؟ كونه ليس موظفا عموميا دائما، فإن قراره ينفذ بموجب أمر صادر عن رئيس المحكمة. لا يعني هذا أن المحكم لا يباشر وظيفة شبه عمومية. هناك موظفون عموميون لا توجد تحت تصرفهم الصيغة التنفيذية، ورغم ذلك فإنهم يحررون عقود لها قوة ثبوتية ألى حين معاينة تزويرها. وهذه هي بالضبط حالة المحكم: لا يمكنه وضع الصيغة التنفيذية على قراراته، ومع ذلك تعتبر هذه القرارات حجة حتى يثبت تزويرها. فحكمه يعد عقدا رسميا، بغض النظر عن تدخل رئيس المحكمة. من جهة أخرى يمكن للمحكم، كما هو الشأن بالنسبة للقاضي، أن يأمر بأي إجراء من إجراءات التحقيق تكون نافذة بأمر يصدره رئيس الجهة القضائية (م.1020 ف.4 و 1035 ق.إ.م.إ.). وأخيرا، فإن أحكام المحكم تحوز سلطة الشيء المقضي فيه. يستخلص مما سبق أن المحكم يمارس وظيفة شبه عمومية.

المسألة التي سبق عرضها لها فائدة بالنسبة لتحديد الأهلية الواجبة لأداء وظائف المحكم. فلو كان هذا الأخير وكيلا فقط، يجوز إسناد التحكيم لأجنبي مثلا. ولكن هل يصح ذلك إذا اعترفنا للمحكم الطابع العمومي؟ ألا يجب أن يتمتع المحكم بالحقوق السياسية؟ المسألة قسمت الفقهاء، ولكن الرأي الغالب يجيب على السؤال بالسلب. فيما أنه يجوز تكليف أجنبي أو قاصر بمصلحة عمومية، ليس ثمة ما يحول دون تكليفهما بمهمة محكم. ولكن قانون الإجراءات المدنية والإدارية فصل المسألة حينما نص بأنه لا تسند مهمة التحكيم إلا للشخص الطبيعي الذي يتمتع بحقوقه المدنية وهذا ما يستثني القصر والأجانب

 تتطرق قانون الإجراءات المدنية والإدارية بإسهاب للشروط التي يجب أن تتوفر في المحكم. تسند مهمة التحكيم لشخص طبيعي، ولكن يجوز تكليف شخص معنوي بمهمة التحكيم ولكن في هذه الحالة يتولى هذا الأخير تعيين عضو أو أكثر من أعضائه بصفة محكم (م.1014 ق.إ.م.إ.). إذا كلف شخص طبيعي بمهمة التحكيم يجب أن يكون هذا الأخير متمتعا بحقوقه المدنية (م.1014ف.1 ق.إ.م.إ.). هذا النص يمنع إذا تكليف القاصر أو الأجنبي بمهمة التحكيم كون التمتع بالحقوق المدنية يفترض بلوغ سن الرشد وكذا حق التصويت أو الترشح. إذا علم المحكم أنه قابل للرد فإنه يجب عليه إخبار الأطراف بذلك، ولا يجوز له  القيام بالمهمة إلا بعد موافقتهم ( م.1015 ف. 2 ق.إ.م.إ.)، كما لا يجوز له التخلي عن المهمة إذا شرع فيها (م.1021 ف.1 ق.إ.م.إ.).

خلافا لقضاة المحاكم الرسمية، فإن المحكم يحوز وظائفه من الأطراف. العلاقة بين المحكم وأطراف النزاع ترتكز على أساس تعاقدي: عقد التحكيم. ففي حالة إخلال المحكم بالتزاماته التعاقدية، فإنه يمكن للأطراف مساءلته عن طريق دعوى المسؤولية. وكما هو الشأن في مجال مسؤولية القانون العام، يجب على الطرف الذي يريد مقاضاة المحكم للحكم عليه بالتعويض أن يثبت قيام الضرر والخطأ الشخصي. قضت محكمة النقض الفرنسية أن ترك المحكمين فوات أجل التحكيم دون تقديم طلب تمديده إلى القاضي، الشيء الذي نتج عنه إبطال حكم التحكيم، يعتبر خطأ منشئا لمسؤولية المحكم.

2-1-3-عدد المحكمين

يجوز للأطراف، في العقد المثبت لاتفاق التحكيم، تعيين عدد المحكمين الذين يروناه مناسبا. القانون يترك للمتعاقدين الحرية الكاملة لتعيين محكم أو عدة محكمين ولكن على شرط أن يكون العدد فرديا (م.1017 ق.إ.م.إ.). وعمليا، يعين عدد من المحكمين بمثل عدد الأطراف ذوي المصالح المتباينة. غالبا ما يقوم كل طرف على حدا بتعيين محكم، ولكن المحكم المعين بهذه الطريقة يخضع لاعتماد الطرف الٱخر، لأنه من الضروري أن يحوز المحكمين سلطاتهم من كل الأطراف.

3-1-3- قبول المحكم

يمكن للشخص الذي عينه المتعاقدين أن يقبل بالمهمة المكلف بها، مع أنه غير ملزم بذلك. و حتى بعد قبوله للمهمة، يمكن للمحكم أن يتنحى (م.1021 ف.1 ق.إ.م.إ.).، أي أن يرفض بأن يكون محكما، على شرط أن لا يكون قد بدأ مهمته. فلو بدأ مهمته، يكون من حق الأطراف أن يطلبوا منه التعويضات الناتجة عن الأضرار التي سببها لهم بتوقفه.

2-3-  إنهاء مهام المحكمين بإرادة المتعاقدين

1-2-3-  عزل المحكمين

يجوز للأطراف، باتفاق مشترك، عزل المحكمين الذين عينوهم، ولا يخضع هذا العزل لأي شكل. وقد يكون العزل صريحا أو ضمنيا، ولكن يجب أن ينتج عن اتفاق جميع الأطراف (م.1018 ف.3 ق.إ.م.إ.). ويكون ثمة عزل ضمني إذا رفع الأطراف النزاع أمام محكمة عادية، أو عينوا محكمين آخرين.

2-2-3- رد المحكمين

يجوز رد المحكمين، ولكن فقط إذا طرأ سبب من أسباب الرد بعد تعيينهم (م.1021 ف.1 ق.إ.م.إ.). إذا طرأ هذا السبب قبل اتفاق التحكيم، يعتبر أن الطرف قد تنازل عن التمسك به باشتراكه في تعيين المحكمين. خلافا لقانون الإجراءات المدنية القديم، فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية نص عن أسباب الرد. فحسب المادة 1016 يجوز رد المحكم في الحالات الآتية:

1)عندما لا تتوفر فيه المؤهلات المتفق عليها بين الأطراف،

2)عندما يوجد سبب رد منصوص عليه في نظام التحكيم الموافق عليه من قبل الأطراف،

3) عندما تتبين من الظروف شبهة مشروعة في استقلاليته،لا سيما بسبب وجود مصلحة أو علاقة اقتصادية أو عائلية مع أحد الأطراف مباشرة أو عن طريق وسيط.

ولا يجوز طلب رد المحكم من الطرف الذي كان قد عينه، أو شارك في تعيينه، إلا لسبب علم به بعد التعيين (م.1016 ف.2 ق.إ.م.إ.). وإذا تم الرد فإنه يجب تبليغ محكمة التحكيم والطرف الٱخر بسبب الرد (م.1016 ف.3 ق.إ.م.إ.). قد يقع أن ينشأ نزاع حول رد المحكم، ففي هذه الحالة، إذا لم يتضمن نظام التحكيم كيفية تسوية النزاع أو لم يسع الأطراف لتسوية إجراءات الرد، فإنه يرجع للقاضي الفصل في ذلك بأمر غير قابل لأي طعن بناء على طلب من يهمه التعجيل (م.1016 ف.4 و 5 ق.إ.م.إ.). وإذا علم المحكم أنه قابل للرد، يجب عليه إخبار الأطراف بذلك، ويمنع عليه القيام بالمهمة إلا بعد موافقتهم (م.1015 ف.2 ق.إ.م.إ.).

3-3- مجال تدخل قاضي الجهة القضائية الرسمية

1-3-3- الحالات التي يتدخل فيها القاضي

قد تطرأ إشكالات أو صعوبات سواء في مرحلة تشكيل محكمة التحكيم، أو أثناء التحكيم. فإذا لم يتفق الأطراف على حل هذه الإشكالات، فإنه يلجأ إلى القاضي ليتخذ قرارا بشأنها. قلنا أن شرط التحكيم يجب أن يتضمن تعيين المحكم أو المحكمين أو تحديد كيفيات تعيينهم (م.1008ف.2 ق.إ.م.إ.). ولكن قد يقع أن يرفض أحد الأطراف، بعد نشوء النزاع، تعيين المحكم أو المحكمين، ففي هذه الحالة يرجع لرئيس المحكمة إجراء هذا التعيين. ونفس الإجراء يتبع إذا طرأ الإشكال بمناسبة تنفيذ إجراءات تعيين المحكم أو المحكمين (م.1009 ف.1 ق.إ.م.إ.). وإذا كان شرط التحكيم باطلا أو غير كاف لتشكيل محكمة التحكيم، فإن رئيس المحكمة يعاين ذلك ويصرح بألاوجه للتعيين (م.1009 ف.2 ق.إ.م.إ.).

هذه القواعد التي أقرتها المادة 1009 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وردت في الباب المتعلق بشرط التحكيم ولكن في نظرنا لا يمنع تمديدها لاتفاق التحكيم. يلجأ كذلك إلى رئيس المحكمة الذي يفصل في الصعوبة في حالة رفض المحكم المعين القيام بالمهمة المسندة إليه إذ يمكنه حينئذ استبداله بغيره (م.1012 ف.3 ق.إ.م.إ.).

في مجال رد المحكم، فإذا وقع نزاع أي إذا لم يتضمن نظام التحكيم كيفية تسويته، أو لم يسع الأطراف لتسوية إجراءات الرد، فإن القاضي هو الذي يفصل في هذا النزاع بناء على طلب من يهمه التعجيل (م.1016 ق.إ.م.إ.). يرجع كذلك لرئيس المحكمة  تمديد الأجل المحدد لإنهاء اتفاق التحكيم في حالة عدم موافقة الأطراف على ذلك (م.1018 ف.2 ق.إ.م.إ.).

