أطروحة بعنوان اتفاقية مشاريع البناء و متابعة إنجازها في التشريع الجزائري
رسائل و أطروحات في القانون الجزائري

مــــقــــدمة
لقد أصبحت الجزائر ورشة كبيرة وخاصة في العقود الأخيرة، لاسيما في مجال البناء ونظرا لما يكتسيه هذا الجانب من أهمية بالغة في الحياة الاقتصادية، فقد تدخلت الدولة بموجب المخططات الخماسية 2004-2009 و2010- 2014 إلى ضرورة تشجيع التنمية علىكافة الأصعدة والميادين، ولعل أهم هاجس أرق الدولة الجزائرية هو قطاع السكن والعمران الذي برمجت له ميزانيات ضخمة، وهذاهدف القضاء على أزمة السكن المتزايدة نتيجة ارتفاع عدد السكان وازدياد حاجاēم إلى المرافق العمومية والتجهيزات التي توفر للإنسان العيش الكريم. ناهيك على اهتمام الدولة بإنشاء مدن جديدة على غرار بوينان وبوقزول مع الحرص دائما أن تكون هذه المنشآت – سواء أكانت سكنا أوتجهيزات عمومية- ترقى إلى مصاف الجودة والنوعية، وفق مقاييس عالمية، وتحرص وزارة السكن والعمران والمدينة على أن تكون هذه السكنات موافقة لهذه المقاييس كما ونوعا، وكذا التجهيزات العمومية بما فيها المدارس والجامعات والمستشفيات والإدارات العمومية، وكل مرفق عمومي يستقبل الجمهور في نسق عمراني متجانس مع الحفاظ على المظهر الجمالي للبنايات وتناسقها. وبناء على كل ذلك أصدرت الدولة زخما متراكما من القوانين متأرجحة بين قواعد القانون الخاص والقانون العام، ً تحاول من خلالها الحصول على بنايات ومنشآت قوية وصحية وجميلة في آن واحد مع الحفاظ في المقابل على المال العام، فلطالما أنفقت الملايين من أجل الحصول على هذه المباني، ولازالت إلى يومنا هذا تسعى من خلال إصدار مجموعة من القوانين التي تضبط مجال العمران والبناء، لذا لأغت أحكام المرسوم التنفيذي 91/176 المؤرخ في 28/05/1991 المتضمن إعداد رخصة التجزئة وشهادة التقسيم ورخصة البناء وشهادة التعمير ورخصة الهدم وشهادة المطابقة وتسليم ذلك، بموجب المرسوم التنفيذي رقم 15/19 المؤرخ في 25/01/2015 المتضمن كيفيات تحضير عقود التعمير وتسليمها، وذلك لإعادة ضبط بعض المفاهيم المتعلقة بعملية البناء من الناحية القانونية مما يتوجب على العالمين في القطاع إحترامها والتقيد بجميع الشروط التي تتعلق بإدماج البناء داخل الحيز العمراني، بحيث تعتبر هذه الأخيرة القواعد العامة لعملية البناء من الناحية القانونية، كما تدخل المشرع بتعديل أحكام المرسوم التشريعي 94/07 المؤرخ في 18/05/1994 المتضمن شروط الإنتاج المعماري وممارسة مهنة المهندس المعماري من خلال المرسوم التنفيذي 15/88 المؤرخ في 11/03/2015 المتضمن التعريف بأصحاب الأعمال المعمارية للمنشآت والبنايات. مما يدل أن المشرع يولي إهتمام لعملية البناء والتعمير التي تشكل الإطار العام للعملية بالنسبة للخواص أوللدولة، وهو بذلك يرصد مبالغ ضخمة لإعداد المخططات التوجيهية للتهيئة والتعمير PDAU ،وكذا مخطط شغل الأراضيPOS وذلك تطبيقا لقواعد التعمير المنصوص عليها في القانون 90/29 المؤرخ في 01/12/1990 المتضمن قانون التهيئة والتعمير المعدل والمتمم - 2 -
