فلا شك إذن أن نظام إحداث هيئات
للتحقيق بالأحداث هو نظام جد متطور، حرص من خلالها المشرع على مواكبة الاتفاقيات الدولية الصادرة بشان الطفولة بصفة عامة ، وانسجاما مع مبادئ الأمم المتحدة لمنع جنوح الأحداث إستنادا لقرار الجمعية العامة عدد 45/133 المؤرخ في دجنبر 1990، وهكذا إذا تبين للنيابة العامة أن الجريمة المرتكبة من طرف
الأحداث تستلزم إجراء تحقيق، فإنها تحيل الملف على قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث بصفته قاضيا لتحقيق، وتطبق في هذه الحالة المسطرة المقررة في القسم الثالث من الكتاب الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي ، مع مراعاة المقتضيات المنصوص عليها في الكتاب الثالث من هذا القانون المتعلق بالأحداث حسب ما
تقضي بذلك المادة 470ق م ج.
غير أنه بمراجعة المادة 467 ق م ج نجدها تنص على انه " يعين قاضي أو أكثر من بين قضاة المحكمة الابتدائية للقيام بمهام قاضي الأحداث لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد بموجب قرار الوزير العدل بناءا على اقتراح من رئيس المحكمة الابتدائية وكذلك بالاطلاع على مقتضيات المادة 485 ق م ج فإنها تنص على أنه " يعين
بقرار لوزير العدل في كل محكمة استئناف مستشار أو أكثر للقيام بمهام مستشار مكلف بالأحداث لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد ، ويعفى من مهامه بنفس الكيفية ..."
فالمستفاد من هذين المادتين أنه يمكن تصور تعيين قاضي واحد بمحكمة ابتدائية أو استئنافية ، الأمر الذي يطرح إشكالا من الناحية العملية ، ذلك أنه في أغلب المحاكم يتم تعيين قاضي واحد مكلف بالأحداث يقوم بجميع مهام المتعلقة بالتحقيق، كما يترأس الجلسة فردية كانت أو جماعية، وهذا ما يعتبر خرقا واضحا لحالات التنافي، إذ
كيف يعقل للقاضي أن إتخاذ إحدى تدابير الحراسة المؤقتة المنصوص عليها في الفصل 468 ق م ج أو إحدى تدابير الحرية المحروسة كما قام بالتحقيق الإعدادي في هده الأفعال ، ثم يصدر الحكم بشأنها.
لذلك فإننا نناشد رؤساء المحاكم إلى تعيين أكثر من قاضي واحد أو مستشار واحد مكلف بالأحداث بنفس المحكمة من أجل تفادي حالة التنافي ، قبل أن يتدخل المشرع لتعديل صياغة الفصلين 467و485 ق م ج ، والنص على ضرورة تعيين أكثر من قاضي واحد مكلف بالأحداث .
غير أن هذه الإشكالية تضاف لها صعوبة أخرى تتعلق بتدابير نظام الحراسة المؤقتة المنصوص عليها في المادة 471 ق م ج وتدابير الحماية والتهذيب الواردة في المادة 481 ق م ج حيث إنها عبارة عن مؤسسات أو أقسام أو مراكز ... لكن من الناحية العملية قد لا تتجاوز مؤسسة واحدة على مستوى الدائرة القضائية للمحكمة
، الأمر الذي يطرح إشكالا حول إيجاد الأطر الكافية والمتخصصة في مجال الطفولة والأحداث لتنفيد هذا التدبير، الأمر الذي يكون معه تفعيل هذه التدابير جد صعب أن لم نقل مستحيل في الكثير من الأحيان .