2-3-3- القاضي المختص في تسوية العوارض والإجراءات

قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم ينص على قاعدة عامة تحدد من هو القاضي المختص نوعيا للفصل في الإشكالات والصعوبات التي قد تطرأ أثناء التحكيم، ولكنه تطرق لهذه المسألة في نصوص مبعثرة، غير أنها كلها تشير إلى اختصاص رئيس المحكمة (م.1009،1012،1017 ق.إ.م.إ.)، مع أنه ورد نصا فريدا يشير إلى اختصاص القاضي (م.1016 ف. 4 ق.إ.م.إ.). النص الذي يتكلم عن القاضي هو نصا منعزلا، ولذلك فإن رئيس المحكمة يكون هو المختص وحده للفصل في إشكالات التحكيم.

المادة 1009 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تنص عن اختصاصين إقليميين إذا تعلق الأمر بصعوبة تخص تشكيل محكمة التحكيم، أو تخص تنفيذ إجراءات تعيين المحكمين. في هذه الحالات، فإن رئيس المحكمة المختص هو رئيس المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها مكان إبرام العقد أو مكان تنفيذه. هذه القاعدة وردت في القسم الأول الخاص بشرط التحكيم،فهل تمدد للصعوبات الناشئة عن اتفاق التحكيم؟ النصوص الأخرى التي تشير إلى تدخل رئيس المحكمة تنص فقط على أن الإشكال أو الصعوبة يرفع إلى رئيس المحكمة المختص، ومع ذلك نعتقد أن قاعدة المادة 1009 تطبق في كل الحالات سواء تعلق الأمر بإشكال ناتج عن شرط التحكيم أو عن اتفاق التحكيم.

القاضي المختص إذا لتسوية أي إشكال قد يطرأ أثناء التحكيم هو رئيس المحكمة. الأصل أن رئيس المحكمة يفصل في الطلبات المرفوعة إليه إما عن طريق أوامر على ذيل العريضة أي أوامر ولائية لا تستوجب حضور الخصم، وإما عن طريق أوامر استعجالية تستلزم تكليف الخصم بالحضور. فهل يرفع طلب تسوية الإشكال المتصل بإجراءات التحكيم إلى رئيس المحكمة عن طريق عريضة ليفصل فيه بأمر ولائي، أم يقدم له الطلب بصفته قاضي الأمور المستعجلة ؟ قانون الإجراءات المدنية القديم كان واضحا إذ أسند الاختصاص إلى رئيس الجهة القضائية الذي "يصدر أمره على عريضة تقدم له" أي بموجب أمر على العريضة وليس بأمر استعجالي (م.444 ف. 4 ق.إ.م.).

قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لم يفصل في المسألة بصفة قطعية ومع ذلك فإنه نص على أن القرار يتخذ من طرف رئيس المحكمة بموجب "أمر" (م.1012 ف. 3 ق.إ.م.إ.)، وأن القاضي يفصل "بأمر بناء على طلب من يهمه التعجيل" (م.1016 ف. 4 ق.إ.م.إ.). هذا وأن لمادة 1016 تنص كذلك أنه في حالة نزاع حول رد المحكم  فإن الأمر الذي يصدره القاضي يكون غير قابلا لأي طعن.كل هذا يوحي بأن رئيس المحكمة يفصل في الإشكالات التي قد تطرأ أثناء التحكيم  بموجب أمر على العريضة وليس عن طريق الاستعجال. يرفع الإشكال في تنفيذ إجراءات التحكيم إلى رئيس المحكمة من قبل الطرف الذي يهمه التعجيل، وهذا ما أكدته المادة 1016 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

المادة 1016 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تحدد أسباب وإجراءات رد المحكم تنص صراحة أن الأمر الصادر في النزاع حول إجراءات الرد يكون غير قابلا لأي طعن. هذا النص ورد في القسم الثالث المتعلق بالأحكام المشتركة، فهل يمدد لكل الأوامر التي يتخذها رئيس المحكمة في مجال التحكيم؟ نعتقد أن قاعدة المادة 1016 ليست قاعدة عامة تطبق على كل الأوامر، ولكنها تخص فقط النزاعات المتعلقة برد المحكم. أمام انعدام نص عام وصريح يمنع الطعن في الأوامر التي يصدرها رئيس المحكمة، فإنه يجب تطبيق القواعد المقررة للأوامر على العرائض في مجال الطعن والمنصوص عليها في المادة 312 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

3-3-3- عدم اختصاص المحكمة العادية في حالة وجود اتفاق التحكيم

إذا نشأ نزاع بين أطراف شرط التحكيم فقد تطرأ حالتين: الحالة الأولى هي الحالة التي يطلب فيها أحد طرفي شرط التحكيم من الطرف الٱخر تنفيذ شرط التحكيم، فهذا الأخير يرفض أو يثير إشكالا. في هذه الحالة فقد رأينا أنه يجب اللجوء إلى رئيس المحكمة الذي سيتخذ أمرا في ذلك.

الحالة الثانية وهي الحالة التي تهمنا تتمثل في لجوء أحد طرفي شرط الحكيم إلى طرح النزاع أمام المحكمة العادية خرقا للاتفاقية. فهل تكون المحكمة العادية مختصة للفصل في النزاع رغم شرط التحكيم؟ قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يتضمن نصا صريحا حول المسألة ولكن لا شك أنه يجب على الجهة القضائية العادية التصريح بعدم اختصاصها إذا رفع إليها نزاع كان محل شرط التحكيم أو اتفاق التحكيم. عدم الاختصاص هذا هو عدم اختصاص نسبي فقط لا يجب أن تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها، بل يجب أن يثار من قبل أحد أطراف عقد التحكيم.

4- الخصومـة أمـام المحكميـن

1-4- سلطات المحكمين

مبدئيا، يتمتع المحكمين بنفس السلطات التي يتمتع بها قضاة المحاكم الرسمية، ولكن فقط في الحدود التي سطرها اتفاق التحكيم. فمثلا، لا يمكن للمحكمين وضع الصيغة التنفيذية على أحكامهم، كما لا يمكنهم تطبيق المادة 12 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية المتعلق بضبط الجلسة.

يجب على المحكمين احترام حدود سلطاتهم كما تضمنها اتفاق التحكيم. لا يمكنهم الفصل في المسائل التي لم تعرض عليهم. فلو تجاوزوا سلطاتهم، يكون حكم التحكيم باطلا.

2-4- الإجراءات المتبعة أمام المحكمين

2-2-4- إجراءات الخصومة أمام المحكمين

في قانون الإجراءات المدنية والإدارية اكتفت المادة 1023 بالنص على أنه يفصل المحكمين وفقا لقواعد القانون مما يفهم منه أنه يجب على المحكمين تطبيق هذه القواعد  في كل الأحوال. وعملا بالمادة 1019 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإنه تطبق على الخصومة التحكيمية الأوضاع والآجال المقررة أمام الجهات القضائية ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.

ولكن قاعدة المادة 1019 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تطرأ عليها استثناءات يستنتج بعضها من القانون نفسه، والبعض الٱخر من الطابع الخاص للتحكيم. فالتكليف بالحضور غير ضروري إذا اتفق الأطراف على شكل ٱخر. يحضر الأطراف أمام المحكمين بأنفسهم أو بواسطة وكلائهم. ولا مجال هنا لقيد القضية، أو التحقيق والفصل فيها في جلسة علنية. بالنسبة لتقديم وسائل الدفاع والمستندات، قرر القانون نظاما خاصا (م.1022 ق.إ.م.إ.): يلزم كل طرف بأن يقدم دفاعه ومستنداته قبل انقضاء أجل التحكيم بخمسة عشرة يوما على الأقل، وإذا امتنع أحد الأطراف عن تقديم وسائل دفاعه ومستنداته، يجوز للمحكمين، حسب نفس المادة، إصدار حكمهم بناء على ما قدم إليهم خلال هذا الأجل. كما هو مقرر أمام الجهات القضائية الرسمية، يجوز للأطراف أن يمثلوا أمام هيئة التحكيم من طرف وكيل أو محام. في هذه الحالة يجب أن يتضمن حكم التحكيم الإشارة إلى اسم ولقب المحامين أو من مثل أو ساعد الأطراف (م.1028-5 ق.إ.م.إ.).

يمكن للمحكمين مبدئيا الأمر بأي إجراء من إجراءات التحقيق المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية ولكن، إذا ادعي بالتزوير مدنيا في ورقة، أو إذا حصل عارض جنائي، يحيل المحكمين الأطراف إلى الجهة القضائية المختصة، ويستأنف سريان أجل التحكيم من تاريخ الحكم في المسألة العارضة (م.1021 ف. 2 ق.إ.م.إ.).أقر القانون هذه القاعدة نظرا لخطورة هذا الإجراء ولضرورة اطلاع النائب العام على القضية (م.260 ق.إ.م.إ.).

المادة 1021 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية  التي تمنع المحكمين النظر في الادعاء بالتزوير لا تشير إلى مضاهاة الخطوط. فهل يجوز إذا للمحكمين مضاهاة خطوط ورقة متنازع فيها؟ في اعتقادنا، لا يوجد أي مانع يحول دون ذلك. إن المحكمين حازوا سلطاتهم من إرادة الأطراف، ولهم مبدئيا كل السلطات لحل كل العوارض التي قد تطرأ أثناء نظرهم في النزاع، ولا يكون خلاف ذلك إلا في الحالات التي تستلزم فيها المصلحة العامة تدخل المحاكم الرسمية. فمضاهاة الخطوط لا تكتسي في تشريعنا خطورة خاصة كما هو الشأن بالنسبة للادعاء بالتزوير، فلا تستلزم تدخل النيابة العامة بقوة القانون.