ومن المعلوم أن عملية تشييد مشاريع البناء سواء تعلق الأمر بقطاع السكن أو التجهيز العمومي، ترتبط أساسا بالعالمين في القطاع أوما يعرف بالمتدخلين في عملية البناء، ذلك أن قانون البناء هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم عملية البناء والأعمال العقارية، فهو الذي يشكل الإطار القانوني للمتدخلين في العملية، ويهتم بالعقود التي يبرموللتدخل في العملية التشييدية، إذ يعتبر من قبيل القوانين المختلطة حيث يجمع بين نصوص القانون الخاص والقانون العام، وعلى هذا الأساس فإن عملية البناء تتم في ظل الإحترام الصارم للأحكام التشريعية والتنظيمية التي تضعها قوانين التعمير والبناء، فيشكل هذا الأخير الإطار العام لعملية البناء ولقد عرف الإنسان منذ القديم البناء والتشييدكظاهرة إنسانية تدل على حجم الحضارة التي تميزها عن الحضارات الأخرى، ولطالماكنت أقول عبارة مشهورة تتمثل فيكون أن العمران هو مقياس التطور والتحضر والتمدن في بلد ما، فلو وضعت في مكان مغمض العينين ثم فتحتهما لتحكم عليه لكان أول ما تراه هو البناء باعتباره مقياس تحضر الأمم وتطور شعوđا. فالتشييد كظاهرة اجتماعية لازمت الإنسان منذ خلق، حيث عرف مفهوم الصانع أو البن (Maçon Leّ (اء وهي فكرة تابعة للبناء وهو الشخص الذي يقوم بربط مواد صلبة مع بعضها البعض ليجعلها تتصل بالأرض اتصال قرار وثبات، فكانت أول مهنة دخلت في عملية التشييد هي البناء وظل الأمر كذلك إلى أن تطورت أساليب البناء والتشييد وأصبح التفريق حاصل بين البناء وشخص آخر يدعى المقاول(entrepreneur’L (فأصبح هذا الأخير من يجلب ّ هذه المواد ويوفر العمال للقيام بعملية البناء، فانفصل البن . ّاءكعالم عن المقاولكصاحب عمل وفي أواخر القرن الثامن عشر ظهر شخص آخر متميز عن هذا وذاك معروف بروحه الفنية، يرسم ويخطط المباني بشتى أنواعها بعقله الفني المتميز ويرغب في تجسيدها على أرض الواقع فانفصل المقاول والبناء عن المهندس . (L’architecte)المعماري وأول تقنين عرفه تعريفا اصطلاحيا هو تقنين جيباديت، وهو بمثابة ميثاق شرف لمهنة الهندسة المعمارية في فرنسا تماشيا مع ما تضمنه قاموس الأكاديمية الفرنسية على أنه " الفنان الذي يصمم أويرسم البنايات، ويعين لها النسب والأحجام والتقسيمات المختلفة والزخارف المناسبة ويشرف على تنفيذها تحت مسؤوليته ويسوي معارفه". كما عرفته لائحة مزاولة مهنة الهندسة المعمارية وأتعاب المهندس المعماري الفرنسية بأنه "الشخص المتميز بقدرته على التخطيط والتصميم المعماري والتطبيق الإبتكاري والتنفيذ وله إلهام تام بفن البناء، حسب ظروف بيئته ومقتضياēا، ويسهم في التعمير والتشييد في نطاق التخطيط العام، ويتمتع بالحماية القانونية التي تتطلبها مهنته".
وقد لازمت الثورة الصناعية في العالم الأوروبي ثورة في العمران، أين ظهرت أعمالا هندسية ضخمة باسم أصحاđا بحيث خلدēم كفنانين قاموا بأعمال متميزة عبر العصور، مع ما استلزم الأمر من تدخل هذه الدول في كل مرة في كيفية تدخل هذا الفنان في العمل المعماري ولاسيما في مشروعات البناء التابعة للدولة، وظهر ذلك من خلال علاقاته وع، ورب العمل سواء كان رب العمل شخصا طبيعيا أو معنويا في إطار البناء الذاتي أوفي ً مع المقاول، وصاحب المشر إطار مشروعات البناء التابعة للدولة كالسكنات بمختلف صيغها وكذلك التجهيزات العمومية على النحو الذي ذكرنا سالفا. كما تدخل المشرع الجزائري بتشجيع الترقية العقارية الخاصة منذ إصدار المرسوم التشريعي 93/03 المؤرخ في 21/03/1993 المتعلق بالنشاط العقاري، وإلغائه بموجب القانون 11/04 المؤرخ في 17/02/2011 المتعلق بالقواعد التي تنظم نشاط الترقية العقارية، حيث بدأ المهندس يتعاقد مع المرقي العقاريكصاحب مهنة يشرف على العمل فنيا وتنفيذيا. وأن عملية التدخل في العملية التشييدية من قبل هذا الفنان تأخذ شكل العقد، باعتباره يقدم عملا فنيا متميزا عن المشرع الجزائري بتنظيمه ابتداء من قواعد القانون المدني في معرض تناوله مسؤوليته التضامنية مع ً المقاول، حيث بدأ المقاول لما يحدث للبناء من ēدم كلي أو جزئي خلال العشر سنوات التي تلي التسليم النهائي، وذلك في باب أحكام عقد المقاولة، إلى أن أحاط المشرع هذا التعاقد بالقرار الوزاري المشترك المتضمن كيفية تنفيذ الإستشارة الفنية وأجر ذلك لسنة 1988 المعدل والمتمم المؤرخ في 18/05/1988 ،بالموازاة مع الأحكام المتعلقة بتنظيم مهنته وما تفرضه من واجبات عليه بموجب المرسوم التشريعي 94/07 المؤرخ في 18/05/1994 المتضمن شروط الإنتاج المعماري وممارسة مهنة المهندس المعماري المعدل والمتمم، كما اهتمت التنظيمات الداخلية للنقابات الهندسية في الجزائر بإصدار تقنين الواجبات المهنية للمهندسين المعماريين، إلى أن أخضع المشرع التعاقد مع هذا الأخير للمرسوم الرئاسي 10/236 المؤرخ في 07/10/2010 المتضمن قانون الصفقات العمومية في باب إعداد الدراسات الخاصة بإنجاز الأشغال. من هنا كان لزاما علينا كباحثين في مجال القانون، الخوض في معرفة أصول التعاقد مع المهندس المعماري باعتباره تدخل في مشاريع البناء التابعة للدولة ، والذي عرف في القوانين باسم الاستشارة الفنية في مجال البناء، و من هذا المنطلق يكون المشروع بحاجة ضرورية إلى دراسة متكالمة قبل البدء في التنفيذ بما يملكه المهندس من خبرات فنية ومهارات عملية تمكنه من إعداد الدراسة وتقديم الإستشارات وتطبيقها على أرض الواقع. ولقد استعمل المشرع الجزائري مصطلح المستشار الفني تسمية للمهندس المعماري أو مكتب الدراسات الذي يتدخل في عملية الدراسة الفنية للبناء لأول مرة من خلال القرار الوزاري المشترك المؤرخ في 18 ماي 1988 المتضمن كيفية تنفيذ الإستشارة الفنية في مجال البناء وأجر ذلك المعدل والمتمم. - 4 -
وإذا علمنا أن المشورة على حسب التعريف الذي وضعه العميدCORNU.G هي الرأي الذي يدل على ما ، والمشورة đذا التعريف تختلف عن بعض المفاهيم القانونية الأخرىكالإعلام والتحذير، فالمشورة تنطوي على (1 (يجب فعله تقديم الخبرة الفنية للغير، حتى يتمكن هذا الغير من القيام بأعماله على نحو مثالي، وهي لا تكون بطلب من هذا الغير، . (2 (كما أĔا ليست حيادية وإنما رأي يقود إلى هدف معين يقصده طالب المشورة وهذا الالتزام بالمشورة –باعتباره التزاما تابعا- يرى البعض أنه ينقسم إلى قسمين، قسم يكون فيه الالتزام بالمشورة تابعا لكنه اتفاقي، وقسم آخر يكون فيه الالتزام بالمشورة تابعا ولكنه محتم وضروري، ويظهر هذا في كثير من اجملالات، كاجملال التجاري مثل العقد المبرم بين البنك والعملاء، والعقود التي تبرم مع وكيل الأعمال وعقود الامتياز التجاري،ويظهر كذلك في نطاق التشييد، فالمعماري والمقاول كلاهما يساهم في عمليات التشييد والبناء، لذا عليهما تقديم المشورة لرب . (3 ( العمل، وهو التزام تابع ولكنه محتم وضروري ولعل أهم تنظيم قانوني في الجزائر لمهنة الهندسة أشار للمهندس المعماري المستشار هو الأمر رقم 68/12 المؤرخ في 09/02/1968 المتضمن إنشاء المكتب المركزي لدراسات الأشغال العمومية والهندسة المعمارية وتنظيم المدن وتحديد قانونه الأساسي، إذ أشارت المادة الثانية منه في فقرēا الرابعة على "أن الدراسات التي ينجزها المهندسون المعماريون المستشارون الذين يقومون بعملهم بصفة شخصية لحساب الدولة أوالهيئات العمومية أوتحت إدارēما" و هو المقصود في