بالنسبة لإجراءات التحقيق الأخرى، فإنه يقوم بها المحكمين جميعا إلا إذا كان اتفاق التحكيم قد خول لهم سلطة ندب أحدهم للقيام بها (م.1020 ق.إ.م.إ.) وكون القانون لم يخول المحكمين سلطة إلزام الأطراف بتنفيذ أحكامهم، لا يجوز تنفيذ الأحكام التحضيرية الصادرة منهم إلا بأمر يصدره رئيس الجهة القضائية (م.1035 ق.إ.م.إ.). يمكن إذا للمحكمين الأمر بسماع الشهود، أو الأمر بإجراء خبرة، أو الانتقال للمعاينة، أو توجيه اليمين.

قد تطرأ أمام المحكمين نفس العوارض التي تنشأ أمام المحاكم. يجوز مثلا للأطراف التمسك أمام المحكمين بالبطلان لعيب في الشكل، كما يمكن للمحكمين الفصل في اختصاصهم إذا أثيرت هذه المسألة أمامهم.و إما الدفع بتدخل الضامن، فإنه يكون مبدئيا غير مقبول، لأنه لا يمكن إلزام الضامن بقبول محكمين لم يشارك في تعيينهم.

بالنسبة للعوارض الموضوعية، يجوز بدون شك للمحكمين النظر في الطلبات الإضافية التي تكون بمثابة توابع طبيعية للطلب الأصلي، كالطلبات التي ترمي إلى الحصول على تعويضات أو طلب التنفيذ المعجل (م.1037 ق.إ.م.إ.).

3-2-4- أجل اتفاق التحكيم

 يلزم القانون المحكمين بإصدار حكمهم في أجل معين. يجب أن يحدد في اتفاق التحكيم الأجل الذي يلزم فيه المحكمين بالفصل في النزاع. فلو لم يشر إلى ذلك، يبقى اتفاق التحكيم صحيحا، ولكن القانون ألزم المحكمين بإتمام مهمتهم في ظرف أربعة أشهر من تاريخ تعيينهم، أو من تاريخ إخطار محكمة التحكيم (م.1018 ف.1 ق.إ.م.إ.). و بعد انقضاء أجل الأربعة أشهر، ينتهي التحكيم وتنتهي مهمة المحكمين بقوة القانون؛ يرجع الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها سابقا ويخضعون للمحاكم الرسمية دون سواها.

 امتداد الأجل المذكور جائز باتفاق أطراف العقد (م.1018 ف.2 ق.إ.م.إ.). يكون تمديد الأجل بمثابة اتفاق على تحكيم جديد، ويجب إثباته مبدئيا ضمن نفس الأشكال التي تسري على الاتفاق الأول، أي كتابيا. ولكن قد يمدد الأجل ضمنيا ومثال ذلك حضور الأطراف أمام المحكمين أو تقديمهم مستندات. في حالة عدم موافقة الأطراف على تمديد أجل إنهاء اتفاق التحكيم، فإنه يتم التمديد وفقا لنظام التحكيم، وفي غياب ذلك، يتم من طرف رئيس المحكمة المختصة (م.1018 ف.2 ق.إ.م.إ.). ولا يجوز عزل المحكمين خلال هذا الأجل إلا باتفاق جميع الأطراف (م.1018 ف.3 ق.إ.م.إ.). قد يتوقف أجل اتفاق التحكيم لأسباب عديدة تشكل حواجز قانونية. هذا ما يقع بالخصوص إذا قرر المحكمين إحالة بعض العوارض كالادعاء بالتزوير أمام القاضي العادي. ففي هذه الحالة  يتوقف سريان أجل التحكيم ولا يستأنف إلا بعد صدور الحكم في المسألة العارضة (م.1021 ف.2 ق.إ.م.إ.).

 II - حكـــم التحكيـــم

1- كيف يصدر حكم التحكيم

 إذا عين محكم واحد لإفراغ اتفاق التحكيم، فلا داعي للمداولة ولا للتصويت. ولكن، إذا عين المتعاقدين عدة محكمين، فعلى هؤلاء المحكمين كلهم المشاركة في حكم التحكيم، وذلك تحت طائلة البطلان. ويتخذ حكم التحكيم بأغلبية الأصوات (م.1026 ق.إ.م.إ.). وتكون مداولة المحكمين سرية  على غرار ما يجري أمام الجهات القضائية الرسمية (م.1025 ق.إ.م.إ.).

ويتضمن حكم التحكيم حسب المادة 1028 البيانات الآتية:

- اسم و لقب المحكم أو المحكمين،

- تاريخ صدور الحكم،

- مكان إصداره،

- أسماء وألقاب الأطراف وموطن كل منهم وتسمية الأشخاص المعنوية ومقرها الاجتماعي،

- أسماء وألقاب المحامين أو من مثل أو ساعد الأطراف، عند الاقتضاء.

يجب كذلك حسب المادة 1027 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أن يتضمن حكم التحكيم عرضا موجزا لادعاءات الأطراف أوجه دفاعهم،كما يجب أن يكون الحكم مسببا. استعمال المادة 1027 لمصطلح "يجب" يوحي بأن هذه البيانات جوهرية يترتب على مخالفتها البطلان على غرار ما هو مقرر لبيانات أحكام المحاكم الرسمية.

ويجوز للمحكم الأمر بالنفاذ المعجل، فطبقا للمادة 1037 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: "تطبق القواعد المتعلقة بالنفاذ المعجل للأحكام على أحكام التحكيم المشمولة بالنفاذ المعجل".

2- تحرير حكم التحكيم

يجب على المحكمين لا فقط التحقيق في الدعوى حسب الأوضاع المقررة في الإجراءات، بل يكونوا ملزمين كذلك باتباع هذه الأوضاع أثناء الفصل في النزاع ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.

يجب تحرير حكم التحكيم مبدئيا في الشكل الذي تحرر فيه أحكام المحاكم الرسمية، مع أنه يوقع حكم التحكيم من طرف كل المحكمين. وإذا وجد عدة محكمين، ورفضت الأقلية التوقيع، أشار أغلبية المحكمين إلى هذا الرفض في حكمهم، ويترتب على ذلك أن ينتج الحكم أثره وكأنه وقع من جميع المحكمين (م.1029 ق.إ.م.إ.). ويفهم من نص المادة 1029 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه في حالة عدم توقيع أحد المحكمين على حكم التحكيم، ولم يشر باقي المحكمين على هذا الرفض في حكم التحكيم فإن الحكم يكون باطلا.

3- طبيعة حكم التحكيم وٱثاره

يعتبر حكم التحكيم بمثابة حكم قضائي، وينتج كامل الآثار المترتبة عن هذا الطابع باستثناء القوة التنفيذية. بصدور حكم التحكيم، تخرج الخصومة من ولاية المحكمين، فلا يمكنهم تعديل حكمهم. ولكن يمكن للمحكم تفسير الحكم الذي أصدره، أو تصحيح الأخطاء المادية و الاغفالات التي تشوبه، وذلك ضمن الشروط المقررة لتفسير وتصحيح أحكام المحاكم العادية والمنصوص عليها في المواد 285، 286 و 287 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية (م.1030 ق.إ.م.إ.). بعد صدوره، يحوز حكم التحكيم سلطة الشيء المقضى فيه، فلو رفع أحد المتعاقدين النزاع أمام جهة قضائية ما، جاز للطرف الٱخر الدفع بالشيء المقضي فيه حتى ولو لم يكن هذا الحكم ممهورا بأمر التنفيذ (م.1031 ق.إ.م.إ.).

ليس لحكم التحكيم النهائي أو الجزئي أو التحضيري قوة تنفيذية، ولكن تمنح له هذه القوة بموجب أمر يصدره رئيس المحكمة التي صدر حكم التحكيم في دائرة اختصاصها (م.1029 ف.1 ق.إ.م.إ.). عندما يقدم إلى رئيس المحكمة  طلب إصدار أمر تنفيذ حكم التحكيم، فإن القاضي لا ينظر في موضوع القضية ولكنه يراقب فقط ما إذا كان اتفاق التحكيم صحيحا وما إذا احترمت الإجراءات وكذا ما إذا احترم المحكم صلاحياته. إذا عاين رئيس المحكمة أن حكم التحكيم خالف شرط من الشروط الجوهرية المقررة لصحته، أو تضمن بطلانا من النظام العام كأن يكون حكم التحكيم غير موقع أو فصل في مادة يمنع فيها التحكيم، فإن رئيس المحكمة يرفض أمر التنفيذ. وفي هذه الحالة يمكن فقط لمن يهمه الأمر رفع استئناف في الأمر القاضي برفض التنفيذ (م.1035ق.إ.م.إ.) .

وحتى يتسنى إصدار أمر التنفيذ، فإن أصل حكم التحكيم يودع في أمانة ضبط المحكمة من الطرف الذي يهمه التعجيل (م.1035 ف. 1ق.إ.م.إ.)، ويتحمل الأطراف نفقات إيداع العرائض والوثائق وأصل حكم  التحكيم (م.1035ف.2 ق.إ.م.إ.). يمكن للأطراف طبعا تنفيذ حكم التحكيم طوعا دون اللجوء إلى استصدار أمرا بتنفيذه من رئيس المحكمة. واستصدار أمر تنفيذ حكم التحكيم يكون ضروريا فقط في حالة مباشرة  التنفيذ الجبري ولكنه ليس شرطا لممارسة طرق الطعن. وبما أن حكم التحكيم مستقل عن أمر التنفيذ، يجوز حذف هذا الإجراء باتفاق الأطراف على شرط أن يعبروا عن ذلك صراحة. وحكم التحكيم الغير المودع بأمانة ضبط المحكمة يعد بمثابة عقد عرفي.

III-  طـرق الطعـن

قانون الإجراءات المدنية والإدارية يرتكز على الاستئناف سواء كان موجها ضد حكم التحكيم أو ضد الأمر القاضي برفض تنفيذ حكم التحكيم. التشريع الجديد منع المعارضة في حكم التحكيم، كما أنه لا يجيز الطعن بالنقض إلا في القرارات الفاصلة في الاستئناف دون غيرها.