هذه الدراسة هوالذي يقوم بالعمل بصفة شخصية ولحساب الدولة في إطار اتفاقيات وعقود يبرمها في الأطر القانونية المحددة في الدولة، وهو المقصود في القرار الوزاري المشترك الآنف الذكر، ومن هنا تظهر أهمية المهندس المستشار بشأن التشييد من خلال الاتفاق المبرم بينه وبين المالك أوصاحب المشروع مراعيا في ذلك القواعد والأصول الفنية انطلاقا من مفهوم الاعتبار في العقد والثقة الموضوعة فيه. فقيام رب العمل بإنشاء أحد مشاريع البناء يبحث في بادئ الأمر عن أهل الخبرة وذوي الاختصاص قبل الإقدام على العمل الإنشائي، فالفكرة الأساسية نابعة عن تصور المهندس المعماري، أو مكتب الدراسات الهندسية، فخطة الإنشاء هي الخطوة الأولى، أما الخطوة الثانية فهي نقل هذا التصور، أي تنفيذه على أرض الواقع وتجسيده وهذا عمل آخر يضطلع به المهندس المعماري، ليحول بذلك أفكاره الذهنية، إلى تطبيق عملي وبالتالي يكون العملان معا محلا للتعاقد باعتباره صاحب مهنة حر ولما تحول أداؤه الذهني لواقع عملي،
فإنكان للأداء الذهني وسائل لتحصيله فإن للقانون أدواته المعنوية فإذا صلح . (1 (هذا العمل الذهني لأن يكون محلا للتعاقد، فإن القاعدة في العقود أن لها أركان تتمثل في الرضا والمحل والسبب وبجمع عنصرين هما دراسة ومتابعة المشروع في مصطلح واحد هو الاستشارة الفنية لمشروع البناء، ومن خلال أحكام المادة 10 من المرسوم التشريعي 94/07 المؤرخ في 18/05/1994 المتضمن شروط الإنتاج المعماري وممارسة مهنة المهندس المعماري المعدل والمتمم تتحدد مهامه بصفته طرفا في العقد، وبمفهوم أحكام المادة 09 يقصد بصاحب ر البناء ومتابعته، ويقصد في المقابل حسب المادة العمل كل من يتولى تصو 08 بصاحب المشروع المنتدبكل شخص ّ طبيعي أومعنوي يفوضه صاحب المشروع للقيام بإنجاز بناء أوتحويله. وعلى هذا الأساس اهتمت الدولة من خلال البرامج الخماسية للقطاعات التي تدعم من خلالها السكنات بشتى أنواعها، بحيث أصبحت الولايات تتحصل على غلاف مالي مخصص لقطاع البناء والسكن، على سبيل المثال تحصلت ولاية باتنة في إطار المخطط الخماسي 2010 - 2014 على غلاف مالي يقدر ب 50 مليار سنتيم و740 مليون دينار جزائري أي 000.5 مليار سنتيم لمواجهة مشاكل السكن وذلك بقصد إنجاز 24 لأف وحدة سكنية في مختلف الأنماط منها 800.10 وحدة في إطار السكن الإجتماعي، و000.6 وحدة سكن تساهمي و000.7 وحدة سكن ريفي بالرغم من أن الولاية استفادت في إطار المخطط السابق من 000.40 وحدة سكنية أنجز منها 000.18 وحدة ، وقد احتل قطاع السكن أولوية على قطاع الصحة (2 (سكن ريفي، و8000 تساهمي و600.5 وحدة سكن إجتماعي والتعليم بحيث خصصت الدولة 700.3 مليار دينار جزائري لقطاع السكن والعمران، بحيث فاقت هذه القيمة قيمة ما خصص لقطاع التربة والصحة، وذلك من أجل إنجاز مليوني وحدة سكن بمختلف الصيغ، بحيث تم إنجاز 000.200.1 وحدة سكن في إطار المخطط الخماسي 2010/2014 و000.800 وحدة سكن مخصصة لولايات الجنوب، وتجديد السكنات الهشة، بحيث استهلك 17 % من قيمة الميزانية لتقليص العجز في السكن على المستوى الوطني، بحيث تم إنجاز 000.500 وحدة سكن إجتماعي و000.500 وحدة سكن ترقوي و000.300 تجديد سكن هش و000.700 سكن ريفي (3) . مما يدل أن الدولة اهتمت بقطاع البناء مع ما يحتاجه هذا القطاع من متدخلين في العملية لضمان جودة هذه البنايات، في المقابل تحتاج إلى مكاتب دراسات هندسية في مستوى هذا الاهتمام، وذلك لإنجاز هذه المشاريع الضخمة.