1- طرق الطعن في حكم التحكيم

1-1- المعارضة

يكون حكم التحكيم مبدئيا قابلا لطرق الطعن الجائزة ضد الأحكام العادية، ولكن المادة 1032 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تمنع المعارضة. عدم جواز المعارضة هو منطقي ويتماشى مع طبيعة التحكيم لأن التوقيع على اتفاق التحكيم من قبل كل الأطراف يعد بمثابة حضور. وحتى وإن رفض أحد الأطراف مباشرة إجراءات التحكيم،  فإن الحكم الصادر لا يعتبر غيابيا. طريق الطعن العادي الوحيد الذي يجيزه قانون الإجراءات المدنية والإدارية هو الاستئناف.

2-1- الاستئناف

1-2-1-القاضي المختص

قانون الإجراءات المدنية والإدارية وحد قواعد الاختصاص إذ أن المجلس القضائي يكون هو المختص للنظر في استئناف حكم التحكيم بغض النظر عن نوع القضية وقيمة النزاع. والمجلس القضائي المختص إقليميا هو المجلس الذي صدر في دائرة اختصاصه حكم التحكيم (م.1033 ق.إ.م.إ.).

2-2-1-أشكال، مواعيد و آثار القرار الصادر في الاستئناف

يكون حكم التحكيم قابل للاستئناف فور صدوره، ويجب رفعه في أجل شهر واحد من تاريخ النطق به (م.1033 ق.إ.م.إ.). وطبقا للقواعد العامة فإن تنفيذ حكم التحكيم يتوقف خلال أجل الاستئناف كما يتوقف بسبب رفع الاستئناف (م.323 ف.1 ق.إ.م.إ.). ولكن يكون الأمر خلاف ذلك إذا أمر بالتنفيذ المعجل إذ في هذه الحالة  لا يكون للاستئناف أثر موقف ( م.1037 ق.إ.م.إ.).

المادة 1033 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تجيز استئناف حكم التحكيم: "ما لم يتنازل الأطراف عن حق الاستئناف في اتفاقية التحكيم". النص يتكلم عن "اتفاقية التحكيم" مما يفهم منه أن التنازل يقرره الأطراف إما في اتفاق التحكيم وإما في شرط التحكيم. المشرع إذا أجاز الأطراف التنازل عن الاستئناف حتى في شرط التحكيم، أي حتى وإن كان النزاع لم ينشأ بعد.

 يرفع الاستئناف ويفصل فيه حسب الإجراءات المطبقة أمام المجلس القضائي الفاصل في استئناف أحكام المحاكم العادية. يرفع الاستئناف إذا بموجب عريضة تودع بأمانة ضبط المجلس القضائي من طرف محام كون تمثيل الخصوم بمحام وجوبي أمام جهات الاستئناف (م.10 ق.إ.م.إ.). يجب طبعا أن تكون عريضة الاستئناف معللة أي تحتوي الأوجه التي أسس عليها الاستئناف. ويمكن في الخصومة أمام المجلس القضائي تقديم استئناف فرعي وهذا على غرار ما يجري في الحالات العادية.

لم يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية نصوصا خاصة توضح آثار القرار الذي يصدره المجلس القضائي إثر استئناف حكم التحكيم. إذا رفض الاستئناف في حكم التحكيم لعدم التأسيس، فإن الأثر الطبيعي لذلك هو منح حكم التحكيم القوة التنفيذية. ولكن إذا اعتبر المجلس القضائي أن المحكمين خالفوا القانون أو لم يطبقوه تطبيقا صحيحا، فإنه لا يكتفي بإلغاء حكم التحكيم ولكنه يتصدى ويفصل في الموضوع، وحينئذ فإن قرار المجلس يحل محل حكم التحكيم. ويجب طبعا على المجلس القضائي أن يبقى في حدود المهمة التي أسندها الأطراف للمحكمين .

3-1- اعتراض الغير الخارج عن الخصومة

تنص المادة 1038 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه لا يحتج بأحكام التحكيم تجاه الغير. ولكن إذا اعتبر شخص لم يكن طرفا في التحكيم أن حكم التحكيم سبب له ضررا أو سيسبب له ضررا، جاز له الطعن عن طريق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة (م.1032 ف.1 ق.إ.م.إ.). وخلافا لما هو مقرر في حالة استئناف حكم التحكيم، فإن  اعتراض الغير الخارج عن الخصومة يرفع لا أمام المجلس القضائي ولكن أمام المحكمة. والمحكمة المختصة اقليميا هي المحكمة المختصة قبل عرض النزاع على التحكيم (م.1032 ف.2 ق.إ.م.إ.).

4-1- الطعن بالنقض

حسب المادة 1034 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، فإن القرارات الفاصلة في استئناف أحكام  التحكيم تكون وحدها قابلة للطعن بالنقض. حكم التحكيم لا يكون إذا قابلا للطعن بالنقض، وهذا المنع منطقي لأن حكم التحكيم يكون دائما قابلا للاستئناف. ويكون الطعن بالنقض غير مقبول حتى في حالة ما إذا كان حكم التحكيم غير قابل للاستئناف بسبب تنازل الأطراف عن مباشرة هذا الطعن الأخير.

5-1- التماس إعادة النظر

قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم ينص على جواز الطعن بالتماس إعادة النظر في حكم التحكيم. فهل يعني هذا أن المشرع منع الطعن بالالتماس؟ نعتقد ذلك لأنه لو كانت نية المشرع جواز هذا الطعن لنص عليه صراحة منع التماس إعادة النظر في حكم التحكيم يتماشى مع طبيعة هذا الطعن لأنه يهدف إلى مراجعة الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي فيه (م.390 ق.إ.م.إ.)، وإما أحكام التحكيم فإنها تكون دائما قابلة للاستئناف.

2- استئناف الأمر الفاصل في طلب تنفيذ حكم التحكيم

عرضنا فيما سبق نوع الطعون الجائزة ضد حكم التحكيم نفسه. ولكن إذا بادر الأطراف إلى طلب تنفيذ حكم التحكيم والتمسوا من رئيس المحكمة إصدار أمر بذلك، فإن القانون يجيز الطعن في هذا الأمر. ويجب هنا التمييز بين الحالة التي يأمر فيها رئيس المحكمة بتنفيذ حكم التحكيم، والحالة التي يرفض فيها ذلك.

إذا أصدر رئيس المحكمة أمرا يرفض بموجبه تنفيذ حكم التحكيم، فإنه يجوز للأطراف استئناف هذا الأمر. ويجب رفع هذا الاستئناف في أجل خمسة عشر يوما من تاريخ الرفض (م.1035 ف.3 ق.إ.م.إ.). إذا اعتبر المجلس القضائي أن رئيس المحكمة أخطأ حينما رفض الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، فإنه يتصدى ويقضي بالتنفيذ. وأما إذا اعتبر أن القاضي طبق صحيح القانون حينما رفض الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، فإن المجلس القضائي يقضي بتأييد الأمر المستأنف فيه.

إذا أجاز قانون الإجراءات المدنية والإدارية الاستئناف في أمر رئيس المحكمة القاضي برفض تنفيذ حكم التحكيم، فإنه لم يتطرق للحالة التي يأمر فيها رئيس المحكمة بتنفيذ حكم التحكيم. فهل يعني ذلك أن أمر التنفيذ لا يكون قابلا للاستئناف ولا لأي طعن ٱخر؟ في غياب نص صريح، فإنه يصعب الإجابة عن هذا السؤال علما أن المشرع لم يمنع بنص صريح الطعن في أمر التنفيذ كما فعل ذلك بالنسبة لأمر تنفيذ حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر (م. 1058 ف.2 ق.إ.م.إ.) ومع ذلك يجب الملاحظة أن أمر تنفيذ حكم التحكيم  يصدره رئيس المحكمة بناء على عريضة يقدمها الطرف الذي له مصلحة في ذلك. ولكونه أمر على عريضة، فإن أمر تنفيذ حكم التحكيم  قد يخضع لطرق الطعن المقررة للأوامر على العرائض والمنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لا سيما يخضع للمادة 312 التي تنص أنه: "في حالة الاستجابة إلى الطلب فإنه يمكن الرجوع إلى القاضي الذي أصدر الأمر للتراجع عنه" علما  أن القاضي المختص في هذه الحالة هو قاضي الأمور المستعجلة.

نظام الطعن في حكم التحكيم وفي أمر التنفيذ الذي أقره قانون الإجراءات المدنية والإدارية ترك مسائل أخرى دون حل. في افتراض أن رئيس المحكمة أصدر أمر بتنفيذ حكم التحكيم ثم استأنف هذا الحكم في الأجل القانوني، فما هو أثر هذا الاستئناف على أمر التنفيذ؟ هل يلزم المجلس القضائي بالفصل في حدود الاستئناف المرفوع ضد حكم التحكيم أم أنه يجوز له الفصل في نفس الوقت في أمر التنفيذ الصادر عن رئيس المحكمة؟ لا شك أن استئناف حكم التحكيم يستتبع بالضرورة الطعن في أمر التنفيذ الصادر عن رئيس المحكمة وذلك لارتباطهما وهذا ما أقره صراحة المشرع بالنسبة لحكم التحكيم الدولي الصادر بالجزائر (م. 1058 ف.2 ق.إ.م.إ.). وإما إذا رفع استئناف في حكم التحكيم قبل صدور أمر تنفيذه، فإنه يرجع للمجلس القضائي الأمر عند الضرورة بالتنفيذ وذلك بفضل الأثر الناقل للاستئناف.

 

التحكيم التجاري الدولي

إذا كان هناك مجالا يطبق عليه التحكيم، فإنه دون شك مجال التجارة الدولية. عندما ينشأ نزاع بمناسبة عقد أبرمه تاجرين (أشخاص طبيعيين أو معنويين) يقطنان مثلا في بلدين مختلفين، فإن المتعاقد قد يتردد في طرح هذا النزاع أمام محكمة أجنبية وذلك لأسباب شتة قد تتعلق ببعد مسافة الدولة المطروح أمامها النزاع، أو بضرورة اللجوء إلى وسطاء أجانب، أو بالمصاريف الباهظة التي تستلزمها الخصومة في بلد أجنبي. لذلك قد يكون من مصلحة التجار المتعاقدين تسوية نزاعاتهم عن طريق التحكيم الذي يتسم بالسرعة والبساطة والسرية والكفاءة العالية للمحكمين.

التحكيم التجاري الدولي هو طريق بديل لحل النزاعات يتفق فيه الأطراف على عرض خلافاتهم بمناسبة تنفيذ عقد تجاري دولي على محكمة خاصة عن طريق تعيين محكم أو عدة محكمين. وهؤلاء المحكمين يصدرون حكا يسمى حكم التحكيم يفرض على المتنازعين، ويكون قابلا للتنفيذ بأمر من السلطة العمومية. وحتى يكون للتحكيم طابعا دوليا، يجب أن تتوفر فيه بعض الشروط، لا سيما أن يكون الخلاف أو النزاع متصلا بمصالح تجارية دولية، وأن يكون أحد أطرافه على الأقل شخص طبيعي أو معنوي يقطن أو له مقر في الخارج.

يجب التمييز بين التحكيم التجاري الدولي والتحكيم في القانون الدولي العام، فهذا الأخير يخص تسوية الخلافات بين الدول كالخلافات حول الحدود البرية أو البحرية، أو كذلك الخلافات التي من شأن استمرارها أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر (م.33 من ميثاق الأمم المتحدة). وهذا التحكيم يخضع أساسا لاتفاقية لاهاي المؤرخة في 18 أكتوبر 1907 الخاصة بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية.

تطرق قانون الإجراءات المدنية والإدارية إلى التحكيم التجاري الدولي في المولد من 1039 إلى 1061.سنتطرق بالتوالي إلى الأحكام الخاصة التي تسري على التحكيم التجاري الدولي (الفصل للأول)، ثم إلى تنظيمه (الفصل الثاني)، وأخيرا إلى الاعتراف بأحكام التحكيم الدولية وتنفيذها الجبري وطرق الطعن فيها (الفصل الثالث).

- الأحكام الخاصة بالتحكيم التجاري الدولي

جاء في المادة 1039 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه يعد التحكيم دوليا: "التحكيم الذي يخص النزاعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية لدولتين على الأقل". هذا التعريف يختلف عن التعريف الذي ورد في المادة 458 مكرر من قانون الإجراءات المدنية القديم التي هذا نصها: "يعتبر دوليا... التحكيم الذي يفض النزاعات المتعلقة بالمصالح التجارية الدولية والذي يكون فيه مقر أو موطن أحد الطرفين على الأقل في الخارج". تكييف التحكيم هل هو دوليا أم داخليا لا يتوقف على إرادة الأطراف، ولكن يحدد بطابع العلاقات الاقتصادية التي كانت مصدر النزاع.

المعيار الذي أقره قانون الإجراءات المدنية والإدارية يثير تساؤلات من حيث الدافع الذي جعل المشرع يتخلى عن المعيار القديم الذي يؤدي في نظرنا المعنى الصحيح للتحكيم التجاري الدولي رغم تضييق مجال تطبيقه. حتى وإن ذهب البعض إلى أن الدافع من الصيغة الجديدة هو توسيع معيار التحكيم التجاري الدولي، وهذا صحيح بالنظر إلى الأحكام الأخرى التي تضمنها قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإنه كان من المستحسن إقرار المعيار الحديث أي المعيار الاقتصادي المحض دون ربطه بأي قيد. وأما الإشارة إلى "النزاعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية لدولتين" ففضلا على أنها عبارة لها طابع قانوني وسياسي أكثر منها اقتصادي، فإنها قد تفسر على أن الأمر يتعلق بالنزاعات الاقتصادية بين دولتين مباشرة، مع العلم أنه من وجهة القانون الدقيق يجب التمييز بين الدولة كهيكل إداري مستقل له شخصيته المعنوية وباقي الأشخاص المعنويين أو الطبيعيين الذين يمكنهم اللجوء إلى التحكيم الدولي. وقد لجأ المشرع نفسه إلى هذا التمييز عند تطرقه للاشحاص الذين يمكنهم اللجوء إلى التحكيم الداخلي إذ نص في المادة 1006 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه لا يجوز للأشخاص المعنويين العامة أن تطلب التحكيم ما عدا في علاقاتها الاقتصادية الدولية. هذا وأن مصطلح "اقتصادي" قد يقصي العمليات المالية كتحويل النقود أو العملات الصعبة عبر الحدود والتي أصبحت تأخذ أهمية بالغة في الاقتصاد الحديث.

ومع ذلك يجب قراءة المادة 1039 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية  على ضوء باقي القواعد التي أقرها هذا القانون في مجال التحكيم الدولي، إذ أن النظام الجديد أقترب أكثر مما كان عليه سابقا من النظام الساري في الدول المتقدمة، فجاء أكثر تطابقا مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتجارة الدولية وبالتحكيم الدولي لا سيما اتفاقية نيويورك لعام 1958 المتعلقة بالاعتراف تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية. حينئذ يمكن القول أن ما قصده المشرع من "النزاعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية لدولتين" هي كل النزاعات ذات الطابع الاقتصادي أو المالي سواء أكانت هذه النزاعات تخص دولتين بهذه الصفة أم تخص أشخاص معنوية (خاصة أم عامة) أو أشخاص طبيعية منتمين لهتين الدولتين (م.1006 ق.إ.م.إ.).

لتحريك اختصاص محكمة التحكيم الدولية، لا يكفي أن يكون النزاع دوليا ومتعلقا بمصالح اقتصادية، ولكن يجب كذلك أن يكون النزاع قابلا للتحكيم. مبدئيا فإن الحقوق المالية دون الحقوق غير المالية تكون وحدها قابلة للتحكيم الدولي، وهذا منطقي لأن التحكيم يتعلق بمصالح تجارية دولية. ونصت المادة 461 من القانون المدني أنه يمنع  الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام، وهذا المنع يطبق كذلك على التحكيم الدولي. وحتى إذا تعلق الأمر بحقوق مالية فإنها قد لا تكون قابلة للتحكيم الدولي إذا كانت هذه الحقوق تدرج فيما يسمى "بالحقوق المالية الحساسة" (قانون العمل، قانون المنافسة، قانون براءات الاختراع والعلامات، قانون الإفلاس...).

1- مصادر التحكيم التجاري الدولي

مصادر التحكيم التجاري الدولي نوعان: مصادر ذات الأصل العمومي، والمصادر ذات الأصل الخاص. المصادر ذات الأصل العمومي تنقسم بدورها إلى قسمين: المصادر الداخلية المتمثلة في القوانين التي تتخذها الدولة في مجال التحكيم وبالنسبة للجزائر المواد من 1039 إلى 1061 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، والمصادر الدولية المتمثلة أساسا في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتحكيم. وقد تكون هذه الاتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف، وهي كثيرة أهمها البروتوكول الخاص بأحكام المحكمين الموقع بجينيف في 24 سبتمبر 1923، والاتفاقية الخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين الأجانب الموقعة في جينيف في 26 سبتمبر 1927، والاتفاقية الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية الموقعة في نيويورك في 10 يونيو 1958 التي وقع عليها عدد كبير من الدول من بينها الجزائر.

وإما المصادر ذات الأصل الخاص،فإنها من إنشاء الممارسين التجاريين الدوليين خارج إطار الدولة. ونذكر منها على الخصوص الاتفاقيات النموذجية للتحكيم les conventions d’arbitrage-type المحررة من طرف مراكز التحكيم، وتنظيمات مؤسسات التحكيم الدائمة règlements d’arbitrage des institutions permanentes كتنظيم المركز الدولي للتحكيم  لدى الغرفة التجارية الدولية. ومن أهم هذه المصادر كذلك القضاء التحكيمي المتمثل في أحكام التحكيم الصادرة  في النزاعات التجارية الدولية.

2- شروط صحة اتفاقية التحكيم

 يجب من حيث الشكل أن تبرم اتفاقية التحكيم كتابة أو بأي وسيلة اتصال أخرى تجيز الاثبات بالكتابة، وهذا الشرط أقرته المادة 1040 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تحت طائلة البطلان. الدافع هنا كذلك في اشتراط الكتابة هو تفادي وقوع الشك أو الغموض في وجود اتفاقية التحكيم.

وكما سبق شرحه، فإن النزاعات التي يمكن أن تكون محل تحكيم دولي هي النزاعات الاقتصادية. وهذه النزاعات حسب المادة 1040 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية قد تكون نزاعات قائمة أو مستقبلية، بمعنى أن الأمر قد يتعلق إما باتفاق التحكيم وإما بشرط التحكيم. إذا كان اتفاق التحكيم compromis يعد من قبل الأطراف الموقعين على العقد التجاري الدولي الأصلي بعد نشوء النزاع، فإن الاتفاق على التحكيم غالبا ما يدرج في العقد الأصلي في شكل شرط التحكيم clause compromissoire. وبموجب هذا الشرط، فإن الأطراف يلتزمون بعرض نزاعاتهم المحتملة والمستقبلية الناتجة عن تنفيذ أو تفسير العقد التجاري الأصلي على التحكيم الدولي. وحتى وإن أدرج في العقد الدولي، فإن شرط التحكيم يتمتع باستقلالية ذاتية ولذك أوجب القانون صراحة الشكل الكتابي.

وأما بالنسبة للشروط الموضوعية، فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية يعتبرها مجتمعة، ومن ثمة تكون اتفاقية التحكيم صحيحة، إذا كانت هذه الأخيرة مطابقة للقواعد التي يضعها القانون الذي اتفق الأطراف على اختياره أو القانون المنظم لموضوع النزاع أو القانون الذي يراه المحكم ملائما (م.1040 ف.3 ق.إ.م.إ.). القانون الجزائري يترك إذا للأطراف الحرية الكاملة لاختيار القواعد التي تخضع لها اتفاقية التحكيم آخذا بذلك بمبدأ استقلالية إرادة المتعاقدين.

بتوقيعهم على اتفاقية التحكيم فإنه يمكن للأطراف اللجوء إما للتحكيم الحر arbitrage ad hoc وإما إلى التحكيم المؤسسي arbitrage institutionnel. التحكيم الحر أو الخاص يتمثل في احتفاظ الأطراف بسلطة إنشاء وتنظيم هيئة التحكيم التي ستكلف بالفصل في النزاع، وكذا الاحتفاظ بصلاحية تحديد طرق وإجراءات التداول وتنفيذ حكم التحكيم. ويبقى التحكيم خاصا حتى ولم تم الاتفاق على تطبيق إجراءات وقواعد منظمة تحكيمية معينة ما دام أن التحكيم يتم خارج إطار هذه المنظمة. وأما التحكيم المؤسسي أو النظامي، فإنه يجري حسب الإجراءات والقواعد الخاصة بالمؤسسة التحكيمية التي يختارها الأطراف، فتصبح هذه الأخيرة هي المنظمة والمشرفة على عملية التحكيم مقابل رسوم وأتعاب محددة سلفا يدفعها لها الأطراف.

- تنظيم التحكيم الدولي

1- تعيين المحكمين

1-1- تشكيل محكمة التحكيم

 قد تتشكل محكمة التحكيم الدولية من محكم فرد أو من عدة محكمين. ولكن ونظرا لأهمية موضوعات النزاع،فإن الأطراف يفضلون عادة التشكيلة الجماعية التي تمكن كل واحد منهم من تعيين محكم.

يجب طبعا أن يكون المحكمين ذوي مؤهلات في مجال القانون المطبق على النزاع. ولتفادي تضارب المصالح يجب ألا يكون للمحكمين علاقات اقتصادية أو علاقات مصالح مباشرة أو بواسطة شخص آخر مع طرف من الأطراف.

2-1- إجراءات تعيين المحكمين

يخضع إجراء تعيين المحكمين مبدئيا إلى أطراف الاتفاقية التجارية، وهذا التعيين قد يتخذ شكلين مختلفين: فإما أن يقوم الأطراف مباشرة بتعيين المحكمين (I) و إما يلجئون لهذا الغرض إلى نظام تحكيمي (II).

1-2-1التعيين المباشر للمحكمين الدوليين

قد يتفق الأطراف في اتفاقية التحكيم أو في شرط التحكيم على تعيين محكم وحيد أو عدة محكمين. وإذا كان نظام المحكم الوحيد يخفف تكاليف التحكيم ومن شأنه الإسراع في فك النزاع مقارنة مع التشكيلة الجماعية، فإنه له مساوئ من أنه يطرح مسألة حياد المحكم وانفراده بالرأي. وأما التشكيلة الجماعية فمن محاسنها أنها تضمن اتخاذ القرار بعد تبادل الآراء بين المحكمين ومناقشة كل المسائل التي يثيرها النزاع.

المادة 1041 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تترك للأطراف الحرية الكاملة في تعيين المحكمين، كما تجيز لهم تحديد شروط تعيينهم وشروط عزلهم أو استبدالهم. يمكن إذا للأطراف تعيين المحكمين مسبقا في شرط التحكيم، كما يمكنهم طبعا أن يتفقوا في العقد التجاري نفسه على عرض النزاعات التي قد تنشأ عن التنفيذ على محكمين.

قد يقع أن ينشأ خلاف حول تشكيل أو تسيير محكمة التحكيم. في هذه الحالة فإن المادة 1041 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية حددت الإجراءات التي يجب إتباعها لحل هذا الخلاف. يجب على من يهمه التعجيل رفع الأمر إلى رئيس المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها التحكيم، إذا كان التحكيم يجري في الجزائر. وأما إذا كان يجري التحكيم في الخارج واختار الأطراف تطبيق قواعد الإجراءات المعمول بها في الجزائر، فإن الأمر يرفع لرئيس محكمة مدينة الجزائر. وفي حالة عدم تحديد الجهة القضائية المختصة في اتفاقية التحكيم فإن الاختصاص يؤول للمحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان إبرام العقد أو مكان التنفيذ (م.1042 ق.إ.م.إ.).

تدخل رئيس المحكمة المنصوص عليه في المادة1041 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية يخص فقط التحكيم الحر l’arbitrage ad hoc، أي عندما يرجع للأطراف أنفسهم تشكيل وتنظيم محكمة التحكيم. لا يجوز للقاضي التدخل إذا اختار الأطراف في اتفاقيتهم التحكيم المؤسسي أي اللجوء إلى نظام تحكيمي خاص بمؤسسة تحكيمية دائمة لتعيين المحكمين الدوليين.

2-2-1- تعيين المحكمين بالرجوع إلى نظام التحكيم

قد يتفق الأطراف المتعاقدين في الاتفاقية التجارية أو في شرط التحكيم على أن تعيين المحكمين يتم حسب نظام التحكيم الخاص المطبق من قبل مؤسسة تحكيمية دولية دائمة كنظام التحكيم للغرفة التجارية الدولية بباريس، أو المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بواشنطن أو كذلك نظام التحكيم للغرفة التجارية الفرنسية - العربية (م.1041 ق.إ.م.إ.). ومع ذلك يجوز للأطراف توظيف محكمين خارج القوائم المعدة من طرف هذه المؤسسات إذ أن هذه الأخيرة لا تبادر في تعيين المحكمين التابعين لها إلا في غياب اتفاق بين الأطراف حول هذا التعيين.

2- الخصومة التحكيمية

1-2- القانون المطبق على إجراءات التحكيم وعلى موضوع النزاع

فور رفع دعوى التحكيم أمام المحكم أو المحكمين المعينين في الاتفاقية، أو عند مباشرة إجراءات تشكيل محكمة التحكيم فنكون أمام خصومة تحكيمية. فتطرح عندئذ مسألة تحديد القانون الواجب التطبيق على الإجراءات وعلى موضوع النزاع.

1-1-2- القانون الواجب التطبيق على الإجراءات التحكيمية

عملا بالمادة 1043: "يمكن أن تضبط في اتفاقية التحكيم، الإجراءات الواجب إتباعها في الخصومة مباشرة أو استنادا على نظام تحكيم، كما يمكن إخضاع هذه الإجراءات إلى قانون الإجراءات الذي يحدده الأطراف في اتفاقية التحكيم. وإذا لم تنص الاتفاقية على ذلك، تتولى محكمة التحكيم ضبط الإجراءات، عند الحاجة، مباشرة أو استنادا إلى قانون أو نظام تحكيم". القانون الإجرائي المطبق هو إذا مبدئيا القانون الذي يختاره الأطراف، وفي غياب اتفاق بين الأطراف، فإنه يرجع لمحكمة التحكيم تحديده.

هذه القاعدة التي أقرتها المادة 1043 هي مطابقة لأحكام اتفاقية جينيف لعام 1961 واتفاقية واشنطن لعام 1965 كما أن هذا الحل أقرته أنظمة التحكيم. وحتى يستفيد حكم التحكيم بكل آثاره في البلد الذي سيمارس رقابته عليه، فإنه يجب على المحكمين الأخذ بعين الاعتبار الأحكام الإلزامية ومن النظام العام لهذا البلد.

2-1-2- القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع

إلى جانب معرفة القانون الإجرائي الذي يجب تطبيقه على الخصومة التحكيمية، فإنه تطرح كذلك مسألة معرفةالقانونالذي سيطبق على موضوع النزاع، هل هو قانون الدولة الذي يجري فيه التحكيم، أم أنه يمكن اختيار قانون أي دولة أخرى بغض النظر عن أي اعتبار؟ المادة 1050 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تشكل النص الأساسي بالنسبة للقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع إذ تنص: "تفصل محكمة التحكيم في النزاع عملا بقواعد القانون الذي اختاره الأطراف، وفي غياب هذا الاختيار تفصل حسب قواعد القانون والأعراف التي تراها ملائمة".

المشرع الجزائري لم يحصر مسألة تعيين القانون المطبق على موضوع النزاع في حدود ضيقة، ولكنه ترك للأطراف حرية تحديده. وفي غياب اتفاق بين الأطراف، فإنه يرجع لمحكمة التحكيم تعيين هذا القانون.المادة 1050 تتكلم عن "قواعد القانون"les règles de droit وليس عن "القانون" loi  وهذا يعني أنه يمكن لمحكمة التحكيم الفصل في موضوع النزاع إما بالرجوع إلى قانون دولة معينة،  وإما تطبيق قواعد وأعراف التجارة الدولية أو ما يسمي "انون التجار" la lex mercatoria. المادة 1050 تنص بصفة غير مباشرة على جواز اللجوء إلى هذا القانون الأخير في حالة غياب اتفاق الأطراف على خلاف ذلك، وهذا حينما أقرت  إمكانية الفصل في النزاع " حسب قواعد القانون والأعراف التي تراها - محكمة التحكيم  - ملائمة".

واختيار القانون الذي سيطبق على موضوع النزاع قد يدرج في اتفاقية التحكيم قبل أو بعد نشوء النزاع، وقد يكون هذا الاختيار صريحا أم ضمنيا. يجوز للأطراف اختيار قانون محايد ليس له أي علاقةموضوعية بمحل النزاع، ودون الارتباط بمبادئ القانون الدولي الخاص. ويجوز لهم كذلك الاتفاق على استبعاد تطبيق أي قانون وطني والرجوع إلى القواعد العامة للقانون أو إلى أعراف التجار الدوليين. إذا تولت محكمة التحكيم اختيار القانون المطبق على موضوع النزاع، فإنها تأخذ عادة بعين الاعتبار طبيعة وميزات العقد التجاري المبرم بين الأطراف.

2-2- الاختصاص

 قد تطرح أمام محكمة التحكيم دفوع تتعلق بالاختصاص. المادة 1044 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تطرقت صراحة لهذه المسألة، إذ تنص أن محكمة التحكيم تفصل في الاختصاص الخاص بها، وأنه يجب إثارة الدفع بعدم الاختصاص قبل أي دفاع في الموضوع. وأما الفصل في هذا الدفع فإنه يتم بموجب حكم أولي إلا إذا كان مرتبطا بموضوع النزاع (م.1044 ف.2 ق.إ.م.إ.).

بالنسبة لاختصاص كلا من محكمة التحكيم الدولية و المحكمة الرسمية وعلاقتهما، فإن المادة 1045 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تنص أنه: "يكون القاضي غير مختص بالفصل في موضوع النزاع، إذا كانت الخصومة التحكيمية قائمة، أو إذا تبين له وجود اتفاقية تحكيم على أن تثار من أحد الأطراف". يظهر من نص المادة 1045 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أن القاضي يصبح غير مختصا بالفصل في موضوع النزاع عندما تكون الخصومة التحكيمية قائمة، كما يصبح غير مختصا كذلك إذا تبين له وجود اتفاقية تحكيم.

عدم اختصاص القاضي بسبب وجود اتفاقية تحكيمليس من النظام العام، فلا يجوز للقاضي إثارته من تلقاء نفسه بل يجب على من له مصلحة إثارة هذا الدفع، وهذا ما يستنتج من المادة 1045 التي استعملت عبارة: "على أن يثار من أحد الخصوم". اشتراط إثارة الدفع بعدم الاختصاص من أحد الخصوم ليقضي به القاضي لصالح محكمة التحكيم هو مطابق للمادة 2 من اتفاقية نيويورك لعام 1958 التي تنص أنه يجب على المحكمة المطروح أمامها قضية ذات علاقة باتفاقية تحكيم أن تحيل النزاع إلى التحكيم "بطلب من أحد الفرقاء".

حتى و إن قبل القاضي الدفع بعدم الاختصاص من حيث الشكل، فيمكن أن يقضي برفضه والتمسك باختصاصه إذا تبين له مثلا أن اتفاقية التحكيم لاغيه أو باطلة أو أنها غير ملزمة أو أنه ليس في الإمكان تنفيذها وهذا ما أقرته المادة 2 من اتفاقية نيويورك لعام 1958. في حالة عدم إثارة الدفع بعدم الاختصاص، فإن الطرف يعتبر كأنه صادق على اختصاص القاضي وتنازل عن اتفاقية التحكيم.

ودور القاضي ليس دورا مهمشا في مجال التحكيم الدولي كما رأينا ذلك بالنسبة لإجراءات تشكيل محكمة التحكيم. يمكن للقاضي كذلك التدخل لاتخاذ تدابير تحفظية استعجالية أو مد يد المساعدة في مجال تقديم الأدلة أو في تنفيذ حكم التحكيم (انظر رقم 1001).

3-2-  إجراءات خصومة التحكيم

إذا لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك في اتفاقية التحكيم، فإنه يمكن لمحكمة التحكيم اتخاذ التدابير المؤقتة أو التحفظية بطلب من أحد الأطراف (م.1046 ف.1 ق.إ.م.إ.). إذا رفض الطرف المعني تنفيذ التدبير المأمور بها، فإنه يمكن لمحكمة التحكيم أن تستعين بالقاضي. والقاضي الذي يكون مختصا في هذه الحالة هو إما القاضي المعين في اتفاقية التحكيم وإما القاضي الذي يقع في دائرة اختصاصه مكان إبرام العقد أو مكان تنفيذه  (م.1042 ق.إ.م.إ.).

وإذا دعت الضرورة إلى اللجوء إلى القاضي في الحالة التي يرفض فيها الطرف المعني تنفيذ التدبير الذي أمرت به محكمة التحكيم، فإن القانون الذي يجب تطبيقه من طرف القاضي هو قانون بلد هذا القاضي (م.1046ف.2 ق.إ.م.إ.). ويمكن في كل الأحوال لمحكمة التحكيم أو للقاضي أن يخضع التدابير المؤقتة أو التحفظية لشرط تقديم الضمانات اللازمة من قبل الطرف الذي طلب هذا التدبير (م. 1046 ف.3 ق.إ.م.إ.).

قد تطرأ أثناء سير الخصومة صعوبات أو إشكالات لا يمكن لمحكمة التحكيم حلها بنفسها، ولذلك فإن المشرع أجاز القاضي مد يد المساعدة للمحكمين لحل هذه الصعوبات. ويكون تدخل القاضي في هذه الحالةبطب من المحكمين أو من الأطراف. حددت المادة 1048 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بعض الحالات التي يمكن فيها طلب المساعدة من القاضي: "إذا اقتضت الضرورة مساعدة السلطة القضائية في تقديم الأدلة أو تمديد مهمة المحكمين أو تثبيت الإجراءات أو في حالات أخرى، جاز لمحكمة التحكيم أو للأطراف بالاتفاق مع هذه الأخيرة، أو للطرف الذي يهمه التعجيل بعد الترخيص له من طرف محكمة التحكيم،أن يطلب بموجب عريضة تدخل القاضي المختص، ويطبق في هذا الشأن قانون بلد القاضي".

يرجع طبعا للأطراف تقديم طلباتهم ومستنداتهم. ومع ذلك فإن محكمة التحكيم هي التي تتولى البحث عن الأدلة بنفسها (م.1047 ق.إ.م.إ.). ويتم تقديم هذه الأدلة طبقا للقواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم موضوع النزاع. قد يعترض محكمة التحكيم صعوبات في البحث والحصول على أدلة، ففي هذه الحالة يمكنها طلب مساعدة القاضي في تقديم هذه الأدلة وهذا ما نصت عليه المادة 1048 من  قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

4-2-  حكم التحكيم الدولي

الأخيرة لإجراءات التحكيم هو صدور حكم التحكيم. يصدر حكم التحكيم من محكمة التحكيم وفق الشروط الشكلية والموضوعية المحددة في اتفاقية التحكيم. وإذا لم يحدد الأطراف هذه الشروط، فإنه تطبق القواعد العامة المطبقة على أحكام التحكيملا سيما فيما يخص شكلها وتشكيلها.

1-4-2-مفهوم حكم التحكيم وأنواعه

مفهوم "حكم التحكيم" لم يعرف تعريفا دقيقا في أغلب النصوص المتعلقة بالتحكيم التجاري الدولي.اتفاقية نيويورك لسنة 1958 تنص فقط على أن "عبارة قرارات التحكيم لا تشمل فقط القرارات التي يصدرها المحكمون المعينون للبت في القضايا الانفرادية، بل تشمل أيضا القرارات التي تصدرها هيئات التحكيم الدائمة التي يخضع لها الفرقاء". قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يعرف هو كذلك حكم التحكيم. يجب تمييز أحكام التحكيم عن العقود الأخرى لا سيما تمييزها عن الأوامر التي تصدرها محكمة التحكيم. وكما هو الشأن بالنسبة لأنواع الاحكام  العادية، فإن التكييف الخاطئ لحكم التحكيم لا يؤثر على  قابليته للطعن وأجل ممارسته.

حكم التحكيم قد يكون جزئيا أو أوليا (الحكم الفاصل في الاختصاص،القانون المطبق، صحة

العقد..) (م.1044 ق.إ.م.إ.). ويميز عادة بين أربعة أنواع من أحكام التحكيم: الحكم النهائي الذي يفصل في كل نقاط النزاع، الحكم الجزئي أو الأولي sentence partielle الذي يفصل في جزء من النزاع، الحكم

الغيابي  sentence par défautالذي يصدر في غياب الخصم أو من يمثله، وأخيرا حكم اتفاق أطراف sentence d’accord-parties الذي يعاين وقوع صلح بين الأطراف (م.1049ق.إ.م.إ.).

2-4-2-تشكيل حكم التحكيم

حكم التحكيم هو القرار الذي ينهي الخصومة ويجعل حدالطلبات الأطراف. ويسبق صدور حكم التحكيم تداول المحكمة في حالة ما كانت تشكيلتها جماعية. والمداولة تتم في سرية أي دون أن يحضرها الأطراف. ويتخذ القرار بالأغلبية. إذا لم يحدد الأطراف بصفة تعاقدية الأجل الذي يجب فيه النطق بحكم التحكيم ولم يستندوا إلى نظام تحكيمي، فإن النطق بالحكم لا يخضع في هذه الحالة لأي أجل.يمكن للأطراف طبعا تمديد مهمة المحكمين، ولكن في غياب مثل هذا الاتفاق لا يجوز للمحكمين تمديد مهمتهم بمحض إرادتهم، ولكن يجب عليهم طلب ذلك من القاضي (م.1048 ق.إ.م.إ.). وحكم التحكيم الصادر خارج الأجل المحدد في اتفاقية الأطراف يكون مشوبا بالبطلان، وهذا ما أقرته صراحة المادة 1055-1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

3-4-2- شكل حكم التحكيم

يكون حكم التحكيم مكتوبا، وهذا ما يستنتج من المادة 1052 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تنص أن حكم التحكيم الدولي يثبت بتقديم  أصله مرفقا باتفاقية التحكيم. لغة حكم التحكيم الدولي هي مبدئيا لغة البلد الذي اختار الأطراف تطبيق قانونه الإجرائي،  ما لم يتفق الأطراف على لغة معينة. عند طلب إمهار حكم التحكيم بالصيغة التنفيذية أو الطعن فيه بالبطلان، فإنه يجب ترجمته إلى لغة البلد الذي يقيم فيه القاضي المختص. ويكون حكم التحكيم مسببا تحت طائلة البطلان (م.1056-5 ق.إ.م.إ.).

يجب كذلك أن يتضمن حكم التحكيم بعض البيانات الأساسية: التاريخ لمراقبة ما إذا لم يصدر حكم التحكيم خارج الأجل المتفق عليه علما أن ذلك يشكل سبب من أسباب بطلان حكم التحكيم (م.1056-1 ق.إ.م.إ.)، التوقيع، المكان الذي صدر فيه والذي قد لا يكون مكان مقر محكمة التحكيم. ويبلغ حكم التحكيم طبعا للأطراف مباشرة أو بواسطة مؤسسة التحكيم.

4-4-2- أثار حكم التحكيم

كان المحكم، في التحكيم الداخلي،يتخلى عن النزاع بمجرد الفصل فيه (م.1030 ق.إ.م.إ.)، فإنه لا يوجد نصا مماثلا  بالنسبة للتحكيم الدولي. ومع ذلك، فإن المنطق يريد أن الاتفاقية المبرمة بين الأطراف والمحكم  تضمن هذا التخلي إلا في حالات استثنائي.

يمكن أولا، كما هو الحال بالنسبة لحكم التحكيم الداخلي، أن يكون حكم التحكيم الدولي محل تفسير بطلب من أحد الأطراف إذا تبين أن هذا الحكم غامض، وعلى شرط أن يكون هذا التفسير ضروريا لتنفيذ الحكم. يمكن كذلك لمحكمة التحكيم تصحيح منطوق حكمها إذا اتصل بهذا الحكم خطأ ماديا كأن يتعلق الأمر بتصحيح خطأ وقع في عملية حسابية محددة للتعويضات المحكوم بها. قد يقع كذلك سهو عن الفصل في أحد الطلبات، ففي هذه الحالة يمكن لمحكمة التحكيم إصدار حكم تحكيمي إضافي. ويمكن إعادة النظر في حكم التحكيم الدولي في حالة الغش كاستعمال مزور مثلا. وبمجرد صدوره يحوز حكم التحكيم سلطة الشيء المقضي فيه بالنسبة للمنازعة التي فصل فيها.

- الاعتراف بأحكام التحكيم الدولي وتنفيذها الجبري وطرق الطعن فيها

1- الاعتراف بأحكام التحكيم الدولي وتنفيذها

تكون أحكام التحكيم الدولي قابلة للتنفيذ بين الأطراف فور صدورها. إذا تعلق الأمر بحكم تحكيم صادق عليه الأطراف، فإن تنفيذه يكون طوعيا وإلا أمر بتنفيذه في إطار إجراءات التنفيذ الجبري طبقا لأحكام المادة 1051 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية. لا يمكن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، إلا إذا تم الاعتراف بها في الجزائر أي إذا أثبت من تمسك بها وجودها، وكان هذا الاعتراف غير مخالف للنظام العام الدولي (م.1051ق.إ.م.إ.). ويثبت حكم التحكيم بتقديم الأصل مرفقا باتفاقية التحكيم أو بنسخ عنها تستوفي شروط صحتها (م.1052 ق.إ.م.إ.).

إذا كانت أحكام التحكيم الدولي صادرة عن محكمة التحكيم يقع مقرها بالجزائر، فإن طلب التنفيذ الجبري هو من اختصاص رئيس المحكمة التي صدرت هذه الأحكام في دائرة اختصاصها. وأما إذا كانت صادرة عن محكمة التحكيم يقع مقرها خارج الإقليم الوطني، فإن طلب التنفيذ الجبري يقدم إلى رئيس محكمة محل التنفيذ (م.1051 ف.2 ق.إ.م.إ.).

يجب التمييز بين الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه. الاعتراف هو قبول وجود حكم التحكيم في النظام القانوني الجزائري، وأما التنفيذ فإنه ينتج من الطلب المقدم أمام المحاكم بغرض إضفاء الطابع التنفيذي لحكم التحكيم. الاعتراف لا يرمي إلى التنفيذ الجبري. مثلا قد يطلب أحد الأطراف في الجزائر الاعتراف بحكم تحكيم قضى برفض دعوى خصمه، فهذا الحكم لا يستوجب أي تدبير تنفيذي، فلا حاجة في امهراه بالصيغة التنفيذية.

المادة 1051 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تسند لرئيس المحكمة صلاحية إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم الدولي. لقد رأينا أن رئيس المحكمة  يتدخل عن طريق إصدار أوامر وهذه الأوامر نوعان: أوامر على العرائض أو أوامر استعجالية. إن النظامين مختلفين من حيث الطبيعة ومن حيث الإجراءات.الأمر على العريضة يتخذ في غياب الخصم وفي غرفة المشورة، فيما أن الأمر الاستعجالي يصدر ضمن نفس الأوضاع التي تصدر فيها الأحكام القضائية، لا سيما تصدر إثر خصومة وجاهية وفي جلسة علنية.

المادة 1051 لم توضح ما إذا  كان الأمر القاضي بتنفيذ حكم التحكيم الدولي يصدر عن رئيس المحكمة بصفته قاضي الأمور المستعجلة أم أنه يتخذ في شكل أمر على عريضة في غياب الخصم. قانون الإجراءات المدنية القديم سوى هذا الإشكال بنصه في المادة 458 مكرر20 أن قرارات المحكمين تكون قابلة للتنفيذ بموجب أمر صادر عن رئيس المحكمة "بذيل أصل القرار أو بهامشه"، أي أن الإجراء يتخذ في الأوضاع المقررة في مجال القضاء الولائي أي في غياب الخصم وهذا ما ثبتته المحكمة العليا1.  غياب نص مماثل في قانون الإجراءات المدنية والإدارية لا يعني أن المشرع أسند إجراء إمهار حكم التحكيم الدولي بالصيغة التنفيذية إلى قاضي الأمور المستعجلة، بل اعتبره دائما كإجراء يتخذ من قبل رئيس المحكمة ضمن الأوضاع المقررة في المواد الولائية، ولذلك منع أي طعن ضد الأمر القاضي بالتنفيذ (م.1058 ف.2 ق.إ.م.إ.).

حتى وإن كان الأمر القاضي بتنفيذ حكم التحكيمالدولي يتخذضمن الأوضاع المقررة للأوامر على العرائض فإن ذلك لا يعني ان رئيس المحكمة يصدر أمره دون أي مراقبة بل بالعكس فإن القاضي يكون ملزما بإجراء فحص ومراقبة على مستوى عدم تعارض حكم التحكيم الأجنبي مع النظام العامالدولي (م.1051 ف.1 ق.إ.م.إ.). والمقصود بالنظام العام الدولي هو لا فقط المسائل التي يعتبرها التشريع الجزائري أنها من النظام العام ولكن كذلك قوانين الشرطة (م.5 ق.م.) أي النصوص الإلزامية التي لا يجوز مخالفتها في اتفاقية أو في عقد.

إجراءات تقديم طلب الاعتراف أو تنفيذ حكم التحكيم الدولي، واستخراج نسخة رسمية منه ممهورة بالصيغة التنفيذية تخضعلنفس الإجراءات المطبقة على حكم التحكيم الداخلي (م.1054 ق.إ.م.إ.).

2- طرق الطعن في أحكام التحكيم الدولية

1-2-  الاستئناف

أجاز القانون الاستئناف في أمر رئيس المحكمةالقاضي برفض الاعتراف بحكم التحكيم الدولي أو برفض تنفيذه، وذلك دون أي قيد (م.1055 ق.إ.م.إ.).، وأما حكم التحكيم الدولي ذاته فإنه أخضعه لطعن خاص وهو الطعن بالبطلان. بالنسبة لأمر رئيس المحكمة القاضي بالاعتراف بحكم التحكيم الدولي أو بتنفيذه، فإنه لا يجوز استئنافه إلا في بعض الحالات الخاصة نصت عليها المادة 1056 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وهي:

- إذا فصلت محكمة التحكيم بدون اتفاقية تحكيم أو بناء على اتفاقية باطلة أو انقضاء مدة الاتفاقية،

- إذا كان تشكيل محكمة التحكيم أو تعيين المحكم الوحيد مخالفا للقانون،

- إذا فصلت محكمة التحكيم بما يخالف المهمة المسندة إليها،

- إذا لم يراعى مبدأ الوجاهية،

- إذا لم تسبب محكمة التحكيم حكمها، أو إذا وجد تناقض في الأسباب،

- إذا كان حكم التحكيم مخالف للنظام العام الدولي.

يجب رفع الاستئناف في أمر رئيس المحكمة في أجل شهر من تاريخ التبليغ الرسمي، ويقدم أمام المجلس القضائي الذي يتبعه القاضي الذي فصل في طلب الاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه (م.1057 ق.إ.م.إ.). يوقف تقديم الاستئناف وأجل ممارسته تنفيذ حكم التحكيم (م.1060 ق.إ.م.إ.). ويكون قابلا للطعن بالنقض القرار الصادر من المجلس القضائي إثر الاستئناف في أمر رئيس المحكمة (م.1061 ق.إ.م.إ.).

2-2- الطعن بالبطلان في حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر

يمكن أن يكون حكم التحكيم الصادر في الجزائر محل طعن بالبطلان، في نفس الحالات التي يجوز فيها الاستئناف في أمر رئيس المحكمة القاضي بالاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه والتي سبق ذكرها (م.1058 ف.1 ق.إ.م.إ.). يجب أن يتعلق الأمر بحكم تحكيم صادر في الجزائر، وأما حكم التحكيم الدولي الصادر في الخارج فإنه لا يجوز الطعن فيه أمام جهة قضائية جزائرية، ويمكن فقط عند الاقتضاء الطعن في أمر رئيس المحكمة الفاصل في طلب تنفيذه أو الاعتراف به، وذلك عن طريق الاستئناف.

أمر رئيس المحكمة القاضي بتنفيذ حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر لا يكون قابلا لأي طعن، غير أنه إذا رفع طعن بالبطلان ضد هذا الحكم فإن هذا الطعن يرتب بقوة القانون الطعن في أمر التنفيذ، وإذا لم يفصل بعد رئيس المحكمة في طلب التنفيذ، فإنه يجب عليه التخلي عن الفصل فيه (م.1058 ف.2 ق.إ.م.إ.).

يرفع الطعن بالبطلان في حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر أمام المجلس القضائي الذي صدر حكم التحكيم في دائرة اختصاصه، ويكون هذا الطعن مقبولا ابتداء من تاريخ النطق بحكم التحكيم، غير أنه يصبح الطعن غير مقبولا بعد أجل شهر من تاريخ التبليغ الرسمي للأمر القاضي بالتنفيذ (م.1059 ق.إ.م.إ.).

ويوقف تقديم الطعن بالبطلان وأجل ممارسته تنفيذ حكم التحكيم. وأما القرار الصادر من المجلس القضائي إثر هذا الطعن، فإنه يكون قابلا للطعن بالنقض أمام المحكمة العليا (م.1061 ق.إ.م.إ.).

 

 

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0